حفيدته سارة الصراف لرووداو: أحمد سوسة يعود إلى واجهة الثقافة العراقية من خلال متحفه ببغداد

11-05-2025
معد فياض
معد فياض
A+ A-
رووداو ديجيتال

في السبعينيات عندما كنت تمر قرب هذا البيت الذي تبلغ مساحته 500 متر والمشيد عام 1937، بين الفلل الفاخرة والواسعة في شارع طه بمنطقة الوزيرية بجانب الرصافة ببغداد، المنطقة التي اخذت اسمها من الوزراء الذين كانوا يقطنونها،  وتشعر بالهدوء الذي يغلفه من الخارج، وبالتأكيد من الداخل ايضا، ربما سالت نفسك عن سكان هذا المنزل، فهو لا يبدو مسكنا لوزير او لتاجر غني..وبعد ما يقرب من 85 عام تكشف حفيدة مالكه عن خبايا بيت جدها العلامة المعروف أحمد سوسة، المولود بمدينة الحلة عام 1900، والمتوفي ببغداد عام 1982، وهو واحدا من اساطين هندسة السدود ومؤرخها والمهتم والباحث في الاثار العراقية.
 
حسب حديث حفيدته، سارة الصراف، ابنة عالية سوسة التي استشهدت بحادث تفجير مبنى الامم المتحدة قرب منطقة صدر القناة ببغداد عام 2003 ، والحاصلة على جائزة الابداع لهذا العام عن روايتها( سمعت كل شيء)، لشبكة رووداو اليوم الاحد، 11 أيار 2025 "بقي بيت جدي  مهملا لسنوات طويلة، حتى تحول الى مكب لنفايات سكان المحلة، خاصة بعد رحيل امي، وانا كنت مقيمة لاكثر من 19 عام في دولة الامارات العربية، وهذا كان يحز بنفسي، فانا رعيت الدار كأنني اسكنها منذ أن استشهدت والدتي الاكاديمية في التاريخ، عالية أحمد سوسة في 2003 وغادرتُ الدار والوطن حتى عودتي قبل اكثر من عام. وكنت بذلك أغذي الأمل في داخلي بالعيش مجددا في بيتنا الذي قضيت فيه جل عمري. كبرت وأنا أجالس الكبار من علماء وأدباء ومفكري العراق الذين كانوا يرتادون قَبول جدي في يوم الجمعة ومن بعد رحيله قبول والدتي بالرواد ذاتهم منهم من رحل ومنهم من كان يحرص على الحضور رغم كبر سنه".
 
كان حلما راود والدتها الاستاذة عالية سوسة بتحويل بيت احمد سوسة الى مركز ثقافي ومتحف يحفظ الاشياء الشخصية والبحوث والمقالات والمخطوطات القيمة والكتب العائدة لوالدها، لكن القدر لم يمهلها لتحقيق هذا الحلم.
 
امس تم الاعلان عن انجاز الحلم، حيث تم افتتاح متحف والمركز الثقافي للعلامة احمد سوسة في منطقة الوزيرية من قبل رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني الذي وجه ايضا بتخصيص جائزة باسم سوسة واقامة مؤتمر علمي عن انجازاته موجها وزارة التربية بقيام المدارس بزيارات لهذا المركز التاريخي واعتباره معلما ثقافيا سياحيا ببغداد وتخصيص زيارات له من قبل الوفود الرسمية للعاصمة العراقية. 
 
تكشف سارة الصراف عن مشروعها بتحويل الحلم الى حقيقة "  الانطلاقة جاءت بعد 19 سنة من تحمل تكاليف البيت والحارس وبعد ان تم اهمال البيت طويلا وتحول الى مكب نفايات، ولا اخفيكم باني قررت لاكثر من مرة بيعه، وفي كل مرة اتراجع عن هذا القرار الذي سينهي تاريخ بيت شهد نقاشات وسجالات ثقافية، وانه بالتاكيد سيتم تهديمه من قبل المالك الجديد، كما حصل مع بيوت تراثية بغدادية مهمة ليتحول الى مساكن صغيرة تباع باسعار عالية ". تضيف " كنت بين خيارين، اما بيعه او ان تساعدني الحكومة لتحويله الى مركز ثقافي ليعود احمد سوسة الى واجهة الثقافة البغدادية خاصة والعراقية عامة ، وكان الخيار الثاني هو الارجح". 
 
مضيفة" تواصلت مع الصديق الشاعر عارف الساعدي، المستشار الثقافي لرئيس الوزراء، وهو صديق المثقفين والحريص على الحفاظ على الموروث الثقافي والمعماري البغدادي، وقد دعم المشروع كثيرا، حتى موضوع زيار السوداني للمركز كانت من خلال التنسيق معه ".
 
تستطرد سارة الصراف قائلة: "لم تتأخر رئاسة مجلس الوزراء في التواصل معي  واخبروني بانهم سوف يساعدوني، وتم التنسيق مع السيد وديع الحنضل رئيس  رابطة المصارف الاهلية، وتولوا التكاليف، وهذا ما دفعني للاستقالة من عملي المهم في دولة الامارات وترك اولادي وبيتي واستقراري هناك، والقيام بزيارتهم شهريا.. واعتبر هذه الخطوة تضحية كبيرة بالنسبة لي ولكن ارتباطي الروحي ببغداد وببيت جدي بالذات اعادني الى مدينتي الاولى من اجل تحقيق حلم والدتي وحلمي..ثم بدات الرحلة وصار الحلم حقيقة وواقع فهنا حياتي وذاتي". منبهة الى ان:" امي، عالية سوسة، كانت هي من وضعت وخططت لاساس هذا المشروع  حيث هيات كل شيء مثل البومات الصور والوثائق والمخطوطات التي استلمتها من بعدها".
 
وتحدثت الصراف عن بيت جدها احمد سوسة قائلة: "عمر البيت 85 سنة، تم بنائه عام 1937، اي قبل زواج جدي وجدتي، ومساحتة 500 متر وقد قضموا من الارض  من هنا وهناك، وانا حاليا اسكن بجزء منه بينما تحتل موجودات المتحف كامل المساحة تقريبا اضافة الى وجود قاعات وقسم مخصص للمكتبة،  ويضم الان  الارشيف الشخصي لجدي وهو مهم جدا، وكنت قد أمنت عام 2015 المكتبة الخاصة به والتي تضم 4 الاف كتاب لدى المركز الثقافي البغدادي في شارع المتنبي لخشيتي عليها من التلف او السرقة والضياع وحشرة (الإرضة)،  وراينا انه من المناسب ان تعود مكتبة احمد سوسة اليوم الى بيته لتكون بجانب ارشيفه، وكانت تجربة تامينها ناجحة وقد حافظوا عليها كثيرا، واطلع عليها الكثير من المهتمين ".
 
واشادت سارة الصراف بخطوات السوداني، وقالت:" لقد تحدث رئيس الوزراء بما كنت افكر به واخطط له واعني اطلاق جائزة باسمه (احمد سوسة) واقامة مؤتمر علمي ونصب تمثال له وتوجيه وزارة التربية لزيارة المتحف من قبل طلبة المدارس وضمن مخططاتي اقامة ندوات وجلسات ثقافية". موضحة" هذا مركز ثقافي وسجلته هكذا.
 
عارف الساعدي: انجاز حضاري
 

 الشاعر والكاتب عارف الساعدي، المستشار الثقافي لرئيس مجلس الوزراء، والمهتم بالحفاظ على الموروث الثقافي العراقي، حيث كان قد اشرف على اعادة اعمار شارع المتنبي ومنطقة السراي الحكومي واليوم يشرف على اعادة اعمار شارع الرشيد، تحدث لشبكة رووداو اليوم، الاحد 11 آيار 2025،  عن مشروع المتحف قائلا:"متحف العلامة احمد سوسة انجاز حضاري و جاء بمبادرة قديمة من قبل ابنته عالية التي استشهدت عام 2003 وبقيت حفيدته سارة الصراف التي كانت مقيمة خارج العراق وبذات الوقت تعمل لاحياء ذكرى جدها،سوسة، وحضيت بدعم من رابطة المصارف برئاسة  وديع الحنضل، وشركة (ايرث لنك) الذين انجزوا عملا جبارا لتاهيل البيت وتصميمه كمتحف، كما دعمت وزارة الموارد المائية هذا المشروع". مضيفا" امس تم افتتاح هذا المتحف العميق بموجوداته من الوثائق والصور والمخطوطات والشواهد التي تمتد لمئة عام من عمر الدولة العراقية وتخص العلامة احمد سوسة، هذه الشخصية الاشكالية في كل شيء والذي خدم الدولة العراقية خاصة فيما يخص السدود ومشاريع الري". مشيرا الى ان:" رئيس مجلس الوزراء عبر عن اهتمامه واعتزازه بشخصية سوسة واقامة مؤتمر علمي عن جهوده وابحاثه واطلاق جائزة باسمه وان يكون هذا المتحف احد المعالم الثقافية والسياحية لمدينة بغداد وتوجيه الوفود الرسمية لزيارته".
 
يذكر ان العلامة احمد سوسة كان قد اتم دراسته الاعدادية (الثانوية العامة) في الجامعة الأميركية ببيروت عام 1924، ثم حصل على شهادة البكلوريوس في الهندسة المدنية عام 1928 من جامعة كولورادو في الولايات المتحدة. وواصل بعد ذلك دراسته العليا فنال شهادة الدكتوراه بشرف من جامعة جونز هوپكنز الأميركية عام 1930، وقد انتخب عضوا في مؤسسة (فاي بيتا كاپا) العلمية الأميركية المعروفة، كما منحته جامعة واشنطن عام 1929 جائزة (ودل) التي تمنح سنويا لكاتب أحسن مقال من شأنه أن يسهم في دعم السلم بين دول العالم. ويعد أحمد سوسة واحد من أقدم المهندسين العراقيين الذين تخرجوا من الجامعات الغربية.
 
بعد عودته للعراق، عين مهندساً في دائرة الري العراقية عام 1930، ثم تنقل في عدة وظائف فنية في هذه الدائرة مدة 18 سنة، حتى عين عام 1946 معاوناً لرئيس الهيئة التي ألفت لدراسة مشاريع الري الكبرى العراقية. وفي عام 1947 عين مديراً عاماً للمساحة ثم مديراً عاماً في ديوان وزارة الزراعة عام 1954، ثم أعيد مديراً عاماً للمساحة وبقي في هذا المنصب حتى عام  1957.
 
عند تأسيس مجلس الأعمار عام 1951 عين سوسة مساعدا شخصيا في الأمور الفنية لنائب رئيس مجلس الأعمار إضافة لوظيفته الأصلية. وكان من أوائل أعضاء المجمع العلمي العراقي منذ تأسيسه عام 1946 وبقي عضوا عاملا فيه حتى وفاته.
 
خلال عامي 1939 و 1940 ترأس البعثتين اللتين أوفدتهما الحكومة العراقية إلى المملكة العربية السعودية لدراسة مشاريع الري في الخرج والاشراف على تنفيذها. وكان احمد سوسة أحد مؤسسي جمعية المهندسين العراقية عام 1938.
 
واهتم أحمد سوسة بمباحث حضارية قديمة في العراق حيث بحث في تاريخ العراق الحضاري وكتب عن نظم القنوات المائية والسدود في الحضارات القديمة كجزء من هذا الاهتمام، وتربو مؤلفاته على الخمسين كتاباً وتقريراً فنياً وأطلساً، أضافة إلى أكثر من 116 مقالاً.
 
 وحصل على العديد من الجوائز العالمية والعربية والعراقية، ابرزها وسام الرافدين من الدرجة الثانية، ووسام الكفاءة الفكرية من ملك المغرب عن كتابه "الشريف الإدريسي في الجغرافية العربية في عام 1976، كما فاز كتابه" فيضانات بغداد في التاريخ" بجائزة الكويت لأحسن كتاب صدر عام 1963. وحصوله على جائزة المنظمة العربية للتدريب والثقافة والعلوم عام 1975.

 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب