معد فياض
في أكثر من سابقة تُسجل في تاريخ السياسة العراقية بعد 2003، هي عدم تمكن الكتل البرلمانية من اختيار رئيس الجمهورية، ومن ثم تشكيل الحكومة بعد مرور عام بالضبط على إجراء الانتخابات التي سميت وقتذاك بالمبكرة، جرت الانتخابات في العاشر من تشرين الاول عام 2021، وانسحاب الكتلة الصدرية الفائزة بالانتخابات بواقع 73 مقعدا بالرغم من تشكيل تحالف بين الصدريين بزعامة مقتدى الصدر والسنة بزعامة محمد الحلبوسي والحزب الديمقراطي الكوردستاني بقيادة الرئيس مسعود بارزاني، وهذا ما لم يحدث في جميع الدورات الانتخابية الماضية منذ 2005 وحتى اليوم.
المشكلة في الدستور
الكاتب السياسي صالح الحمداني، يرى ان المشكلة الرئيسية في وصول العراق الى هذه الاوضاع هي ان "الدستور غير واضح بتحديد الكتلة الاكبر التي تشكل الحكومة، حتى نحن المتابعين والكتاب والصحفيين مساندين للكتلة الفائزة في الانتخابات، وهذا لا يعني انحيازنا للتيار الصدري، بل للكتلة الفائزة ايا كانت، وهناك جهات دولية تدعم الفائز الاول بالانتخابات حتى يكون للانتخابات معنى، بعيدا عن من هو الفائز".
الحمداني قال لشبكة رووداو الاعلامية بصدد التاخير بتشكيل الحكومة: "يجب ان يكون هناك سعي لتعديل دستوري لتحديد من هي الكتلة الاكبر التي تشكل الحكومة لان هذا الموضوع تسبب للعراق بمشاكل سياسية في لحظة مفصلية مهمة في انتخابات 2010 عندما فاز ائتلاف العراقية بزعامة اياد علاوي، عندما وصلنا الى هذه المرحلة ولعدم وضوح الدستور تغير مسار الحكم تماماً، وكان يمكن ان يحكم ائتلاف العراقية لاربع سنوات، سواء نجحوا او فشلوا، وبعد اربع سنوات يمكن للكورد ان يتحالفوا مع غيرهم ويشكلون الحكومة برئاسة سياسي كوردي وهكذا كنا سنطبق الديمقراطية ونختصر من عمر المرحلة الانتقالية التي تفرض ان يكون الكل مشاركين بالحكومة وحصة الكورد ثابتة في رئاسة الجمهورية والشيعة رئاسة الحكومة والسنة لرئاسة البرلمان"، منبها الى ان "الانحراف الذي حدث والتدخلات الاقليمية والدولية، تسببت بعدم وضوح الدستور بتحديد الكتلة الاكبر التي ادخلتنا اليوم ومرة ثانية في مشكلة اكبر من 2010 ويجب ان يكون هناك سعي لحل هذه المشكلة".
بارزاني قائد تاريخي
ويرى الحمداني ضرورة إجراء "حوار وطني شامل وبعض الجهات تكون ممثلة بنقاباتها، وبعضها نقابات مهمة اكثر من سواها، مع احترامنا للجميع، واشدد هنا على ان يكون الحوار وطني، وكل ما يجري الحديث عنه اليوم عن حوار ليس وطنيا، بل هو في الحقيقة حوار بين جهتين متصارعتين، جهة غالقة بابها وهي التيار الصدري، وجهة اخرى وهم الاطار التنسيقي، يحاولون الوصول الى التيار الصدري، في الحنانة، من اجل الوصول مع التيار الى نتيجة. وكل االوساطات والوفود التي وصلت الى الحنانة رُفض استقبالها واغلقت الابواب"، مشيرا الى ان هذا يعني "انعدام امكانية الحوار بين الجهتين، وهما سبب المشكلة".
وباعتقاد الكاتب السياسي صالح الحمداني فإنه "ليست هناك اية مؤشرات بان الصراع، بين التيار والاطار، سيهدأ، بل قراءة الاحداث تقول ان الصراع سوف يتفاقم، خاصة وانه لا يوجد عندنا قادة سياسيين ليتدخلوا كوسطاء لحل المشاكل، خاصة من العرب، اما الكورد فما يزال عندهم الرئيس مسعود بارزاني كزعيم تاريخي له وزنه، سواء اتفقنا معه في الرأي ام اختلفنا حول بعض القضايا، لكن الزعماء الكبار في العراق الذين لهم دور تاريخي وتراتبية عالية داخل احزابهم وعندهم احزاب حقيقية بقي منهم بارزاني واياد علاوي الذي تمت ازاحته من الساحة السياسية منذ وقت طويل، وبقي بارزاني، فهل يتدخل لحل الازمة؟ فاحزاب الاطار التنسيقي متهمين ومنذ وقت طويل بتأزيم الوضع مع اقليم كوردستان، في العديد من الامور منها قرارات المحكمة الاتحادية وقصف مناطق في اربيل والميزانية والى الكثير من الامور، وفي ذات الوقت هل يتقبل الصدر هذا النوع من الوساطة كون بارزاني يعتبر حليف للصدر".
"امتداد" لا تعمل مع الأحزاب التقليدية
من جهتها لا تتوقع حركة امتداد ان" تتشكل الحكومة في الوقت المرأي"، حيث يشير القيادي في الحركة، مسعد الراجحي الى ان "هناك أزمة جماهيرية وتصعيد من قبل المحتجين والتيار الصدري والإطار التنسيقي الذي يسعى الى تشكيل الحكومة محاصر من قبل المحتجين والصدريين".
واعتبر الراجحي في حديثه لشبكة رووداو الاعلامية بان"ما تحقق في انتخابات 2021 نصرا للقوى المستقلة، وحركة امتداد، حيث ان قانون الانتخابات رقم 9 لعام 2020، رغم ما عليه من بعض المآخذ المفصلية، انصف القوة الوطنية واوصلها الى مجلس النواب، وابعد بعض الاحزاب التقليدية عن المشهد السياسي، كون هذا القانون الذي تم تطبيقه في انتخابات 10 تشرين الاول 2021 مكن الناخب من ان يكون قريبا من المرشح".
حركة امتداد التي كان لها 16 نائبا، بعد انسحاب الكتلة الصدرية، استبعدت من كتلتها النيابية اعضاء "صوتوا لرئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي ، وهناك احد اعضاء الحركة قد حضر جلسة لأحد نواب الاطار التنسيقي"، في إشارة الى جلسة مرشح الاطار محمد شياع السوداني الذي اجتمع ببعض النواب لشرح برنامجه الحكومي، مما تسبب باستياء جمهور الحركة والقيادة فتم فصله من امتداد، لان لدينا رؤية من جالس الاحزاب التقليدية التي تسببت بخراب البلد يتم ابعاده عن الحركة، واليوم لنا 11 مقعدا في مجلس النواب". مشيرا الى ان "حركة امتداد قدمت عدة مبادرات لموضوع تشكيل الحكومة ومنها تشكيل حكومة انتقالية لمدة عام واحد يتم خلالها اجراء تعديلات دستورية مهمة والتصديق على الميزانية واجراء انتخابات تشريعية".
وقال الراجحي: "نحن نؤمن بان تكون هناك حكومة موالاة، ومعارضة، للخروج من الأزمات الكثيرة التي تتسبب بها الاحزاب التقليدية، نحن وافقنا على مبدأ حكومة الأغلبية الوطنية الذي اقترحه التحالف الثلاثي (الصدريين والسنة والحزب الديمقراطي الكوردستاني) انحيازا للمفهوم وليس للأحزاب التي تبنته، وعرضنا 17 بندا للتصويت على رئيس الجمهورية حفاظا على المدد الدستورية والتصديق على الميزانية وان تتشكل حكومة اغلبية وطنية لكننا لم نتحالف مع هذا التحالف لانه يضم احزاب تقليدية".
ازمة في النظام السياسي
الباحث بالشأن السياسي العراقي، الاكاديمي يحيى الكبيسي، مستشار في المركز العربي للدراسات الاستراتيجية، أكد ان "من يدقق في تفاصيل الازمة السياسية الراهنة سوف يكتشف انها ازمة تتعلق بالنظام السياسي العراقي"، مذكّرا: "لو راجعنا الاوضاع منذ انتخابات 2005 وحتى اليوم سنكتشف اننا في كل انتخابات تشريعية نواجه أزمة سياسية، وكان دائما هناك متغيرات تدخل على خط الازمة وتعمل على حلحلتها".
واوضح الكبيسي، مؤلف كتاب "العراق: الاحتجاجات وازمة النظام السياسي"، لشبكة رووداو الاعلامية، ان "ما اريد قوله اننا طوال هذه السنوات كنا امام ازمة تتعلق، اولاً بتداول السلطة سلميا، وثانيا بتشكيل الحكومات، وبالتالي المشكلة الراهنة تاتي في هذا السياق وسببها اشكالية المواد الدستورية وخاصة المادة 76 التي تتعلق بتعريف الكتلة الاكثر عددا ومتى تسجل هذه الكتلة، والاشكالية في نص المادة ذاتها التي تقول في حالة عدم تمكن المرشح من تشكيل الحكومة لمدة 30 يوما يتم ترشيح مرشح آخر، من هو المرشح الآخر؟ هل هو مرشح يختاره رئيس الجمهورية كما يشاء، ام ياتي من نفس الكتلة ام من كتلة اخرى، وهذه بحد ذاتها تحيلنا الى ازمة جديدة، وهذا ما اسميه دائما بالاشكال الحاضر دائماً".
وشخّص الكبيسي، مؤلف كتاب"مراجعات في الدستور العراقي" عام 2006، انه "منذ الاعلان عن الدستور عام 2005 استخدم كأداة سياسية ولم يتم احترامه مطلقا، كل القوى السياسية تستخدم الدستور سياسيا عندما يخدم مصلحتها وبعكس ذلك تلعب به كما تشاء، الامر الثاني انه ليست لدينا جهة حكم يمكن الركون اليها في حالة االانتهاكات الدستورية، لان المحكمة الاتحادية فشلت في القيام بمهامها وقبلت بان تخضع للتسييس".
حراك سياسي متسارع
وفي إطار الحراك للتعجيل بتشكيل الحكومة بعد عام من إجراء الانتخابات المبكرة، بحث الرئيس مسعود بارزاني، مع وفد من ائتلاف ادارة الدولة، اختيار رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة المقبلة.
جاء ذلك خلال استقبال الرئيس مسعود بارزاني، اليوم الاثنين (10 تشرين الاول 2022)، وفدا من ائتلاف إدارة الدولة يضم رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي ورئيس تحالف السيادة خميس الخنجر ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض والمرشح من الاطار التنسيقي لرئاسة الحكومة المقبلة محمد شياع السوداني.
وبحسب بيان صادر عن المكتب الإعلامي للرئيس مسعود بارزاني فقد "نوقش في الاجتماع الوضع السياسي في العراق والمسيرة التفاوضية لعقد جلسة البرلمان القادمة واختيار رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة الاتحادية".
وكانت بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي)، قد أكدت بعد مرور عام على إجراء الانتخابات في البلاد على ضرورة انخراط الجهات الفاعلة كافة في حوارٍ "دون شروط مسبقة والاتفاق بشكلٍ جماعي على النتائج الرئيسة من خلال تقديم تنازلات تعيد التأكيد على هدفهم المعلن ألا وهو تلبية احتياجات الشعب العراقي وتشكيل حكومة ذات صلاحيات كاملة وفاعلة".
وفي بيان صادر عن يونامي جاء فيه "ليس لدى العراق الكثير من الوقت، فالأزمة التي طال أمدها تنذر بمزيد من عدم الاستقرار والأحداث الأخيرة دليلٌ على ذلك. وتهدد أيضا سُبُل عيش المواطنين. وعليه، يمثل إقرار ميزانية 2023 قبل نهاية العام أمراً ملحاً".
من جهته دعا رئيس الجمهورية، برهم صالح، اليوم الاثنين لإنهاء دوامة الازمات والتأسيس لحكم رشيد، مضيفاً ان مرور عام على الانتخابات دون إكمال استحقاقاتها الدستورية تذكير قاس بما فاتنا من فرص ضائعة لبلدنا". وذكر في تغريدته على موقع تويتر اليوم "آن الاوان لانهاء دوامة الازمات والتاسيس لحكم رشيد".
كما دعا رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، الأحزاب والقوى السياسية جميعها إلى "الاحتكام لمنطق الحوار العاقل الهادئ والبنّاء لحل الأزمة السياسية"، مشيراً إلى أنه "خلال العامين الماضيين، عملنا على منهج مختلف يحتكم للحوار والتفاهم والتعاون والشراكة، واعتمدنا الهدوء والعقلانية في تعاطينا مع الأحداث والمواقف".
جاء ذلك في بيان أصدره رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي اليوم الاثنين، بمناسبة مرور عام على إجراء الانتخابات العراقية في العاشر من تشرين الأول من العام الماضي.
وقال الكاظمي في البيان إنه "تم انجاز أهم بند في برنامجه الحكومي ألا وهو إجراء انتخابات تشريعية مبكرة، "اتسمت بالنزاهة والمهنية"، بشهادة "الأمم المتحدة وجميع المراقبين" حسب تعبيره.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً