رووداو ديجيتال
شهدت محافظة ميسان، جنوبي العراق، اغتيالات عدة طالت أعضاء بالتيار الصدري وعصائب أهل الحق، في وقت تشهد الساحة السياسية في البلاد توتراً سياسياً وأمنياً، وخلافات بين التيار الصدري، وعدد من الجهات الشيعية المنضوية في الاطار التنسيقي، على خلفية الانتخابات النيابية ونتائجها وتشكيل الحكومة.
اصابع الاتهام تتجه في هذه الاغتيالات الى عصائب أهل الحق وسرايا السلام، في وقت تشير الاوضاع الامنية في ميسان الى ان موجة الاغتيالات هذه ناجمة عن تصفية حسابات بين هذين الجهتين، ورغم دعوات حكومية وسياسية الى تهدئة الاوضاع وتغليب المصلحة العليا، الا ان الاحداث المتتوالية تشير الى عدم الانصياع والاستمرار في مسلسل اراقة الدماء.
عصائب أهل الحق، تم تشكيلها عقب انشقاق زعيمها قيس الخزعلي، عن جيش المهدي، الذي أسسه مقتدى الصدر، ولم تكن العلاقات بين الخزعلي والصدر في أفضل مستوياتها، رغم مساع التهدئة، ولاسيما مؤخراً مع قرب تشكيل الحكومة العراقية.
اغتيالات متبادلة
مسلحون مجهولون، اغتالوا يوم السبت الماضي، القاضي أحمد الساعدي، المختص بقضايا المخدرات في محكمة استئناف ميسان، وخصص مجلس القضاء الأعلى مكافأة لمن يدلي بمعلومات تؤدي الى القبض على الفاعلين، في وقت زار رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ذوي القتيل في مجلس العزاء، متعهداً لهم بأن "دم الشهيد البطل لن يذهب سدى".
سبق هذه الحالة بثلاثة ايام، اغتيال الضابط في وزارة الداخلية حسام العلياوي، على يد مسلحين مجهولين في المحافظة ذاتها، علما ان حسام العلياوي هو شقيق وسام العلياوي، القيادي في حركة عصائب أهل الحق، الذي قتل في تشرين الاول 2019 في ميسان أيضاً.
ويوم أمس الاربعاء شهدت محافظة ميسان عملية اغتيال جديدة، حيث اغتال مسلحون مجهولون أحد أتباع التيار الصدري يدعى "كرار أبو رغيف"، بإطلاق النار عليه في مركبته في حي المعلمين، وتعرضت زوجته لاصابة خلال عملية الاغتيال.
زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، دعا في بيان له "الأخوة في التيار والأخوة في العصائب التحلي بالهدوء والتصالح بعيدا عن القيادات"، مشيراً الى أنه "لا يزال يأمل بالبعض منهم حقن الدماء". ويأتي ذلك بعد أيام من بيان لزعيم عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، طالب فيه الصدر "التبرؤ من بعض العناصر المسيئة في سرايا السلام"، التابعة للصدر، متهماً هؤلاء الأعضاء بالمسؤولية عن مقتل العلياوي وشقيقيه.
خبراء أمنيون يعزون هذه الاحداث الى ضعف سلطة الدولة وسيطرة سلاح العشائر "المنفلت" على ميسان والمحافظات الجنوبية، ما أدى الى وصول الكثير من الجماعات المسلحة الى مرحلة "التهور والاستهتار".
"محاسبة رأس الهرم في ميسان"
الخبير الأمني عقيل الطائي، قال لشبكة رووداو الاعلامية ان "ما يحدث في محافظة ميسان جنوبي العراق، في هذه الايام، أمر مؤسف ومحزن"، منوها الى أن "هنالك موجة من الاغتيالات، وفوضى أمنية، وفوضى خلاقة، جراء صراعات سياسية افرزتها نتائج الانتخابات وحتى قبل نتائج الانتخابات".
ولفت الى ان "ما يجري في محافظة ميسان هو ضعف واضح للقانون، وعدم جرأة القوات الأمنية على تنفيذ القانون"، داعياً الى "محاسبة رأس الهرم الموجود في محافظة ميسان، على اعتبار ان المحافظ هو أعلى شخص مسؤول في اللجنة الأمنية في المحافظة، وبالتالي لم نجد هنالك قوة في التنفيذ واجراءات أمنية رادعة"، وفقاً للطائي، الذي اشار الى "اقتتال عشائري ووجود تجارة للمخدرات، والتي تدر ارباح وفيرة، في ظل توفر المال والسلاح وعدم فرض القانون".
الطائي، نوه الى ان "الضحية اصبحت تمارس دور الجلاد، وهنالك عدم احترام للقوانين، وعدم احترام لهيبة الدولة، وضعف البنية الادارية والفنية للقوات الامنية، فضلاً عن ضعف في الاوامر العسكرية، وعدم قدرة القائد العام للقوات المسلحة على تسلم زمام المبادرة الامنية"، مضيفا ان "ما يجري هو اتخاذ قرارات ارتدادية ضعيفة انفعالية، ناتجة عن ردود أفعال".
الخبير الأمني تساءل: "كيف يتم اغتيال ضابط وكذلك قاض في العراق؟"، موضحاً ان "أصابع الاتهام موجهة حالياً الى سرايا السلام وعصائب أهل الحق، لكن لم يكن هنالك دليل، فالجميع يخبئ رأسه تحت الرمال".
ودعا الطائي، القادة السياسيين والقادة الامنيين الى "التحلي بالحكمة والقرار الصحيح"، محذراً من الذهاب الى "الفوضى، والتي لاحظناها في محافظة ذي قار، عندما قام مجموعة من الصبية باقالة المحافظ ومدير الصحة وغيرهم".
ورأى الطائي ان "جميع هذه المواضيع هي عبارة عن اهتزازات سياسية أدت الى هذا الشيء"، مطالباً جميع الفرقاء بـ"التحلي بالحكمة ووضع مصلحة العراق والشعب العراقي الذي يعاني ما عاناه فوق كل شيء، وتغليب مصلحة الوطن"، مستدركاً ان "هذا الشيء لم نلمسه، في ظل الصراعات السياسية من أجل المصالح والمغانم"، مرجحاً أن "تأخذ هذه الامور مأخذاً من القوات الأمنية".
"هذه القرارات والاوامر والتنقلات واستبدال القادة، ليست اجراءات عسكرية حقيقية، بل الأصح هو استقدام طاقم عسكري من احدى المحافظات أو قوة غريبة عن المنطقة، لان القوة المساكة للأرض هي من المحافظة ومعروفين من قبل العشائر، ومشاركة طيران الجيش من أجل الردع"، وفقاً للطائي، الذي حذر من انه "في حال بقي الحال على ما هو عليه والبقاء على التنديد والاستنكار والاكتفاء بالزيارات الاعلامية سيكون الوضع خطيراً جداً".
محافظات البصرة وميسان وذي قار وواسط والمثنى، ومناطق من شرقي بغداد، شهدت خلال الأشهر الماضية نزاعات عشائرية مسلحة دارت في مناطق أغلبها ذات طبيعة ريفية، استُخدمت فيها أسلحة خفيفة ومتوسطة، اثارت الرعب لدى الأهالي في تلك المناطق.
"سلاح العشائر أقوى من الدولة"
بدوره، قال الخبير الامني صفاء الاعسم لشبكة رووداو الاعلامية انه "يجب ان لا نتخلى كلياً عن عمل وسياسة قيادة ميسان، فهي تعمل، لكن المشكلة هي وصول الكثير من الجماعات الى التهور والاستهتار"، مبينا ان "الموضوع ليس بالجديد، فالخلل في محافظة ميسان ومحافظات الجنوب هي ان العشائر والسلاح المتواجد لديها منذ 2005 ولحد الان استطاعت ان تملك ما لا تملكه الدولة على مستوى الشرطة المحلية".
ولفت الى ان "الكل يعرف انه في حال وصلت الجهات التي لديها السلاح أكثر من قدرات الدولة ينعكس سلباً على ضعف تفكير المواطن في المحافظات الجنوبية"، مردفا ان "النزعة السائدة في المحافظات الجنوبية هي ان هذه العشائر لديها القوة وأصبح بامكانها تغيير الكثير من التفاصيل".
"السلاح المنفلت هو ناتج عن تقصير المؤسسة الامنية العراقية، وهنالك جهات تمول السلاح، سواء من جهات من خارج الحدود عن طريق التهريب او عن طريق سرقة السلاح من الحكومة"، وفقاً لقول الاعسم، الذي شدد على ضرورة وجود "سيطرة للدولة ودور للقانون العراقي، والذي أصبح في المحافظات الجنوبية شبه معدوم".
الخبير الامني صفاء الاعسم نوه الى وجود "عمليات خطف وقتل واغتصاب وتجارة مخدرات، ووصل الحال ان تجار المخدرات تسببوا بخسائر بشرية في القوات الامنية، وبالتالي فان الحاجة باتت ضرورية لقوة القانون والمؤسسة العسكرية والشرطة المحلية وسحب السلاح المنفلت عن طريق القيادات الامنية".
غالبية النزاعات العشائرية تنطلق من مصطلح "الدكة العشائرية"، وتعني إقدام مسلّحين ينتمون إلى قبيلة معيّنة على تهديد أسرة تنتمي إلى قبيلة ثانية في بيتها، فتقع الدكّة من خلال عملية إطلاق نار بمختلف الأسلحة، أو إلقاء قنابل يدوية أحياناً على منزل الجهة المستهدَفة، في تحذير شديد اللهجة، بهدف دفعها إلى التفاوض لتسوية الخلاف، وفي حال عدم موافقة الطرف المستهدَف، قد تتفاقم الأمور لتؤدّي إلى وقوع ضحايا من الطرفَين.
الحكومة العراقية، وفي وقتٍ سابق، عدّت "الدكّات العشائرية" من الجرائم الإرهابية، وأكدت على ضرورة التعامل مع مرتكبيها بحزم.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً