رووداو ديجيتال
الفيلم الوثائقي "بلا هوية"، يروي معاناة مجموعة من اللاجئين الفلسطينيين المقيمين حالياً في إقليم كوردستان، طوال فترة وجودهم في سائر أنحاء العراق، ويعبرون عن شعورهم بالأمن والاطمئنان وعدم شعورهم بالتمييز منذ أن جاؤوا إلى إقليم كوردستان.
رامي يوسف، لاجئ فلسطيني ولد ببغداد سنة 1988، يقول إن جده جاء إلى العراق سنة 1948، مع الجيش العراقي الذي انسحب بعد نهاية الحرب آنذاك، ليقيم في البصرة.
يوسف عيسى، والد رامي، يقول إنه بعد انتهاء الحرب في فلسطين، حمل كل واحد من الجيوش العربية المنسحبة عدداً من الفلسطينيين معه، وكان والده قد فقد والديه جراء القصف، وحمله الجيش العراقي معه.
يضيف رامي أن جده كان في السابعة عشرة من العمر عندما جاء إلى البصرة كلاجئ، ثم خالط الناس وعمل في مطعم فلافل.
ويقول يوسف عيسى إن الفلافل لم يكن حينها معروفاً للعراقيين، وكان أبوه يبيع الفلافل على عربة أول الأمر ثم افتتح محلاً صغيراً واشتهر حينها.
ويذكر رامي يوسف أن مالك المحل الذي كان يعمل فيه جده وجد لجده فتاة ليتزوجها، وأنهم بعدها عاشوا في البصرة وبغداد والرمادي والموصل، وكونوا عوائل وأنجبوا الأولاد.
عدد الفلسطينيين الذين لجأوا إلى العراق قليل مقارنة باللاجئين إلى مصر وسوريا ولبنان والأردن واليمن والسعودية. استقر جد رامي ومن معه أول الأمر في مخيم بالبصرة ثم انتشروا في محافظات بغداد والأنبار ونينوى والبصرة.
يقول رامي إن الفلسطينيين الذين جاؤوا إلى العراق كانوا يبحثون عن الأمان "الذي لم يجدوه".
ويقول أبوه، يوسف عيسى، إنهم عاشوا مضطهدين في العراق ومحرومين من كل حق، وخاصة حق التملك، حتى أن والده عندما ابتاع سيارة اضطر لتسجيلها باسم أحد جيرانه، وعندما توفي الجار في حادث سيارة ظلت ملكية السيارة معلقة.
الأوضاع المعيشية السيئة التي شهدوها في العراق جعلت قصص حياة رامي ووالده وجده متشابهة، ويقولون إنهم لم يشهدوا خلال حياة اللجوء يوماً عاشوا فيه كما يعيش أي إنسان عادي.
عن التمييز الذي عوملوا به، يقول والد رامي، يوسف عيسى، إنهم عندما كانوا أولاداً صغاراً، وعند خروجهم من المدارس كان سائر التلاميذ يزفونهم وهم يصيحون "فلسطيني.. فلسطيني.. فلسطيني"، ويذكر رامي أيضاً أنهم كانوا يتعرضون للاضطهاد في المدارس ويعيرهم الآخرون بكونهم فلسطينيين ولاجئين، ويقولون "انت فلسطيني تركت بلدك وبعت أرضك"، في حين أن رامي لم يعش في فلسطين قط.
ويقول والد رامي إنه كان مضطراً ليوضح لابنه أن لهم وطناً محتلاً وأنهم لاجئون هنا ورداً على سؤال رامي عن سبب عدم رحيلهم عن العراق كان عليه أن يخبر ابنه أنهم غير قادرين على السفر لعدم وجود أي دولة تستقبلهم.
هدى حلمي، اللاجئة الفلسطينية، تقول إن أخاً لها انخرط في الجيش العراقي وترقى إلى رتبة رائد، وتعرض للأسر في الحرب الإيرانية العراقية لمدة 12 سنة، لكن كل ذلك لم يشفع له ولم يتح له الحصول على الجنسية العراقية.
يقول رامي إنه يسأل كثيراً لماذا جئت إلى العراق؟ ليخبرهم بأنه مولود هنا في العراق.. ويقول إن من يوجهون له هذه الأسئلة يتهمونه بأنه جاء للقيام بأعمال تخريبية.
أحب رامي فتاة شيعية من أهالي الكوت، لكن كابوس الافتقار إلى هوية الذي منعه من إكمال دراسته جعل زواجه من تلك الفتاة كالسباحة بعكس التيار.
نورا كاظم، زوجة رامي، تقول إنها تعرفت على رامي في حفل زفاف أحد أقاربها، ولكن عندما جاء لخطبتها اعترضت عائلتها واستثقلت تزويج ابنتها لفلسطيني يعيش في مخيم. يقول رامي إنهم قالوا له أنت فلسطيني لا هوية لك ولا نعرف عنك شيئاً ولن نزوجك ابنتنا.
ثم وافق أخوها الأصغر على الزواج، حسب رامي، وقال إن رامي إنسان حتى إن كان لاجئاً فلسطينياً. ثم أضافت نورا أن أخاها ضغط على العائلة حتى وافقوا على زواجها.
هنا ظهرت مشكلة أخرى، فقد كان على رامي استحصال موافقة من وزارة الداخلية العراقية على زواجه من عراقية.
ويقول اللاجئ الفلسطيني فؤاد إبراهيم، إن زواج فلسطينيين سهل ولا اعتراض عليه، لكن إن كانت الفتاة عراقية فالأمر ضعب ولا بد من موافقة وزارة الداخلية العراقية على الزواج. أما إن كان الرجل عراقياً والزوجة فلسطينية فلا مشكلة.
تقول نورا كاظم، إن رامي أخبرها بأن يذهبا إلى كوردستان ويعقدا قرانهما هنا، وفعلاً قدمت لهما تسخيلات وتزوجا، لكنها قلقة من أن أولادهما المستقبليين سيواجهون نفس المشاكل التي يواجهها أبوهم. في هذا السياق، يقول يوسف عيسى إن مستقبل أولادنا هو نسخة عن ماضينا.
بعد حرب الأيام الستة في حزيران 1967، نزحت آلاف العوائل الفلسطينية إلى دول المنطقة، لكن اللاجئين الفلسطينيين بعد هذه الحرب لا يعاملون كلاجئي 1948 وتسمح لهم إسرائيل بالعودة إلى فلسطين.
في العام 2003، كان عدد اللاجئين الفلسطينيين في العراق يبلغ 34 ألف فلسطيني، وكان أغلبهم يقيم في بغداد، لكن عدد هؤلاء تراجع بشكل كبير بحلول العام 2010 بسبب الهجرة مدفوعين بمعاناتهم من مشاكل الافتقار إلى هوية والحرمان من حق التملك.
يقول رامي إن اللاجئين الفلسطينيين في العراق يتعرضون للظلم منذ 1948 وحتى دخول الجيش الأميركي إلى بغداد ثم ظهور داعش.
ويقول والده إنه بسبب كتابة عبارة "لاجئ فلسطيني" على بطاقاتهم الشخصية، لا يحق لهم الذهاب إلى أي مكان ولا يستطيعون تسجيل عقارات باسمهم ولا سيارات ولا يحق لهم الحصول على جواز سفر.
وتقول اللاجئة الفلسطينية هدى حلمي، إن كونك فلسطينياً يعني أنك تنتمي لمجموعة مشتتة، فلا توجد بيننا عائلة كاملة يجتمع كل أفرادها معاً، وإنه ليس عندها أحد من عائلتها معها.
ويقول القنصل الفلسطيني في إقليم كوردستان، نظمي حزوري، إنهم بذلوا جهوداً كبيرة للم شمل العوائل من خلال تأمين حق السفر وزيارة العراق لهم.
اللاجئة الفلسطينية هدى حلمي، تقول إن الفلسطينيين كانوا يتعرضون للخطف والقتل في بغداد وقد سفّرت ابنها إلى الخارج ولم تلتق به منذ خمس سنوات، وتوقع يوسف عيسى لأحفاده أن يشهدوا كوارث أعظم من التي حلت به.
في العام 2014، عند هجوم داعش على محافظة نينوى، نزح رامي وأبوه وجده كعشرات العوائل الفلسطينية الأخرى إلى إقليم كوردستان، حيث تقيم حالياً في إقليم كوردستان 230 عائلة فلسطينية مؤلفة من 1120 فرداً.
ويقول رامي يوسف، إنه تم في العام 2021 تزويدهم ببطاقات إقامة في إقليم كوردستان وأصبح بإمكانهم الحركة بحرية رغم الصعوبات التي يواجهونها في مجال الحصول على فرص عمل.
ويقول والد رامي، يوسف عيسى، إنه شعر في إقليم كوردستان وللمرة الأولى بالأمن والاطمئنان.. فكل من يرى هويته يتفهم وضعه كلاجئ فلسطيني ولد في العراق، ولا يحتاج إلى تقديم توضيحات.
وتضيف نورا كاظم، إنهم لا يلمسون في كوردستان أي تمييز ضدهم، في حين أن فلسطينياً لو ذهب إلى الموصل مثلاً سيقولون فوراً إنه إرهابي، حسب قولها.
ويعزو اللاجئ الفلسطيني فؤاد إبراهيم ارتفاع عدد الفلسطينيين في إقليم كوردستان إلى "اشتداد وتيرة الطائفية في بغداد، فهناك القتل والذبح والسلب وكل ما هو سيء"، ويقول إنه لا يريد العودة إلى بغداد.
منذ 14 أيار 1948، عندما تم الإعلان عن قيام دولة إسرائيل، دارت حروب بين إسرائيل والفلسطينيين أوقعت الآلاف من الضحايا، وزادت تلك الحروب من تعقيد مصير اللاجئين الفلسطينيين ليصبحوا عقدة في طريق أي محاولة للتصالح بين إسرائيل وبين الفلسطينيين، فتزايد أعداد اللاجئين على مدى 70 سنة الماضيات، جعلت تعدادهم يتجاوز أربعة ملايين لاجئ فلسطيني منتشرين في شتى دول العالم.
ينتظر رامي أول مولود له، لكن والد هذا المولود الذي لم ير النور بعد وجده عانيا كل أنواع المآسي والآلام بسبب الافتقار إلى هوية، وليس عند رامي شيء يرويه لمولوده القادم غير قصة الافتقار لوطن المرة التي عاشتها عائلته جيلاً بعد جيل.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً