الباجه جي: ساهمت بقيام دولة الامارات ورفعت علمها في الامم المتحدة.. والشيخ زايد كان يخشى اطماع ايران في المنطقة

08-01-2022
معد فياض
معد فياض
الكلمات الدالة عدنان الباجه جي عدنان الباجه جي.. رجل بين قرنين معد فياض
A+ A-

معد فياض

تنشر رووداو على حلقات كتاب "عدنان الباجه جي.. رجل بين قرنين"، فهذا الدبلوماسي الذي مثّل العراق في الأمم المتحدة لأكثر من 50 عاماً، وتبوأ منصب وزير الخارجية في الستينيات، ولد في بدايات القرن الماضي، ورحل في الربع الأول من القرن الحالي، وبهذا يكون بالفعل قد عاش بين قرنين مزدحمين بالأحداث العراقية والعربية والدولية. كما التقى الملك فيصل الأول، مؤسس العراق الحديث، وعاصر كل رؤساء حكومات العهد الملكي ورؤساء الجمهوريات العراقية وصولاً إلى صدام حسين وما بعده. هذا الكتاب ليس مذكرات بالمعنى التقليدي، لم يكتبها الباجه جي بنفسه، بل هو صفحات بارزة من حياته، وتطلّب إنجازه المرور بمراحل عدة وعلى مدى أكثر من سبع سنوات، وعبر محطات بدأت في لندن عام 2010 وانتهت في أبو ظبي عام 2017. أنا أسأل وهو يسرد بدقة.

 
كنا نتناقش، ونحلل، ونبحث، ونمضي خلال أزمنة ودروب وأزقة تنطلق من حي السنك في شارع الرشيد، حيث ترعرع الباجه جي، ونذهب إلى مدن بعيدة، نجتاز بحاراً وقارات لنتتبع قصصاً وأحداثاً وشخوصاً وتواريخ. تحدثنا عن السياسة والمدن والأزياء وأسلوب حياة المجتمع العراقي خلال مائة عام تقريباً.

الحلقة  (25) 
شرفة على البحر
في شرفة شقته في مدينة ابو ظبي، عاصمة دولة الامارات العربية المتحدة، حيث كان الجو ،صباحا، في اروع حالاته في بداية يناير (شباط) 2017 جمعنا، الباجه جي وانا لقاء بعد ثلاث سنوات على آخر لقاء بيننا في لندن.

كنت قدمت من اربيل، عاصمة اقليم كوردستان العراق، الى ابو ظبي بهدف استكمال هذا الكتاب والحديث عن مرحلة مهمة في حياته، الا وهي مرحلة الامارات العربية المتحدة، وبالذات امارة ابو ظبي .

بعد قبول استقالته غادر الدكتور عدنان الباجه جي نيويورك، القى نظرة متفحصة ولكنها ليست الاخيرة على مبنى الامم المتحدة وادار ظهره ليبدأ مشوارا آخر من العمل الخلاق، يقول "وبذلك انتهت خدمتي الحكومية لوطني الحبيب العراق، التي استمرت 24 عاما ثم بدأت بعد ذلك بمدة وجيزة خدمتي في وطني العزيز الثاني الامارات العربية المتحدة، وبالذات امارة ابو ظبي".

لم استغرب من ذاكرته اليقضة وهو في الرابعة والتسعين من عمره (وقتذاك)، كان حاضرا باناقته المعهودة، بدلة زرقاء ليست قاتمة تماما، وقميص ازرق فاتح مع ربطة عنق زرقاء غامقة مخططة بالازرق الفاتح، والاهم من ذلك ابتسامته التي لا تغيب عن وجهه في كل الاوقات.

 تطلع الباجه جي، الى المدينة التي كانت حسب وصفه "يوم وصلتها عام 1969 عبارة عن قرية صغيرة تحيط بها الرمال من كل جانب"، قال : "واتذكر كان فيها شارعان، هما شارع المطار، واشار الي جهة اليمين، حيث كان الفندق الذي نزلت انا فيه، وشارع الكورنيش على البحر، وكان قبالتنا تماما، الذي افتتح عام 1971".

استطرد قائلا:"كل هذا البناء قام بفضل حكمة واصرار الشيخ زايد آل نهيان،  حيث صارت ابو ظبي كما ارادها مدينة حضارية بكل المواصفات"، مشيرا الى ان "الشيخ زايد كان يهتم بشكل لافت بالعلم والاعمار وببسط المساحات الخضراء وزراعة النخيل، ومن أهم إنجازاته التشجيع على العلم والمعرفة في جميع مدن الدولة، وهذه النهضة العمرانية والحضارية التي يلاحظها الجميع نتيجة إعلاء قيمة العلم والمعرفة في المجتمع، وهو ما يُحسب للقائد المؤسس والبناء الاول، الذي وضع كل تركيزه واهتمامه على المواطن، حيث كان هدفه الأكبر توفير العيش الكريم والرخاء لكل مواطن ومقيم في دولة الامارات العربية المتحدة".

ضغطت على  زر التسجيل في آلتي الصغيرة وبدأنا الحديث عن مرحلة الامارات، سالته: بعد استقالتك من منصبك كمندوب دائم لبعثة العراق في الامم المتحدة، هل فكرت ان تتقاعد عن العمل؟، ابتسم وقال نافيا "كنت مصمما على ان لا اتقاعد، كيف اتقاعد وانا لم اتجاوز آنذاك السادسة والاربعين من عمري؟".

مغامرة جديدة
لم يوافق على الوظيفة التي كان قد عرضها عليه الامين العام للامم المتحدة، والاكثر من هذا قرر ترك نيويورك بالرغم من شغفه بهذه المدينة، يقول:"في 6 مارس (اذار) غادرت نيويورك الى جنيف، هناك اتصل بي صديق اميركي كان رئيسا لمؤسسة مالية معروفة في وول ستريت، واخبرني بانهم يعملون على فتح مكتب لهم في عاصمة المال والبنوك، جنيف، وعرض علي ان اعمل مستشارا للمؤسسة في مجال انشطتهم بمنطقة الشرق الاوسط".

يتحرر الباجه جي من اعباء العمل الوظيفي في الحكومة العراقية ليجد نفسه امام تحدٍ آخر، مغامرة من طراز جديد، العمل في المجال المالي والاقتصادي الذي لم يكن قد مارسه في حياته، يقول:"وافقت على هذا العرض بتشجيع من صديقي الشيخ صباح الاحمد الجابرالصباح حيث كان مندوبا دائما للكويت في الامم المتحدة، وهناك التقينا كثيرا، وكان وزيرا للخارجية وقتذاك قبل ان يكون اميرا للكويت، (توفي أمير الكويت السابق عام 2020، اي بعد تسجيل هذه المذكرات)، حيث استقبلني في الكويت التي وصلتها في مايو (آيار) 1969، هناك التقيت كل من الامير الشيخ صباح السالم الصباح، ورئيس الوزراء الشيخ جابر الاحمد الصباح، والشيخ سعد العبد الله السالم الصباح". ينبه الي مسالة مهمة وهي ان "معرفتي ببلدان الخليج العربي كانت محدودة باستثناء الكويت".

اطماع ايران بالخليج
ارتبط مفهوم العمل في ذهن واداء الباجه جي بالخلق والابداع والتأسيس، ونجح في ذلك في كل عمل مارسه سواء في السلك الدبلوماسي العراقي ومنظمة الامم المتحدة وكوزير لخارجية بلده. هنا يجد نفسه، خلال وجوده في الكويت بانه غير متحمس للعمل في المجال المالي والاقتصادي، يقول:"لم تكن لدي رغبة حقيقية في العمل في المجال المالي والاقتصادي لكنني قررت ان اجرب حظي في مجال كنت بعيدا عنه كل البعد".

ويجد الفرصة سانحة لزيارة بلدان الخليج العربي انطلاقا من الكويت والتعرف على حكامها عن قرب، يزور اولا "البحرين حيث التقيت بالحاكم، آنذاك، الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، والذي حدثني عن مطالبة ايران بضم البحرين لها وموقف بريطانيا المتارجح من هذه الازمة، واوصيته بان يعتمد على الامم المتحدة حيث توجد غالبية تعارض محاولات ايران ابتلاع البحرين".

لقد عُرف عن الباجه جي شعوره وتوجهه القومي العروبي وتصديه للاطماع الاقليمية في الاراضي العربية، فعندما التقى الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، الذي اصبح اميرا لقطر فيما بعد، حذره من الاطماع الايرانية في منطقة الخليج العربي، يقول:"اثرت معه موضوع الهجرات الايرانية المتزايدة الى بلدان الخليج العربي، ومحاولات ايران طمس عروبة الخليج، وقد انكر الشيخ خليفة وجود ازمة بهذا الشأن، على الرغم من وجود عدد كبير من الايرانيين الذين يسيطرون على أكثر الانشطة الاقتصادية في البلاد".

لم يجد الباجه جي ما يشجعه على الاستقرار في البحرين او قطر، وقبلهما الكويت، فهو لم يزر هذه البلدان بحثا عن فرصة عمل بل للتعرف عن قرب على اوضاع الخليج العربي ولقاء قادتها. لكن الامر سيتغير بعد زيارته لدبي وابو ظبي، وهذا ما يؤكده قائلا:"بعدها قررت السفر الى دبي هناك التقيت بالحاكم الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وكان لقائنا في مكتبه المتواضع في ميناء دبي الذي كان مزدحما بالبواخر بالرغم من صغر حجمه، وتحدث الشيخ آل مكتوم عن الانفتاح الاقتصادي والاستثمارات في دبي، وكان واضحا ودقيقا وذكيا في طروحاته في هذا المجال".



موعد مع التغيير
 لم يكن الباجه جي يعرف ان المحطة القادمة ستغير مسار حياته، وان سفينة رحلاته سوف ترسوا في ميناء  ابو ظبي. يستغرق متطلعا في الافق الذي يمتد امامه مع زرقة البحر مستعيدا احداث وصوله الاول لهذه المدينة التي كانت "صحراء" عندما وصل اليها، يستطرد قائلا:"من دبي غادرت الى ابو ظبي اذ استقبلني السيد احمد بن خليفة السويدي رئيس ديوان الحاكم، واول ما شد انتباهي واهتمامي بحديثه معي هو افكاره القومية العربية التي تتفق مع افكاري، وهي كانت، ايضا، افكار الشيخ زايد آل نهيان وتحدث لي عن الجهود التي تُبذل لاقامة اتحاد يضم تسع امارات خليجية قبل الانسحاب البريطاني عام 1971، ووجدت ذلك يتناسب تماما مع افكاري وطموحاتي بمشاريع الوحدة العربية"، مضيفا:"اخبرني السويدي عن بعض المشاكل التي تواجههم في موضوع الاتحاد وطلب استشارتي ومساعدتي في وضع اللمسات الاخيرة وبعض التعديلات على دستور الاتحاد وسن قانون لتنظيم الجهاز الحكومي في امارة ابو ظبي".

من القبيلة الى الدولة
سيكون اللقاء الاول مع الشيخ زايد آل نهيان الاكثر تاثيرا في شخصية الباجه جي وسيمتد هذا التاثير الايجابي الى بقية سنوات حياته، وسوف يكتشف ومنذ اللقاء الاول انه ازاء، شخصية قيادية من طراز متميز، يقول:"عندما جلست وتحدثت مع الشيخ زايد  للمرة الاولى اكتشفت انه يتمتع بمميزات القائد الحقيقي الذي يعمل وباصرار على ان ينتقل بامارته من حكومة القبيلة الى حكومة المؤسسات الدستورية، أي انه كان يريد ان يتحول الى مفهوم الدولة العصرية، وان يكون مشروع الاتحاد الاماراتي التساعي دولة حضارية متطورة في جميع جوانبها، دولة قوية تستطيع ان تدافع عن وجودها وشعبها وثرواتها ضد أي طامع بها"، مضيفا ان"الشيخ زايد كان قد ادرك مبكرا ان بقاء الامارات مجزأة سوف يعرضها منفردة لاطماع الاخرين والاكثر من هذا انه شخص الطامعين بها وفي مقدمتهم ايران التي كانت تريد السيطرة على بلدان الخليج العربي وضمها اليها".



حرص الشيخ زايد على امن وسلامة بلدان الخليج العربي وشعبه، لهذا طلب من الباجه جي، واعتمادا على خبراته وتجاربه الدبلوماسية الطويلة في الامم المتحدة "الذهاب الى المنامة لإسداء المشورة للشيخ عيسى بن سلمان في ما يجب ان يعمله للحفاظ على استقلال البحرين وحريتها"، وبالفعل يسافر الباجه جي الى البحرين تلبية لطلب الشيخ زايد، يقول:"في البحرين اقترحت على الشيخ عيسى ان يطلب رسميا عن طريق احدى الدول العربية الاعضاء في الامم المتحدة إدراج المطالبة الايرانية بضم البحرين في جدول اعمال الجمعية العامة بتاييد الدول العربية وغالبية الدول الاعضاء في الامم المتحدة، ثم عدت الى ابو ظبي".

تأسيس دولة الامارات
يدخل الباجه جي معتركا جديدا،وتحد آخر يتجاوز مهمة الاستشارات وتقديم النصح الى العمل من اجل بناء دولة جديدة، دولة اتحادية ستجد مكانها الحقيقي في خارطة الامم وبين بقية الدول، يوضح "في اكتوبر(تشرين الاول) 1969 عُقد اجتماع لحكام الامارات التسع والتي اطلق عليها تسمية (الامارات المتصالحة)، وهي: ابوظبي، دبي، الشارقة، عجمان، أم القيوين، الفجيرة، رأس الخيمة، قطر والبحرين، وجرى اتمام الترتيبات النهائية لاعلان الاتحاد التساعي واقرار دستوره".

كانت الحكومة البريطانية قد عانت من ضغوط الظروف الاقتصادية المعاكسة، نتج عنها إنهائها لكافة المعاهدات لحماية الإمارات المتصالحة عام 1968، وانسحابها من الخليج نهاية عام 1971. ومع أنّ هذا القرار المفاجئ كان يهدّد بخلق فراغٍ عسكري وسياسي في المنطقة، لكنّه ساعد، أيضاً، على تقليل العقبات والصعوبات التي كانت عائقاً في طريق المحاولات الأولى لاتحاد الإمارات. 

عملت السلطات في الإمارات السبع المتصالحة على وضع بديلٍ لاتحاد الإمارات العربية. وفي اجتماعٍ عُقد في دبي في 18 يوليو(تموز) 1971، قرّر حكّام ست إمارات من الإمارات المتصالحة، هي: أبوظبي، ودبي، والشارقة، وعجمان، وأم القيوين، والفجيرة، تكوين دولة الإمارات العربية المتحدة، وكانت رأس الخيمة، وهي الإمارة السابعة، في حالة من التردّد.
 وفي الثاني من ديسمبر(كانون الاول) 1971 أُعلن رسميًّا تأسيس دولة مستقلة ذات سيادة، وبعد ذلك، أي في 10 فبراير(شباط) 1972، انضمّت رأس الخيمة إلى الاتحاد، فأصبح الاتحاد متكاملاً باشتماله على الإمارات السبع.

العراقيون وبناء الامارات
كان للدكتور عدنان الباجه جي وفريق كبير من الكفاءات العراقية الخلاقة دورا بارزا في بناء دولة الامارات العربية الناشئة ووضعها على خارطة العالم، يقول الباجه جي :"بالنسبة لي فانا اشتركت مع الاخوة العراقيين السادة:محمود حسن جمعة وعبد المجيد القيسي وشكري صالح زكي ونجم الدين حمودي، رحمهم الله جميعا، في وضع قانون تنظيم الجهاز الحكومي الذي ما زال معمولا به، وقد اصدر الشيخ زايد هذا القانون وكلف ابنه وولي عهده الشيخ خليفة بتاليف اول وزارة للدولة الناشئة، وقد ابلغني السيد احمد خليفة السويدي ان الشيخ زايد كلفه بان يعرض علي منصب وزير دولة في الحكومة الجديدة، وقبلت هذا العرض لاني وجدت فيه فرصة لخدمة بلد عربي ناشئ والاسهام بتجربة عربية فريدة من نوعها".

ويستطرد الباجه جي متحدثا عن تلك الحقبة، قائلا:"بعد تاليف الوزارة ذهبنا الى دبي حيث كان الشيخ زايد موجودا هناك، ومن دبي أعلن الاتفاق على دستور الاتحاد في 18 يوليو (تموز)1971، وكانت مناسبة تاريخية حالفني الحظ على ان اعيشها بكل تفاصيلها وان اشارك فيها".



من عادة الباجه جي عندما يتحدث عن ذكرياته او انه يريد ان يذكر معلومة دقيقة في تفاصيلها وتواريخها ان يصمت قليلا ليركز ذاكرته ثم ينطلق متحدثا، فهو لا يسمح لنفسه ان يذكر معلومة مشكوك ولو بنسبة ضئيلة في مصداقيتها، وفي حديثه عن مشروع توحيد الامارات الخليجية في دولة عربية واحدة، قال "بالنسبة لي  كرجل قومي عربي كان حلمه ان تتوحد كل الامة العربية، شكل لي اعلان دولة الامارات العربية المتحدة حدثا رائعا وتاريخيا، فقد كانت التجارب الوحدوية بين الدول العربية التي عشتها قد اثبتت فشلها، مثل الاتحاد الهاشمي بين العراق والاردن، والاتحاد بين العراق ومصر وسوريا، ثم بين مصر وسوريا فقط، وبعدها بين العراق وسوريا. 

تجارب انتهت الى الفشل للاسف، حتى كدت ان اصل الى يقين بان هذه الامة كتب عليها ان لا تتحد، الى ان حل يوم الثاني من ديسمبر(كانون الاول) 1971، وعندما الغيت معاهدات الحماية البريطانية عن الامارات العربية واعلان قيام دولة الامارات العربية المتحدة وسط احتفالات شعبية كبيرة". مؤكدا ان"دولة الامارات العربية المتحدة قامت ككيان راسخ بفضل اصرار الشيخ زايد واخوته حكام بقية الامارات".

العودة الى الامم المتحدة 
تتابع ادوار الباجه جي في نقل دولة الامارات العربية الناشئة الى مصاف الدول الاخرى من خلال ضمها الى الامم المتحدة، فمن سواه، وهو الذي امضى ربع قرن من حياته في المنظمة الدولية ودهاليزها كدبلوماسي بارع، وحاز احترام الجميع، الاصدقاء والاعداء، وعمل في لجانها المهمة، من سواه يستطيع ان ينجز مهمة ضم دولة الامارات العربية المتحدة للمنظمة الدولية.

يوضح:"عندما اعلن استقلال دولة الامارات غادرت ابو ظبي الى نيويورك حاملا طلب الامارات الرسمي للانضمام الى الامم المتحدة، وهذه المرة دخلت الى بناية المنظمة الاممية بصفتي رئيس اول وفد لدولة الامارات العربية المتحدة في مستهل عهدها كدولة مستقلة، وكان هذا بحد ذاته حدثا تاريخيا تشرفت به"، مستطردا: "في نيويورك لقيت ترحيبا كبيرا من قبل الامين العام للامم المتحدة، (يو ثانت)، ومن قبل بعض زملائي القدامى".

لم تكن المهمة يسيرة بالرغم من علاقات الباجه جي العميقة مع الامين العام وغالبية ممثلي الدول في الامم المتحدة، يقول:" لقد خضت مباحثات صعبة مع ممثلي الصين والاتحاد السوفياتي لاقناعهم بالموافقة على انضمام الامارات للامم المتحدة، ذلك أن العضوية تكون بقرار من الجمعية العامة بتوصية من مجلس الأمن وأعضاء الدول الخمس دائمة العضوية، وصادف في ذلك العام ان اخذت الصين مكانها بين الدول الخمس للمرة الأولى، ولم نكن متأكدين من موقفها، فأوضحت لهم أن الإمارات لن تنضم إلى أي تحالفات، بل ستنضم في أقرب فرصة لدول عدم الانحياز، وسنعامل الجميع على قدر المساواة، وبالطبع كان من مصلحة الصين إقامة علاقة قوية مع هذه الدولة الفتية التي تستطيع أن تزود الصين بالكميات التي تطلبها من البترول، كما تحدثت معهم عن حجم المشاريع العملاقة التي سوف تنفذ في دولة الامارات والحاجة الى شركات البناء والعمال".

وافق مجلس الامن على طلب الامارات، كما وافقت الجمعية العامة بدورها على الطلب، وبذلك اصبحت دولة الامارات العربية عضوا في المنظمة الاممية وكان لي شرف رفع علمها في مقر المنظمة بحضور الامين العام، واعترف ان عيني اغرورقت بالدموع عندما رايت علم الامارات يرفرف مع اعلام بقية الدول فرحا، فهذا العلم الذي يرفرف اليوم عاليا يمثل ارادة الأمة التي عقد قائدها المؤسس الشيخ زايد وابنائه واخوته من حكام بقية الامارات، وخاصة الشيخ راشد آل مكتوم، العزم على ان يكون لها ولشعبها مكانا بارزا بين الامم".

كان الباجه جي يتحدث بسعادة غامرة عن تلك اللحظات التي عاشها في باحة الاعلام بمبنى الامم المتحدة في نيويورك، سعادة تمثلت بدموع فرح شفيفة شعت في عينيه بريقا واضحا، يستطرد بحديثه قائلا:" بعد ذلك القيت خطابا في الجمعية العامة شكرت فيه الاعضاء على ترحيبهم واوضحت لهم الاسس التي تقوم عليها سياسة دولة الامارات العربية المتحدة، وهي عدم الانحياز والاسهام في جهود المنظمة الدولية للتنمية الاقتصادية والدفاع عن القضايا العربية العادلة وفي مقدمتها قضية فلسطين، كما اعلنت ان الامارات لا تعترف بالاحتلال الايراني للجزر الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى) وتتحفظ على ذلك، وفي ذات اليوم القيت كلمة في مجلس الامن حول قضية الجزر التي بحثها المجلس بطلب من العراق. وهكذا عدت الى الامارات بعد اتمام تلك المهمة وبدأت بالعمل مع آخرين في بناء الدولة العربية الفتية الجديدة".

الشيخ زايد سر نجاح الدولة
عندما نراجع انجازات الباجه جي في فترة بداية تاسيس دولة الامارات العربية المتحدة سوف نجد ان هناك الكثير من المهام التي اسندت اليه، ومن ضمنها ما يتعلق بالشؤون الخارجية، خاصة الإسهام في وضع أسس تنظيم وزارة الخارجية وتمثيل الإمارات في الخارج، وخلال مسيرة انجازات الباجة جي الحكومية في أبوظبي، والتي امتدت على مدى 22 عاماً (1971 - 1993)، حيث كان عضواً في المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، وفي ذات الوقت أصبح عضوا في مجلس إدارة عدة هيئات منها شركة أدنوك، وأديا "جهاز أبوظبي للاستثمار حالياً"، وصندوق التنمية العربي، كما ساهم كعضو في المجلس التنفيذي في النهضة العمرانية الهائلة التي بدأها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وأكملها نجله الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة.



ويعتبر الباجه جي ان سر نجاح بناء دولة الامارات العربية وتقدم بيئة العمل داخل المستويات العليا في الدولة، واسهام هذه البيئة في جعل دولة الإمارات واحدة من الدول المتميزة عربيا ودوليا، ويشار لها بالرقي والتقدم في المنطقة والعالم، هو"أن الشيخ زايد كان دائماً يستشير، ويناقش، ويأخذ بالرأي الآخر، ويفسح المجال للجميع، خاصة أعضاء المجلس التنفيذي والقريبين منه، وكان منفتحاً لآراء الآخرين، ولم يفرض أبداً رأيه على أحد، وبالأخير يلخص ما يدور في هذه الاجتماعات، ويتخذ القرار المناسب في القضايا المطروحة، وهذا يعني أن بيئة العمل تلك كانت محفزة لأقصى درجة على الإبداع والوصول إلى مستويات عليا من النجاح، وهو ما يلاحظه بوضوح اي مراقب".

 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب