الباحث كامل الفياضي لرووداو: طيور العراق في خطر جراء الاهمال وبيئة اقليم كوردستان هي الأفضل

04-08-2025
معد فياض
معد فياض
الكلمات الدالة العراق اقليم كوردستان
A+ A-
رووداو ديجيتال

كانت عشرات الالاف من أنواع الطيور تحلق في فضاء العراق، خاصة في مناطق الاهوار التي تمتد، أو كانت تمتد مسطحاتها المائية الى عشرات الاميال. 
 
مناظر اعشاش اللقالق فوق المآذن وابراج الكنائس في مدن وارياف العراق كانت تسعدنا ونحن نراقبها وهي تطعم فراخها، بينما مئات البلابل والشحارير تعشعش فوق اغصان اشجار الحدائق.
 
لكن اليوم، حيث جفت الاهوار، وغابت الحدائق المنزلية أو العامة، وحلت الاعتداءات على اللقالق والنوارس وطيور الفلامنغو الوردية، باتت فضاءاتنا تكاد تخلو من الطيور باستثناء المهادرة التي تمر مرور الكرام في سماء العراق.
 
كارثة بيئية
 
الباحث الأكاديمي الشاب المتخصص بعالم الطيور كامل حسين الفياضي، يحذّر من كارثة بيئية تسهم بها الجهات الحكومية غير المهتمة والتي أدت وستؤدي الى شح الطيور في العراق، حيث قال: "على عكس ما يحدث في مناطق العراق من اهمال للبيئة وعدم الالتزام بقوانين الصيد والحفاظ على الطيور فان اقليم كوردستان يُعد افضل بيئة للطيور المحلية والمهاجرة".
 
الفياضي، طالب دكتوراه علوم بيولوجي في جامعة بغداد وتخصصه الدقيق بيئة الطيور. بدأ اهتمامه بالطيور منذ طفولته "لكن بدأت بالاهتمام بها ودراستها بشكل علمي بعد حصولي على شهادة البكلوريوس في كلية العلوم وبمساعدة الاصدقاء المختصين خاصة في دول الخليج"، حسب ايضاحه.
 
كامل الفياضي في حديثه لشبكة رووداو الاعلامية اليوم الاثنين (4 آب 2025) قال: "انا درست وراقبت وتتبعت انواعاً كثيرة من الطيور في جميع البيئات العراقية بدءاً بجنوب ووسط العراق وحتى جبال اقليم كوردستان، وغالباً اعود الى مناطق معينة وسوف استمر بذلك لرصد التغييرات البيئية وتأثيرها على تواجد انواع الطيور". 
 
وأشار الى ان عدد انواع الطيور المقيمة والمهاجرة في العراق يتجاوز حالياً 420 نوعاً، والكثير منها عراقية اصلاً، حتى تسميتها عراقية ومسجلة علميا بهذه الاسماء، مثل غراب بلاد الرافدين (Mesopotamian Crow) والقطا العراقي (Pin Tailed Sandgrouse) .
 
جفاف الاهوار
 
حول عدد الطيور المتبقية اليوم في العراق، يوضح الباحث الاكاديمي أن "اغلب الانواع تتواجد حسب الموسم، مثلاً في الشتاء تصل اعداد انواع الطيور المهاجره لحدود 300 نوع، بين زائر شتوي او عابر اثناء الهجرة للعراق، وحالياً في فصل الصيف انحسر عددها سواء للانواع المحلية او الزائرة الصيفية للعراق". 
 
وأضاف: "كانت دراسة علمية قد سجلت عام 2017 وجود 125 نوعاً من الطيور تعيش في الاهوار الوسطى، وقبل اربعة أشهر قمت بزيارة لنفس البيئة، الاهوار الوسطى في العراق، ففوجئت بأن اعداد الطيور هناك لا يتجاوز الـ 17 فقط، وهذه صدمة بالنسبة لي، والصدمة الاشد تأثيراً هو ان الاوضاع اليوم أكثر سوءاً بسبب جفاف الاهوار، ما أسهم بهجرة الطيور لمناطق بيئية افضل مثل هور العظيم وهور الحويزة في الجانب الايراني او لمناطق أكثر بعداً".
 
ويسجل الفياضي الذي امضى سنوات وهو يتابع سير الطيور والبيئات التي تعيش فيها، اهم ملاحظاته العلمية والتي تسببت بغياب الطيور في بيئات معينة، وأبرزها "تدمير البيئات العراقية في مقدمة الاسباب، مثلاً هور الحويزة، وهو اكبر اهوار جنوب العراق حالياً يعاني من الجفاف الى جانب وجود حرائق متعمدة للقصب لاغراض التنقيب عن النفط".
 
ويؤكد أن "تحسن البيئة يعيد الاوضاع الى طبيعتها، ونتذكر ان النظام السابق قام بتجفيف الاهوار وتدمرت البيئة العراقية وقت ذاك واختفت الكائنات الحية، لكن بعد عام 2004 اعيد اغمار الاهوار بالمياه لذا استعادت عافيتها بفترة قصيرة وعادت الطيور والحياة الى بيئتها وهذا افضل مثال حي".
 
وينبّه الباحث في موضوع الطيور الى ان "وجود الطيور يمثل مؤشر حيوية مهم وقوي لصحة الانضمة البيئية واليوم هو انعكاس للوضع السيء للبيئة العراقية بالتحديد ووضع مربين الجاموس بالاهوار الذين هاجروا من مناطقهم خير دليل".

 

 
"الحكومة غير مهتمة"
 
وينفي الفياضي مساهمة الجهات الحكومية العراقية بتحسين البيئة، ويقول إن "معظم الجهات الحكومية ساهمت وتسهم بشكل مباشر او غير مباشر بتدمير ما تبقى من البيئة العراقية وسوق الغزل سيء الصيت ببغداد مثال حي لغياب اي رقابة او اهتمام حكومي. وخلال موسم الشتاء والهجرة الشتوية نلاحظ العشرات من اسواق الحيوانات المشابهة بسوق الغزل بمختلف المحافظات مزدحمة بالحيوانات الممنوع صيدها بسبب الصيد الجائر المدمر للطيور المهاجرة واغلبها مهدد بخطر الانقراض ومحمي بالدول المتقدمة التي تحترم القوانين وتحافظ على بيئتها".
 
وليمة (مرق) طيور الفلامنغو
 
يؤكد الفياضي: "عدم وجود اي دور لما تسمى بالشرطة البيئية او اية مساهمة للدور الامني في موضوع البيئة والصيد المحرم، ومنذ ان بدأت بتوثيق حياة الطيور في البرية وحتى اليوم لم المس اي دور لما تسمى بالشرطة البيئية او الاجهزة الامنية او اي جهة حكومية تراقب موضوع الصيد المحرم او تحديد اوقات لصيد نوع ما من الطيور او الغزلان، وخير برهان هو اختفاء المئات من غزلان محمية مندلي وانتشار التجارة بالحيوانات البرية بوسائل التواصل الاجتماعي والاسواق دليل ممتاز على ذلك".
 
ويذكر الفياضي قصة تندرج تحت مسمى الكوميديا السوداء او المرة حول تعامل الاجهزة الامنية مع الحيوانات، يقول: "قبل فترة سجلت شكوى لدى احد مراكز مكافحة الجريمة المنظمة لصيد والتجارة بطيور الفلامنغو النادرة والجميلةFlamingo  بعد ان شاهدت اعداداً كبيرة منها ساقطة على الارض واجنحتها مكسرة، بفعل فاعل، وبعضها ميتة وقرب مجسر ثورة العشرين في النجف، كان المنظر مرعباً حقاً"، منوهاً الى أن "الغريب والمؤسف والصادم في الامر ان الجهة استغربت شكواي وقالوا: (نحن اليوم تناولنا مرقة طيور الفلامنكو وكانت لذيذة)".
 
وعبر الفياضي عن اسفه لعدم وجود مراكز بحثية علمية تهتم بالطيور، وقال: "للأسف لا توجد مراكز بحثية متخصصة بالطيور، لكني احاول تأسيس مثل هكذا مركز قريباً، وقد حاولت عام 2020 تأسيس مركز بحثي في منطقة بحر النجف بالتعاون مع احدى المنظمات هناك لكنه تم الغاء المشروع للاسف".
 
وأوضح أن "قتل وصيد الطيور في العراق يتم لعدة اسباب، منها للتجارة ومنها للأكل ومنها للتسلية (مثل حال بعض المسؤولين) وهناك يمارسون الصيد الجائر للطيور لأغراض التهريب الدولي وخاصة الصقور والحبارى وغيرها، وهذا موضوع معقد حتى وزارة البيئة عاجزة عن مواجهته"، مشيرا الى انه "كانت قبل 2003، تشريعات وقوانين تنظم توقيتات الصيد وتحدد نوع الاسلحة المستخدمة ومناطق الصيد، حالياً هناك قوانين لكن بلا تنفيذ ولا احد يلتزم بها، خاصة اصطياد الصقور بانواعها ويتم تهريبها وباسعار غالية لدول الخليج بسهولة".

 

 
"بيئة اقليم كوردستان الأفضل" 
 
ويوضح الباحث الاكاديمي أنه "على عكس ما يحدث في مناطق العراق من اهمال للبيئة وعدم الالتزام بقوانين الصيد والحفاظ على الطيور فان اقليم كوردستان يُعد افضل بيئة للطيور المحلية والمهاجرة". 
 
ويضيف: "زرت اقليم كوردستان ودرست تنوع الطيور واللبائن والزواحف في عدة مناطق منها قرداغ ودوكان ودربندخان التابعة لمحافظة السليمانية وخيمت في اماكن عديدة، وكذلك في مواقع باربيل وخيمت بجومان، وبالعموم هناك طبيعة خلابة ونظيفة وأعجبت بوجود شرطة الغابات وكانت متعاونة مع السياح، والناس هناك بالعموم يحبون الطبيعة ويحافظون عليها". 
 
الفياضي أعرب عن أسفه "لعدم تمكني من زيارة محمية بارزان وكنت بحاجة الى موافقات مسبقة، لكن اصدقائي الذين يعملون هناك اكدوا ان نتائج التنوع البيولوجي رائعة جداً هناك".
 
ويكشف عن وجود اكثر من 270 نوعاً من الطيور المحلية والمهاجرة في اقليم كوردستان، اشهرها "العصفوريات المختلفة ومنها نقار الخشب والشحرور وانواع الحسون، وجبال اقليم كوردستان معروفة باعتبارها موطن غني ومحمي للجوارح مثل النسر الاوراسي الذي يتكاثر هناك، والحوام طويل الساق و الشاهين البربري، والعديد من الصقور الحرة تعشعش هناك كذلك".
 
اللقالق في أعشاشها
 
ويخلص الباحث البايولوجي كامل الفياضي الى أن "العراق زاخر بمختلف الانواع الجميلة والساحرة من الطيور، مثل العندليب (البلبل العراقي) ذو الصوت الجميل او انواع من نقار الخشب بجبال اقليم كوردستان العراق وغيرها الكثير".
 
وحول وجود طيور اللقلق في العراق، قال إن "اللقلق الابيض White Stork مجموعتان بالعراق، منها مهاجر وعابر للعراق اثناء الهجرة، ومنها مقيم ويتكاثر في العراق ولاحظت وجوده في مدن اقليم كوردستان مثل اربيل والسليمانية ودهوك، وكذلك في مدينة الموصل، وجزءاً منها موجود في وسط العراق مثل الديوانية والكوت وبابل حيث تنتشر اعشاشها على ابراج الضغط العالي".
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب