رووداو ديجيتال
رغم مرور 41 عاماً على مأساة الكورد الفيليين على يد النظام العراقي السابق، المتمثلة باعتقال آلاف الأسر الكوردية الفيلية وزجهم في السجون واعدام شبابهم وإجراء التجارب الكيمياوية عليهم، فضلاً عن ترحيلهم إلى إيران ورميهم في مناطق حدودية مزروعة بالألغام، إضافة إلى مصادرة أملاكهم وأموالهم المنقولة وغير المنقولة، إلا أن أبناء هذه الشريحة يشكون من عدم حصولهم على استحقاقاتهم وتعويضهم بشكل يوازي ما تعرضوا له من إبادة جماعية.
الكورد الفيليين تعرضوا إلى اضطهاد وملاحقة ومظالم متكررة منذ تأسيس دولة العراق وصدور قانون الجنسية رقم 42 لسنة 1924، خاصة عام 1937 حيث جرى اول تهجير قسري جماعي للكورد الفيليين، واعوام 1969-1972 و1980-1990، اضافة الى الإبعاد بشكل فردي وبشكل مجموعات لأسباب سياسية وقومية واقتصادية.
قرار المحكمة الجنائية العراقية العليا في 29 تشرين الثاني 2010 اعتبار ما تعرض له الكورد الفيليين إبادة جماعية، لم يلق استجابة صريحة من قبل الحكومة العراقية، فهي لم تقم بتعويض الكورد الفيليين بالشكل المطلوب، ولم تؤدي واجباتها القانونية والأخلاقية تجاههم، رغم كثرة المطالبات الرسمية والشعبية.
الحكومات العراقية التي أعقبت سقوط نظام صدام حسين، تواجه انتقادات من أبناء شريحة الكورد الفيليين، حيث يعزون الانتقادات إلى إهمال مكون أصيل في العراق، ساهم أبناؤها في رفد الحضارة العراقية طوال تاريخ بلاد الرافدين وعلى مختلف العصور، عبر اسهام سياسيين واقتصاديين وأكاديميين ومفكرين ومثقفين وفنانين في بناء البلاد، وبالمقابل يتم تهميش دورهم وتغييبهم عن أخذ دورهم واستحقاقهم الطبيعي في العراق.
"الحكومة غائبة عن مأساة الكورد الفيليين"
الأمين العام للجبهة الفيلية ماهر رشيد الفيلي قال لشبكة رووداو الإعلامية اليوم الجمعة (2 نيسان 2021)، أنه "ورغم مرور 41 عاماً على مأساة الكورد الفيليين، إلا أنه وطيلة هذه العقود لم تقم الحكومات العراقية المتعاقبة على الكشف عن مصير آلاف الشباب من الكورد المغيبين، ولم تستدل أهالي الشهداء على جثة واحدة من جثث أبنائها".
الفيلي انتقد "عدم قيام الحكومة العراقية باستذكار مأساة الكورد الفيليين، وبالمقابل تهتم الطبقة السياسية والحكومة بضحايا مكونات أخرى"، معرباً عن أمله في أن تقوم الحكومة باستذكار مأساة الكورد الفيليين بشكل يليق مع تضحياتهم.
وتعد عمليات إبادة الكورد الفيليين المرحلة الاولى من محاولات إبادة الكورد في العراق، والتي اشتدت مع صعود حزب البعث للسلطة في نهاية الستينيات، لتتوج بترحيل 70 الف منهم في بداية السبعينيات، ومن ثم لتلحقها حملة أعنف في الثمانينيات، لتشمل ما يقارب من نصف مليون شخص من سكان العراق الاصليين، ومن ثم أعقبتها جرائم حلبجة والانفال.
وكانت وزارة الداخلية العراقية قد اصدرت في عام 1980 قراراً ينص على تسفير من وصفهم بـ"الإيرانيين الموجودين في القطر وغير الحاملين على الجنسية العراقية وكذلك المتقدمين بمعاملات التجنس أيضاً ممن لم يبت بأمرهم)، والمقصود بهم العراقيين من التبعية الإيرانية، كما نص القرار على الاحتفاظ بالشباب الذين تتراوح أعمارهم من 18-28 سنة في مواقف المحافظات إلى إشعار آخر، كما أكد القرار على فتح النار على من يحاول العودة إلى الأراضي العراقية من المسفرين والذين جرى إلقائهم قرب الحدود الإيرانية في أوضاع بالغة السوء، بعد أن نهبت ممتلكاتهم وجرى أسر أبنائهم الذين تتراوح أعمارهم بين 18-28 عاماً وتم أخذهم كرهائن.
نظام صدام حسين أجبر الرجال العراقيين المتزوجين من كورديات فيليات على تطليق زوجاتهم مقابل مبلغ قدره 4000 دينار إذا كان عسكرياً و2500 دينار إذا كان مدنياً في حال طلاق زوجته أو في حال تسفيرها إلى خارج البلاد، وقد اشترط هذا النظام من أجل منح المبلغ المشار إليه ثبوت حالة الطلاق أو التسفير بتأييد من الجهات الرسمية المختصة وإجراء عقد زواج جديد من عراقية، كما ألزم الشخص الذي استفاد من قرار مجلس قيادة الثورة أعلاه بعدم الزواج ثانية من التبعية الإيرانية وفي حالة زواجه يسترد منه كافة المبلغ.
"انتماء الكورد الفيليين قومي"
بدوره، أصدر الفرع الخامس للحزب الديمقراطي الكوردستاني بياناً في ذكرى "جريمة العصر ضد الكورد الفيليين"، هذا نصه:
"قبل 41 عاماً وفي أوائل شهر نيسان من عام 1980، أقدم النظام البعثي المباد على ارتكاب جريمة العصر باعتقال ألاف الأسر الكوردية الفيلية في العاصمة بغداد ومحافظات الوسط وجنوب البلاد بذريعة التبعية الأيرانية، لكننا نجزم أن السبب الرئيس وراء ارتكاب تلك الجريمة هو انتمائهم القومي ودورهم الريادي في حركة النضال القومي الكوردستاني.
وعندما نستذكر تلك الأيام العصيبة، تمر على مخيلتنا مئات المشاهد المؤلمة التي يندى لها جبين الانسانية لوحشية الجريمة والطريقة الإجرامية واللاأخلاقية التي تم ارتكابها في جريمة التهجير القسري وتغييب أكثر من 20 ألف شاب كوردي فيلي، بالإضافة الى نهب أموالهم وممتلكاتهم من قبل عصابات البعث المقبور وتشتيت العوائل بين الزنزانات الرهيبة وسوق مجاميع كبيرة منهم عنوة نحو الحدود الايرانية في الجبال والوديان والصحاري.
أن أبناء شريحة الكورد الفيليين ورغم الكارثة الاليمة التي حلت بهم، لم يقفوا مكتوفي الأيدي ولم يستسلموا للظروف القاسية حيث سرعان ما لملموا جراحاتهم وجابهوا الجريمة بأرادة وعزيمة قوية لاتلين حيث اتجهت مجاميع منهم نحو ميادين العمل في المهجر ومنهم من حمل السلاح في صفوق قوات البيشمركة والقوى السياسية الأخرى لديمومة النضال والتحدي ضد النظام الصدامي.
نحن نعتقد بل متيقنين أن النظام المباد قد خطط لسلسلة جرائم ابادة جماعية ضد شعبنا الكوردي منذ وصوله للسلطة وبدأها بضرب وانفلة خط المجابهة الأول وهم شريحة الكورد الفيليين وتوجها بانفلة البارزانيين واستخدام الأسلحة الكيمياوية والبايولوجية في حلبجة ومناطق من محافظتي أربيل ودهوك وانتهت بعمليات انفال كرميان وسائر مدن وقرى كورستان بقتل أكثر من 180 الف مواطن كوردي مدني من النساء والأطفال والشيوخ.
اننا في الوقت الذي نستذكر جريمة تهجير وتغييب الكورد الفيليين نقف اجلالا لأرواح الشهداء والمغيبين مطالبين حكومتي الإقليم والاتحادية ببذل الجهود والبحث عن رفاة المغيبين لإنهاء حالة الانتظار الطويلة لعوائل الضحايا التي دامت 41 عاما.
كما نطالب جميع الاحزاب الكوردستانية والقوى الوطنية العراقية وحكومتي الإقليم والاتحادية بانصاف هذه الشريحة المضحية وإعادة حقوقهم اليهم طبقا للدستور والقانون.
في الختام ننحني اجلالاً واكراماً لأرواح الشهداء والمغيبين ومن ضحوا بأنفسهم في مقارعة النظام العنصري الشوفيني الدكتاتوري المباد، مجددين العهد بأننا لم ولن نبخل في المطالبة بحقوق شريحة الكورد الفيليين وانصافهم في جميع مؤسسات حكومتي الإقليم والاتحادية".
"تعويضات الكورد الفيليين لا تتجاوز 25%"
عضو مجلس النواب العراقي آزاد حميد، ذكر في تصريح لشبكة رووداو الإعلامية: "كنا نتأمل استرجاع بعض حقوقنا بعد 2003، لأنه لا يمكن استرداد قيمة معاناة الضحايا بعد الاضرار المعنوية التي لا تعوض، لكن مع الاسف في عام 2021 وبعد اكثر من 17 سنة نحن نراوح مكاننا ولا يوجد أي تقدم في هذا الملف، فهناك الكثير من القوانين التي تم تشريعها دون تنفيذها خاصة في مناطق المادة 140 أو في بغداد".
حميد أضاف: "لدينا ملف من 50 صفحة يتضمن قوانين وتشريعات وتوصيات لم تنفذ غالبيتها، وفي الدورة البرلمانية الحالية تبنيتُ عدة مشاريع من ضمنها إلغاء قرارات قيادة الثورة المنحل 617 و489 الخاص بمصادرة أراضي المواطنين الكورد في مندلي وخانقين، إضافة إلى الغاء مرسوم جمهوري لسنة 1987 الذي عرض للقراءة سابقاً قبل إلغائها من جدول الأعمال في ساعات متأخرة من الليل وأحيل الملف إلى وزارة الزراعة وبسبب الروتين والبيروقراطية أحيل إلى وزارة المالية وهو هناك حالياً".
وبشأن التعويضات المادية لذوي ضحايا الكورد الفيليين، أوضح حميد أن "التعويضات المادية لا تتجاوز الـ25% والنسبة صفر في بعض الملفات التي لم تشهد أي تقدم ومنها مصادرة الأراضي ولا نعلم ما سبب بقاء قرارات قيادة الثورة المنحل نافذة، هل الاحزاب السياسية راضية على ما صدره مجلس قيادة الثورة سيء الصيت ضد المواطنين الكورد أو الأقليات؟".
ويرى مراقبون للشأن الكوردي الفيلي أن معظم القرارات والقوانين التي شملت هذه الشريحة المظلومة، ومنها قانوني السجناء والفصل السياسي، ما هي سوى اجراءات ترقيعية لا ترقى الى مستوى تعويض ضحايا الابادة الجماعية عن حجم الاضرار التي تعرضوا لها، ورغم أن الحكومات بعد عام 2003 قدمت بعض التسهيلات والامتيازات والرواتب التقاعدية لآباء وأمهات ضحايا جريمة التهجير، وتسوية القضايا المتعلقة بالوثائق الثبوتية العراقية وشمول البعض من أبناء هذه الشريحة بالتعيينات في دوائر الدولة وحصول البعض على تعويضات مالية، إلا انها لا تساوي ما قدمته هذه الحكومات لضحايا مكونات أخرى، ما قد يثير اتهامات بالتمييز في التعامل مع الضحايا على اختلاف قومياتهم وأطيافهم.
وبموجب الاعلان الدولي لحقوق الانسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (الذي اصبح نافذاً من 23 آذار 1976) والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (الذي صار نافذ المفعول من 3 كانون الثاني 1976) وغيرها من العهود والمواثيق الدولية التي صادق عليها العراق، وحسب حكم المحكمة الجنائية العراقية العليا وقرارات مجلس النواب العراقي ومجلس الوزراء، فان دولة العراق ملزمة ان تقدم معلومات موثقة عن مصير الكورد الفيليين الذين كانوا محجوزين لديها قسراً، خاصة وأن لديها الالاف من الوثائق تتعلق بقضية الكورد الفيليين، والتي أكد وجودها المدعي العام في قضية قتل وتهجير الكورد الفيليين.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً