المجتمع الإيراني يرفض ثنائيي الجنس

28-01-2020
جبار دستباز
الكلمات الدالة نيكار ثنائيو الجنس
A+ A-

رووداو- سنة

باران تقيم مع أبيها في قرية بين سنة ومريوان في كوردستان إيران، ترتدي زياً أحمر وتضع المكياج. أجرت منذ ثلاث سنوات عملية جراحية لتغيير جنسها، فقد كانت تشعر في السابق بأنها حبيسة في جسد رجل وكانت تشعر بضيق كبير من التعامل معها على أنها صبي.

باران البالغة 24 سنة تتحدث لرووداو عن حالتها قبل إجراء العملية وتقول: "كنت أتعرض للكثير من المضايقة والجرح في المدرسة وبين الأهل وحتى عائلتي، وكنت أبحث عن طريقة أنقذ بها نفسي".

عمليات تغيير الجنس مسموح بها في إيران، لكن المتحولين جنسياً يواجهون الإقصاء والاستخفاف في جمهورية إيران الإسلامية. فرغم أن القانون يسمح بإجراء عمليات تحويل الجنس، يشير آخر تقارير منظمة مراقبة حقوق الإنسان إلى أنه "ليس هناك قانون يمنع ممارسة الإقصاء ضدهم".

بعد أن عرفت أن عمليات تغيير الجنس مسموح بها وتجرى في إيران، تحدثت باران عن الموضوع مع والديها اللذين كانا يعرفان أن باران تعد نفسها "أنثى"، لكن أخوانها كانوا يعارضون هذا القرار بل هددوها وهددوا أباها وأمها.

باران التي كان اسمها (دانا) سابقاً، تقول: "بعد أن راجع أخواني طبيباً نفسياً وافقوا على أن أجري عملية تغيير الجنس"، وبعد ذلك بستة أشهر بدأت عملية استخدام الهورمونات فنما ثدياها في الحجم وغاب الشعر عن وجهها، وفي الأخير أجريت لها العملية في مستشفى بطهران.

للحياة كمتحول جنسياً آثار نفسية ثقيلة على المتحول. بقي أن تجري باران عملية لتغيير صوتها إلى صوت أنثوي، وتقول: "في البدء لم أكن أعرف أن هناك عمليات تغيير جنس، الأمر الذي جعلني أصاب بالاكتئاب، لكن عرفت فيما بعد عن طريق الإنترنت بأن هذه العمليات تجرى في إيران. لم أكن أعرف ماذا قد أفعل لشدة فرحتي".

حياة المتحول جنسياً بعد عملية تغيير الجنس ليست سهلة، لأن على المتحول أن يبين للمحيطين به سبب قيامه بتغيير جنسه، وتقول باران: "أريد نسيان ماضي، لهذا محوت كل صوري التي التقطتها قبل تغيير جنسي، لكن كلما التقيت بالآخرين يسألني كل واحد منهم عن سبب قيامي بتغيير جنسي. هذا السؤال هو بمثابة وضع الملح في جراحي. أحد أخوتي لم يعد يتردد على دار أبي وأمي، وقطع صلته بي. عندما أرى هذه التصرفات، أشعر بالحزن".

توفيت والدة باران السنة الماضية. تشعر باران بالذنب وتقول: "كنت السبب في ظهور مشاكل في القلب لأمي، لأنها كانت تشعر بالقلق علي باستمرار، كانت تبكيني، وتتساءل لماذا يجب أن يحل هذا بابنها هي من دون أبناء الناس. لقد فقدت أكبر سند لي، والآن أمضي أيامي في البيت، لأني لم أعد قادرة على الذهاب إلى أي مكان. كل ما أريده الآن هو شخص يساندني، شخص يصبح شريكاً لي".

مازالت باران تحاول أن ترى حياتها بنظرة إيجابية، وترى أنه لا ينبغي للمتحولين جنسياً أن يتخلوا عن أحلامهم.

"مستعد للموت"

إنه المساء، ويتمشى نيكار على ضفاف بحيرة مريوان، لكن أبواق السيارات وتعليقات المراهقين تزعجه وتخرب عليه وحدته. اسمه الرسمي هو (كاوة) لكنه لا يحب أن ينادى بهذا الاسم.

نيكار شاب ضخم الجثة يبلغ 28 سنة من العمر، ينشر قسماً من شعره على وجهه. عندما كان في الثامنة عشرة أجبره ذووه على الزواج بفتاة لعل ذلك يجعل منه "رجلاً طبيعياً"، لكن بعد أشهر قليلة انفض زواجهما. لا يستطيع نسيان تلك الأشهر التي يصفها بأنها كانت "جحيماً" ويقول: "كنت مستعداً للموت على أن لا ألمس زوجتي، ثم وبعد فترة أدركت هي أيضاً ما أشعر به فكان أن انفصلنا".

يضع نيكار أحمر شفاه ويوسع عينيه باستخدام المكياج، ويقول إنه كان في طفولته يحب اللعب مع البنات دائماً، وكان يتعرض للضرب بسبب ذلك، ويضيف: "كنت أتعرض للكثير من الضرب من جانب أهلي بسبب ذلك . كنت أزدري ملابس الصبية لكنهم كانوا يجبرونني على ارتدائها. كان زملائي في الفصل يسخرون مني. حاولت الانتحار عدة مرات".

بخلاف الكثيرين، قرر نيكار أن لا يجري عملية جراحية لتغيير الجنس، وكان هذا نتيجة لقائه مع عدد من الذين أجروا تلك العمليات الجراحية ولم يكونوا راضين عن نتائجها.

بعد انفصاله عن زوجته، ذهب نيكار إلى طهران، لكنه عاد إلى بلدته، واقتنعت عائلته بأنها لا تستطيع تغييره. لم يتمكن نيكار من الحصول على عمل بعد عودته إلى مريوان، لأن أصحاب الأعمال ليسوا مستعدين لتشغيل شخص ثنائي الجنس، على حد قوله.

يقول نيكار: "حيثما ذهبت، كانوا ينظرون إلي نظرة استخفاف"، في الأخير دفعت الأوضاع الاقتصادية الصعبة والحاجة إلى كسب اللقمة، بنيكار إلى ممارسة الدعارة، حيث أن "الكثيرين في هذا المجتمع يفضلون ممارسة الجنس مع ثنائي جنس لأن مشاكل الأخيرين أقل من المشاكل التي تسببها النساء".

أغلب زبائنه يأتون من مدن أخرى، ويتعرفون إليه عن طريق تطبيق IMO وشبكات التواصل الاجتماعي الأخرى، لأن "أبناء مدينتك يعرفونك، وقد يسببون لك المشاكل".

لكن لهذا العمل مخاطر كثيرة، فقد قام شخص تعرف إليه عن طريق إنستغرام بضربه ضرباً مبرحاً.

يقول نيكار: "عرض علي نفسه كإنسان طيب ووعد بأن يكون صديقي إلى الأبد، وأنه يتفهم ويفهمني. فرحت كثيراً بأني عثرت في الأخير على شخص كنت أبحث عنه".

لكن في واحدة من الليالي، جاء هذا الشخص ومعه صديقان له: "أجبرني على ممارسة الجنس معهما أيضاً، ثم بدأوا يضربونني، ضربوني حتى جرحوا وجهي، ثم سرقوا هاتفي وما كان عندي من مال".

قانونيون لكنهم مرفوضون

بشكو أحمدي، ناشط مثلي يعيش خارج وطنه، قال لرووداو إن إيران تعادي ثنائيي الجنس والمتحولين جنسياً أقل مما تفعل الدول الإسلامية الأخرى، لأن مؤسس الجمهورية الإسلامية، آية الله الخميني، كان قد أفتى بالسماح بتغيير الجنس.

وتكفلت منظمة رفاهية إيران بنصف مبلغ الـ2500 دولار الذي أنفقته باران على عملية تغيير جنسها، وذلك بموجب قانون يقضي بتولي المنظمة توفير نصف تكاليف عمليات تغيير الجنس للمواطن الإيراني. كما تكفل محسنون بتوفير النصف الآخر من تكاليف العملية.

ويقول بشكو أحمدي إنه رغم سماح القانون وفتوى آية الله الخميني بتغيير الجنس، فإن المجتمع الإيراني يرفض ثنائيي الجنس، ويرى أن المشكلة هي "أن المجتمع الكوردي والمجتمع الإيراني ليست لديهما معلومات عن هذا الموضوع، ما يجعلهما يعتبران ثنائيي الجنس شاذين عن القيم الاجتماعية ويجرمانهم".

ويعتقد أحمدي أنه "يجب على المجتمع الكوردي أيضاً أن يتقبل ثنائيي الجنس أسوة بالمجتمعات الأخرى، بل وعليه أن يتقبل كل المجموعات الجنسية الأخرى".

بعد تعرضه للضرب، سجل نيكار شكوى ومازال ينتظر الجواب. لكن، وكما يقول هو، لن تنتهي مشاكله بحسم هذا الملف "لقد تعبت من كل شيء في هذا المجتمع الأفاق، ومن مصيري أيضاً. لا تستبعد سماع نبأ انتحاري في الأشهر القادمة".

 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب