رووداو – سنندج
مشهد مألوف في الأوقات المتأخرة من الليل في شارع (6 بهمن) بمدينة سنندج في كوردستان إيران، نساء يتجولن في أماكن قريبة من الشارع ورجل أثرياء بسيارات فارهة يمرون من هناك. تتوقف السيارات وتأتي النساء ويدخلن رؤوسهن عبر نوافذ السيارات، ثم لا يمضي كثير من الوقت لتستقل الفتاة المقعد الخلفي من السيارة، وتختفي السيارة في ظلمات الليل.
أحد الزبائن وهو شاب في الخامسة والعشرين من العمر يقود سيارة دفع رباعي ويدعي أن اسمه (ساكو)، يقول: "أغلب الفتيات اللواتي يشاهدن هنا طالبات، ينصب اهتمامهن على السيارة أكثر من سائقها".
كان للعقوبات الأمريكية ضد إيران تأثير على كافة جوانب الحياة اليومية للإيرانيين، فعندما تراجعت قيمة عملة البلد بات السكان عاجزين عن شراء الكثير من مستلزمات حياتهم اليومية، ويقول ساكو: "الفتيات اللواتي تجدهن هنا، جئن إلى هنا لكسب ما يمكنهن من تدبير مصاريف دراستهن الجامعية، وهن مستعدات لهذا الغرض لمضاجعة الرجال، وبعض الفتيات يطلبن المال فور الاتفاق على موعد".
وعند الحديث، أخرج ساكو هاتفه النقال من جيبه واتصل بامرأة يعرفها وهي مستعدة للمبيت معه لقاء المال، وقال إنها من شيراز وتدرس في سنندج.
ثم سأل ساكو الفتاة: "كم تطلبين لقاء الليلة؟" فأجابته "200 ألف تومان (47.5 دولار) لممارسة الجنس مرة واحدة، ولليلة بأكملها أريد 400 ألف تومان". بعد ذلك سألها ساكو: "وإن كنا شخصين، كم تريدين؟"، أجابت الشيرازية: "600 ألف تومان".
السياحة الجنسية
رغم أن ممارسة البغاء ممنوعة في إيران وقد سنت حكومة إيران المحافظة قوانين مشددة بهذا الخصوص، لكن هذه التجارة باتت واسعة الانتشار لدرجة كبيرة.
في طرف آخر لا يبعد كثيراً عن نفس الشارع، شاهدنا رجلاً في رأسه بعض الشيب، ادعى أن اسمه (هادي) ويبلغ من العمر 45 سنة وهو منفصل عن زوجته منذ 15 سنة.
قال هادي: "آتي إلى هنا في مساء كل خميس، وإذا حصلت على فتاة جميلة آخذها معي"، وحسب أقواله فإن الأسعار تختلف حسب جمال الفتاة وتتراوح بين 200 و500 ألف تومان.
وأشار هادي إلى أن رجالاً يأتون من إقليم كوردستان للسياحة الجنسية: "عندما كان سعر التبادل للتومان مرتفعاً، كان بإمكانك الحصول على فتاة لقاء 50 ألف تومان، لكن في العامين الأخيرين أصبح الزبائن القادمون من إقليم كوردستان يدفعون أكثر من مليوني تومان لقاء مبيت فتاة جميلة معهم ليلة واحدة، وهذا ما يجعل البنات يفضلنهم علينا".
لا أحد يحبني
بعد حصولي على أرقام هواتف، اتصلت بعدد من أولئك النساء لأطرح عليهن أسئلتي، ووعدتهن بعدم الكشف عن هوياتهن وأماكن إقامتهن، لكن لم تبد أي واحدة منهن الاستعداد للتحدث إلي والإجابة عن تساؤلاتي.
بعدها عثرت على رجل يعمل في السوق، قال إن اسمه (بيمان) وأقنعته بأن يصحبني إلى واحد من تلك الأماكن، وهذه المرة لم أعرف بنفسي كصحفي.
صحبني بيمان البالغ من العمر 28 سنة إلى بيت جميل في أحد أحياء سنندج، ولما طرقنا الباب ردت واحدة من العاملات في المكان، وبمجرد أن دخلت أزكمت رائحة الحشيش أنفي.
قال بيمان إن تلك الامرأة تغير مكانها في أوقات متقاربة، تجنباً لكشف أمرها من قبل الأجهزة الأمنية. وجدت في غرفة الاستقبال امرأة شبه عارية في الثلاثينيات، قامت وصافحتنا، واسمها (إلهام).
عرضت علي إلهام صور الكثير من النساء وكانت بينهن واحدة في السابعة عشرة من العمر اسمها (كجال)، قال بيمان "كجال جميلة جداً"، ثم نادوا على كجال. قالت إلهام إن الأسعار متباينة: "كان عندي زبائن يدفعون مليون تومان لقاء الليلة، وعندي زبائن يأتونني منذ سنوات، وآخذ من هؤلاء 400 ألف تومان في الليلة".
وعن سبب اختيار هذه المهنة، قالت إلهام: "أنا لا أعمل هذا العمل برغبتي، كنت في السابعة عشرة عندما أجبروني على الزواج، ثم طلقني زوجي بعد سنتين. كانت عائلتي فقيرة واضطررت للعمل في مطعم لقاء أجر زهيد. هناك تعرفت إلى رجل وعدني بمبلغ كبير لقاء مضاجعته. أزعجني ذلك كثيراً في البداية، لكني شيئاً فشيئاً تعودت على هذا العمل، حيث تعرفت من خلال ذلك الرجل على رجل آخر عرفني على رجال كثيرين".
تنهدت إلهام وقالت: "لا أحد يحبني، إنهم لا يريدون غير جسمي"، ثم سحبت أنبوب الأركيلة وقالت: "يأتي عدد كبير من الرجال من أربيل والسليمانية طلباً لبائعات الهوى. إنهم يدفعون بسخاء. لهذا تفضل الفتيات مضاجعتهم. بينما رجال سنندج وكرمانشاه مخادعون وفي بعض الأحيان يمتنعون عن الدفع".
ثم سألتها، ألا تنوين ترك هذا العمل في وقت ما والتفكير في الزواج من جديد؟ ابتسمت ابتسامة تشوبها المرارة وقالت: "من المستحيل أن تتوقف من عملت في البغاء عن عملها لتعود إلى ممارسة حياة عادية، فهي لن تعود قادرة على الاكتفاء برجل واحد".
دخلت كجال الغرفة، وهي فتاة نحيفة تضع الكثير من المكياج. ألقت عنها غطاء رأسها وتناثر شعرها الأشقر على كتفيها. كان يبدو أنها صديقة مقربة لبيمان، لأنها كانت تمازحه وتضحك معه وتخبره كيف أقنعت رجلاً مسناً بشراء بطاقة لتعبئة هاتفها الخليوي. طلبت كجال 400 ألف تومان لقاء ليلة كاملة و200 ألف تومان لممارسة الجنس مرة واحدة معها.
والد كجال مدمن مخدرات وهو الذي أجبر ابنته على مضاجعة أحد مروجي المخدرات عندما كان عمرها أربعة عشر عاماً فقط. ثم اعتقلت الحكومة أباها واضطرت كجال لإعالة أخواتها وإخوانها. تحلم كجال بالرحيل عن إيران والبدء بحياة أفضل في الخارج لها ولأخواتها وإخوانها.
تقول كجال: "لا أريد الاستمرار في أسلوب الحياة هذا، كل ما أنتظره هو أن يكبر إخواني وأخواتي بعض الشيء ونستطيع الرحيل إلى الخارج معاً" رغم أن ما تجنيه يكفي عائلتها.
يتضمن البغاء مخاطر كبيرة، وتشير كجال إلى واحدة من المرات مارس معها عدد من الرجال الجنس في وقت واحد "قالوا أولاً سنعطيك مليون تومان، كان كابوساً، مارس معي الجنس أربعة رجال في حديقة ولم يدعوني أنام طوال الليل".
بعد ذلك اعتذرت وقلت إنني لست زبوناً ثم غادرنا المنزل.
من 11 سنة إلى 50 سنة
أجرت الباحثة الاجتماعية والناشطة في مجال حقوق الإنسان، بيان عزيزي، دراسة ميدانية حول ارتفاع نسبة البغاء في سنندج، وقالت لشبكة رووداو الإعلامية: "لغرض إجراء دراستي، تحدثت إلى 120 بائعة هوى و15 من رؤساء عصابات الاتجار بالجنس و45 زبوناً. أظهرت قصصهم أن الوضع الاقتصادي المتدهور هو سبب ارتفاع نسبة البغاء".
وأضافت: "تبين أن البغاء ناتج عن قلة فرص العمل والتهميش والعنف الاجتماعي والأوضاع النفسية السيئة للناس وارتفاع نسبة الإدمان على المخدرات، وأن أعمار بائعات الهوى تتراوح بين 11 و50 سنة، كانت صغراهن طفلة في الحادية عشرة أدمن والدها المخدرات فاضطرت إلى ممارسة البغاء لتسديد ديون أبيها".
كانت نسبة 20% من البغايا اللواتي شملتهن الدراسة أميات، و9% أكملن الدراسة الجامعية، وكانت نسبة 86% من الزبائن من الأثرياء، و8% أثرياء جداً.
وتعلق عزيزي: "هذا يظهر أن أغلب الزبائن هم الأثرياء"، بينما كان 55% من الزبائن متزوجين و45% غير متزوجين.
الأسوأ قادم
يعزو عضو في منظمة رفاهية إيران اتساع دائرة ممارسة البغاء في المدن الكوردية وأغلب مناطق إيران إلى تشديد العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران.
وقال هذا الناشط الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لكون التصريح لوسائل الإعلام محدداً جداً: "تعمل منظمتنا على إيصال المساعدة الاجتماعية إلى المتضررين وإيواء الأطفال والنساء المعرضين لخطر العنف، لكن لم يعد عندنا ما يكفي من أماكن لإيواء هؤلاء النسوة. كما لا نستطيع حثهن على ترك ممارسة البغاء، لعدم وجود فرص عمل. الوضع الاقتصادي لبلدنا يزداد سوءاً، وهذا ينبئنا بأن الأسوأ قادم".
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً