رووداو ديجيتال
بين فوضى ما بعد الحرب في غزة وتبدّل موازين القوى على الأرض، يبرز اسم ياسر أبو شباب كرمزٍ لتحوّلات المرحلة، من سجينٍ هارب إلى قائد ميليشيا محلية تُثير الجدل بين الولاء والاتهام.
تزامنًا مع مساعٍ لإعادة ترتيب الأمن الداخلي وانتشار مجموعات مسلحة جديدة، يبدو الجنوب الغزّي اليوم مسرحًا لصراعٍ صامت بين بقايا كتائب القسام ومجموعات عشائرية مسلحة تحاول فرض نفوذها، في مشهدٍ يعكس هشاشة الوضع الميداني وتنازع السيطرة داخل القطاع.
أحدث المستجدات: بقاء مشروط في شرق رفح
رغم وقف إطلاق النار، أعلن مقاتلو القوات الشعبية بقيادة أبو شباب تمسّكهم بالبقاء في مناطقهم شرق رفح، مؤكدين أنهم "لن يغادروا مواقعهم قبل ضمان أمن الأهالي". فيما أشارت بعض المصادر الفلسطينية عكس ذلك، وأن بعضًا منهم طلب من أقاربه التوسط لدى حماس للعفو عنه.
وأفاد شهود عيان لرووداو من داخل غزة أن هناك بالفعل فصائل أو مجموعات مسلحة، إن صح التعبير، لا تزال موجودة على الأرض وتحمل السلاح، مثل مجموعة ياسر أبو شباب، وأشاروا إلى أن هذه المجاميع تكن غضبًا ضد حماس وتريد الانتقام منها جراء تعرضها للاعتقالات والتعذيب إبان سنوات سيطرة الحركة على قطاع غزة.
وقد أفادت الصحافية من داخل غزة وسام ياسين بأن حماس تكبّدت خسائر كبيرة جدًا في جناحها العسكري، كتائب القسام، غير أن العدد الدقيق للقتلى غير معروف حتى الآن. وتشير التقديرات إلى أن الحركة تلقت ضربات موجعة خلال الحرب، ما أضعف بنيتها العسكرية بشكل واضح. لكن، تضيف ياسين، لا تزال هناك عناصر من حماس وأنصار مدنيون سابقون في مؤسساتها، خصوصًا جهاز الأمن الداخلي التابع لوزارة الداخلية، حيث انتشرت مؤخرًا مجموعات من الشبان الملثمين، صغار السن يحملون السلاح، قيل إن بعضهم جُنّد حديثًا مقابل مساعدات مالية رمزية.
تقول وزارة الداخلية في الحكومة التابعة لحماس إن هؤلاء ينتشرون في الشوارع لحفظ الأمن وتنظيم حركة المواطنين وفك النزاعات، غير أن الواقع يشير أيضًا إلى استمرار وجود مجموعات مسلحة مستقلة تشكّلت خلال الحرب، ويُعتقد أنها حصلت على ضوءٍ أخضر من إسرائيل للتحرك بأمان في مناطق لم تتعرض لضربات الجيش الإسرائيلي.
فيما أكد شهود آخرون أن هذه المجموعات وبعض العائلات في حالة اشتباك مسلح يومي مع عناصر حركة حماس، أسفرت عن جرحى وقتلى، حتى بعد دخول التهدئة حيز التنفيذ. ومن بين تلك العائلات عائلة دغمش التي تخوض مواجهات مع الحركة، حيث أسفر الاشتباك الأخير عن مقتل نحو سبعة من عناصر حماس، وسط مخاوف من تصفية حسابات تلوح في الأفق.
مصير المجموعات المسلحة
تتضارب الأنباء بشأن مصير المجموعات التي قاتلت حماس، ففي حين قالت مصادر إسرائيلية: إن العشائر المناهضة لحماس التي تعاونت مع القوات الإسرائيلية خلال الحرب "لن تُترك جانبًا في مرحلة ما بعد القتال" ،في إشارة ضمنية إلى جماعة أبو شباب، أشارت مصادر أخرى إلى إمكانية التخلي عنهم وعدم القدرة على احتوائهم خلال هذه المرحلة.
في المقابل، تصر حماس على ملاحقة أبو شباب، وقد أصدرت في تموز الماضي أمرًا باعتقاله ومحاكمته بتهمة الخيانة والتخابر، مانحةً إياه مهلة عشرة أيام لتسليم نفسه "وهو ما رفضه علنًا".
منظمات حقوقية محلية ذكرت أن الاشتباكات الأخيرة في رفح بين عناصره وكتائب القسام أوقعت ما لا يقل عن 12 قتيلًا من مجموعته، ما يبرز هشاشة موقعه العسكري حتى داخل المناطق التي يسيطر عليها.
من مُهربٍ إلى زعيم ميليشيا
وُلد ياسر أبو شباب في رفح عام 1993، وينتمي إلى قبيلة الترابين. اعتقلته أجهزة حماس عام 2015 بتهم تتعلق بتهريب المخدرات عبر الأنفاق مع مصر، وصدر بحقه حكم بالسجن 25 عامًا. لكن مع اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، دمّر القصف الإسرائيلي جزءًا من البنية الأمنية، ما مكّنه من الهروب من السجن وتأسيس ميليشيا محلية ضمت فارّين ومقاتلين سابقين.
خلال أشهر قليلة، تحوّل إلى قائد لـ"القوات الشعبية"، وهي تشكيل مسلح فرض سيطرته على شريط حدودي شرق رفح، واتّهم بالاستيلاء على شاحنات المساعدات وفرض جبايات على السكان.
تقارير دولية ، بينها رويترز وواشنطن بوست ، أكدت أن إسرائيل قدّمت دعمًا لوجستيًا لبعض المجموعات العشائرية المناهضة لحماس، من بينها جماعة أبو شباب، في محاولة لإيجاد توازن ميداني يضعف سيطرة الحركة في القطاع. ففي حزيران الماضي، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل تقوم بتسليح عشائر في غزة قال إنها معارِضة لحماس، وجاءت تصريحاته بعد أن نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادر دفاعية قولها إن نتنياهو أَذن بتزويد جماعة في جنوب غزة بالأسلحة.
من جانبه، نفى ياسر أبو شباب في مقطع على الإنترنت "نفياً قاطعاً" أن تكون إسرائيل قد قامت بتزويد جماعته بالأسلحة، قائلاً إن "أسلحتنا بسيطة وقديمة، وحصلنا عليها بدعم من شعبنا".
أما عائلته، فقد أعلنت في بيان لها منتصف 2025 تبرّؤها منه، معتبرةً أنه "انحرف عن القيم الوطنية والعشائرية".
في ظل الضبابية التي تخيّم على جنوب غزة، يبدو أن مصير ياسر أبو شباب وجماعته يختصر مشهد ما بعد الحرب: جماعات خرجت من تحت الأنقاض تبحث عن دور في خريطة سياسية جديدة لم تتضح ملامحها بعد.
وبينما تحاول حماس إعادة ترتيب أوراقها، وتواصل إسرائيل هندسة واقعٍ أمني يخدم مصالحها، يبقى الجنوب ساحة مفتوحة لتوازنات هشة بين العشائر والمجموعات المسلحة.
أما أبو شباب، الذي صعد من مهربٍ إلى زعيم ميليشيا، فيواجه اليوم احتمالات متناقضة: إما أن يُعاد تدويره كأداة في معادلة النفوذ الجديدة، أو أن يُطوى ملفه بصمت كما طُويت ملفات كثيرة قبله في غزة التي لا تهدأ.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً