صلاح الدين دميرتاش.. "إيكاروس" السياسة الكوردية في تركيا

23-12-2017
رووداو
الكلمات الدالة دميرتاش إيكاروس حزب الشعوب الديمقراطية
A+ A-

رووداو – أربيل

بعد حوالي 7 أعوام من انطلاق حركة الكفاح المسلح التي قادها حزب العمال الكوردستاني، وتحديداً في العاشر من تموز/يوليو عام 1991، تجمع عشرات الآلاف لحضور مراسم دفن السياسي الكوردي والناشط في مجال حقوق الإنسان، فدات آيدن، في مدينة دياربكر "آمد" بكوردستان تركيا.

من بين تلك الحشود الغفيرة، كان هناك شاب يافع لا يتجاوز من العمر 18 ربيعاً، اسمه صلاح الدين دميرتاش، والذي سمع جملة "الشعب الكوردي" لأول مرة على لسان أصدقائه في المدرسة، فحتى ذلك الحين لم يكن دميرتاش يعلم إن كان كوردياً أم تركياً، إلا أن أحداث ذلك اليوم، أماطت اللثام عن كل شيء، وأظهرت الحقيقة بوضوح أمام الشاب اليافع.

خلال مراسم تشييع، فدات آيدن، أطقلت القوات التركية الرصاص الحي على المشيعين، وبحسب أرقام الحكومة التركية، فقد قُتل 8 أشخاص نتجية ذلك، إلا أن الأطراف الكوردية تتحدث عن مقتل أكثر من 20 شخصاً.

ويقول دميرتاش في هذا السياق إن أحداث ذلك اليوم كانت كفيلةً بإيضاح الصورة أمام عينيه وتحويله إلى شخص آخر، وأنه فهم كل شيء حينها، وتبدلت حياته جذرياً.

وبحسب تقرير لصحيفة "غارديان" البريطانية، فإن والد ووالدة صلاح الدين دميرتاش، كانا متفقين على تربية ودليهما وفقاً للرؤية والسياسة الرسمية لتركيا، وبحسب هذا المفهوم، فإن "كل المواطنين الذين يعيشون في تركيا هم أتراك".

تشكل الفكر السياسي لصلاح الدين دميرتاش في قلب انتفاضات شعب كوردستان تركيا في سنوات التسعينيات، وليس في كنف عائلته، وفي ذلك الوقت كانت ممارسات قوات الأمن التركية ضد انتفاضات الكورد قائمة على أساس العنف والقسوة.

دميرتاش وجد نفسه داخل أحد السجون التركية، وهو شقيق نورالدين دميرتاش، الذي سُجن لمدة 12 عاماً بتهمة الانتماء لجناح شبيبة حزب العمال الكوردستاني، وبعد ذلك أصبح نورالدين مقاتلاً في صفوف حزب العمال الكوردستاني، ولا يزال.

خلال سنوات التسعينيات كانت المؤسسات الأمنية التركية تستخدم سيارات فرنسية من نوع "رينو"، وفي تلك الفترة، كانت سيارات "رينو" البيضاء رمزاً لقتل وتعذيب الشعب الكوردي.

وفي هذا السياق تحدث صلاح الدين دميرتاش خلال مقابلة مع مجلة "نيويوركر" الأمريكية، في وقت سابق، قائلاً: "لقد أجبروني أنا أيضاً على ركوب سيارات (رينو) البيضاء، وأعرف الكثيرين ممن ذهبوا بتلك السيارات، ولكنهم لم يعودوا أحياءً".

سنوات دراسة دميرتاش الجامعية في فترة التسعينيات تعتبر الأكثر دموية بكوردستان تركيا في التاريخ المعاصر، حيث كانت الحرب بين حزب العمال الكوردستان وتركيا في أوجها، وكان الكثير ممن هم في سنِّ دميرتاش في ذلك الحين مقاتلين في صفوف حزب العمال الكوردستاني.

ويكشف تقرير نشره موقع "أحوال نيوز"، أن صلاح الدين دميرتاش كان يفكر بالانضمام لحزب العمال الكوردستاني في تلك الفترة، ولكنه اتخذ قراره النهائي بعد ذلك، وأكمل دراسته في كلية الحقوق بجامعة أنقرة.

بعد إنهاء دراسته الجامعية، عاد دميرتاش إلى دياربكر "آمد" عام 1998، وأصبح محامياً في قضايا حقوق الإنسان، وفي عام 2004 أصبح رئيساً لهيئة حقوق الإنسان – فرع دياربكر "آمد"، أي بمعنى، استلم نفس المنصب الذي كان يشغله، فدات آيدن، قبل أحداث عام 1991، والذي حضر دميرتاش مراسم تشييعه حين كان شاباً لم يتجاوز 18 عاماً.

كان دميرتاش مُصراً على أن تُجلب جثامين مقاتلي حزب العمال الكوردستاني من الجبال، وتُسلم لعوائل وذوي المقاتلين، ولهذا السبب، أطلق عليه أبناء منطقته اسم "محامي العظام والجثث"، في حين اتهمته الحكومة بدعم حزب العمال الكوردستاني، بحسب صحيفة "غارديان" البريطانية.

في تلك الفترة، عقد صلاح الدين قرانه على، باشاك دميرتاش، وأقيمت الأفراح بهذه المناسبة، ويُعرّف موقع "أحوال نيوز" في تقرير له تلك الفترة بـ"سعادة مرحلة طفولة دميرتاش"، وكانت باشاك تعمل مُدرسة، في حين تطوع دميرتاش للدفاع عن السجناء السياسيين.

صلاح الدين دميرتاش شخص متحمس وطيب المعشر، وبرز اسمه خلال عمله في القضايا السياسية المستعصية داخل مختلف محاكم تركيا، كما أن هذا العمل منحه تجربة مفيدة وانعكس على شخصيته وأسلوبه الخطابي.

كشف أحد أقارب رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي، كمال قليجدار أوغلو، لصحيفة "غارديان" البريطانية، أن "قليجدار أوغلو كان مندهشاً ومتعجباً عندما اجتمع بصلاح الدين دميرتاش لأول مرة، وأن قليجدار أوغلو قال عقب انتهاء الاجتماع، إن هذا الرجل (أي دميرتاش) ذكي جداً". 

لم يكن صدفةً ترشيح صلاح الدين دميرتاش ليكون برلمانياً عن حزب المجتمع الديمقراطي، وهو في سنّ الـ33، وبعد عامين سحبت المحكمة التركيا العليا تصريح العمل من هذا الحزب، فأسس أعضاؤه من البرلمانيين حزباً جديداً باسم "حزب السلام والديمقراطية"، وفي عام 2010 عقد الحزب الجديد مؤتمره، وانتخب كلٌّ من صلاح الدين دميرتاش وكولتان كشاناك، رئيسين مشتركين للحزب.

كان دميرتاش يبلغ من العمر 37 عاماً آنذاك، وبعد عامين، اتحد حزبا السلام والديمقراطية، والشعوب الديمقراطية، في حزب واحد.

بعد مرور 25 عاماً على مراسم التشييع الدموية للراحل، فدات آيدن، أصبح صلاح الدين دميرتاش منافساً لرجب طيب أردوغان في انتخابات الرئاسة التركية، وحاز على 9.77% من الأصوات.

على الرغم من أن الأصوات التي حصل عليها صلاح الدين دميرتاش في الانتخابات الرئاسية كانت أقل من أصوات المرشحين الآخرين، إلا أن دميرتاش ظهر آنذاك كسياسي قوي ومتمكن، كما ازدادت الآمال بأن يتمكن حزب الشعوب الديمقراطية من تخطي حاجز 10% في الانتخابات البرلمانية عام 2015، وهو من حدث بالفعل في الالنتخابات التي أجريت في حزيران من ذلك العام، حيث حصد حزب الشعوب الديمقراطية 13% من الأصوات، وحجز 80 مقعداً في البرلمان التركي من أصل 550 مقعد.

سبب هذا الانتصار لم يكن دميرتاش بمفرده، ولكنه كان داعماً قوياً لحل القضية الكوردية سلمياً، ولتحقيق هذا الهدف مدَّ دميرتاش يده لجميع المكونات والأقليات غير الراضية، وكذلك العلمانيين الأتراك.

كان دميرتاش على يقين من أن الحل السلمي للقضية الكوردية غير ممكن بدون الانفتاح السياسي في عموم تركيا، ولكن الحزب الحاكم في تركيا يعلم أن صلاح الدين دميرتاش ليس قومياً كوردياً فحسب، ليبدأ بعملية السلام من دياربكر "آمد"، ويبقيها هناك.

الانتصار في انتخابات حزيران من عام 2015، والذي جاء بدعم من الأقليات غير الكوردية وغير التركية، نقل حالة التأزم إلى أنقرة، مما شكل تحدياً أمام دميرتاش.

خلال تلك الانتخابات، عرف صلاح الدين دمبرتاش نفسه بـ"ممثل المسحوقين والمنسيين"، في حين أطلق عليه الأوروبيون اسم "أوباما تركيا".

في يوم 4 نوفمبر من عام 2016، اعتقل الرئيسان المشتركان لحزب الشعوب الديمقراطية، صلاح الدين دميرتاش، وفيغان يوكسكداغ، ولا يزال دميرتاش "44 عاماً" معتقلاً منذ 400 يوم، ولم يتضح بعد مصير هذا الملف الشائك في ظل الأزمات السياسية والأمنية التي تعصف بتركيا.

*من هو إيكاروس؟:

هو ابن المخترع والبنّاء "ديدالوس" في الأساطير الإغريقية، وقد ذُكر في الميثولوجيا اليونانية أن "ديدالوس" بنى متاهة تم احتجاز وحش "المينوتور" فيها، وذلك بأمر من الملك "مينوس"، ولكن بعد زمن غضب الملك "مينوس" على "ديدالوس" لسبب ما، وأمر بأن يسجن مع ابنه "إيكاروس" في المتاهة التي بناها، ورغم أن "ديدالوس" هو الذي صمم المتاهة، إلا أنه كان من المستحيل عليه أن يعرف طريق الخروج منها.

وبعد تفكير وجد أن الحل الوحيد للخروج من المتاهة هو الطيران، فقام ابنه "إيكاروس" بجمع ريش الطيور، وصنع والده "ديدالوس" أجنحة وألصق الريش بواسطة الشمع، وحين أصبحا مستعدين للطيران قال "ديدالوس" لولده "إيكاروس": يجب أن تطير على ارتفاع معتدل، لا تطير على ارتفاع منخفض حتى لا تفسد الرطوبة أجنحتك، ولا تطير عالياً حتى لا تُذوب الشمس أجنحتك، كُن قريباً مني لتكون بأمان.

وبوجه تبلله الدموع ويدان ترتعشان، قبّل "ديدالوس" ابنه "إيكاروس" لآخر مرة، ثم طارا معاً وخرجا من المتاهة، وحين شاهدهم أحد الرعاة ذهل وظن أنهما من "الآلهة" لأنهما يطيران، إلا أن الحماس بدأ يدخل في نفس "إيكاروس" حين وجد نفسه يطير فعلاً، فتجاهل نصيحة والده وطار عالياً، فأذابت الشمس أجنحته وهوى نحو البحر وغرق.

ترجمة وتحرير: أوميد عبدالكريم إبراهيم

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب