رووداو ديجيتال
واحدة من مدن شمال كوردستان العريقة، يقطنها أكثر من 380 ألف نسمة وتقوم على أرض زراعية خصبة إلى جانب بحيرتها الشهيرة، ولديها الكثير من الحجج لتنافس مدن العالم المعروفة في الجمال والقصص المثيرة.
بعد الإبادة الجماعية للأرمن في العام 1915، بات كل سكانها الحاليون من الكورد وتعتمد في معيشتها على الزراعة والسياحة.
يقول الخبير في تاريخ وان، لقمان كزكين: "بنيت (وان) في سنة 3000 قبل الميلاد على يد الأورارتو، واسمها هو (تشاوي)، واسم الأورارتو هو "توشبا" أو كما يقولون توشبا الأورارتو، وكلمة توشبا تعني (بلد الشمس)، أو "مدينة الشمس"، مضيفاً: "كان الأورارتو حاذقين في شق الجداول والسواقي والري أو في هندسة الري. اشتهروا تاريخياً بهندسة الري، ولو جئتك بمثل، فعندي قناة (شاميرا) المائية التي هي عبارة عن ساقية طويلة تمتد من منطقة (بايزاوا) إلى مدينة (وان)، حيث تصب في بحيرة (وان)".
مخلص كايا، مدير السياحة في بلدية وان أشار إلى أنه "نسمع الآن، وربما يظن الناس أن جزيرة أختمار هي أهم المواقع في (وان)، لكن الأمر ليس كذلك. نحن في (وان)، حاولنا تغيير هذه الفكرة من خلال مسابقة للتصوير الفوتوغرافي، أجريناها للمرة الأولى. عندما يذكر اسم (وان)، تتبادر إلى الأذهان قطط (وان)، أجبان (وان)، قلعة (وان)، جزيرة أختمار، لكننا في مسابقة الصور الفوتوغرافية كانت لنا في أيام ومن خلال 256 مصوراً فوتوغرافياً جولة في 16 اتجاهاً مختلفاً بالمدينة، وفي كل يوم كنا نقصد أربعة من هذه الاتجاهات، وكان التصوير يستمر، كان عدد الصور التي التقطت أكبر بكثير، لكن التي اختيرت كانت من نتاج هذه الأيام الأربعة، مناطق باشكالا، آزيز توماس، كنيسة السيد توماس، قرية إيل، تعد أهم المناطق السياحية في (وان)".
تبدأ حركة السياح أولاً بزيارة البحيرة التي تعرف ببحيرة (وان)، وتقع بين محافظتي (وان) وبدليس، وتعد كبرى بحيرات الصودا في العالم وفي كوردستان، تبلغ مساحتها 3500 كيلومتر مربع، وأعمق نقطة فيها يبلغ عمقها 451 متراً.
يوضح أستاذ بقسم الجغرافية في جامعة وان فاروق علاء الدين قائلاً: "ماؤها نقي وصافٍ، لونه جميل، يمكن ملاحظة تغير لون الماء يومياً نتيجة اختلاف زاوية سقوط أشعة الشمس عليه، هذا التغير في اللون هو بمثابة مهرجان جميل جداً للمشاهد، جمال لون البحيرة وسكون مائها عند امتزاجهما بأشعة الشمس، يولّدون لوحة نادرة تعرض على من حولها، وخاصة من جهة الشواطئ الجنوبية والشرقية للبحيرة".
من جهته نوه مَموستان عبد الرحمن، وهو سائح من ماردين، إلى أنه "شاهدت الكثير من الأماكن في تركيا، لكنني لم أرَ في أي مكان ماء كهذا، نقياً ونظيفاً، وعلى السياح أن يأتوا ويروا بأنفسهم. يكلف القليل من المال بينما الخدمات كثيرة. نحن ننفق القليل من المال، بينما الخدمات هنا أفضل مما في مرمريس وبودروم وأي مكان آخر. على الناس أن تأتي إلى هنا وترى بنفسها".
وفي السياق بين فاروق علاء الدين أن "شهرة (وان) تزداد بمرور الوقت، خاصة مع التغير المناخي. فالسياح يتوافدون إلى هنا ليس من إيران والعراق فقط، بل من مناطق تركيا المختلفة أيضاً".
فيما تحدث مخلص كايا، مدير السياحة في بلدية وان عن السياحة بصورة عامة، مبيناً أن لها "مكانة مهمة في (وان). لكن (وان) مكان مهم لتربية الحيوانات أيضاً. فهناك مثلاً أربعة ملايين رأس غنم وماعز، وهي من الأماكن التي يربى فيها أكبر عدد من الأغنام والماعز. بصورة عامة، تتمتع السياحة بمكانة مهمة في (وان). زاد الإنتاج الزراعي في (وان) باستخدام البيوت البلاستيكية، ولها أهمية تجارية. يوجد منفذ حدودي يربطنا بإيران، وتشهد الحركة التجارية عبره تقدماً تدريجياً."
الفلامينغو في (وان) هي الطيور المهاجرة البيض، تخفي سحرها تحت أجنحتها. فعندما تحلق ينقلب لونها إلى البرتقالي، فالفلامينغو، أضفت المزيد من القيمة والشهرة لزرقة البحيرة، فهي تأتي إلى (وان) في الصيف قادمة من الشمال، وفي الخريف ترحل باتجاه أفريقيا.
لقمان كزكين قال عنها إنها تأتي إلى (وان) مرتين في السنة "الفنانون يقصدون (وان) لأسباب سياحية ولأسباب فنية ولجمال الطيور، فيرسمون لوحات تصور طيور الفلامينغو، ولكون مياه البحيرة مالحة وفيها ملح، يتلون أسفل أجنحة الفلامينغو باللون الأحمر أو البرتقالي، وهذا مرتبط بخصوصية ملح البحيرة".
أما شلال المرادية مقصد السياح في الفصول الأربعة يقع على مسافة 75 كم شمال شرق (وان)، لكن جمال طبيعته يزيد من قرب (وان) إلى قلوب زواره، الشلال يقع بالقرب من نهر (بنديماهية) وتسقط مياهه من ارتفاع 15 متراً.
أندرو أنطوني، وهو سائح بريطاني نوه إلى أنه "خلال فترة إقامتي الطويلة في تركيا، تعرفت في الغالب على غرب البلد وتاريخه الأوروبي، للأسف لا أعرف الكثير عن هذا الجزء من البلد. كنت بالتأكيد أعرف عن تراث أورارتو والحضارات الأخرى، لكن عندما زرت متحف وقلعة (وان)، أدركت أني أعرف القليل عن تاريخ (وان)".
هناك مقولة شائعة بين أهالي (وان)، مفادها أن "جيوبنا يملؤها الإيرانيون"، وتشير إحصائيات بلدة (وان) إلى أن أكثر من 80% من السياح المتوافدين على هذه المحافظة يأتون من إيران وشرق كوردستان. ففي سبعة أشهر من العام 2022، زار (وان) 225 ألف سائح إيراني، هذا بينما كان عدد السياح الإيرانيين 400 ألف في الأشهر السبعة الأولى من العام 2019.
بيمان ذبيحيان، موسيقي من فريق سياحي أكد أن "أهالي مدن غرب طهران هم أكثر من يأتون إلى هنا. يأتي السياح من تبريز وأورمية ومن أغلب المدن، لأنني أعمل موسيقياً هنا، أعلم أن الناس تأتي من كل المدن. بصورة عامة لقرب (وان) من إيران، حيث يمكننا القول إنها ملاصقة لإيران، يأتي الكثير من السياح إلى هنا".
فاروق علاءالدين، أستاذ بقسم الجغرافيا في جامعة وان نوه إلى ان "السياح في أغلبهم يأتون الآن من إيران إلى (وان) المجاورة لها. قسم منهم يأتي من شمال العراق لزيارة بحيرة (وان). لا شك أن تغيرات طرأت بمرور الوقت. في الثمانينيات استقبلت (وان) ما بين مائة ومائتي ألف سائح، لكن هذا العدد تراجع الآن للأسف إلى ما بين 25 و30 ألفاً، هذا يعني أنه في 30 أو 40 أو حتى 50 سنة من الآن كانت نسبة 1.7% من السياح الذين زاروا تركيا تزور (وان)".
وأضاف أن "الذين يأتون بقصد السياحة، لا يهتمون كثيراً بالنفقات وتكون أيديهم مبسوطة في إنفاق المال. السياح القادمون من الدول الأوروبية وأميركا واليابان وكوريا الجنوبية، هؤلاء بصورة خاصة جلبوا الكثير من الأموال إلى (وان)، لكن السياح الآن يأتون في الغالب لقضاء الوقت والاستجمام. مثلاً، السياح القادمون من شمال العراق وإيران، يأتون لقضاء الوقت والتسوق. لكن ما سبب اختيارهم لوان؟ هناك سببان أساسيان، أولهما هو أن (وان) أرخص مقارنة بسائر مناطق البحر المتوسط. فالأسعار في المناطق الأخرى أعلى وهي أقل هنا مقارنة مع إسطنبول والمدن الأخرى المطلة على البحر المتوسط السبب الثاني هو القرب".
أما عن الأطباق المعروفة في وان فقد تجاوزت أسماك دارَخ وكَفالي وكَلَدوش بطعمها ونكهتها حدود هذه المحافظة، وتحدث عنه الطباخ أردم دونر قائلاً: "هذا هو طبق كَلَدوش الذي هو طبق خاص بمدينة (وان). تضاف إليه عشبة (بَنجاريسك) التي نجمعها من الطبيعة في (وان)، ونضيفها إلى طبق كَلَدوش. نقوم بهذا العمل بأيدينا. أود أيضاً أن أخبركم بأن طبق كَلَدوش فاز بالجائزة الأولى في مسابقة جرت في باكستان. مكونات الطبق هي: الحمص، الحنطة، العدس الأخضر، الزبدة، البهارات والنعناع والفلفل الأسود".
وفيما يخص قلعة (وان) التاريخية التي تقع على مسافة خمسة كيلومترات من مركز المدينة، وهي واحدة من المواقع الأثرية التاريخية عالمياً، بإمكان القلعة أن تضع في متناول زوارها كامل خريطة المدينة، وهي إلى جانب جزيرة أختمار، مسجلة في القائمة الموقتة للآثار التاريخية العالمية.
بهذا الشأن يقول لقمان كزكين، وهو خبير في تاريخ وان: "أنشأ الأورارتو حضارة غاية في الثراء. خلفوا هذا منذ ثلاثة آلاف عام وما هو باق الآن يشكل 10 أو 20% منه، والباقي في (وان) يشكل 70%. لم يخلف العهد العثماني سوى جوامع قليلة فقط، أما القلعة والسواقي والبحيرات الاصطناعية التي لا تزال باقية وتقدم خدماتها للأهالي وغيرها من الأمور، فهي مما ترك الأورارتو".
ينبع من داخل كهف.. ماء رقراق ينساب على أكتاف وأطراف الصخور باتجاه نهر (ميكس) الذي يسمى بالتركية (باخجة سراي)، وهو واحد من روافد نهر دجلة، أنشئت على ضفافه مجموعة من المصايف والمرافق السياحية وهذا واحد منها.
عندما تريد أن تلقي نظرة على ضريح الشاعر الكوردي المعروف فَقي تيران، الشاعر الذي ألف أعظم ما كتب في الأدبيات عن المياه والأنهر والسواقي والجداول.. يجب أن تقوم بجولة في ربوع أجمل الأرياف، إذاً عليك أن تقصد منطقة ميكس.
يقول إسماعيل جولة ميركي، وهو مغني إن "مغنو المصايف حولوا قصائد فقي تيران إلى أغاني، وخاصة قصيدة (هەی دولبەرێ)، لكن المحزن أن القصيدة التي يؤديها المغنون الآن ليست نفسها قصيدة فَقي تيران. للأسف، لم تستخدم نصوص فَقي تيران كما هي بل جرى التلاعب بها، ولهذا لا يكاد أحد يميزها ويعرف أنها من نصوص فَقي تيران".
يتوجه السياح صوب جزيرة أختمار الأسطورية.. 25 دقيقة من الإبحار.. منذ سنين طوال، تروي الجزيرة لروادها قصة حب راعٍ كوردي وأميرة أرمنية اسمها (تمارا).. تقول القصة إنه عندما حاول الراعي الوصول سباحة إلى الملقى مع حبيبته، تبتلعه مياه البحيرة ويغرق فيصيح "آخخ تمارا"
ويروي هذه القصة المغني إسماعيل جولة ميركي، "كانت تلك قصة حب عظيمة، هناك الكثير من الأغاني التي تغنت بها. عندما يذهب الراعي سباحة ويريد الوصول إلى حبيبته، ينطلق في الليل ويسبح، وكان يحمل معه ما يضيء، شمعةً أو شعلة ما، كعلامة لتلاحظه الفتاة، لكن المياه واسعة والمسافة بعيدة، وبعد أن قطع منها شأواً، نال منه التعب وخارت قواه وبدأ يغرق شيئاً فشيئاً".
توجد في الجزيرة كنيسة شهيرة تعرف بـ"كنيسة الصليب" التي شيدها ملك أرمني في سنة 915 ميلادية، جمال أشجار اللوز في الربيع، وامتزاج زرقة السماء بزرقة مياه بحيرة (وان) في الصيف، والرداء الأبيض الذي يكسو الجزيرة في الشتاء، كل هذا يضفي منظراً رائعاً على المنطقة، حيث زار هذه الجزيرة في السنة الماضية 130 ألف سائح.
خسرو مصطفى، سائح في وان يشير إلى انه "جئنا من سوران - ديانا في إقليم كوردستان. جئنا لنرى أختمار التي هي موقع تاريخي عريق، ولنا أيضاً أقارب هنا. بحيرة (وان)، وأطراف (وان)، مناطق خلابة تُشعر المرء بالنشوة."
كما أن الأحجار العجيبة في منطقة باشكالا وفي قرية يافوزلار، ينتصب مشهد الجبل والصخورُ المادّةُ قاماتِها إلى أعلى، ما يضطر السياح إلى الابتعاد عن (وان) أكثر من 100 كم.. مع تقادم الزمن تزداد الصخور رقة وحدّة.
وهذا ما يؤكده لقمان كزكين، خبير في تاريخ وان: "الرياح والأمطار والعوامل الطبيعية تؤدي إلى رقة في الجزء السفلي من الصخور مع تضخم في الجزء الأعلى، فتبقى الرؤوس صلبة كما هي بينما القواعد ترق وتضعف. هكذا ظهرت هذه الصخرة التي هي نتاج الطبيعة. توجد هناك حمامات ساخنة أيضاً، عندما يتدفق الماء إلى السطح تصحبه رغوة تبدو في بياضها وكأنها الثلج".
أما عن قرية (سكانس) التي أصبحت بقوتها الناعمة، وبشلالها ونبعها الفريد وصخورها البيض في حضن وادٍ أخضر، لوحة فنية مثيرة للتعجب، هذه المشاهد تبعد عن (وان) بنحو 140 كم من جهة جنوب الغرب.
يخشى الدرّاجون اليوم الذي تفقد فيه البحيرة لونها الأزرق، لذلك ينظمون كل سنة مهرجاناً يقولون فيه للسياح: "رجاء أكمل رحلتك بنظافة".. إنهم متأكدون من أن مصير المدينة رهن بمصير البحيرة.
في هذه المدينة، تستطيع الطبيعة أن تستجيب في الفصول الأربعة كلها لأنظار السياح، لكن في الربيع والصيف، تتولى الشلالات والينابيع والمساحات الخضر والزهور تسطير أجمل أيامك.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً