سبايا الخلافة... باعوني ثلاث مرات في يوم واحد

22-06-2019
نوزاد محمود
الكلمات الدالة سبايا الخلافة الكورد الإزيديين داعش
A+ A-

رووداو- دهوك

أنهكها تماماً طريق سنجار الطويل. زادت ملامح التعب الظاهرة على وجهها بعدما أخبرها أهلها بأن ديارها المحررة تئن الآن تحت وطأة الصراع بين القوى المختلفة والمتنازعة.

عليها أن تستأنف مع أختها حياتهما من نقطة الصفر، فلم تستطيعا حتى إنقاذ الحقيبة الصغيرة التي كانت تضم صور أبيهما وأمهما وأخوتهما، بل لا تجد صورة تطلعني عليها لتقول إنه كان لها أم حنون ذات يوم: "خسرنا كل شيء... حطم داعش كل شيء يتعلق بنا".

تركو حسن، لا تحالفها كلماتها عندما تتكلم لتعبر عما فعل بها داعش بدقة وبالتفصيل: "رأيت مسلحي داعش عندما اقتربوا من بيت المختار وكانوا يتحدثون في ما بينهم، بدا لي المختار عديم الحيلة، وكان الدواعش يتوعدونه، كان ذلك في الثالث من آب. مكثت في دارنا حتى الرابعة عصراً، وها أنا في هذا المخيم بعد خمس سنوات".

لم تكن في سن يسمح بأن توزع كالحلوى لتكون كل يوم طعام أحدهم وفي بيت مختلف. كانت تركو أسيرة المآسي على مدى خمس سنوات حفلت بالألم ولم يكن بيدها القرار بخصوص جسدها وحياتها وتحركاتها.

***

عندما دخل مسلحو داعش قرية كوجو، كانوا قد اتخذوا قرارهم مسبقاً ورسموا خططهم، فقد كانوا يريدون للقتول الجماعية التي يرتكبونها في تلك القرية الإزيدية الجميلة المميزة، أن تكون من نوع خاص. لا يعرف أحد حتى الآن لماذا حل هذا بكوجو؟ لكن تركو تعرف أنه عندما منح مسلحو داعش مختار القرية مهلة بضعة أيام، لم تثمر جهود مختار القرية فيها للعثور على منفذ لتخليص أهل القرية وإنقاذهم عن شيء: "كان الناس يقولون إنهم (داعش) سيقتلون الرجال وسيأخذون النساء. كان هذا ما يتوقعه أغلب أبناء القرية".

تمكنت قلة قليلة من الهروب من القرية قبل محاصرتها من قبل داعش، كانت تركو وعائلتها من الذين تمكنوا من الوصول إلى سنوني، بدون علم منهم بأن داعش قد تقدم أكثر مما توقعوا "هربنا في الساعة الرابعة عصراً، لكنهم ألقوا القبض علينا في نقطة التفتيش بسنوني. كانوا يعرفون من أين جئنا وإلى أين نحن ذاهبون. أوقفونا هناك فترة، ثم نقلونا إلى الموصل".

كانت على طول الطريق، تراقب جوانب الطريق وآثار الهجوم المباغت الذي استهدف مناطق الإزيديين. رأت القتلى. كما رأت مقتنيات بدا أن حامليها الذين أنهكهم الطريق، اضطروا للتخلص منها كي لا تعيق تقدمهم وقدرتهم على مواصلة المسير.

استمرت فترة بقائهم في الموصل بعض ساعات. كانوا في تخبط ولا يعرفون بكلام أي من المسلحين يثقون "كان كل واحد منهم يقول شيئاً، فأحدهم يقول سيعيدونكم إلى خانصور، وآخر يقول سيعيدونكم إلى سنجار، لكنهم أخذونا إلى سوريا، وحبسونا في مدرسة".

في مبنى المدرسة، كان الرجال محبوسين في الطابق الأعلى، والنساء في الطابق الأرضي. أمضوا ثمانية أيام هناك. كان يطعمونهم كمية من الطعام تكفي فقط لإبقائهم أحياء. في اليوم السادس، قال لهم أحد الدواعش: "تريدون أن تعرفوا ماذا سنفعل بكم؟ سنقتل كل رجالكم ونبقي على النساء، فكفوا عنا أسئلتكم".

في اليوم الثامن، حملوا الجميع في سيارات، الشباب لوحدهم والصبايا لوحدهن. أما النساء اللواتي معهن أطفال فأعادوهن إلى الموصل. أخذوا بعضهن إلى القيارة، والبعض الآخر إلى قاعة في الموصل.

"ألم تحاولوا الفرار؟"، ضحكت ضحكة ملأى بالمرارة "أنت لا تعرف الذي حل بنا، إن العذاب الذي لقيناه على أيديهم أشد من الذي يظهر في الأفلام"، لا تصدق تركو أن داعش، القوة التي قلبت حياتها رأساً على عقب، قد انتهى.

"جمعونا بالإزيديات مرة أخرى، في الموصل. قاموا خلال ثلاثة أيام بعزل 500 امرأة وقالوا هؤلاء لأمراء داعش. أما الباقيات فتم حملهن في سيارات ونقلوهن إلى تلعفر. كان علي أن أحمد الله لأن أطفالي مازالوا معي". لكن قبل الانطلاق إلى تلعفر، جمعهن واحد من أمراء داعش وتحدث بصوت أجش قائلاً: "أنتن اللواتي تخليتن عن دينكن الباطل؟" فأجاب قسم من الإزيديات بصوت عال وأكدن له إسلامهن. "وهل تعلمن أن من يدخل الإسلام سيلقى معاملة طيبة، ونتعامل معهن بالحسنى ونأخذهن إلى بيوتنا؟". هذه الكلمات كانت مبعث أمل لساعات. لكن مشكلة الإزيديات الدائمة مع الدواعش، كانت أن تعهدات الأخيرين ووعودهم كاذبة باستمرار.

"نقلونا إلى قزلقاية وكسر المحراب. وقالت لي امرأة إزيدية، إن كل الذين جمعوهن هنا من اللواتي أسلمن، وربما يكون كلام ذاك الرجل صحيحاً وقد يعيدون إلينا أزواجنا ويتعاملون معنا بالحسنى".

سكن الأسرى الإزيديون في البيوت بقزلقاية وكسر المحراب، وخفت صوت السياط، لكن بالصورة التي كان يريدها داعش وليس التي تعهد بها: "كنا خاضعين لرقابة مشددة، كانوا يجبرون الرجال على القيام بأعمال شاقة، وعينوا بعضهم كحراس. كما اتخذوا من بعضهم جواسيس على الآخرين". تهيأت الفرصة ليتواصل الإزيديون في ما بينهم، ويفكروا في مصيرهم. "خططنا هناك للهروب معاً نحو سنجار... هربنا ذات ليلة معاً، لكن ألقي القبض علينا بالقرب من سنجار. فتأكدنا جميعاً أن عقوبتنا هي القتل".

***

تذكرني قصة تركو بقصة السيدة الأمريكية السمراء، هيريت توبمان، في ظل العبودية. كان على تلك السيدة، بسبب لون بشرتها، أن تعمل خادمة مدى الحياة في بيت عائلة من الأمريكيين البيض وأن تنسى أنها إنسانة ولها الحق في التمتع بالحياة وبالحرية. دفع الجوع توبمان ذات يوم إلى أن تذوق شيء من الطعام الذي أعد لأولاد مالك الدار، لكنها تعرضت لعقوبة شديدة جداً دفعتها إلى الهرب والبقاء في الشوارع بلا طعام لأكثر من أسبوع.

المسلحون الذي ألقوا القبض على الهاربين، كانوا يخوضون نقاشاً حول ما يجب أن يفعلوا بهم عقاباً على محاولتهم الفرار، وقال أحدهم بصوت مسموع: "الإسلام لا يسمح بقتل النساء والأطفال، لا يجوز لنا أن نقتلهم. أعيدوهم أولاً إلى كسر المحراب".

كان عليهم حينها توقع بطش وحقد وكراهية داعش: "كانوا يجبروننا على العمل وعلى أداء الصلوات، ثم جمعونا في مدرسة في أحد الأيام. كان حجي مهدي وأبو علي وحجي باقر هناك. كان أمير داعشي يجول بيننا حاملاً دفتراً في يده يسجل فيه أسماءنا تمهيداً لبيعنا. كان يصيح ويقول: أنتن كافرات لا دين لكن، تستخدمن الهواتف سراً، وتتصلن بالكفرة في كوردستان. ثم فتشونا جميعاً، لكن لم يعثروا على شيء. لذا أخروا بيعنا ثلاثة أيام، لكننا كنا نعلم أنهم سيبيعوننا".

تم نقلهن في حافلات إلى الموصل. كانوا منشغلين بالحرب ولا يريدون علاج المرضى وكبار السن "حملوا الذين تتجاوز أعمارهم الخمسين في شاحنات وأرسلوهم إلى الحدود مع البيشمركة. ثم نقلونا إلى حي الخضراء في الموصل".

هناك، عزلوا الأطفال أيضاً لإرسالهم إلى معسكرات التدريب "عزلونا في مجاميع تتألف الواحدة منها من عشرة وكانوا ينقلوننا إلى الشرقاط. هناك كانوا يختارون الصغيرات لأمرائهم، والباقيات للمسلحين العاديين. في ذلك اليوم، باعوني ثلاث مرات. كان الثالث يدعى أبو خطاب. بكيت كثيراً وأنا في سيارته. فمد يده إلى هاتفه المحمول وقال خذي وتحدثي إلى من تريدين، فقط توقفي عن البكاء. بقيت عنده شهراً، ثم باعني لشخص يدعى أبو مؤيد".

كانت علاقة المشترين مع تركو علاقة آلية في أغلبها. باعها أبو مؤيد بعد 11 يوماً لشخص يدعى رفيق من الموصل. باعها رفيق بعد أيام قليلة إلى أبي خطاب "أخذني أبو خطاب إلى مقر، تعرض لقصف جوي في واحدة من الليالي. جرح أبو خطاب وعدد آخر من المسلحين، ولزم الفراش 28 يوماً، ثم باعني بعد شهر للمدعو أبو منصور ثم اشتراني أبو سعد السعودي. ثم أعادني إلى أبي منصور، الذي كان قاسياً جداً علي وكان يمنع أطفالي من تناول الطعام عندما يوضع على المائدة، كانوا سيئين جداً وعانيت عذاباً نفسياً كبيراً عندهم".

ينتظر الإزيديون دائماً عودة أفراد عوائلهم المشتتين. لكن تركو وأختها لا تنتظران أحداً، وتعتقدان أنه لم ينج من عائلتهما أحد.

استمر بيع تركو وشراؤها. فباعها أبو منصور لأبي حسن، الذي باعها بعد ليلتين لأبي شرف، الذي عثر بعد ثمانية أيام على أخيها الأصغر وسلمها إياه وأخذها إلى الميادين.اشتراها أبو ليلى في الميادين، وسمح لها باستخدام هاتفه المحمول لتتحدث مع أي شخص تشاء، "تم بيعنا، أختي وأنا، بسبعين ألف دولار لأهلنا. كان أبو ليلى يقول لا تسأليني عن الحلال والحرام في ما نفعله، لأن كل ما نفعله بكم حلال".

في تلك السنوات الخمس السود، لم يتسن لها التفكير في كل الاعتداءات التي تعرضت لها، فقد غابت شمسها قبل أن تشرق، عندما فقدت أطفالها وأمها وأباها وأربعة من أخوتها وأبناء عمومتها. مسحت تركو دموعها، ورفعت رأسها لتتطلع في عيني وتسألني بصوت قوي، هل تستطيع تحمل كل هذا الألم؟ أكاد أجن لهفة إلى رؤية أولادي من جديد، لكن هل تتمكن أنت من إدراك هذا الألم؟"

بإمكان المرء أن يفهم القصص، لكنه لن يستطيع أبداً إدراك الآلام التي في قلب شخص آخر. إننا عندما نتحمل الموقف في مواجهة آلام تركو، فإن ذلك ليس نابعاً من رباطة جأش، بل هو يأس عميق يقول لنا إن كوكبنا ماض باتجاه مستقبل يعج بالفوضى والتوتر.

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

صور لحقل نفطي وشعاري العراق وحكومة إقليم كوردستان- غرافيك رووداو

مصدر مطلع لرووداو: تسليم كامل النفط المنتج في إقليم كوردستان إلى بغداد

ردّت حكومة إقليم كوردستان على مسودة الاتفاق مع الحكومة الاتحادية بشأن استئناف تصدير النفط، والتي تنص على أن تتولى بغداد توفير المنتجات النفطية، إلى جانب إرسال لجنة لتقدير مستوى إنتاج النفط في الإقليم وتحديد حجم الاحتياجات المحلية من هذه المنتجات، فيما قدمت شركات إنتاج النفط ثلاثة مطالب تتعلق بتكاليف الإنتاج والنقل، والديون المتراكمة، وآلية التعامل مع عقودها.