المسلحون الكورد في صفوف داعش.. قصصهم ودوافع الإنضمام

21-08-2016
رووداو
الكلمات الدالة داعش الكورد فورين أفيرز
A+ A-

رووداو -    Foreign Affairs

"الحركات الجهادية موجودة هنا منذ عدة عقود، لكننا سنقضي على داعش، كما قضينا على الحركات الاخرى"، هذا ما قاله مسؤول رفيع في حماية اقليم كوردستان لفريق استقصائي من مجلة فورين أفيرز، التي بقيت في اقليم كوردستان لمدة أسبوعين للتحقيق في وجود تنظيم "الدولة الاسلامية" داعش.

وزار طاقم المجلة، منطقة "تازة" خلال الرحلة، وهي احدى الخطوط الأمامية للقتال ضد مسلحي داعش في العراق، وقال قائد القاعدة، إنه منذ بداية الحملة الجوية للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، لم يتمكن داعش من شن أي هجمات جدية في المنطقة "باستثناء اطلاق عدد قليل من قذائف الهاون أحياناً، وذلك فقط ليقولوا لنا بأن لهم وجوداً هنا"، بالاضافة الى لجوء داعش لإستخدام قذائف محملة بالكلور وغاز الخردل. 

لكن داعش، ليس مجرد جماعة مسلحة تهدد حدود اقليم كوردستان، وإنما هو أيضاً مشكلة داخلية، وتواصل الأجهزة الأمنية في إقليم كوردستان جهودها لمنع هجمات داعش داخل أراضي الاقليم، واعتقال عدد من الأعضاء الكورد والعرب وحتى من عناصر داعش الغربيين، الذين كانوا يعملون في شبكات جذب المجندين، وتقديم الخدمات اللوجستية لهم.

الكورد والجماعات السلفية الجهادية

يثبت التاريخ أن الجماعات الجهادية لم تتمكن من ايجاد موقع ثابت لها في الثقافة الكوردية، لان هذه الثقافة كان لها تعريفها الخاص للنضال القومي العلماني ضد الأنظمة العربية، وعلى الرغم من ذلك كانت للجماعات الجهادية نوعاً من الحضور في اقليم كوردستان، وانشقت الجماعات الجهادية الكوردية من الحركات الاسلامية، واحداها كانت الحركة الإسلامية الكوردستانية، التي تأسست في عام 1987، قاتلت ضد حكومة البعث، والتي تدرب بعض اعضائها في أفغانستان، وكانت القاعدة الرئيسية للحركة والجماعات الاسلامية في شرق اقليم كوردستان، وخاصة بمحيط حلبجة.

وفي الاعوام بين 1994 و1998، كانت الانظار متوجهة نحو الحرب الداخلية بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني، ولكن بعد نهاية الحرب، أبدت الحركة الاسلامية استعدادها للانضمام الى حكومة إقليم كردستان والتي توصف بانها كانت حكومة علمانية، ما أثار غضب عناصرها وقادتها المتشددين ما أدى إلى إنشاء أول الجماعات السلفية-الجهادية في العراق واقليم كوردستان والتي كانت جماعة "جند الشام" أبرزها.

وبدأت جماعة "جند الاسلام" في أواخر التسعينيات بإقامة معسكرات للتدريب في المناطق المحيطة بحلبجة بهدف التمهيد لـ"ثورة السلفية الجهادية" في العراق، وبحلول عام 2001، تمت إعادة تسمية "جند الاسلام" ليطلق عليها تسمية "أنصار الإسلام"، وبدأت بجذب أبو مصعب الزرقاوي، وهو مؤسس تنظيم القاعدة في العراق، والذي كان يرى في المنطقة ملاذاً آمناً، لتقوية حركته الخاصة، وهي حركة "جند الشام"، الذي كان قد أنشئ في أفغانستان في أعقاب عام 2001، ما جعل القاعدة تقدم الكثير من الدعم لإنصار الاسلام، وكان ذلك بداية جذور داعش في المنطقة.

ويرى المسؤولون الامنيون في كوردستان، ان داعش ليس الا احياء للحركة التي أثبتت قدرتها على إعادة تنظيم نفسها بعد هزيمتها، ومن جهة أخرى فإن التجارب الطويلة للمؤسسات الامنية في اقليم كوردستان مع المجاميع المتشددة، أدت الى ان تكون للأجهزة الامنية والبيشمركة خبرة في مراقبة نشاط هذه المجاميع.

متى تصل رسائل داعش؟

على الرغم من أن داعش، فقد اجزاءً كبييرة من الاراضي التي كان يسيطر عليها (40% من العراق، و20% من سوريا)، لكن هذا لا يعني تهاون المؤسسات الامنية والعسكرية مع اشارة المسؤولين الى وجود "400-450 عضو كوردي في تنظيم داعش في إقليم كردستان أو في المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم"، ولتوضيح ذلك، قال احد المسؤولين الامنيين في اقليم كوردستان لطاقم فورين أفريز "يتوجه داعش إلى سائقي الشاحنات في العراق أو سوريا الذين يعتمدون على التنقل بين المناطق التي تسيطر عليها داعش وكوردستان في لقمة عيشهم، ويضعهم امام خيارين وهما: إما أن يراسلوا داعش أو ان تتم تصفية عائلاتهم، ويختار السائقون الخيار الأول"، وفضلا عن ذلك فإن استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، متاح أمام التنظيم، لجذب قطاعات اكبر من المجندين اليه.

مصيدة الشبكات الاجتماعية

إن دوافع انضمام الكورد الى داعش تختلف عن دوافع انضمام العراقيين العرب الى التنظيم، حيث ينظم العرب الى داعش احتجاجاً على الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة في بغداد، وكنوع من اظهار العداء لها، وبهذا فان دوافع العرب السنة طائفية، لكن الكورد ليسوا جزءاً من الانقسامات بين العرب السنة والشيعة في العراق، واجرى طاقم المجلة الامريكية حوارات مع عدد من الكورد الذين كانوا سابقاً اعضاء في داعش قبل أن يتم اعتقالهم.

وأحد هؤلاء مراهق اسمه المستعار هو "آراس"، والذي اتصل به مجندون من داعش بعد أسبوعين فقط من استخدامه الفيسبوك، بعدما كان قد وضع صوراً ونصوصاً دينية، وقد يكون ذلك سبب تواصل مسلحي داعش معه، وبعد فترة ثلاثة أشهر من المراسلات، إقتنع آراس بأن يحزم حقائبه للتوجه الى الموصل، على الرغم من انه كان يتمتع حياة مريحة نسبيا وعلاقات جيدة مع عائلته.

وقال آراس للفريق الاستقصائي، "كانوا يقولون أنهم سيقدمون لي مكانا ومركزاً عندهم، وستكون لي فرصة للقتال في سبيل الله".

وتراسل آراس، مع ثلاثة أشخاص مختلفين عبر الفيسبوك، وبعد فترة وجيزة تعززت الاواصر بينهم بحيث كانوا يخاطبون الاخر بكلمة "أخي"، لكن هذه العلاقة الوطيدة لم تنشأ خلال فترة قصيرة بمجرد الحديث عن أساليب القتال والهجمات الانتحارية، ويقول آراس، انه لم يكن يتقبل ما كانوا يقولون له، لكن التواصل استمر وتمكنوا من التأثير عليه مع مرور الوقت.

وفي المراسلات تحدث هؤلاء الاشخاص لآراس، عن "قصص البطولة"، وانجازات خلافتهم، محذرين من "شرور" الشيعة والسنة ممن لا يتبعون منهج داعش، لكن لم تكن المناقشات الدينية هي المحور الاساس لمراسلاتهم، ويبدو من حديث آراس، ان الاشخاص الثلاثة، كان يتبعون اسلوباً مرنا لاقناعه وكانوا نادراً ما يتطرقون للمسائل الدينية المعقدة، ويقول اراس "لم يكونوا يقولون لي انه يجب علي أن ابايع البغدادي، بل كانوا يشرحون لي ما هية البيعة ومعناها، لم نكن نتعمق في المسائل الدينية، وكانوا فقط يقولون أن القرآن وضع الاحكام لجميع جوانب الحياة، وأن قوانين الخلافة نابعة من القرآن".

وعلى الرغم من سطحية المناقشات الدينية، اقتنع اراس، في نهاية المطاف بسلوك الطريق الى الموصل، لكنه وبينما كان يستعد لمغادرة منزله، ألقي القبض عليه من قبل السلطات الامنية في اقليم كوردستان التي كانت تراقب نشاطاته الإلكترونية.

مقتل صديقه دفعه للإنضمام الى داعش

"علي" وهو الاسم المستعار لإحد المعتقلين الاخرين الذين تحدث اليهم طاقم المجلة، وعلى عكس اراس، كان لعلي علاقات طويلة الأمد مع الشبكات المتشددة في اقليم كوردستان، كما أن عددا من أصدقائه أصبحوا أعضاءً في تنظيم داعش، وبعد مقتل احد من هؤلاء، نشر علي صورة صديقه على صفحته بموقع الفيسبوك وعلق عليها بالقول "استشهد في طريق الدفاع عن الخلافة"، واعترف ان مقتل صديقه، دفعه للتفكير في الانضمام لداعش.

وجذبت منشورات علي الاعضاء الالكترونيين لداعش على الانترنت، وبعد فترة وجيزة، اتصلوا به عن طريق الفيسبوك وتيليغرام، ويقول علي إنه كان قبل ذلك مسلما مثل بقية الملتزمين دينياً، لكن الحديث مع اعضاء داعش، اقنعه بان هذا التنظيم يعزز "الاخوة الاسلامية".

وفي اجابته على سؤال "كيف يمكنه الانضمام إلى الجماعة التي تمثل واحدة من أعداء شعبه؟"، قال علي إنه "تعرض للتضليل من قبل المسلحين الكورد المنضمين للخلافة، والذين اتصلوا بي من هناك، والأصدقاء الذين استمر تواصلي معهم، وكذلك الآيات والاحاديث التي كانوا يستخدمونها لاقناعي بالانضمام لداعش".

وقدم أصدقاء علي عنوان عضو في داعش بكوردستان له، ورتبوا لقاء بينهما، وخلال الاجتماع، حث عضو داعش علي على السفر مع مجندين آخرين إلى الموصل، لكنه تردد، بسبب عدم رغبته بترك عائلته وراءه، وبعد ذلك قدّر عضو داعش الحاجة الى تقوية وتوسيع شبكة التنظيم داخل كوردستان، لذا طلب من علي البقاء في المنزل وانتظار المزيد من التعليمات.

وحينما سئل علي لماذا اختار عائلته على جعل الهجرة (اي الذهاب الى المناطق الخاصة لسيطرة داعش)، أجاب "لأنهم قدموا لي الفرصة لأكون جزءا من الخلافة وأنا هنا، لذا لم يكن من الضروري الذهاب إلى الموصل، كما انني كنت لا أود ترك عائلتي". 

وأوضح احد المسؤولين الامنيين في الاقليم، ان لداعش مجموعة من المراسلين في كوردستان والذين يشكلون الشبكة اللوجيستية للتنظيم، والى جانب تأكيد علي هذا الامر اضاف "كانوا يطلبون مني أن انقل الاشياء التابعة لهم، كنت احزم الحقائب وأساعد السائقين للدخول الى كوردستان من الموصل والمدن الاخرى"، متابعاً أنه رأى ثلاث مرات منفصلة، سائقي الشاحنات وهم ينقلون حقائب مليئة بالأسلحة والذخائر لداعش، حيث كان يجب نقل هذه الاسلحة بدقة وتسليمها لعدة أشخاص اثناء الطريق.

لكن الشيء الاخير الذي ربما كان على علي القيام به، يختلف عن المهمات الاخرى ، حيث كان عليه هذه المرة أن ينقل عبوة ناسفة الى حسينية للشيعة في السليمانية خلال انطلاق مراسم ذكرى عاشوراء، وكان علي حريصاً اثناء المقابلة على اظهار الندم.

وبحسب أقوال علي، فإنه قرر للمرة الاولى الوقوف ضد تنفيذ الخطة لذا ترك العبوة في منزله، وزار الموقع المستهدف حاملا الحقيبة التي يفترض ان تحمل القنبلة، خوفا من أن يكون مراقباً من قبل اعضاء داعش، وعلى الرغم من ذلك لفت انتباه قوات الاسايش، وألقي القبض عليه اثناء دخوله الى المسجد.

صهره تسبب بانضمامه لداعش

و"جمعة" هو المعتقل الاخير الذي التقى به طاقم المجلة، وطوال المقابلة حاول جمعة من خلال سرد الاحداث، تبرئة نفسه، وعلى عكس المعتقلين السابقين، ادعى جمعة أنه لا يملك الكثير من المعلومات عن داعش، ولم يكن يؤيدهم بشدة، وانه تصرف بناءً على دوافع مختلطة من الجهل والوعد بالحوافز المالية.

وفي البداية، كان جمعة عاطلاً عن العمل، وتعرف على أحد الاشخاص لمساعدته في العثور على وظيفة، ليكتشف بعد ذلك انه يعمل لصالح داعش، الذي عرض عليه سيارة جديدة ليستخدمها كسيارة أجرة، وفي المقابل، طلب منه أن يقوم بتقديم المعلومات الى داعش، وكان عمل جمعة متمثلاً بالكشف عن المواقع المناسبة للقيام بعمليات الخطف والهجمات المسلحة لداعش، وعلى الرغم من أنه نفى مساهمته في تنفيذ أي هجمات، لكن مسؤولين أمنيين كورد أكدوا على انه قدم معلومات متعلقة بمواقع السجون والمواقع الرئيسية الأخرى في المدن الكوردستانية لداعش.

ووفقا لما قاله جمعة، فإنه أدرك بعد شهرين من بداية العلاقات انه يتعامل مع داعش، وذلك اثناء مطالبته باقتناء سيارة جديدة. 

وقال جمعة، "ذهبنا إلى مكان، كان فيه ثلاثة رجال وسيارة، عندما وصلنا إلى هناك قالوا لي انهم من داعش وانهم يريدون استخدام هذه السيارة في عملية تفجير سيارة مفخخة، حينها رفضت ذلك وخشيت على حياتي وحياة عائلتي وطلبت منهم أن يسمحوا لي بالرحيل، وقلت لهم إن تركوني وشأني فلن أخبر اي جهة بأمرهم".

وطوال حديث جمعة مع المجلة، حاول تقديم نفسه كضحية مزدوجة لداعش، وقال "أنا أمي حيث لم اتلق التعليم في المدارس ابداً، كنت أريد ان أوفر لقمة العيش لعائلتي، لقد قاموا باغرائي بالاموال، لكنني تركتهم"، لكن السلطات الامنية في اقليم كوردستان نفت ذلك، وقالت انها تملك وثائق تثبت بأم شقيقة جمعة وعددا آخرا من افراد عائلته اعضاء في داعش، لذا استطاع صهره (زوج شقيقته) ربطه بشبكة تابعة لداعش في كوردستان.

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب