رووداو ديجيتال
انتشرت مؤخّراً صورٌ لسيّدة كوردية في العقد الثالث من عمرها وهي في حالة مزرية، مشرّدة في شوارع مدينة عفرين، بلا مأوى في النهار. وفي الليل، تلجأ إلى أسطح البنايات لتنام عليها في العراء.
من خلال المتابعات التي أجرتها شبكة رووداو الإعلامية، تبيّن أنّ السيّدة الكوردية تُدعى زليخة وليد عمر، في الحادية والثلاثين من عمرها، وتنتمي إلى عائلة من أهالي قرية روتا (روطانلي) التابعة لناحية ماباتا (معبطلي) وكانت تقيم في مدينة عفرين، قبل أن يُعتَقَل كامل أفراد العائلة البالغ عددهم تسعة أشخاص، بينهم طفلان رضيعان، في أوائل شهر حزيران/يونيو 2020.
وكشف (مركز توثيق الانتهاكات)، وهو مركز يرصد الانتهاكات ِالتي تُرتَكَب في المنطقة، أنّ المعتقلين من العائلة هم: عثمان مجيد نعسان، 65 عاماً، وزوجته زينب عبدو، 60، عاماً، وأولادهما جانكين عثمان نعسان، 32 عاماً وزوجته زليخة وليد عمر، 30 عاماً، مع طفلتها، وشيار عثمان نعسان، 30 عاماً، ومحمد عثمان نعسان، 28، عاماً وزوجته جيلان حمالو مع طفلها الرضيع.
وحسب المعلومات التي حصلت عليها شبكة رووداو الإعلامية من مصادر محلية، اعتُقل أفراد هذه العائلة من قبل مسلّحي الجبهة الشامية، الموالية لتركيا، والمنضوية في إطار ما يُسمى (الجيش الوطني السوري)، التابع للحكومة السورية المؤقّتة المشكّلة من قبل الائتلاف الوطني المعارض.
ووفق المركز ذاته، تمّ إطلاق سراح المسنّة زينب عبدو بعد شهرٍ من اعتقالها، في حين تمّ إطلاق سراح زليخة عمر في آب/ أغسطس 2020. أمّا بقية أفراد العائلة، فلا يزال مصيرهم مجهولاً. كما كشف المركز أنّ أحد مسلّحي (الجيش الوطني السوري) استولى على منزل العائلة، الأمر الذي ترك السيّدة زليخة بلا مأوى.
الحقوقي الكوردي عدنان مراد، وهو من أهالي قرية ميركان التابعة لنفس ناحية ماباتا، تحدّث إلى شبكة رووداو الإعلامية، وسرد تفاصيل ما جرى لهذه العائلة، وللسيّدة زليخة وليد عمر. يقول مراد: "هذه عائلة عفرينية من قرية روتا (روطانلي)، التابعة لناحية ماباتا (المعبطلي)، تمّ اعتقال أفرادها المكوّن من الأب المسنّ وزوجته المسنّة وثلاثة من أبنائه وزوجات اثنين منهما، منذ عام 2020 ولا يزال مصير الرجال المعتقلين مجهولاً".
"أمّا النساء المعتقلات فكنّ ثلاث، تمّ اطلاق سراح اثنتين منهنّ، وقد أُصيبتا بفقدان الذاكرة والجنون من جرّاء سوء ظروف اعتقالهنّ في السجن. الآن تُقيم إحداهما في قرية جقلا، حيث يقدّم أحد فاعلي الخير مبلغاً مقداره خمسمئة ليرة تركية لأسرة في القرية لقاء الاعتناء بتلك السيّدة، والسيّدة الأخرى تقيم في قرية كازي لدى أقاربها. في الحقيقة، هذا وضعٌ مزري يعاني منه جميع أبناء عفرين".
وحول مصير الرجال المعتقلين من العائلة، يقول مراد: "بشأن الرجال المعتقلين، يقول بعضٌ أنّهم معتقلون في تركيا، في حين يقول بعضٌ أنّهم معتقلون في مدينة الباب ( شمال شرق حلب)، ويقول آخرون أنّهم في سجن بلدة الراعي (شمال حلب)، لكنّ مصيرهم حتى الآن مجهول، أمّا السيّدتان، فقد أُطلق سراحهما لأنّهما أصيبتا بفقدان الذاكرة والجنون".
وعن الحالة المزرية التي وصلت إليها السيّدة زليخة عمر، يقول مراد: "إن سبب تدهور حالة زليخة ووصولها إلى حالة الجنون يعود إلى أنّ أحد أطفالها كان قد توفى قبل اعتقالها، في حين إن طفلتها الأخرى لا تزال مجهولة المصير".
من جهتها، تحدّثت ليلى محمود، عضو منظّمة حقوق الإنسان-عفرين- سوريا، إلى شبكة رووداو الإعلامية عن حالة هذه السيّدة العفرينية، وقالت: "الانتهاكات في عفرين لا تزال مستمرّة وخاصّة بحقّ النساء، وآخرها بحقّ امرأة عفرينية باسم زليخة عمر. لقد تعرّضت هذه السيّدة للتعذيب أثناء اعتقالها مع أفراد عائلتها، ومن ضمنهم زوجها وطفلتها الصغيرة".
وأشارت محمود الى أنه "تمّ الافراج عنها في الشهر الثامن من العام الماضي، ولكن لأنّها كانت قد تعرّضت إلى التعذيب الشديد بمختلف الوسائل وإلى شتّى أنواع الانتهاكات، أصبحت تعاني من اضطرابات نفسية ووصلت إلى حالة مزرية. هناك الألوف من النساء تعاني من نفس هذا الوضع السيء وهناك العديد من النساء اللواتي لا يزال مصيرهن مجهولاً. ولذلك نناشد، كمنظمّة حقوق الإنسان، جميع المؤسسات لأن تتدخّل، وممارسة الضغط على الدولة التركية لإيقاف هذا العذاب بحقّ النساء وأن يتمّ الكشف عن مصيرهنّ، وخاصّة وضع حدّ لمأساة هذه السيّدة، زليخة".
وحول الموضوع ذاته، صرّحت عضو اللجنة الإعلامية للمبادرة الوطنية من أجل عفرين، فيان طوبال لشبكة رووداو الإعلامية، وقالت: "لا نستبعد هذا الانتهاك بحق السيدة زليخة وليد عمر، فعفرين منطقة مستباحة من الحاكمين فيها من مرتزقة واحتلال. لكن ليس لدينا أي معلومات خاصة تجاه هذه الحالة التي تعرضت لها السيدة زليخة وليد عمر. سنقوم بالتحقيق بهذا الانتهاك لأجل أرشفته وتقديمه للجنة القانونية في مبادرتنا".
تتضارب التقارير الصادرة عن المنظمات الحقوقية بشأن عدد النساء المعتقلات والمخطوفات في منطقة عفرين منذ احتلالها من قبل الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية المسلّحة الموالية لتركيا، في الثامن عشر من آذار/ مارس 2018، لكن منظّمة حقوق الإنسان- عفرين، في أحدث تقريرٍ لها، حصلت شبكة رووداو الإعلامية على نسخة منه، تقول أنّ أكثر من 1000 امرأة قد تعرّضن للخطف والاعتقال، لا يزال مصير أكثر من مئة من بينهنّ مجهولاً، في حين قُتِلت 77 امرأة، وانتحرت 6 أخريات بسبب الظروف التي أُخضعن لها، وأنّ 71 امرأة تعرّضن للعنف الجنسي ما بين الاغتصاب والتحرّش.
وبتاريخ 28 أيار/مايو 2020، عُثر على 8 نساء -على الأقل- معتقلات في مقرٍّ أمني لفرقة الحمزة التابعة للجيش الوطني السوري المرتبط بالإئتلاف السوري المعارض، الموالي لتركيا، حين اقتحم أشخاصٌ غاضبون مقر الفصيل المذكور في مدينة عفرين، بعد اعتداء عدد من عناصر الفصيل على أحد المحال التجارية والتسبب بمقتل وجرح ما لا يقل عن خمسة مدنيين، فتمّ العثور على النساء المعتقلات مع طفل رضيع كانت إحداهن قد أنجبته في المُعتَقَل.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً