عفرين... التعريب سلاحٌ ثانٍ في أيدي المجموعات المسلحة

14-05-2018
حسين عمر
الكلمات الدالة عفرين سوريا تركيا كوردستان المعارضة
A+ A-

رووداو – أربيل

ما أن أحكمت القوات التركية والفصائل المسلّحة المرتبطة بها من المعارضة السورية سيطرتها على جغرافية منطقة عفرين وصمتت أسلحتها النارية، حتى بدأت هذه المجموعات الإسلامية المتشدّدة بتفعيل سلاحٍ آخر ضدّ ديمغرافية المنطقة الكوردية التي كانت نسبة الكورد فيها تناهز 95%: سلاح التعريب.
      
بدأت عمليات نقل عوائل عربية إلى بلدة جندريس وقراها من محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة مجموعات متشدّدة مصنّفة كمنظمات "إرهابية" من قبل الأمم المتّحدة( مثل هيئة تحرير الشام  التي تتكوّن أساساً من جبهة النصرة التي غيّرت اسمها إلى جبهة فتح الشام اعتباراً من 28 يوليو 2016) وفصائل أخرى موالية لتركيا. كما تمّ نقل عوائل عربية من منطقة اعزاز والباب وجرابلس وتوطينها في القرى التابعة لناحيتي شرا وراجو وخاصّة في قرى الكورد الإيزيديين، مثل قسطل جندو وبافلون. 

تكثّفت عمليات نقل وتوطين العوائل العربية في مدينة عفرين وعموم ريفها، مع بدء نقل النازحين من الغوطة الشرقية بموجب اتفاق إجلاء مسلحي المعارضة وأسرهم من تلك المنطقة والذي أُبرِم بإشرافٍ روسي بين الحكومة والمعارضة السوريتين، لتليها اتفاقات مماثلة في القلمون الشرقي ومناطق أخرى، توجّه النازحون عنها إلى الشمال السوري لتكون منطقة عفرين وجهة الآلاف منهم بترتيبٍ وتنسيقٍ من المجموعات المسلّحة التي تسيطر على المنطقة.

عفرين المدينة: غالبية عربية

قُبيل سيطرة القوات التركية والفصائل المسلّحة المرتبطة بها على مركز مدينة عفرين، شهدت المدينة نزوحاً جماعياً نحو قرى منطقتي شيراوا والشهباء وبلدتي نبل والزهراء الخاضعتين لسيطرة قوات الحكومة السورية والميليشيات الموالية لها. أصبحت المدينة شبه خالية من سكانها الأصليين. فور دخول القوات العسكرية إلى مدينة، بدأت عمليات نهب منظّمة وشاملة لأسواق المدينة ودورها السكنية والمؤسسات والمرافق الإدارية والخدمية فيها. ثمّ بدأ المسلحون باستجلاب عوائلهم وأقاربهم إلى المدينة لتتوسّع عمليات التوطين من خلال وصول قوافل يومية من العوائل العربية إلى المدينة وإسكانها في الشقق والدور السكنية الخالية من سكانها النازحين عنها.

تحدّث مصدرٌ مطلّع، طلب عدم الكشف عن هويّته لدواعٍ أمنية، من داخل مدينة عفرين إلى شبكة رووداو الاعلامية عن الواقع السكاني الراهن في المدينة، قائلاً : " يُقيم الآن في مدينة عفرين ما بين 175 و200 ألف نسمة، يشكّل العرب منهم ما يقارب نسبة 60%، أيّ أنّ هناك ما يقارب 120 ألف عربي في المدينة، مقابل أقلّ من 80 ألفاً من الكورد." وحسب المصدر ذاته، يتم إسكان العوائل العربية في الأحياء الراقية من مدينة عفرين حيث تصل قيمة بعض الشقق السكنية التي يشغلها الوافدون 50 مليون ليرة سورية، أي ما يعادل قرابة 100 ألف دولار. المصدر ذاته كشف عن أنّ العوائل العربية التي كانت قد نزحت من مناطق سورية مختلفة وأقامت في عفرين قبل بدء الهجوم عليها، ظلّت بمعظمها في المدينة ولم تنزح عنها مع وصول القوات المهاجمة إلى مشارفها.

ناحية موباتا (المعبطلي): عدد أفراد العائلة المستوطنة ضعف عدد العائلة الأصلية

من خلال المعلومات التي حصلت عليها شبكة رووداو الاعلامية من مصادر عديدة من ناحية موباتا، تمّ حتى الآن توطين 231 عائلة عربية في مركز الناحية وثلاث قرى فقط، منها 210 عائلات في موباتا المركز، مقابل عودة 400 عائلة كوردية من سكانها الأصليين إلى بيوتهم. وبمقارنة بسيطة بين عدد السكان الأصليين والوافدين، يتبيّن لنا الفارق في عدد أفراد العائلة الواحدة بالنسبة للحالتين. فقد بلغ مجموع أفراد 400 عائلة كوردية 1025 فرداً،  أيّ أنّ معدّل عدد أفراد الأسرة الكوردية الواحدة لا يصل إلى 3 أفراد. في حين بلغ مجموع أفراد 210 عائلات عربية وافدة 937 فرداً، أيّ أنّ معدّل أفراد الأسرة العربية الوافدة الواحدة يزيد عن أربعة أفراد، وبذلك يبلغ عدد أفراد الأسرة العربية الوافدة ما يقارب ضعف عدد أفراد العائلة الكوردية الأصيلة في قراها. ويُعزى هذا التفاوت في عدد أفراد الأسرتين الكوردية والعربية إلى هجرة عدد كبير من أفراد الأسر الكوردية وخاصّة من فئة الشباب خلال سنوات الحرب السورية قبل الهجوم على عفرين من جهة، وعزوف العديد من الشباب والشابّات عن العودة مع أسرهم إلى منطقة عفرين خشية من ممارسات الفصائل المسلّحة من جهة أخرى.

ناحية بلبل: طرد السكان الأصليين تحت التهديد بالقتل
 
تُعامل ناحية بُلبل معاملة أكثر صرامة لجهة عودة السكان الأصليين إليها وكذلك لجهة توطين العوائل العربية الوافدة إليها. وربّما يعود هذا إلى كون مركزها هو الأقرب إلى الحدود التركية وكذلك لكثرة المرتفعات الجبلية الاستراتيجية فيها. أفاد مصدر خاص من ناحية بلبل، طلب عدم الافصاح عن هويته لدواعٍ أمنية، لشبكة رووداو الاعلامية بأنّه تمّ توطين 350 عائلة عربية في بلبل المركز وحدها، مقابل أقلّ من عشر عوائل كوردية سُمِحَ لها بالبقاء في البلدة. وإذا ما اعتبرنا أنّ المعدّل الوسطي لعدد أفراد الأسرة الوافدة الواحدة هو 5 أشخاص، فهذا يعني أنّ عدد الوافدين المستوطنين في البلدة يُقارب 1750 فرداً. المصدر ذاته كشف عن أنّ بعض السكّان الذين حاولوا أن يعودوا إلى بيوتهم في البلدة وبعض قُراها قد جوبِهوا بالسلاح وهُدِّدوا بالقتل إن لم يُغادروا على الفور. المصدر كشف عن عدّة حالات موثّقة. ففي يوم الثلاثاء المصادف لـ 08/05/ 2018، تفقّد الصيدلاني رشيد محمّد منزله في بلدة بلبل للعودة إليه إلّا أنّ مجموعة مسلّحة طردته من البلدة بقوّة السلاح وتحت التهديد بالقتل. وحدث الأمر ذاته، في اليوم ذاته، مع المهندس أسعد قاسم الذي زار قريته قُرنة التابعة لناحية بلبل. وحسب مصادر عديدة استطاعت شبكة رووداو الاعلامية التواصل معها، هناك 12 قرية على الأقلّ في ناحية بلبل مغلقة تماماً أمام عودة سكانها إليها بذريعة أنّها مناطق عسكرية أو مزروعة بالألغام.

ناحية شرا (شران):  توطينٌ في معظم القرى
 
استطاعت شبكة رووداو الاعلامية، من خلال مصادرها الخاصّة في ناحية شرا، أن تحصل على احصائيات دقيقة لعدد العائلات العربية التي تمّ توطينها في سبع قرى في الناحية. فقد بلغ عدد العائلات العربية في القرى السبع 345 عائلة ( شرا 60 عائلة، خرابة شرا 25 عائلة، سينكا 20 عائلة، متينا 60 عائلة، قطمة 35 عائلة، ميدانكي 125 عائلة كفرجنة 20 عائلة)، يصل عدد أفرادها إلى أكثر من 1725 فرداً. هذا عدا عن العديد من القُرى التي تمّ توطين أعداد غير محدّدة من العوائل فيها، بينها قرى يُمنع على سكانها العودة إليها، عرفنا منها قُرى قسطل جندو وبافلون الإيزيديتين وكذلك قرية بارافا الواقعة على ضفّة بُحيرة ميدانكي. 

ناحية شيه (شيخ الحديد): المسلحون يحتكرون سوق البلدة

تُعتَبر ناحية شيه المعرّبة اسماً إلى (شيخ الحديد) إحدى النواحي التي تنخفض فيها مستوى توطين الأسر العربية. فقد كشف مصدر مطّلع من داخل البلدة لشبكة رووداو الاعلامية بأن التوطين يقتصر على ما يُقارب 40 عائلة من عوائل المسلحين الذين يُسيطرون على البلدة، إضافة إلى اسكان 172 عائلة عربية وافدة تمّ توطينها في سبع قرى تابعة للناحية ( قرمتلق 70 عائلة، أنقلة 30 عائلة، سنارة 16 عائلة، قرية خليل 10 عوائل، آلكانا 25 عائلة، جقلا تحتاني 12 عائلة، جقلا فوقاني 9 عوائل). في حين عادت إلى البلدة قرابة 500 عائلة من أصل مجموع عوائل الناحية البالغ عددها 1150 عائلة. 

المصدر ذاته قال بأنّ المسلحين فتحوا محلات تجارية في سوق البلدة في ساحة النبعة وسط البلدة في حين سُمِح لقلّة من السكان المحليين بافتتاح محلاتهم.

ناحية راجو: عدد العوائل العربية يُضاهي نصف عدد العوائل الكوردية

في ناحية راجو، يُعادل عدد العائلات الوافدة التي تمّ توطينها في البلدة نصف عدد العوائل العائدة من السكان الأصليين. فحسب المصادر التي تحدّثت إلى شبكة رووداو الاعلامية، بلغ عدد العائلات العربية الوافدة التي تمّ توطينها في بلدة راجو، لغاية 28 أبريل 2018، نحو 350 عائلة، يناهز عدد أفرادها 1750 فرداً. في حين بلغ عدد العائلات العائدة إلى بيوتها من السكان الأصليين قرابة 700 عائلة. في حين لم تتوفّر معلومات دقيقة حول عدد الأسر التي تمّ توطينها في القرى التابعة للناحية.  

في قرية ميدان اكبس الحدودية، نُشِر تسجيل صوتي مع مقطعٍ مصوّر من داخل القرية يدعو فيه مسلّح، يبدو أنّه من أبناء حيّ القابون شرقي دمشق، رفاقه من الحيّ إلى القدوم مع عائلاتهم إلى القرية، قائلاً بأنّهم سيجتمعون في القرية ويحوّلونها إلى قابون ثانية، زاعماً بأنّه قد قيل لهم بأنّ هذه القرية قد مُنِحت لهم وهي فارغة من سكانها الكورد.
 
ناحية جندريس (جنديرس):  بات العرب يشكّلون 95% من السكان

تتمايز ناحية جندريس عن سواها من نواحي منطقة عفرين بتواجد عربي في البلدة وبعض قراها قبل بدء الحرب السورية. ففي ستينات القرن الماضي، وخلال سياسات الاصلاح الزراعي في سوريا، جرى توطين بعض العرب في الناحية، حيث قاربت نسبة العرب 15% من سكان البلدة بالإضافة إلى توطين العرب في بعض قراها، مثل محمدية ودير بلوط وتل سلور ونسرية وكفير وجلمة وحسيركة وحجيلار وأبو كعب. مصادر من داخل البلدة كشفت لشبكة رووداو الاعلامية بأنّ مئات العائلات من مناطق حمص وحماه وإدلب والغوطة الشرقية استُقدِمتْ إلى البلدة في حين تُغلَق طُرق العودة في وجه السكان الأصليين الكورد للبلدة.

المصادر ذاتها أكّدت بأنّ نسبة العرب في البلدة باتت تُقارب 95%. وأشارت المصادر إلى أنّ المئات من العوائل العربية قد أُسكِنت في قرى الناحية. ففي قرية كفر صفرة، تمّ توطين أكثر من 200 عائلة عربية يصل عدد أفرادها إلى نحو 2000 فرد، في حين تمّ توطين 20 عائلة في قرية كوردا، وهذا على سبيل المثال لا الحصر. 

كما تمّت إقامة مخيمين للوافدين العرب في ناحية جندريس، الأوّل في قرية محمدية والثاني في قرية دير بلوط، ويجري الحديث الآن عن إقامة مخيم ثالث بين مدينتي عفرين وجندريس قربة قرية جومكة.

من خلال المعطيات والاحصائيات التي تمّ استحصالها من المصادر العديدة في مختلف النواحي التابعة لمنطقة عفرين، يبدو جليّاً أنّ سياسة تعريب المنطقة وتغيير هويتها القومية ليست عبارة عن هواجس أو مخاوف تُراود أبناء المنطقة، وإنّما هي حقيقة ملموسة ترتسم على الأرض يوماً تلو آخر على نحوٍ أكثر وضوحاً. 

 


تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب