رووداو – أربيل
يقول صحفي إيراني إنه "لكي نعرف اللواء قاسم سليماني أكثر، كانت لنا زيارة لناظم الدباغ (ممثل حكومة إقليم كوردستان في طهران)". ما قاله هذا الصحفي يحمل في ثناياه مدلولين، أحدهما يشير إلى علاقة وثيقة بين سليماني والمسؤولين الكورد، والثاني أن سليماني قضى من أيامه في خارج بلاده أكثر مما قضى في داخل إيران.
لا ينكر المسؤولون الكورد علاقاتهم الوثيقة مع القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، فقد التقاه كثيرون منهم، لكنهم الآن يتجنبون الحديث عن علاقات الكورد مع سليماني، لأن "تعليمات صدرت بتجنب الخوض في هذا الموضوع"، حسب ما يقولون.
قاسم سليماني كان من بين شخصيات قليلة تستطيع الانطلاق بسيارة من طهران حتى شواطئ البحر الأبيض المتوسط، بدون جواز سفر ولا تأشيرة ولا حرس إيراني، بل بمساعدة من الميليشيات الشيعية في منطقة الشرق الأوسط. كان يعرف في الأوساط العسكرية والسياسية الإيرانية بـ"الحاج قاسم"، وبرز نجمه بالتزامن مع توسع النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.
رجل كتوم
رغم شهرته الواسعة، فإن المعلومات عن قاسم سليماني وحياته قليلة جداً، فهو لم يكن يرغب في الظهور واللقاءات الإعلامية. ديفد باتريكاراكوس، الكاتب في مجال البرنامج النووي الإيراني، الذي سعى لسنوات للقاء سليماني، قال لموقع (ديلي بيست) الأمريكي: "لو أنهم خيروني بين لقاء مع خامنئي أو لقاء مع سليماني، لاخترت الأخير"، لكن سليماني رد عليه بوضوح وبسرعة: "انس الأمر".
كان هذا القائد الإيراني مقلاً في الكلام حتى في الاجتماعات الرسمية، فقد أخبر مسؤول حكومي عراقي سابق مجلة (نيويوركر) الأمريكية بأنه "لو كان عدد الجلوس عشرة ودخل سليماني الغرفة لم يكن لينضم إلى المجلس، بل يختار لنفسه ركناً بعيداً يجلس فيه بصمت. لم يكن يتكلم ولا يبدي ملاحظاته، بل يجلس وينصت، لكنه بلا شك يجعل كل من في الغرفة ينتبهون إليه".
ممثل حكومة إقليم كوردستان في طهران، ناظم الدباغ، الذي كان صديقاً مقرباً لسليماني، قال في حوار أجرته معه في 2014 مجلة (همشهري جوان): "جالست الحاج مرات كثيرة، عندما كنت ممثلاً للسيد الطالباني، وشاركت في كل جلساته المرتبطة بالعراق ومع تنظيمات مختلفة، عليك أن ترى هدوء سيادته في تلك الجلسات، لن تصدق كم هو هادئ".
وفي تصريح لشبكة رووداو الإعلامية بعد مقتل سليماني، لم ينف الدباغ علاقته الوثيقة مع سليماني، وأعلن أن آخر لقاء مباشر بينهما كان قبل سنة، لكن اتصالاتهما عبر الرسائل والمكالمات الهاتفية كانت مستمرة. لكن الدباغ رفض البوح بالمزيد عن صديقه متذرعاً بالظروف الحساسة لإقليم كوردستان والقرارات السياسية.
الكورد وقاسم سليماني
كانت لأحزاب كوردستان، خاصة الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني، علاقات وثيقة مع القائد السابق لفيلق القدس. حيث يقول عضو المجلس السياسي للجماعة الإسلامية في كوردستان، بلال سليمان، الذي كان في السابق مسؤول مكتب علاقات الجماعة في طهران، إنه التقى سليماني مرات عدة ويصفه بالرجل "ليّن الجانب".
يذكر سليمان واحدة من المناسبات التي التقى خلالها بسليماني، ويقول: "التقيته مرة صحبة سيادة مام جلال، كان ممثلو الأطراف السياسية حاضرين هناك. كان قاسم سليماني يتحدث عن العلاقات بين الكورد وإيران، ويقول إنه يحب الكورد ويرغب في صداقتهم، فقد كان الكورد حلفاء لإيران في الحرب ضد صدام، ويجب الحفاظ على ذلك التحالف".
تعود علاقات قاسم سليماني مع سكرتير الحزب الاشتراكي الديمقراطي الكوردستاني، محمد حاجي محمود، إلى تسعينيات القرن الماضي، قبل أن يتولى سليماني قيادة فيلق القدس. يقول حاجي محمود: "كان قاسم سليماني يقول في مناسبات كثير ضاحكاً إن بعض الكورد يقولون إننا أصدقاء، لكننا في الحقيقة أقارب، والقريب يظل قريباً سواء أكان طيباً أم سيئاً".
تزايد تردد قاسم سليماني على إقليم كوردستان خلال فترة الحرب ضد داعش، ونشرت له صور مع قوات البيشمركة في جبهات القتال.
يقول القيادي في قوات البيشمركة بمنطقة كرميان، عرفان حمة خان: "التقيت قاسم سليماني مرة في محور كرمة سير، كان يرافقه عدد من مقاتلي الحشد الشعبي. كان يتحدث مع محمود سنكاوي".
خلال الفترة التي يتحدث عنها حمة خان، كان داعش يحتل مدينتي جلولاء والسعدية، وكان يجري فيها التخطيط لاستعادة المدينتين، ويقول حمة خان: "كان سليماني يوجه قواته ويقودها".
تولى قاسم سليماني المعروف في الأوساط الإيرانية بـ(الشهيد الحي)، بعد 2015 قيادة "جبهة المقاومة الإيرانية" خارج الحدود الإيرانية من خلال تشكيل ميليشيات مسلحة في الدول المجاورة لإيران، وهيأ بروز داعش الفرصة لتنفيذ ستراتيجية سليماني ومأسسة الميليشيات الشيعية في إطار هيكل الدولة العراقية، وهي التي كانت لها روابط قديمة مع الحرس الثوري الإيراني ومع قاسم سليماني شخصياً.
سكرتير الحزب الاشتراكي الديمقراطي الكوردستاني، محمد حاجي محمود، الذي التقى سليماني عدة مرات، يقول: "كان لسليماني دور فاعل في الحرب ضد داعش".
رئاسة إقليم كوردستان، كانت المؤسسة الوحيدة في إقليم كوردستان التي أصدرت بياناً بخصوص قتل سليماني وأبو مهدي المهندس، أشارت إلى دورهما في الحرب ضد داعش، وقالت: "كان لهما دور مشهود في الحرب ضد إرهابيي داعش خلال السنوات الماضية".
ويصف حاجي محمود، قاسم سليماني بـ"الرجل الشجاع"، ويقول: "كان يصل الليل بالنهار ليقدم المزيد من الخدمات لبلده".
لم تقتصر دائرة علاقات قاسم سليماني على القيادات والمسؤولين السياسيين والدبلوماسيين، بل كانت له علاقات وثيقة مع شعوب الدول التي امتد إليها النفوذ الإيراني، وتعزى قدرات سليماني هذه في جزء منها إلى البيئة الاجتماعية لمسقط رأسه، محافظة كرمان الإيرانية، التي تمتاز بمجتمع عشائري.
ويشير حاجي محمود إلى تأثير قاسم سليماني على الأحزاب في كوردستان بالقول: "كان مهتماً جداً باستقرار الوضع الأمني، فحتى في فترة الاقتتال الداخلي كنا نلجأ إليه ليستخدم نفوذه في إيقاف القتال".
لم يكن خطاب سليماني تجاه الكورد يمتاز بالمرونة والدبلوماسية الدائمين، بل تشير مصادر مطلعة إلى أنه استخدم في كثير من الأحيان لغة التهديد خاصة عندما لم يكن الكورد ينصاعون لمطالبه، ومن بين تلك المناسبات محاولة سحب الثقة من نوري المالكي والاستفتاء وأحداث 16 أكتوبر 2017.
في 2003، قال أحد مساعدي جلال الطالباني المقربين لمجلة نيويوركر: "عندما نرد على سليماني بـ"لا" يخلق لنا المشاكل، وتبدأ التفجيرات والمواجهات".
كان لقاسم سليماني دور في 2012 في إفشال محاولة مقتدى الصدر والكورد وأياد علاوي سحب الثقة من رئيس الوزراء العراقي آنذاك، نوري المالكي.
في تصريح لرووداو، يقول المراقب السياسي، بختيار طالباني، الذي كان مقرباً لجلال الطالباني: "عندما كان يجري السعي لسحب الثقة من المالكي، وجه سليماني رسالة شديدة اللهجة إلى مام جلال (الطالباني) وكاك مسعود (البارزاني)، وكانت الرسالة بصيغة فوقية وكأنه أعلى منهما مكانة وقال لهما لن نقبل منكما الإقدام على هذه الخطوة".
وحسب بختيار الطالباني، فإن الأطراف الكوردية والعربية ذهبت إلى جلال الطالباني وقالوا له إنه أحرجهم بتراجعه عن سحب الثقة من المالكي، فبادر الطالباني ووضع رسالة سليماني على الطاولة وقال لهم "تفضلوا واقرأوا ما فيها".
نصيحة سليماني للدباغ
في 5 كانون الثاني 2020 وجهت وزارة الخارجية الإيرانية دعوة لناظم الدباغ، بصفته دبلوماسياً من دولة مسلمة جارة، للمشاركة في مراسم دفن جثمان قاسم سليماني، ومع أن الدباغ لا يريد الخوض كثيراً في الموضوع بسبب "حساسية الوضع"، فإنه يشير إلى نصيحة قدمها له سليماني: "كان ينصحني باستمرار بالقول: وجهوا أعضاء أحزابكم وكوادركم بأن يحترموا قياداتهم".
ويشير إلى أن سليماني وصف له مام جلال ومسعود البارزاني، في مناسبات عديدة، بـ"شخصيات كاريزمية"، وطلب التوقف عن الإساءة لكاريزماهما.
يعد رؤساء العشائر الكوردية من قنوات اتصال قاسم سليماني، ويشير هباس بايز باويل آغا، وهو من رؤساء عشيرة (آكو)، إلى أنه التقى سليماني مرة، ويروي قصة اللقاء لشبكة رووداو الإعلامية: "دعيت لزيارة إيران مرة، وأخبروني بأنه سيكون لي لقاء في طهران مع ضابط متقاعد، فطرح علي مجموعة أسئلة كانت سياسية، فقلت له أنت لست ضابطاً، هذه الأسئلة السياسية لا يطرحها ضابط، أريد أن أعرف من أنت. لكنه لم يكشف لي عن هويته"، ثم عرف باويل آغا فيما بعد أن الضابط الذي التقاه لم يكن غير قاسم سليماني. لم يكن باويل آغا يعلم بإقامة مجلس عزاء لسليماني في أربيل، وقال: "لا شك أني سأشارك في المجلس، فمن المعيب أن لا أشارك، لأنهم جميعاً يعرفونني".
"لم تكن مساعداته بلا ثمن"
كان سليماني في السنوات الأخيرة حاكم العراق بلا منازع، ويشير تقرير مجلة نيويوركر، إلى أن سليماني وجه في 2008 رسالة هاتفية إلى جلال الطالباني، يوجه من خلالها كلامه إلى الجنرال ديفد بيترايوس، الذي كان حينها القائد الأعلى الأمريكي في العراق، وجاء في الرسالة: "السيد الجنرال بيترايوس، عليكم أن تعرفوا أنني قاسم سليماني، المسؤول عن متابعة السياسة الإيرانية في العراق، لبنان، غزة وأفغانستان، وأن سفيرنا في بغداد عضو في فيلق القدس، والشخص الذي سيحل محله هو أيضاً عضو في فيلق القدس"، في تلك الأيام كان الأمريكيون يعرفون أن "الحاج قاسم" هو الشخص الثاني بعد خامنئي، في مجال صياغة الستراتيجية الإيرانية الخاصة بالعراق.
يقول مسؤول في الحزب الديمقراطي الكوردستاني، التقى سليماني عدة مرات، ولا يريد البوح باسمه لأن حزبه وجه بعدم التصريح فيما يتعلق بسليماني، واصفاً إياه: "كان لين الجانب عندما تلتقيه وجهاً لوجه، وكان ينفذ سياسة إيران التوسعية، كان ماهراً في تشكيل القوات خارج إيران، وكان يهب لنجدتك حيثما تعرضت للخطر".
لكن هذا المسؤول يقول إن مساعدات سليماني لم تكن بلا ثمن مقابل "فمثلاً عندما كان العراق في 2014 يتعرض لتهديد داعش، زود العراق بأسلحة قيمتها 600 مليون دولار، ولم يطالب بالثمن المالي بل فعل ذلك خدمة لمصالح بلده".
سليماني من وجهة نظر دبلوماسي كوردي
في عددها 480 الصادر في خريف 2014، خصصت مجلة همشري جوان الإيرانية ملفاً لقاسم سليماني، وكان ناظم الدباغ من بين الذين تحدثوا عنه، وذكرت المجلة أنها نشرت جزءاً من حوارها مع الدباغ "بسبب الحساسيات القائمة".
ونقلت المجلة عن ناظم الدباغ حديثه عن بعض مميزات قاسم سليماني، وأنه قارن في الجملة الأولى التي قالها عن سليماني بين وطنه وبينه وقال: "نحن عندنا كوردستان، وأنتم عندكم سليماني".
شجاع
هو شجاع... وهذه الشجاعة هي من أسرار نجاحه وشهرته. كما أنه يتخذ الإجراء اللازم عند الحاجة.
مجاهد
ليس السيد سليماني مستقراً في قصر، ولا في فندق فاخر، إنه ليس من الذين يجلسون إلى مكتب ويصدرون الأوامر، هو في الميدان باستمرار، وهذا يبين الجانب الجهادي فيه.
صادق
ليس في كوردستان شخص يعرف قاسم سليماني ولا يصفه بالصدق. فعندما يطلق وعداً يلتزم به، وكلما واجهتنا مشكلة هنا وأردنا الاجتماع مع وزير أو مع رئيس الجمهورية الإيراني، يمكننا من خلاله فقط أن نحقق ما نريد وبسرعة.
توجد في كوردستان مقرات لأحزاب من كوردستان إيران، وقد اتفقنا مع كل هذه الأحزاب الكوردية على أن لا تتخذ من أرضنا منطلقاً لمهاجمة إيران ومع إيران على أن لا تستخدم أراضينا لضربهم. كانت مشاركة السيد سليماني ممثلاً عن إيران هي التي أدت إلى هذا الاتفاق.
مسؤول
هو يعرف طريقه جيداً، ويرسم مساره دائماً بالطريقة الصحيحة. ربما كان هذا السبب لاستمرار توليه هذه المسؤولية طوال هذه السنين.
متواضع ونزيه
سليماني متواضع. لا أريد ولا أستطيع أن أمثل لهذا بأمثلة أمنية فأنا أقول الحقيقة ولا يهمني ما قد يقال بعد إبداء رأيي هذا. فلم ألتق مسؤولاً بمثل تواضعه، وقد رافقته في جولات عديدة، وكان دائماً يتصرف وكأني أعلى منه في المسؤولية.
مقل في الكلام
هكذا يتحدث الحاج: بسرعة وبكلام قليل ونافع. عندما يشارك في اجتماع وبعد أن يعرض المشاركون تحليلاتهم وآراءهم، فإنه يقول ما يريد بسرعة واختصار مفيد.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً