سبايا الخلافة... فاز بي داعشي عن طريق القرعة

05-05-2019
رووداو
الكلمات الدالة سبايا الخلافة داعش
A+ A-

رووداو – دهوك

كانت دارهم في حي الشهداء بسنجار، كانت فتاة تهزها نسمة كما الشتلة الباسقة في باحة الدار، ذات قلب صاف، كانت نهاية الزقاق الذي تقيم فيه نهاية العالم بالنسبة إليها، لا تتذكر أن أي خلاف وقع يوماً بينهم وبين جارهم العربي المسلم.

في اليوم الذي برز فيه مسلحو داعش وانتشروا في الأحياء والأزقة، لم يكن أي من رجال عائلة (خيرية) ولا جيرانهم في البيت.

لم يكن لديهم من الوقت ما يكفي لانتظار عودة الرجال للتشاور معهم حول ما ينبغي أن يفعلوا، كان المسلحون عند الباب يطلبون منهم الخروج من البيت، لكن لماذا كانوا مهتمين بدار جارهم المسلم "لم نستطع معرفة الجواب، فقد أخذونا ورحّلونا إلى تلعفر".

لبثوا في مدرسة بتلعفر سبعة أيام، وكلما راجعت ما حدث لم تكن تستطيع إدراك شيء سوى الشعور بالخوف والجوع والعطش. لم تكن تستطيع أن تفهم لماذا يحتجز المسلحون طفلة مثلها في ذلك المكان. كانت خيرية طفلة، وكانت للأحداث قلوب قاسية وسواعد فولاذية ولكمات تقصم الظهور.

بعد نقلهم من تلعفر إلى دائرة حكومية في بادوش، انقطعت خيرية عن التفكير في جارهم العربي، وتقول خيرية: "كان يشرف علينا تركماني يدعى خليفة"، كان مسؤولاً عن كل شؤونهم: مأكلهم ملبسهم، مبيتهم، وحتى ضربهم وتعذيبهم. كانت خيرية تتمنى دائماً أن يكون خليفة بلا مشاكل وفي عافية وأن لا يكون أحدهم قد أزعجه "وإلا صب جام غضبه علينا"، فهو كان يأتي كل يوم ويجول بينهم وحالما تقع عيناه الجاحظتان على أحد، كان ذلك يعني أن اللعنة حلت عليه "فكان يضربه بلا سبب ويهينه، وكان خليفة هو الذي عزل الصبية من عمر السادسة فما فوق وأخذهم ليتلقوا التدريب العسكري".

المستقبل في ورقة مطوية

بعد أن أمضوا 18 يوماً في تلك الدائرة، تم نقلهم إلى بيت كان في السابق لأحد المسيحيين، وفي اليوم الذي وصلوا فيه إلى ذلك البيت، اصطاد أميران اثنتين من أجمل النساء "جاء الأميران ومعهما أسماء الفتاتين، وطلبوا اصطحابهما إلى سوريا"، ربما ابتسمت الفتاتان كثيراً وهما تطلعان على جمالهما في المرآة، لكنهما في ذلك اليوم  ندبتا جمالهما أكثر مما ابتسمتا، وربما لم تواجها المرآة بعد ذلك لرؤية جمالهما.

تجلدت روح طفولة خيرية في اليوم الذي رأت فيه (أبو قاسم). الرجل الذي كان يأتي كل يوم إلى المكان الذي كانوا فيه ويقف في مواجهتهم وقد ثبت حلقة سكينه على سبابته وهو يحرك السكين في حركة دائرية. كان أبو قاسم من الذين لا يمكن خوض حوار معهم. كان عمل أبو قاسم عبارة عن توزيع البنات والنساء، وكان التوزيع يجري في كل مرة وفق قانون مختلف، عزل عدداً من النساء وهو يدير السكين في يده، وكتب اسم كل واحدة على قصاصة ورق، ثم طوى قصاصات الورق ووضعها في صحن كبير "بعدها كان يدعو المسلحين واحداً فواحداً، ويقول لكل واحد مد يدك في الصحن وخذ ورقة مطوية. المسلح الذي اختار الورقة التي كانت تحمل اسمي، كان اسمه (أبو سعد)".

***

بقيت خيرية مع أبي سعد أسبوعين فقط. فقد أخبرها يوماً بأنه أهداها لصديق له "هنيئاً لخالد فها أنا أهديه وردة تتفتح لتوها"، وهكذا عرفت خيرية إلى من يقودها القدر "كان خالد أول شخص اغتصبني. أذكر جيداً اللحظة التي جردني فيها من ثيابي في غرفة بمقر عسكري، بدون أن أعرف ماذا يجري وما هي نيته، وبعدما قضى حاجته، تركني غارقة في دمي. لم أكن أعرف ما هي ممارسة الجنس، إلى أن لوثني خالد بدمي. بكيت يومين، وبعد انقضاء اليومين ظهر من جديد وقال: لا تخافي إنه أمر طبيعي، أنا أعايش الدم في كل يوم".

بعد ذلك، أخذ خيرية إلى حيث عائلته في تل الرمان، وعرفها على والدته وأخواته وزوجته وأولاده على أنها زوجته الجديدة. في تلك اللحظة شعرت بثورة غضب زوجة خالد التي كانت تغلي من الداخل دون أن تمتلك الجرأة على الانفجار كبركان في وجههما "بعد أسبوع، أفرغت كل غضبها وتعاركت معي وضربتني، فأخبرتها أن لا ذنب لي"، لم تنفع تلك الكلمات، لكنها أسكتتها وكفت يدها عن ضربها.

كان خالد يريد خيرية لنفسه حقاً، لكنها لم تكن تثق به "كان في مرات كثيرة يناولني هاتفه النقال ويقول تحدثي إلى أمك وأخواتك"، انطلق يوماً إلى جبهات القتال، وغاب خمسة أشهر، ولما عاد تخلى عن خيرية، فأخذوها إلى كسر المحراب.

شاهدت خيرية أموراً جديدة كثيرة في كسر المحراب: "أرسلونا إلى معهد لدراسة وتحفيظ القرآن، تدرس فيه نساء"، الأمر الجيد في نقل خيرية إلى كسر المحراب، كان لقاءها من جديد بعائلتها.

كان الجلْد عقوبةَ ملازمة الفراش في وقت صلاة الصبح. كانت هناك لجنة خاصة تفتش البيوت مرة كل يومين "كانوا يعلموننا كيف نتصرف عندما نصبح جواري وكيف نرضي أمراءهم. فقد كان الأمراء في كثير من الأحيان يشتكون إلى المشرفين على المعهد ويقولون إن الجواري لا يعرفن التصرفات الإسلامية". كانوا يسألون عن كل التفاصيل. كيف تغتسلين وكيف تعدين الطعام وكيف تلبسين الملابس، وكيف ترتبين البيت "كان بعضنا لا يقدم الجواب المطلوب، فيعيدونهن لخوض الدورة من جديد".

مهندس الخنادق والأنفاق السرية

بعد أن أكملت خيرية الدورة التعليمية، وكانت من بين اللواتي يقرأن القرآن تجويداً، تشجع المشرفون على المعهد على إرسالها لأحدهم. في اليوم التالي أرسلت إلى دار في قرية بتلعفر، فيها كل اللوازم، لم يكن في الدار أحد فأخبروها بأن تنتظر وأن صاحبها سيعود في السابعة مساء "كان اسمه فريد. كان مسؤولاً عن خنادق وأنفاق داعش. كان فريد باكستانياً، درس الهندسة في جامعة جزائرية، لينتقل لخدمة داعش".

كان فريد هو الذي يرسم خرائط جميع خنادق وأنفاق داعش في المنطقة، وكان يخرج كل يوم مع الضياء الأول من الفجر، ليعود في السادسة أو السابعة مساء. كانت له ثلاث نساء أخريات إضافة إلى خيرية. كانت نساؤه الأخريات في نفس القرية ولكل واحدة دارها المستقلة.

كان فريد أكثر انفتاحاً مقارنة بالمسلحين الآخرين الذين التقتهم خيرية، وقد أخبر خيرية بأنه عندما كان طالباً في الجزائر، تعرف إلى عدد من الإسلاميين وتأثر بهم كثيراً، ودفعه تأثره ذلك للتوجه إلى القاهرة بعد تخرجه "كان فريد يقول إن أصدقاءه أثروا عليه تأثيراً كبيراً، وجعلوه يتجه نحو التدين"، وهذا ما دفعه للذهاب إلى تركيا ثم إلى سوريا فالعراق. كان فريد سعيداً بأنه يستطيع بفضل علمه أن يخدم خلافة داعش، وكان يخطط ويرسم خرائط هندسية للأنفاق، وكان بفضل هذا مدللاً عند داعش.

في واحدة من الأمسيات، خرج فريد من البيت ولم تره خيرية بعدها. في سادس شهر لهما معاً، قضت طائرة حربية على فريد، عندما لجأ مع رفاق له إلى بيت ليحميهم من الطائرات "لكن الطائرة قصفت البيت وقتلتهم جميعاً، في نفس اليوم نقلوا الخبر إلينا، واجتمعنا مع سائر نسائه في دار أولى زوجاته لتلقي الزوار".

لماذا اجتمعن في دار زوجته الأولى؟ تقول خيرية "لا أستطيع القول بأن ذلك كان لإقامة مراسم عزاء، فقتلى داعش لم تكن تقام لهم مراسم عزاء، بل كان مسلحو داعش يزورون أهله حاملين الهدايا والحلوى ومهنئين لهم. في حين كان يسمح بإقامة مراسم عزاء للموتى من الناس العاديين، ولكن بدون بكاء ونحيب وما شاكل ذلك".

مقصورة الهاتف

بموت فريد، تسنت لخيرية الفرصة للعودة إلى أحضان عائلتها في كسر المحراب. أريد منها أن تتحدث باختصار عن عائلتها وكيف سمح لها بالبقاء في مكان معين في ظل داعش: "أسلم أخي الأكبر، وكان يقوم كل يوم بتنظيف الشوارع والأماكن العامة، كان قد بنى فوق سطح الدار التي كنا نقيم فيها كوخاً بالحجر والكتل الكونكريتية يستخدمه كمقصورة هاتف. كان في كل يوم يتصل هاتفياً بكوردستان، في ظل الخوف والحذر الشديدين".

كان يتصل بمسؤولين من البيشمركة ويزودهم بمعلومات، وكان في كل يوم يتصل على أمل سماع خبر سار. كان يذهب إلى الكوخ "وكنا نحن وهو متأكدين من أنه في حال كشف أمره، فإن عقوبته الموت بدون شك، وأنهم سيقتلونه على مرأى من الجميع. لكنه لم يكل ولم يمل". بل أن أخ خيرية لم يترك التدخين طوال السنتين اللتين قضاهما في ظل داعش "كان يحصل على السكائر من الباعة الذين يبيعونها سراً، وكان عليه الذهاب إلى بيوتهم وكان ينبغي أن يكون موضع ثقة من البائع وأن يكون البائع متأكداً من أنه مدخن وليس جاسوساً لداعش".

تولت خيرية في مرات كثيرة حراسة أخيها لحين مغادرته الكوخ، لئلا يظهر مسلحو داعش فجأة ويقبضوا عليه "في الفترة الأخيرة علم أخي أن المعركة قريبة وستكون أمامنا فرصة للنجاة إن لم يأخذنا الدواعش معهم".

الهروب إلى منطقة القصف

"يبدو أن توقعات أخي صدقت"، قالت خيرية هذا عندما سقطت أولى قذائف الحشد الشعبي الذي كان يقصف تلعفر عشوائياً. بعد ذلك ظهرت طائرة وبدأت تقصف. في تشرين الأول 2016، بدأ الحشد الشعبي بقصف عشوائي بلا هوادة، وشنوا هجوماً لاستعادة تلعفر، لكنهم فشلوا.

في ظل القصف وفوضى المعركة، التقت خيرية امرأة إيزيدية سألت خيرية: "هل تتوقعين أن يصيبنا أسوأ مما أصابنا؟"، بعثت خيرية بعض الأمل فيها لكنها لم تستطع أن تبعث فيها التفاؤل "عندما جاءت قوات الحشد الشعبي، سيجبرنا الدواعش على الانسحاب معهم، يجب أن نجد فرصة لنقع في قبضة قوات البيشمركة أو القوات العراقية، لكن لا أعرف كيف!"

في 24 تشرين الثاني 2016، بدأ هجوم أكثر شدة وكثافة، واضطر الدواعش إلى التخلي عن تصلبهم وتعنتهم وبدأوا بتفريق الناس، فانسحبوا هم والناس باتجاه القرى "كنت قد غادرت تلعفر قبلها بعشرين يوماً، وانتقلت إلى إحدى القرى، حيث سمعت أن المعهد الذي كنت أدرس فيه قد تعرض لقصف جوي دمره تماماً".

بعد ساعات وصل مسلحو الحشد الشعبي إلى القرية، فاستسلموا للحشد، وهكذا عادوا إلى أحضان أهلهم.


تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب