رووداو ديجيتال
كشف ضابط بمديرية الأمن العام في النظام السابق أن صدام حسين، كان بيده ثلثي الحكم في زمن الرئيس الرابع لجمهورية العراق، أحمد حسن البكر، مبيناً أن صدام لم يكن يريد الإطاحة بالبكر إلى أن يبلغ الأربعين من عمره.
صباح يحيى الحمداني، موصلي من الحمدانيين من القومية العربية، كان خلال الفترة بين العامين 1970 و1989 ضابطاً في مديريات الأمن التابعة للنظام السابق.. يدلي من خلال برنامج (پەنجەمۆر = بصمة) على شاشة تلفزيون رووداو بشهادته على مجموعة أحداث مهمة وقعت في كوردستان، وخاصة جرائم القتل الجماعي والإخفاء القسري للبارزانيين وحملات الأنفال والقصف الكيمياوي لحلبجة وأحداث أخرى كثيرة شارك فيها بنفسه أو كان مطلعاً على تفاصيلها عن كثب.
وذكر أن الرئيس الأسبق صدام حسين، كان يولي الإهتمام لأقاربه بالدرجة الأولى، ويأتي التركمانيون والشيعيون والكورد في نهاية القائمة.
أدناه نص حوار رووداو مع الضابط السابق في النظام السابق صباح الحمداني:
كاوة أمين: أهلاً بك سيد صباح في برنامج (پەنجەمۆر = بصمة)..
صباح الحمداني: تحياتي لكم والسلام عليكم ورحمة الله. أشكركم على إتاحة هذه الفرصة الجميلة لكي أتكلم وأشهد للكورد في العراق وخارجه، ليعرفوا حقائق كثيرة، ربما جهلوا عنها ولم يسمعوا بها. ها نحن نتكلم بها لأول مرة، إذ لم يتحدث أحد من رجال الأمن عمّا فعلناه ضد هذا الشعب الذي يعد امتداداً لشعب وتاريخ واحد.
كاوة أمين: نشكرك جزيل الشكر.. فكما أسلفت أنتم من أهالي الموصل، والكورد والعرب متعايشون في هذه المدينة منذ زمن بعيد.. كيف كانت بداية تعرفك على الكورد وبداية علاقاتك معهم؟
صباح الحمداني: عشيرتنا البوحمدان قريبة جداً من الكورد، وتاريخنا واحد، إذ كانت هناك دولة بنو حمدان والدولة الدوسكية الكوردية، وكانت بين الدولتين علاقات مفتوحة جداً ونسابة، وانتقلت هذه العلاقة حتى إلى عائلتنا في الوقت الحاضر.
كاوة أمين: مادمنا نتحدث عن الموصل، معلوم أن الدولة العراقية تم تشكيلها من ولايات الموصل وبغداد والبصرة. ولاية الموصل، التي نسميها نحن جنوب كوردستان، تضم كركوك أيضاً، وهي جزء من أرض كوردستان الكبرى. ما قولك في هذا كعربي مقيم في الموصل؟
صباح الحمداني: هذا الموضوع غير واضح حالياً وغير معروف مستقبله، ويمكن أن يتغير المستقبل على يد الدول الكبرى، لهذا لا يمكنني إعطاء رأي.
كاوة أمين: لكني أقصد الجانب التاريخي..
صباح الحمداني: تاريخياً نحن شعب واحد، لم نشعر أننا بعيدون عن بعضنا. شخصياً، تعرفت على القضية الكوردية من صديق عزيز في طفولتي حينما كنت أبلغ من العمر نحو 10 سنوات. إنني أعتز بالكورد المظلومين عبر التاريخ، ولحد الآن لم نر لهم دولة، لم ذلك؟!.
كاوة أمين: في الحلقة القادمة سنخوض في هذا أيضاً. لكنني أريد الآن العودة إلى الموصل أيامها.. كيف كان التعايش بين الكورد والعرب في تلك الأيام؟ قلت إنه كان لك أصدقاء طفولة كورد، وماذا على مستوى العشائر والقبائل، أو العوائل الكوردية والعربية المتجاورة، كيف كان التعامل والتعاطي بينهم؟
صباح الحمداني: لا فرق بين الكوردي والتركماني والعربي، ولاحقاً سمعنا بالسنة والشيعة، كنا قوماً واحداً، لأن الدولة في ذلك الزمن لم تقم بقمع الآخرين لذا لم نرث هذا القمع. واستغربت حينما كان عمري 7 سنوات، من عملية سحل الناس في الشوراع وتعليقهم على العواميد، إثر ثورة "عبد الوهاب الشواف" عام 1959. كل ذلك سببه الأنظمة، فحينما حكم الجيش العراق بعد ثورة 1958 القديمة، بدأنا مرحلة الجيش والدم. أقيم منذ 26 عاماً في هولندا، لم أر سيارة عسكرية أو جندياً في الشوارع، لأن الجيش للحماية وليس لقتل الشعب.
كاوة أمين: أشرتم إلى المذبحة التي وقعت في زمن الشواف، مَن كان يسحل مَن؟ هل كان هناك صِدام بين الكورد والعرب، أم أن الجيش كان يسحل الناس في الشوارع؟
صباح الحمداني: أتذكر وجود مشاكل بين الشيوعيين والقوميين، والموصل تحسب على أنها قومية ولا تميل للشيوعية. لم نكن نحب الشيوعيين آنذاك لاعتقادنا أن لديهم فكراً ماركسياً بعيداً عن الدين. ما جرى هو أن الشيوعيون أرادوا إبراز عضلاتهم في الموصل وجاؤوا على أنهم أنصار السلام، وقدموا بالآلاف من بغداد وغيرها من المحافظات، وأصبحوا في تحدّ من الناس، وقد نبِّهوا على ذلك، لأن ذلك سيقودنا إلى مأساة، وفعلاً، حدثت مشاكل كبيرة في الموصل.
كاوة أمين: هل لا تزال ترتبط بعلاقات مع الكورد؟
صباح الحمداني: طبعاً، عميقة وكثيرة. أي كوردي أنظر إليه على أنه عربي وصديق لي.
كاوة أمين: هل تذكر أو ربما سمعت، في فترة ما، خاصة وأنك قضيت طفولتك في الموصل ونشأت بها، عن محاولات لإخراج الكورد منها قسراً؟
صباح الحمداني: لم يحدث هذا في الزمن الماضي، لكن بعد عام 1968 تغير الوضع، وتمت عمليات ترحيل الكورد في الموصل.
كاوة أمين: إذن ما الذي أثار إعجابك في حزب البعث وكيف انضممت إلى صفوف ذلك الحزب؟
صباح الحمداني: حزب البعث، حزب قومي، ونحن العرب نميل للقومية، كما الكورد. ووصلتنا فكرة من أصدقائنا أن حزب البعث سيحقق طموحات الأمة، وشعاره كان "أمة عربية واحدة.. ذات رسالة خالدة"، كانت مبادئ جميلة مقبولة في زمن التقاطعات والمشاكل. حزب البعث أخذ مداه بالدرجة الأولى بعد انهيار الدولة العثمانية. إخوتي كانوا بعثيين وأنا تقربت من الحزب من خلالهم، والبعثيون كانوا قبل 1968 مسيطرين على الموصل، نظراً لأن لديهم قدرات وأقوياء ويفرضون وجودهم. وأنا في عمر الـ 15 سنة، تمكنوا من تعييني في البلدية كمراقب على تعبيد الطرق. وكنت أتلقى مساعدات أعطي جزءاً منها لحزب البعث، كنا ننتظر سيطرة الحزب على الحكم، وصدام حسين كان مكوك الحزب للثورة القادمة.
كاوة أمين: أشرتم إلى أهداف حزب البعث (الوحدة والحرية والاشتراكية) ومسألة الوحدة العربية، ألم تكونوا تشعرون أن تحقيق ذلك يكون على حساب شعوب أخرى كالكورد مثلاً؟
صباح الحمداني: الفكرة التي درسناها، أن الكورد لا يستطيعون الحصول على حقوقهم إلا من خلال توحد العرب، وهذه فكرة غير صحيحة، إذ كانت الحقيقة أن الفائدة تكون لأشخاص محددين فقط مع إبعاد الآخرين، لهذا أعدم صدام حسين عام 1979 حزب البعث، وأُعدم الرفاق في مجزرة الخلد. في ذلك الوقت أدركت أنه لا يوجد حزب بعث، بل هو لأشخاص يمتطون الحزب، الذي هو كان من المفترض أن يكون للجميع، لكنه أصبح بيد فئة محددة.
كاوة أمين: ألا ترى أنهم أدركوا ذلك متأخرين؟
صباح الحمداني: صحيح، حقيقة لا يمكن إنكارها.
كاوة أمين: حسناً، دعنا ننتقل إلى الحديث عن سيرتك المهنية. لماذا انضممت للعمل في الأمن؟ هل كانت رغبة منك وشغفاً؟ أم ما الذي دفعك للعمل في ذلك الجهاز؟
صباح الحمداني: بعدما نجحت الثورة، قدمت على إعدادية الشرطة، التي تمنح في البداية رتبة مفوض درجة رابعة وبعد 6 سنوات تصبح ضابطاً، واختصرت الوقت. كنت في الصف الرابع العام آنذاك، والتحقنا في الإعدادية. كوني من عائلة بعثية، بعد أن أنهينا إعدادية الشرطة في شباط عام 1970، تخرجنا من دورات الضباط والمفوضين وحضر آنذاك المرحوم أحمد حسن البكر، ورئيس الجمهورية السورية أمين حافظ، بعد سقوط جمهوريته في سوريا ولجوئه إلى العراق. بعد التخرج، جرت عملية التنسيب واختاروني لجهاز الأمن، مسيراً وليس مخيراً.
كاوة أمين: حسناً، وماذا كانت الشروط المعلنة وغير المعلنة لقبول الانضمام إلى ذاك الجهاز؟
صباح الحمداني: لا يوجد شروط نهائياً، إنما الشرط أن يكون من عائلة بعثية لأن المستقبل للبعث، لذا سادت فرضية أن تكون بعثياً للحصول على وظيفة.
كاوة أمين: هذا يعني أن عائلتكم كانت محل ثقة البعث؟
صباح الحمداني: نعم، وإلا لما اختاروني لجهاز الأمن.
كاوة أمين: من أين بدأت العمل وبأي رتبة؟
صباح الحمداني: نسبت في بداية تخرجي إلى مديرية أمن الموصل، وعمري آنذاك 17 عاماً ونيف، كنت صغير السن. وكنت مأمور مركز أمن الساحل الأيمن. رأيت أول درس سيء في جهاز الأمن، عندما كنت خفراً في مقر مديرية أمن نينوى، حضرنا اجتماعاً قال مدير الأمن العام فيه إنه مع الأسف يوجد بيننا أشخاص، رغم تقدم البعث، لا زال لديهم خط رجعة في إشارة إلى ارتباط أشخاص بجهات أخرى أو خشية سقوط النظام، وأشار إلي شخصياً، مردفاً أنه نحن نأتي بالمتهم الذي يحاربنا لنعذبه من أجل الحصول على الحقيقة منه، وإذا بالمفوض صباح يطعم المتهم ويشربه ويتبادل معه أطراف الحديث، كان ذلك منافياً لكل ما تلقيناه في الأكاديمية، بالنظر إلى المتهم على أنه بريء حتى تثبت إدانته، وعدم اللجوء للتعذيب وغيرها من الدروس. انفعلت حينها في وجهه وحنكي كان يرتجف وبدأت البكاء، وقلت له إنني من عائلة لا خط رجعة لديها، ولا نخاف من أحد، ولم أقرأ في إعدادية الشرطة عن تعذيب المتهم، الذي قد يعترف بما يريده معذبه، وأنا أرفض التعذيب، وأنا أسف، لكن هذا ما عرفته بالأكاديمية.
كاوة أمين: لكنك تقبلت هذا النوع من العمل فيما بعد؟
صباح الحمداني: لأكمل ما جرى.. أخبرت المدير بأنني لست من يسيء إلى سمعة الأمن، بل الذين يسيؤون للمديرية هم أولئك الذين يرتادون الملاهي الليلة يومياً، بينهم أحد أقاربه، وهو انزعج مني. وفي ذلك اليوم رشحني إلى دورة الجودو والكراتيه لما فيه من عذاب وإبعاد بنفس الوقت.
كاوة أمين: ماذا كان مصير (صلاح) الذي تعرض للاعتقال؟
صباح الحمداني: ما يحز في قلبي، هو أول شيء اطلعت عليه في حياتي، هو أن صلاح ملا بوط حكم عليه الإعدام، وكان هنالك مجال لكي يعيش مع عائلته. دائماً ما كان يتم اللجوء إلى التعذيب والقسوة وهو سبب دمار هذا البلد.
كاوة أمين: وكيف نلت الترقية بعد ذلك حتى بلغت رتبة رائد؟
صباح الحمداني: الارتقاء في الوظيفة هو استرسال، فبعد إكمالي لـ 6 سنوات، ثم أنهينا دورة لأشهر، وأصبحنا ضباطاً، وكان معنا في هذه الدورة سبعاوي ووضبان شقيقا صدام.
كاوة أمين: في أي سنة؟
صباح الحمداني: عام 1976. تخرجنا في نهاية العام ضباطاً ملازمين، وكنا نرتقى كل عدة سنوات إلى أن تقاعدت برتبة رائد.
كاوة أمين: في أي سنة ترقيت إلى رتبة رائد؟
صباح الحمداني: عام 1989، بعدما خرج صدام حسين منتصراً بانتصار موهوم كما هو يعتقد، لكن في ظل عراق متعب، ومدمر اقتصادياً، ومصادر ثروات محروقة. قرر أن يرشق الجيش والأجهزة الأمنية ووظائف الدولة، فسمح لكل من يريد الاستقالة والتقاعد بذلك. كنت قد أكملت خدمة 20 عاماً، ومن حقي التقاعد، وقررت الخروج من الجهاز، لأن البلد بدأ ينهار.
كاوة أمين: كانت أنواط الشجاعة والاستحقاق تمنح لكثيرين في عهد صدام. هل حصلت على أي من هذه الأنواط؟
صباح الحمداني: لا، لم أحصل. لكن بعد تفوقي في دورة على مستوى زملائي، أهدوني مسدساً، علماً أن سكرتير رئيس الجمهورية آنذاك، منعني من أخذ استحقاق الحصول على قِدم 6 أشهر.
كاوة أمين: لو تحدثنا عن هيكل الجهاز الأمني العراقي، ما هو عدد الأقسام والشعب التي كان يتألف منها. كم كان عدد شعب الجهاز وماذا كانت مهامها؟
صباح الحمداني: مديرية الأمن العامة، تضم قسم الشؤون السياسية، والإدارية والفنية ومديرية المعمل، التي تمتعت بخصوصية لأنها شاركت في عملية اغتيال البكر وصدام، عبر استخدام رجالها مع آخرين للمشاركة في عملية 1973. الشؤون السياسية كانت تضم الكورد في الشعبة الثالثة أوM64، المعنية بمتابعة كافة التحركات الكوردية، والأحزاب الرجعية مثل الدعوة والإخوان المسلمون من اختصاص الشعبة الخامسة، والشيوعيون تابعون للشعبة الأولى، أما الشعبة الثانية معنية بمتابعة كافة الأحزاب القومية العربية فقط، من ضمنها المنشقين عن الحزب، أو كما أطلقوا على أنفسهم الجانب اليساري من حزب البعث.
كاوة أمين: أين كان مقر الشعبة الثالثة؟
صباح الحمداني: كان مقرها ضمن الغرف التي يرأسها معاون مدير الأمن العام للشؤون السياسية في مبنى مؤلف من طابقين.
كاوة أمين: هل كان العاملون في الشعبة الثالثة التي ذكرتها يتميزون عن الآخرين، كأن يكون بينهم من يعرف الكوردية أو.. أم أنهم كانوا كنظيريهم في الشعب الأخرى؟
صباح الحمداني: أكيد، غالبيتهم كانوا يجيدون الكوردية، وليش شرطاً أن يكون كوردياً، كانوا في الغالب عرباً مطعّمين من أناس يجيدون الكوردية، ولا توجد لديهم امتيازات عن الضباط الآخرين.
كاوة أمين: وهل كان الشيعة أيضاً يتولون نفس المهام في الجهاز الأمني؟
صباح الحمداني: نعم بشكل اعتيادي، لا توجد نظرة غير طبيعية، لكن كلما كبر الضابط ينظر إليه من اتجاهات أخرى، مثل النفاق والمؤذي أكثر وغير المعترض وكما يريد أسياده أن ينفذ، كنت شخصياً من المعترضين لذا كانت علي إشارات استفهام.
كاوة أمين: لكن الشائع عموماً، هو أن السنة بصورة عامة كانت لهم السطوة في الأجهزة الأمنية والاستخبارية وأن حزب البعث كان يوليهم ثقة أكثر من غيرهم؟
صباح الحمداني: مؤكد، سؤلت مرة عن ميول صدام حسين الطائفية، فأجبت كما يلي: كان يميز أقاربه (الحبربش كما نسميهم) بالدرجة الأولى، ثم أهل العوجة (عمك، خالك)، يليهم التكارتة، وبعدها أهل الموصل وسامراء وبغداد السنة، إلى أن تنتهي بالتركماني والشيعي وغيرهم.
كاوة أمين: متى تم تشكيل مجلس الأمن القومي في عهد نظام البعث؟ وماذا كانت مهام المجلس؟
صباح الحمداني: بعد عام 1968، شكّل من ثلاثة أشخاص، وهم صدام حسين وناظم كزار وسعدون شاكر، وهم امتداد لجهاز يدعى "جهاز حُنين"، وهو عبارة عن شقاوات الذين وصل صدام حسين بواسطتهم إلى الحكم، وشقاوات الموصل معروفين وهم يعقوب كوشان ويوسف نايف وكيزاك الأرمني وبيت شيخو، هؤلاء كلهم بعثيون صارمون وشقاوات وفلاحون ومسلحون منذ زمن اللابعب.
هذا الجهاز شكله الحزب وقاده صدام حسين في عام 1964، وهو ما قاده إلى النجاح. قسّم هذا الجهاز إلى عدة أقسام، فقد تم تسليم ناظم كزار مسؤولية مديرية الأمن العامة، وسعدون شاكر أصبح مدير مكتب العلاقات أي المخابرات، وبعد فشل محاولة ناظم كزار، أسقطوا هذه الدائرة، وتم توسيعها إلى دائرة المخابرات العامة وألغوا مكتب العلاقات، وأصبحت المخابرات جهة منفردة.
كاوة أمين: من بين الثلاثة الذين شكلوا المجلس أول الأمر، هل كان القرار النهائي في يد صدام؟ أم أن البقية كان لهم الحق في إصدار القرارات؟
صباح الحمداني: صدام كان بطل الفيلم، وهو الكل بالكل، وينظر إلى الآخرين هكذا. صدام لا يريد أحداً قوياً، عدا البكر الذي امتلك نوعاً من القوة في المجال العسكري، أما في المجال الأمني والحزب كان صدام حسين، وهو اختار ذلك من أجل إضعاف الجيش، كي لا يقف أمامه يوماً من الأيام ضده. لذا لم يمتلك البكر القوة الكافية للتخلص من صدام حسين، لأن للأخير الثلثين من الحكم. وصدام حسين منع أقاربه من النهب والسرقة والتدخل في المشاريع، لكن بعد رحيل البكر انفتح علينا باب القمع والعذاب، وتغير مفهوم الدولة في العراق.
كاوة أمين: لماذا حاول ناظم كزار قتل صدام؟ هل كان بينهما خلاف؟ أم أنه كان يسعى للاستيلاء على السلطة؟
صباح الحمداني: ناظم كزار أحس بوضوح ببدء دور العشائرية، وبدأت روح صدام العشائرية وتقريب التكارتة، وهو تخطيط على مدى طويل، وبدأوا يشعرون بالضعف قياساً مع خير الله طلفاح، الذي كان عبارة عن محافظ لكن لديه صلاحيات عليا وكان يتهجم على ناظم كزار أحياناً، لذا قدم الأخير تقريراً إلى المرحوم البكر، بأنني أخشى أن يكون هنالك ردة على الحزب، لذا أطلب إقالة حمادي شهاب وزير الدفاع، وسعدون غيدان وبعض الضباط الآخرين، كي لا تتكرر حادثة الردة في 1963، واطلع صدام حسين على الفكرة وخاف منها، لكنهم حاولوا إقناع كزار أن هذا الاقتراح خاطئ، لذا خطط كزار لطريق آخر من أجل أن يحدد بنفسه مسار البعث، بالقضاء على العشائريين، وهكذا صارت حركة ناظم كزار.
كاوة أمين: وكيف قُتِل؟
صباح الحمداني: عام 1973..
كاوة أمين: حسناً، ولكن كيف فضح أمره، هل أن صدام هو من كشفه؟
صباح الحمداني: اطلعت على الأحداث، إذ أن مدربي في الجودو والكراتيه مسؤول عن الاغتيالات والعمليات الخاصة. في يوم من الأيام، خرجت ما يسمى بالمؤامرة على صدام حسين، وبذلك أصدر أمر بحق ناظم كزار، وكان الأخير قد جمع أغراضه قبلها بليلة للمغادرة إلى إيران. في نقطة هامة، كان بإمكان صدام الإطاحة بالبكر بكل سهولة، لكن أجّل ذلك لأنه كان صغيراً في العمر ولم يبلغ الأربعين بعد، كما النبوة، التي بدأت بعد الأربعين.
كاوة أمين: بهذا ننهي هذه الحلقة من البرنامج. في الحلقة المقبلة سنتحدث عن صدام وناظم كزار، وعلاقتهما باتفاقية الـ 11 من آذار كيف تمت، ومساعي حزب البعث من اغتيال الجنرال بارزاني وإدريس بارزاني ومجموعة أخرى من المواضيع.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً