معد فياض
اعتبر الكاتب والباحث في الفكر العربي التراثي والشأن الاسلامي، الاكاديمي رشيد الخيون، بان "الاسلام السياسي الشيعي هو من يحكم العراق منذ 2003 وبدعم كبير من ايران التي عملت على تأسيس الميلشيات المسلحة التي هي اكثر قوة عسكرية مؤثرة في البلد وسلطتها اقوى من سلطة اي رئيس وزراء عراقي". مشيرا الى ان ما تسمى بـ "الحملة الايمانية الكبرى التي اطلقها صدام حسين منحت قوة وزخما كبيرين للاسلام السياسي".
وكشف الخيون في حوار لشبكة رووداو عن ان "الرئيس السوداني الاسبق سوار الذهب هو من نصح صدام حسين بوضع عبارة (الله أكبر) على العلم العراقي لمنح الصفة الجهادية للرئيس العراقي الاسبق خلال حرب الكويت".
الخيون الذي له مؤلفات عديدة في التراث العربي والشأن الاسلامي، منها: جدل التنزيل، موسوعة الاديان والمذاهب بالعراق، معتزلة البصرة وبغداد، الاسلام السياسي في العراق 1 الشيعة، الاسلام السياسي في العراق 2 السنة، رسالة في العلمانية والخلافة، عمائم سود في قصر بقصر ال سعود، وضد الطائفية، أكد بان الانفتاح يهدد وجود الدول المتدينة وفي مقدمتها ايران التي هي اليوم على فوهة البركان بسبب التظاهرات احتجاجا على "مقتل الشابة الكوردية مهسا أميني"، عادا ذلك "مسمارا في تابوت ولاية الفقيه".
وفيما يلي نص الحوار:
رووداو: ما هو التاريخ الحديث للاسلام السياسي في العراق؟
رشيد الخيون: دعني اعطي صورة عن الاسلام السياسي (السني) الذي تشكل في نهاية الثلاثينات وبداية الاربعينيات، بوجود الاخوان المسلمين، عندما عاد محمد محمود الصواف من القاهرة بعد دراسته في الازهر، وكان من الذين جمعوا بين العمل السياسي والإسلامي، وكان قد بايع حسن البنا، (داعية اسلامي وسياسي مصري، ومؤسس جماعة الاخوان المسلمين وأول مرشد عام لها) عندما التقى به في منتدى الثلاثاء في القاهرة، وعاد (الصواف) الى العراق ليشكل جماعة الاخوان المسلمين، لكن عملهم في العراق كانت تعيقه امورا كثيرة في مقدمتها وجود المد القومي العربي في المناطق السنية مثل الموصل والمناطق الغربية، لكنه نشط وصار هناك نوع من التعامل بينه وبين الاسلام السياسي الشيعي ضد عبد الكريم قاسم. ثم بعد ذلك ظهر الاسلام السياسي الشيعي في مجموعات بالنجف التي شكلها عبد الكريم علي الجزائري (فقيه وشاعر عراقي ولد في النجف عام 1872 وعاش ومات فيها)، باسم الشباب المسلم ثم تبلور ذلك بتشكيل حزب الدعوة، في نشأته الاولى في تموز 1959، طبعا هم يصرون على ان حزب الدعوة تشكل عام 1957، كي لا يفهم بان حزب الدعوة ظهر نتيجة ردة فعل وجود اليسار في العراق وطغيان التأييد الشعبي للحزب الشيوعي العراقي وقتذاك (بعد انقلاب 14 تموز 1958).
رووداو: وماذا عن نشاط الاسلام السياسي هنا؟
رشيد الخيون: في سنوات المعارضة، خلال السبعينيات والثمانينيات، ساد وقتذاك مصطلح او ظاهرة (الصحوة الدينية)، والتي تبناها الاسلام السياسي في العراق، بينما في دول ومناطق اخرى تبناها المتدينون، والعراقي علاقته طبيعية مع الدين بعيدا عن التطرف والتزمت، الذي بلغ فيما بعد حد الاغتيالات والتفجيرات او رفض الاخر نهائيا، وعمل الاسلام السياسي على افشاء الحجاب على النساء ومحاولة الضغط على الاديان والمذاهب غير المسلمين. هذا الوضع الذي نعيشه اليوم من الطغيان الخرافي الديني من انتشار المدارس الدينية وتغيير المجتمع هي التي هيأت للاسلام السياسي.
حملة صدام الايمانية و(الله أكبر)
رووداو:هل نستطيع اعتبار حملة صدام حسين (الحملة الايمانية الكبرى) وتغيير لقبه الى القائد المؤمن او عبد الله المؤمن هي جزء من الصحوة الاسلامية ام انها كانت لاغراض سياسية واعلامية؟
رشيد الخيون: الحملة الايمانية الكبرى التي اطلقها صدام حسين حصلت بمقترح من احد رجال الدين، ولا اريد ان اذكر اسمه هنا وانا جلست وتحدثت معه لاكثر من ساعتين، وقص لي الحكاية كلها وانا كتبتها في فصل في الجزء الثالث من كتابي (الاديان والمذاهب في العراق) عن الحملة الايمانية. صدام اراد من خلال الحملة الايمانية ضرب الاسلام السياسي الذي قوي جدا بواسطة وجود ايران، وسحب البساط من تحت اقدامهم وان يتولى (صدام) بنفسه قضية الدين، ولكن في الحقيقة انقلبت الامور عليه. خلال الحملة الايمانية صار الاسلام السياسي اكثر قوة في العراق واستغل هذه الحملة لصالحه بحيث ان احد رموز الاخوان المسلمين كتب قائلا: "كنا نوزع الاحجبة (جمع حجاب)، على طالبات الجامعات علنا، وكنا نعقد الندوات والمحاضرات باعتبارها جزءا من الحملة الايمانية التي تبناها صدام حسين". نتائج الحملة الايمانية الكبرى كانت مدمرة والعراق اليوم يعاني من هذه النتائج وابرزها ان مظاهر الانفتاح الغيت ببغداد التي كانت معروفة منذ العصر العباسي بالتسامح والانفتاح وبوجود المسجد والحانة (البار) والمغني ورجل الدين والمسيحين، والصابئة واليهود، بغداد هكذا هي ولا يمكن ان تكون غير ذلك، بغداد لا يمكن ان تعيش بلون واحد او ينتهي اسمها بان تكون بغداد. كما فتح صدام حسين قنوات تلفزيونية دينية اسلامية وفرض على كوادر حزب البعث وقياداته الوسطى وافراد القوى الامنية الانتظام بدورات دينية، ومن يحفظ القرآن من السجناء يخفف حكمه، واطلق على نفسه لقب (الرئيس المؤمن) ووضعها على صوره الكبيرة في الشوارع والساحات العامة، وحتى صار تشديد على الاقتصاد والمصارف الاسلامية وخلال الحملة الايمانية تم تاسيس مصرف اسلامي عراقي لكنه لم ينجح، وتم تداول كتاب لمحمد باقر الصدر بعنوان (البنك اللاربوي) وهو كتاب بسيط اذا قرأه اي اقتصادي لا يجد فيه مادة اقتصادية علمية، بل ان الاسلاميين انفسهم عندما يتحدثون عن الفائدة في المصارف يقولون فقط ليختلف اسمها وتبقى الفائدة نفسها تحت مسميات اخرى (المرابحة) او(الهدية) او(الاجر)، وهكذا. وضمن الحملة الايمانية كتب (صدام) بنفسه على العلم العراقي عبارة (الله أكبر). وسوف تستغربون عندما تعرفون بان الرئيس السوداني الاسبق الضابط سوار الذهب هو من اقترح على صدام حسين وضع عبارة (الله أكبر) على العلم العراقي، وسوار الذهب من الاخوان المسلمين (أخواني)، وجاء الى بغداد بعد عام 1990 إثر دخول صدام للكويت وشكلوا كيانا دينيا ضد الكيان المشكل في مكة كجامعة اسلامية، وقال لصدام ان ما يحصل الان هي حركة جهاد وان يكتب على العلم العراقي (الله أكبر) ففعل صدام ذلك، وانا عندي وثيقة تبرهن هذا المعلومات. هذه الاجواء التي نشطت في الاسلام السياسي خاصة حزب الدعوة ومنظمة العمل الاسلامي الشيرازية ومجاميع اخرى.
رووداو: لكن الصورة عن سوار الذهب بانه ديمقراطي وليبرالي، وكان ضابطا عسكريا؟
رشيد الخيون: هذه الصورة التي رسمها الناس عنه، لكن الحقيقة هي ان سوار الذهب بل الاخوان المسلمين ما كانوا قادرين على استلام السلطة وادارة السودان لان الجيش كان لهم بالمرصاد ومنتبه لتحركاتهم.
الميلشيات هي من تحكم
رووداو: هل الاسلام السياسي يحكم العراق اليوم؟
رشيد الخيون: الاسلام السياسي بدأ بحكم العراق منذ 9/4/2003.. ماذا يعني الحكم؟ هل يعني ان يُعلن رئيس: الجمهورية او الوزراء او البرلمان من الاسلاميين؟ لا.. الحكم هو القوة الحقيقية التي تدير البلد. منذ 4 نيسان 2003 وحتى يومنا هذا من يحكم العراق هي قوة اسلامية مسيطرة على كل الاوضاع، ومنذ ذلك التاريخ بدأ ببناء ميلشيات وتسليحها واسس لاقتصاد اسلامي سياسي وسيطر على منافذ الدولة الى درجة ان الميلشيات الشيعية هي قوة عسكرية اكبر واكثر تاثيرا من الجيش العراقي، واذا تحدثنا عن سيناريو انقلاب عسكري قد يحصل في العراق فان الميلشيات والحشد الشعبي هي القادرة على تنفيذ ذلك، ونستطيع القول بان اية ميليشيا هي اقوى من رئيس الوزراء وتستطيع تهديده او تجبره على التراجع عن اي قرار، هذه هي الحقيقة، هذه قوة اسلامية سياسية شيعية وفي المنطقة الغربية من العراق هناك قوة اسلامية سياسية سنية، لكن الفرق بين القوة الاسلامية الشيعية والسنية هو ان حزب الاخوان المسلمين تراجع، وتقدمت شخصيات اخرى باعتبارها ليبرالية لكنها في الحقيقة هي اسلامية ايضا، حتى القسم السني من الحشد الشعبي ينتمي للقوى الدينية وليس للقوى الليبرالية او غير الدينية. نحن نستطيع بالتاكيد في الاسلام السياسي الشيعي ان نميز بين حزب الدعوة مثلا والتيار الصدري.. التيار الصدري خليط لكنه يلبس العباءة الدينية، ومقتدى الصدر يتوجه لان يكون المرشد وهذا هو سبب خلافه مع ايران لانه لا يريد ان يكون تحت السطوة الايرانية، وهذا ما حاوله محمد باقر الحكيم الذي منذ دخوله الى العراق قادما من ايران في شهر نيسان 2003، وانا تابعت كل خطاباته على مدى خمسة اشهر حتى مقتله في شهر آب 2003، لم يشكر ايران بكلمة واحدة، ولم ينطق بكلمة شكر واحدة لا للخميني ولا لخامنئي، لانه عاش في ايران وعرف جيدا ماذا يعني مفهوم ولاية الفقيه، وهو كان متجها الى المرجعية الدينية التقليدية. ايران هي من خلقت الاسلام السياسي الشيعي في العراق بعد 2003 وهي من اسست عصائب اهل الحق والخرسانيون وكتائب حزب الله والجماعات الاخرى من قبل ابو مهدي المهندس وباشراف قاسم سليماني للسيطرة على جيش المهدي وخلق حالة من التوازن.
الاسلام السياسي في اقليم كوردستان غير مؤثر
رووداو: ماذا عن نشاطات الاسلام السياسي في اقليم كوردستان؟
رشيد الخيون: الاسلام السياسي في اقليم كوردستان فيه الجانب السلفي وايضا الاخوان المسلمين، وجماعة الاخوان تشكلت في الموصل واربيل وكركوك وبغداد بوقت واحد، والذين ظهروا في الثمانينات في حلبجة كانوا من الاخوان، ثم ظهرت الاحزاب السلفية وقادتها، مثل الملا كريكار وغيره. حركات الاسلام السياسي في اقليم كوردستان مسيطر عليها بفضل قوة الحزب الديمقراطي الكوردستاني، اضافة الى ان مناطق كوردستان العراق لم تتأثر بالحملة الايمانية في عهد صدام حسين، ولا بالصحوة الدينية حتى قبل انعزالها او استقلالها عن بغداد، التاثير صار فقط من الموصل وما تحت، واعني الوسط والجنوب ومناطق كوردستان بقيت سليمة، وكل ما صارت ازمة اقتصادية او نوع من سوء الخدمات في اقليم كوردستان ينهض الاسلام السياسي باعتباره هو البديل لكنه ليس مؤثرا جماهيريا.
ثورة تشرين هددت ولاية الفقيه
رووداو: كيف عمل الاسلام السياسي في العراق بعد 2003؟
رشيد الخيون: بعد 2003 تغيرت الاوضاع وصارت اللادولة هي القوة الحاكمة، وبسبب العنف الذي تقوم به الميلشيات، واعني التهديدات والاغتيالات بدليل اغتيال اكثر من 800 عراقي في احتجاجات تشرين، والمسؤول عن هذه الاغتيالات الميلشيات بالدرجة الاولى، الحكومة لم تقتل لكنها سكتت عن هذه الجرائم والساكت هو قاتل ايضا وانا لا ابرر تصرفاتها، لكن الشرطي والجندي لم يرم الرصاص على المحتجين ومن فعل ذلك هي الميلشيات وقناصاتها لانهم خافوا من ثورة تشرين الى درجة ان ولي الفقيه خامنئي يخرج من صمته ويصف الثوار بالعملاء وهذا يؤكد خطورة هذه الثورة، وانا وغيري نعتبر ثورة تشرين هي الثورة الحقيقية لان الشعب من قام بها وليس الجيش مثلما حصل بكل الثورات او الانقلابات السابقة في العراق.
الانفتاح والاسلام السياسي
رووداو: في تغريدة لكم على تويتر امس، قلتم"إيران واي بلاد تحكمها فكرة دينية الانفتاح ينهيها، فإلغاء إلزام الحجاب، أو المطاوعة، يعد مسمارا في تابوت ولاية الفقيه"، هل يشكل الانفتاح تهديدا حقيقا على الاسلام السياسي.
رشيد الخيون: بالتأكيد.. لناخذ دول الخليج العربي التي كان التدين فيها ليس مفروضا من قبل الحكومة بل من قبل رجال الدين، وكان هناك نوع من الخوف من رجال الدين، لكن المسؤولين ادركوا ان هذه الدول سوف تنتهي بسبب انغلاقها، خاصة السعودية، لذلك توجهوا الى الانفتاح الذي قوى الدولة، قوى اقتصادها ومكانتها وتاثيرها بين الدول، وهذا ما حدث ايضا في دولة الامارات العربية، ذلك لان الحاكم هو ليس رجل دين، لكن رجل الدين اذا حكم سيغلق الدولة. بضاعة رجل الدين اولا هو الحجاب وان المرأة يجب ان تغطي شعرها، ثانيا اسلمة المجتمع حتى اذا شكليا، لنأخذ ايران مثلا، في ايران كل شيء موجود، الخمور وغيرها، ولكن في الظاهر هي دولة اسلامية.
هذه الشابة التي قتلت على يد الشرطة الدينية الايرانية، مهسا أميني، وهي كوردية ايرانية، باعتبارها خالفت قانون الحجاب، المفارقة العجيبة هنا ان السعودية التي كان فيها (المطاوعة) وهي شرطة دينية،على مدى 300 سنة وقبل ان تتاسس السعودية الحديثة، تخلصت منهم (المطاوعة)، وايران الدولة التي شعوبها حضارية ومتطورة على مدى التاريخ تنشأ فيها في هذا العصر الشرطة الدينية (المطاوعة)، وايران اليوم على حافة البركان، هذه مظاهر الصراع بين الشعب والدولة، والشعب الايراني شعب حي ومتنور ومتطور، نعم صار اكثر من 40 سنة تحت حكم اسلامي سياسي لكنه لم ينقطع عن العالم، حتى نسبة الملحدين ارتفعت في ايران، عندما تفرض سلطة دينية على المجتمع بالقوة فانت تضر الدين نفسه وهذا نوع من ردود الفعل ضد السلطة الدينية، وهذا ما يحدث بين الشباب في العراق ايضا. ونحن نخشى من الالحاد المشوه والتدين المشوه وكلاهما خطر على المجتمع.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً