رووداو ديجيتال
بثينة الناصري.. احفظوا هذا الاسم جيداً، وأعني هنا الأجيال الجديدة الذين لم يقرأوا لهذه الكاتبة العراقية التي تنتمي لجيل الستينيات الأدبي، حيث تميزت بأسلوبها في كتابة القصة القصيرة مما جعلها قريبة من القارئ كون مواضيعها تثير الأسئلة وتبقى نهاياتها، في الغالب مفتوحة.
الناصري، المولودة في بغداد حيث أنهت دراستها في جامعتها، بالإضافة إلى أنها عرفت كقاصة، إلا أن اهتماماتها متعددة وكلها تصب في نهر الأدب والترجمة والبحوث والدراسات، وفي بواكير عمرها عملت في المركز الفلكلوري بوزارة الثقافة والإعلام العراقية، ثم عملت في المركز الثقافي العراقي بالقاهرة واستقرت هناك.
نشرت قصصها أولاً في جريدة الأنباء الجديدة في بغداد سنة 1966، وأول قصة نشرتها كانت (حدوة حصان)، أصدرت مجموعتها القصصية الأولى باسم (حدوة حصان) سنة 1974، ثم نشرت مجموعة قصص اسمها (موت إله البحر) سنة 1977، ومجموعة (وطن آخر) سنة 1994، ونشرت مجموعة مقالات في كتاب "على حدود الوطن" سنة 1995. تُرجمت بعض قصصها إلى الإنجليزية والفرنسية والسويدية والنرويجية والإسبانية.
وبالرغم من أنها تقيم في القاهرة منذ أكثر من نصف قرن، إلا أن فكرتها عن الوطن مثلما صرحت في حوار لشبكة رووداو الإعلامية اليوم السبت، 26 تموز 2025: "الوطن مفهوم واسع بالنسبة لي. نحن نولد في مكان معين لم نختره، ثم نختار وطنًا نسكن فيه. والكون كله وطن لنا."

تضيف الكاتبة بثينة الناصري إلى اهتماماتها راهنًا السينما، حيث حولت عدداً من قصصها إلى أفلام قصيرة، غالبيتها من إنتاجها وإخراجها، وفاز فيلمها الأخير "طيارة ورقية" بجائزة أفضل فيلم عالمي قصير بمهرجان كودا كنال السينمائي الدولي في الهند، وتكشف عن مشروعها السينمائي القادم "فيلم صامت.. جربت كل أنواع الأفلام في رحلتي الابتدائية في فن السينما، والآن أجرب إنتاج وإخراج فيلم صامت."
بثينة الناصري، في الغالب، تبتعد عن الإعلام، وهذا ما تؤكده ندرة حواراتها المنشورة، لأنها تفضل أن يتعرف المتلقي عليها من خلال منجزها الإبداعي.. تحدثت لشبكة رووداو عن القصة القصيرة والسينما ومفهوم الوطن.

فيما يلي نص الحوار:
رووداو: ما هي المسافة بين القصة والسينما عندك؟
بثينة الناصري: المسافة واحدة فكلاهما تعبير عن فكرة ولكن بلغتين مختلفتين: لغة القصة الكلمة ولغة السينما الصورة. وفي فن السينما تعلمت أن (اللقطة) في السينما تساوي (الجملة المفيدة في القصة) وعدة لقطات تساوي (المشهد) في الفيلم كما أن عدة جمل مترابطة تكون فقرة في القصة.
رووداو: كلا الفنّين عالم يختلف عن الآخر، أعني القصة والفيلم، كيف اختصرت المسافة بينهما؟
بثينة الناصري: بالنسبة لي لا يختلف إلا بالأدوات كما أوضحت آنفاً، وكثير من النقاد الذين كتبوا عن قصصي قالوا بأنها تصلح للسينما لأن طريقة كتابتها مثل سيناريو لا يحتاج إلى جهد لتحويلها إلى فيلم. وأنا عاشقة للسينما منذ صغري.
رووداو: تقومين بكتابة السيناريو وإخراج الفيلم. ألا تعتقدين أنها مهمة صعبة؟
بثينة الناصري: كلا، لأني حين أكتب السيناريو أكتبه بالطريقة التي سوف أخرجه فيها، في هذه الحالة يمكن أن أغير في الشخصيات أو الأماكن حسب إمكانياتي المادية في تحويله إلى فيلم. وبهذا أتفادى صراع السيناريست والمخرج.
رووداو: أول فيلم لك كان (سبق صحفي) أنتج 2017 عن قصة لك للمخرج المصري بيتر فؤاد، وثاني فيلم (منديل أبو ريحة) أنتج عام 2019 عن قصتك (حكاية البنت سماح) للخرج المصري حسن صالح، وبعد دراستك فنون السينما في المدرسة العربية للسينما والتلفزيون في القاهرة، قمتِ بإخراج قصتك (حظ السلاحف) عام 2022 و(مفترق طريق) عن قصتك (القطار المسافر) عام 2023 ثم (الزائر) عن قصة بنفس الاسم عام 2024 وأخيرًا (طيارة ورق) عن قصتك (طائرة ورقية). هل تعتقدين أنك تعبرين عن روح القصة أفضل إذا قمت بإخراجها للسينما؟
بثينة الناصري: في فترة إخراج قصتين لي في 2017 و2019 من قبل مخرجين مصريين، كنت قد رافقت فريق العمل أثناء تصوير الفيلم وأثناء المونتاج، وهذا ولد في نفسي رغبة في أن أقوم به، وأذكر أن بعض الخلافات قامت بيني وبين تفسير المخرجين لفكرة الفيلم المقتبس عن قصتي، وهكذا فكرت أن أخوض غمار صناعة الأفلام بنفسي.
رووداو: منذ منتصف الستينات وأنت تكتبين القصة القصيرة وتميزت بها إبداعيًا وموضوعًا وأسلوبًا وتأثر بك جيل من الشباب ثم انقطعت عن الكتابة لنفاجأ باتجاهك إلى السينما؟
بثينة الناصري: لم أتوقف عن كتابة القصة أبداً وآخر مجموعة لي صدرت قبل سنتين أو ثلاث، لكن ربما كتبي لا تصل إلى العراق.
رووداو: أفلامك القصيرة أصلًا مستمدة من قصصك. هل حاولت تحويل قصص غيرك إلى السينما؟
بثينة الناصري: كلا ولن أحاول لأنني أنتج أفلامي بنفسي وأنا متقصدّة في تحويل قصصي إلى سينما، وهذا يمنحني سعادة كبيرة كأني أبث الحياة في شخوص قصصي فتتحرك أمامي قبل المشاهدين.
رووداو: هل تعتقدين أن السينما طريق مختصر إلى المتلقي أسرع وأفضل من القراءة؟
بثينة الناصري: بالتأكيد لأن الجيل الحاضر والقادم لن يقرأ وإنما يشاهد الصور. وهذا ما نراه حولنا. هل تجد أحدًا من الشباب يمسك كتاباً يقرأ به وهو في البيت أو الطريق أم يمسك الموبايل ليرى قصصًا مصورة؟ أنا مؤمنة بأن المستقبل للصورة وليس للكلمة.
رووداو: كاتبة قصة وباحثة ومترجمة وأخيرًا مخرجة ومنتجة أفلام، هل تفضلين أن يتم تصنيفك كسينمائية أم كاتبة قصة؟
بثينة الناصري: إذا كان لابد من التصنيف فاسمح لي أن أضع هنا ما كتبته على الغلاف الخلفي لمجموع أعمالي القصصية الكاملة وقد صدرت بجزأين في العام 2016 بالقاهرة وعنونته (كتاب المغامرات) قلت في تلك النبذة: (إذا سئلت لماذا أكتب أقول: أكتب لأخلق عوالم جديدة فيها كائنات أتحكم في مصائرها وأحدد مساراتها ولكن أحيانًا تفلت مني فتكتب هي نهاياتها، فالكتابة مغامرة والحياة مغامرة والموت مغامرة وهذا كتاب المغامرات).
رووداو: غالبية أفلامك فازت بجوائز عالمية وآخرها (طيارة ورق) لكن قصصك لم تحظ بمثل هذا الاهتمام. هل القارئ العربي مل القراءة باعتقادك؟
بثينة الناصري: وهل فازت أفلامي جوائز في بلاد عربية؟ كلا، كل الجوائز التي حصدتها منذ أول فيلم كانت في دول أجنبية. بالنسبة للقصص فقد ترجمت إلى لغات عديدة في الشرق والغرب ولم أسعَ أنا إلى البحث عن مترجمين، لكنني أفاجأ أحيانًا بهم يبعثون لي كتبهم أو أسمع عن ترجمة قصة لي هنا وهناك من الإنترنت. هناك قصص تدرس في جامعة في الولايات المتحدة. وقد ترجم لي المترجم الكندي المعروف دنيس جونسون ديفز وهو الذي ترجم لنجيب محفوظ وغيره من الكتاب العرب، ترجم لي مختارات بعنوان (الليلة الأخيرة Final Night) ونشرتها الجامعة الأمريكية بالقاهرة بطبعتين ثم ترجمت المختارات إلى الإيطالية ودُعيت في 2004 إلى ميلانو في إيطاليا لتوقيع الكتاب وحضور ندوة عنه. وقد تمت ترجمة قصصي إلى اللغات الفرنسية والإسبانية والسويدية والنرويجية والهندية (بإحدى لغات الهند المتعددة) والألمانية وغيرها. وأنا سعيدة بأن القارئ الأجنبي من مجتمعات متعددة يقرأ ويستمتع بقصصي, وهذه أكبر الجوائز بالنسبة لي.
رووداو: بعد تجاربك السينمائية في الأفلام القصيرة، ما هو مشروعك القادم، سينمائيًا؟
بثينة الناصري: الفيلم الصامت.. جربت كل أنواع الأفلام في رحلتي الابتدائية في فن السينما، مثل: التصوير في الصحراء (فيلم حظ السلاحف)، في حافلة ركاب على طريق سفر (مفترق طريق)، الأحداث كلها في غرفة واحدة (الزائر)، الفكرة الرمزية لتمثال بين الماضي والحاضر (عباية فينوس)، مع الاستعانة بالذكاء الصناعي (طيارة ورق). الآن أفكر في تجربة فيلم صامت.
رووداو: عادة تذهب كاتبة أو كاتب القصة القصيرة إلى الرواية لكنك اتجهت إلى السينما؟
بثينة الناصري: القصة القصيرة عالم آخر يختلف عن الرواية، وهي فن أصعب منها لأنها مكثفة ولا يمكن اعتبار القصة القصيرة مقدمة أو تدريبًا لكتابة الرواية. وأعتقد أن اتجاه بعض الكتاب إلى الرواية لأن الجوائز العربية تمنح للروايات وأيضًا القارئ العربي يفضل الرواية لأن عالمها طويل ومتشعب ويستطيع القارئ أن يضيع في مساراتها بعيدًا عن همومه الشخصية.
رووداو: هل للكاتب وطن؟ أعني فيزيائيًا أم أن الوطن افتراضي؟ أنت عراقية مقيمة في القاهرة لكني أشعر بأنك ما تزالين ببغداد حتى وإن كان أبطال أفلامك يتحدثون باللهجة المصرية؟
بثينة الناصري: الوطن مفهوم واسع بالنسبة لي. نحن نولد في مكان معين لم نختره، ثم نختار وطنًا نسكن فيه. والكون كله وطن لنا. لكن المكان الذي وُلِدنا فيه بدون إرادتنا نحمل ملامحه في صورتنا وصفاته وتراثه في جيناتنا أينما ذهبنا. تصور أنني بعد أن عشت في مصر نصف قرن وهي مدة أكثر ما عشته في العراق، ما زالت لكنتي عراقية وأينما أذهب يسألني المصريون (أنت منين؟).
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً