جمال سليمان في مقابلة مع رووداو: كوردستان ساحرة وسوريا بحاجة لنظام سياسي لا مركزي

26-04-2025
جمال سليمان - دلبخوين دارا
جمال سليمان - دلبخوين دارا
الكلمات الدالة جمال سليمان سوريا عفرين قسد الكورد
A+ A-
رووداو ديجيتال

أكد الفنان السوري البارز -الذي عرف بنشاطه السياسي- جمال سليمان، أن إقليم كوردستان يتمتع بطبيعة ساحرة تؤهله لاستضافة الإنتاجات السينمائية العربية والعالمية، لافتا إلى أن سوريا في ظل حالة الرضا وعدم الرضا بين الأطراف والمكونات بما فيهم الكورد، بحاجة إلى مصالحة وطنية، مشيرا إلى أن مستقبل البلاد يتطلب نظام سياسي لا مركزي لا يشعر فيه طرف أنه انتصر على الآخر، ويخلق شعوراً بالطمأنينة لدى الجميع.
 
جاء ذلك في مقابلة مع شبكة رووداو الإعلامية، أجراها دلبخوين دارا، اليوم السبت (26 نيسان 2025)، تحدث خلالها عن زيارته إلى إقليم كوردستان ولقائه الرئيس مسعود بارزاني، فضلا عن مستقبل سوريا، وحقوق الكورد، بعد تشريح عن دور الفن في هوية البلاد.
 
وأدناه نص المقابلة:

رووداو: أهلاً ومرحباً بكم، أعددت اليوم مقابلة خاصة جداً، مع ضيف مميز جداً، إنه الممثل السينمائي والشخصية السورية المعروفة، جمال سليمان. بالتأكيد، هو معروف بقصصه السياسية، إلى جانب السينما، وإلى جانب الدراما والمسلسلات. هو سوري، لكنه لا يقيم في سوريا، بل يقيم في مصر. قال في وقت ما إنه يريد أن يصبح رئيساً لسوريا، لا أعرف ما حدث بعد ذلك، تغيرت الأوضاع والآن لا يتحدث كثيراً عن هذا الأمر. لكن جمال سليمان يبقى كما هو، شخصية قوية وصاحب موقف ثابت. أهلاً وسهلاً بالسيد جمال سليمان، سعدت برؤيتك في كوردستان وفي رووداو.

جمال سليمان: شكراً على الاستضافة وسعيد لوجودي معكم.
 
رووداو: في البداية أردت أن أعرف كيف وجدت كوردستان.

جمال سليمان: كانت زيارتي جميلة جداً، وهذه زيارتي الثانية إلى إقليم كوردستان لمعرض الكتاب في أربيل، وزرت بعض الأماكن الأثرية في أربيل، والمكان جميل. كوردستان بشكل عام تتمتع بطبيعة ساحرة، وكنت قد رأيت عدداً من الأفلام الوثائقية عن كوردستان، واليوم أثناء رحلتنا لمقابلة الرئيس مسعود بارزاني، مررت على الأماكن الجبلية والوديان، ورأيت طبيعتها الساحرة.
 
عندما كنت بضيافة الرئيس، تحدثنا عن صلاح الدين باعتباري عملت مسلسلاً عن صلاح الدين، والرئيس أشار لي من النافذة بأن القرية التي جاءت منها عائلة صلاح الدين هي في الوادي تقريباً على بعد كيلومتر من مقر إقامته. لذلك هي منطقة ساحرة، والأهم دائماً من البلاد هم أهل البلاد، والناس في كوردستان طيبون جداً، ولبقون ومحبون جداً، بمعنى يحتارون كيف يمكنهم إسعاد ضيفهم والشخص الذي يقوم بزيارتهم بكرمهم ودماثتهم ولطفهم. لذا أنا سعيد جداً بالزيارة الثانية وإن شاء الله تتكرر.
 
رووداو: آمل أن تكون كوردستان بيتك، ووطنك. السيد جمال سليمان، كيف ترى كوردستان كمكان للأفلام، للمسلسلات؟

جمال سليمان: الحقيقة أنا لفت نظري هذا الشيء. وتشجعت وفتحت الحديث مع الرئيس مسعود بارزاني. قلت له إنني رأيت أن هذه البقعة الجميلة من العالم، وهؤلاء الناس بلطفهم وطيبتهم، مؤهلون ليكونوا مستضيفين للإنتاجات السينمائية العربية والعالمية، وكل ما تحتاجه كوردستان العراق أن تفتح الأبواب وترحب بالإنتاجات التلفزيونية العربية والعالمية. أنا صورت في المغرب عدداً من الأعمال منها صقر قريش وربيع قرطبة وملوك الطوائف ومؤخراً "ديكو دراما" اسمه سيوف العرب.
 
المغاربة عملوا فتحاً في هذا المجال، وبسبب التسهيلات القانونية والقوانين الخاصة، كثير من الأفلام العالمية والمخرجين الكبار يصورون في المغرب، بحيث أن كبار مخرجي استوديوهات هوليوود يذهبون لتصوير في المغرب. في حين أن طبيعة كوردستان مختلفة عن طبيعة المغرب. فكما أن طبيعة المغرب تحتوي على الصحراء وجمالياتها العظيمة، فإن كوردستان أيضاً طبيعتها الأخرى بالجبال والخضار والثلج في الشتاء، لذلك يمكن أن تكون من الأماكن المغرية لعيون المخرجين السينمائيين والتلفزيونيين الكبار.
 
رووداو: أتمنى أن أرى جمال سليمان هنا ذات يوم، يشارك أو ينتج فيلماً أو مسلسلاً. لننتقل إلى الدراما السورية، كيف يمكنها أن تعكس التنوع في سوريا؟

جمال سليمان: في الحقيقة تقريباً حصل هذا الشيء في السنوات الماضية ضمن الحدود. الدراما السورية بدأت في مطلع الستينيات مع بداية التلفزيون السوري، لكن معظم الموضوعات كانت متركزة في دمشق وريف دمشق. ثم تهاوت الدراما السورية في فترة السبعينيات والثمانينيات إلى أن عادت تقريباً في منتصف الثمانينيات للنهوض مرة ثانية، كما أن الدراما قدمت خلال السنوات أعمالاً لم تصور في دمشق فقط، وليس في البيئة الدمشقية فقط، مثلاً صورنا مسلسل "خان الحرير" في حلب بجزئيه، وكان كثير من الناس في سوريا، بل في الوطن العربي، يتعرفون لأول مرة على أسواق حلب وجمالها. كذلك تم تصوير عدد من الأعمال في الساحل السوري ضمن الفنتازيا التاريخية مثل الكواسر والجوارح وإلى آخره. صورنا مسلسل "السورية وعكاش" في عفرين، وكان لأول مرة الناس تعرف الأوابد التاريخية العظيمة فيما يسمى بالمدن الميتة أو المدن المنسية التي ضربتها الزلازل لكنها أماكن تاريخية عريقة وكبيرة جداً وذات حضور عالمي في التراث والتاريخ العالمي. إضافة إلى مسلسلات بدوية مثل ما فعلنا في "فنجان الدم"، فقد قدم أناساً مسيحيين، مسلمين، كورد، عرب، ومن الساحل السوري، ومن الجنوب من حوران، ومن السويداء. كذلك مثلاً "الخربة" مسلسل بأكمله مصور في السويداء، بينما مسلسل "ضيعة ضايعة" مصور بأكمله في منطقة بشمال غرب سوريا تقريباً على حدود تركيا، فالدراما السورية عرفت العالم العربي وعرفت حتى كثيراً من السوريين على الأماكن المختلفة بسوريا. مع ذلك، يمكن عمل أكثر من ذلك.
 
رووداو: ذهبتم إلى عفرين، هل وجدتم عفرين جميلة؟ كيف كانت عفرين؟

جمال سليمان: أنا بقيت على ظهر حصاني في مسلسل "الثريا" كشخصية عكاش في عفرين، انتقلت من قرية إلى قرية ومن مكان إلى مكان لمدة 4-5 أشهر تقريباً، فرأيت المنطقة بأكملها واحتككت مع الناس وتعرفت على حياتهم وأهدوني أروع زيت زيتون في العالم.
 
رووداو: في الحقيقة عفرين مشهورة بزيتها وزيتونها، وكذلك أسماء عكاشو وحنان ومنان شائعة هناك. 

جمال سليمان: على فكرة، الكورد في عفرين غالباً يحبون اسم عكاش ويقومون بتسميته، لذلك كانوا سعداء جداً لرؤية بطل مسلسل اسمه عكاش، خاصةً هذا البطل النزيه الشريف المتمرد "الروبن هودي"، لذلك حقق المسلسل نجاحاً كبيراً، وخاصةً في هذه المناطق.
 
رووداو: الكورد يحبونك كثيراً، سيد جمال، يعني... لا أعرف، لكن الكورد يحبونك كثيراً وتابعوا جميع مسلسلاتك بشغف.
 
جمال سليمان: أنا أيضاً أحبهم.

رووداو: وددت أن نتحدث في هذه المقابلة قليلاً عن الجانب السياسي أيضاً. جمال سليمان معروف فنياً، وهو أيضاً معروف جداً من الناحية السياسية. أريد أن أعرف، بعد سقوط الأسد، كنت في مصر، كنت خارج البلاد، وعدت إلى سوريا في زيارة، واستقبلك الشعب بحفاوة وحب كبيرين. عدت بعد جولة قصيرة إلى مصر، لم تبق في سوريا. أردت أن أعرف، لماذا لم تبق في سوريا؟
 
جمال سليمان: أولاً كنت سعيداً جداً أن أزور وطني بعد 13 عاماً من الغربة القسرية. لم أكن أستطيع أن أزور سوريا فكان لدي طوق شديد لزيارة سوريا، وخاصة أنها من دون النظام البائد وبشار الأسد وأجهزته وقمعه وكل شيء كان يحدث في سوريا. وفي نفس الوقت حنيني إلى الأماكن التي خلقت فيها، فأنا ولدت في الشام وعشت وتربيت فيها وعشت كل حياتي فيها ودخلت إلى المعهد العالي للفنون المسرحية، وتخرجت وتزوجت فيها وأنجبنا ابننا محمد في دمشق، فهذه المدينة تعني بالنسبة لي أشياء كثيرة جداً. وفي نفس الوقت كنت مصدوماً وحزيناً للحال الذي آلت إليه دمشق وباقي المدن السورية التي لم يتسنى لي أن أزورها نتيجة ممارسات هذا النظام ونتيجة تمسكه وعناده بعدم القبول بأي حل سياسي تفاوضي يفضي إلى إصلاح سياسي شامل وعام في البلاد، يجنبنا كل هذه التضحيات وكل هذه الدماء وكل هذا الانقسام، وتفاهم الحياة والاحتياجات والمظلومات عند الشرائح المختلفة من الشعب السوري. وأنا خلال كل هذه السنوات كنت جزءاً من هذه العملية، قمت بواجبي كإنسان سوري على قدر المستطاع. أنتم في الإعلام تسمونه عمل سياسي، لكن أنا دائماً أسميه العمل الوطني لأني أعتبره من واجباتنا كلنا كسوريين كل واحد بموقعه. لذلك شاءت الأقدار والظروف أن أكون منخرطاً في هذا العمل سواء من خلال العملية التفاوضية أو من خلال اللجنة الدستورية التي شكلتها الأمم المتحدة، أملاً أن يكون التحول عبر وثيقة دستورية تضمن شكل سوريا الذي نريده فيما بعد.
 
لكن بعد الزيارة لم أبق وعدت إلى القاهرة، لأن عائلتي وعملي وابني في المدرسة، ولا تزال سبل الحياة غير مهيئة لنا في دمشق، لأنه يجب ألا ننسى بأن منزلي في دمشق خلال عام 2012 تم الاعتداء عليه من قبل قوات النظام واقتحامه وتحطيمه. لذلك أنا لا أملك منزلاً الآن في دمشق، لكن طبعاً أتطلع لأن يكون عندي منزل في دمشق بأقرب فرصة.

رووداو: إلى أين تمضي سوريا؟ أين يكمن مستقبل سوريا؟ حسب رأيك، مثلاً تم إعداد دستور، يقولون إنه دستور "مؤقت" لكنه سيسري على الأقل خمس سنوات. الكورد غير راضين عن هذا الدستور، الكورد يقولون إن حقوقهم غائبة عن هذا الدستور. الدروز غير راضين، وكذلك قسم من السنة، الذين أعدوا الدستور السوري الجديد، غير راضين، لكن رغم ذلك وافق رئيس سوريا أحمد الشرع ووقع على هذا الدستور. حسب رأيك، أين مستقبل سوريا؟

جمال سليمان: في الحقيقة كلام كثير يدور في سوريا الآن، مثل الحديث عن سيناريوهات مختلفة بعضها يصل إلى حدود الخيال، وبعضها واقعي. لكن المهم نحن كسوريين جميعاً هذه فرصتنا التي قد تكون الأخيرة للحفاظ على سوريا. لذلك كلنا متحدون بما فينا الكورد في شمال وشرق سوريا في قوات سوريا الديمقراطية أبدوا كل إيجابية من أجل الانخراط في مشروع سوريا القادمة والجديدة. ولعل الوثيقة التي تم توقيعها بين قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، ورئيس الجمهورية أحمد الشرع، هي وثيقة جيدة ومؤسسة في الإطار العام لسوريا التي نتمناها، سوريا التي تعترف بكل مكوناتها، والتي تقوم على فكرة المصالحة وفكرة المشاركة في بناء سوريا القادمة.
 
نحن نعول على ما يقوله الرئيس أحمد الشرع في كل لقاءاته وفي كل كلماته وخطاباته، لأنها تعطي مؤشرات إيجابية نحو المستقبل. لكن ما يجري على أرض الواقع هو أحياناً مقلق، بعض التجاوزات وبعض الأشياء أكيد تدخل في تناقض حاد مع رؤية رئيس الجمهورية، وهذه مسألة تحتاج إلى وقفة متأنية. أما فيما يتعلق بالإعلان الدستوري، بالتأكيد كنا جميعاً نتمنى أن يكون مضمون الإعلان الدستوري أكثر اتساقاً مع الوثيقة التي وقعت مع مجلس سوريا الديمقراطية "مسد" وقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وليس فقط المسألة التي تتعلق بالكورد تحديداً، لكن هذه مسألتنا جميعاً كسوريين، ومن ضمنهم الكورد كمكون أساسي في المجتمع السوري لكي نتجاوز هذا الصراع العرقي أو الطائفي أو الديني أو المناطقي. خصوصاً أن سنوات الصراع الطويلة وسنوات الاستبداد الطويلة خلقت روايات متناقضة في قلوب وعقول المكونات المختلفة، وهذا ما نتمنى ونتطلع له، لأننا نستطيع تجاوز ذلك ونخلق هذا المستقبل المشترك.
 
سوريا محتاجة اليوم جداً إلى فكرة المصالحة الوطنية، لأن هذا شيء أساسي. واليوم خلال اللقاء مع الرئيس مسعود بارزاني كان هناك حديث عن هذا الموضوع بعد سقوط نظام صدام حسين، ليس فقط المصالحة الكوردية العربية، وإنما المصالحة الكوردية الكوردية نفسها. الرئيس تحدث بتأثر وكان الحديث فعلاً ملهم عن أنه كان هناك بعض من الكورد كانوا في قوات صدام حسين وكانوا مع الأجهزة الأمنية الصدامية التي تمارس عمليات الاضطهاد والقتل ضد الشعب الكوردي. وعندما سقط نظام صدام حسين كانت خشية الرئيس مسعود بارزاني أن تحصل عمليات انتقام، فأول شيء عمله هو فكرة التسامح وفكرة المصالحة. هو طرح فكرة عظيمة جداً طالما أنني في النهاية كسبت المعركة، فإذن الحق تم تطبيقه والعدالة تم تطبيقها، والباقي هو تفاصيل. لذا أتمنى أن يكون هناك شيء من هذا القبيل، وأن نستطيع أن نتفهمه في سوريا. بالتأكيد نحتاج إلى عدالة انتقالية لمحاسبة المجرمين والقتلة، لأن حجم الإجرام الذي حصل في سوريا كبير جداً. ولكن هذا وحده لا يكفي، يجب أن يكون هناك أيضاً مصالحة وطنية.
 
رووداو: لننتقل للحديث عن الكورد. تحدثت عن الكورد في هذه المقابلة. أريد بالتأكيد تخصيص جزء مهم منها لهذا الموضوع. أنت تعلم أن الكورد مكون رئيسي لسوريا، بعد العرب. لكن الكورد في ظل جميع أنظمة الحكم في سوريا ظلوا دائماً محرومين من حقوقهم. مثلاً، اللغة التي أتحدث بها الآن، كانت محظورة في المدارس في سوريا، الكتب بهذه اللغة كانت محظورة، كل شيء كان محظوراً، حتى الأسماء الكوردية كانت محظورة. سيد جمال سليمان، تم إعداد دستور، أطلقوا على البلد تسمية "الجمهورية العربية السورية"، سموها باسم عربي. الكورد يقولون، "نحن لسنا عرباً، نحن كورد". نحن والعرب إخوة، أصدقاء، جيران، لكننا كورد. لا نريد أن تسمى الجمهورية بالعربية، وهي البلد الذي نعيش فيه. كيف ترى بقاء لاحقة العربية ملتصقة بالجمهورية السورية؟

جمال سليمان: الحقيقة هذه واحدة من الموضوعات التي كانت جدلية في كل مؤتمرات المعارضة التي كنت جزءاً منها. أنت تعرف في مؤتمر القاهرة الذي عقدت الجولة الأولى منه في كانون الثاني 2015 ثم في حزيران 2015، كانت القوى السياسية الكوردية مكوناً أساسياً في هذا المؤتمر. والحقيقة أحد الأشياء التي انطرحت هي مسألة اللغة ومسألة اسم البلاد. أنا من أنصار أن يكون لدينا دستور يعتبر أن اللغة الكوردية لغة رسمية ثانية في سوريا، لأن المكون الكوردي موجود ولا غضاضة في ذلك. على الأقل في الأماكن ذات الأغلبية الكوردية يتم الاعتراف باللغة الكوردية، ولا أعتقد أنه يجب أن نخاف من هذا الشيء، فما المشكلة في ذلك؟ وبالتأكيد أنا أحب أن يكون هناك مدارس تُدرس بالكوردية، بالنسبة للكورد الذين يحبون أن يرسلوا أولادهم إلى هذه المدارس، يجب أن يكون لديهم هذا الخيار. شخصياً يشرفني جداً أن أرى في أسبوع ثقافي سوري في أي مدينة أوروبية أو عربية، وأسمع في هذا الأسبوع شاعراً كوردياً سورياً، أو مغنياً كوردياً أو موسيقى كوردية. وأنا فعلت هذا الشيء على فكرة، حيث فعلنا حفلاً غنائياً على هامش مؤتمر بروكسل منذ حوالي سنة تقريباً، والفرقة الموسيقية السورية من ضمن الأشياء التي عزفتها كانت الموسيقى الكوردية والأغاني الكوردية، والصالة التهبت، رغم أن غالبية الموجودين في الصالة كانوا سوريين من العرب وليسوا من الكورد، لكن كانوا سعداء جداً بذلك. لا غضاضة في هذا.
 
رووداو: لاحقة "العربية"، سيد جمال سليمان؟

جمال سليمان: أما فيما يتعلق باسم البلاد، أيضاً كان ذلك من الموضوعات التي حدث عليها نقاش في المعارضة. لذلك صار في مقترحات كثيرة. أولاً قيل إنه إذا سميناها "الجمهورية السورية" كما سميت البلاد في دستور 1920، فما هي المشكلة؟ لأننا لدينا سلطنة عمان، لدينا دولة لبنان، لدينا دولة العراق، لدينا دولة المغرب، ولدينا الجزائر، وهي كلها دول عربية، وفي جميع الدول العربية دون أن يكون مثلاً مذكور الاسم. ولدينا نموذج آخر مثلاً: "جمهورية مصر العربية"، التي قدمت مصر على العروبة. فكان هناك بعض الاقتراحات التي حدثت: أن تُسمى "جمهورية سوريا العربية"، أو "الجمهورية السورية العربية". لذلك أقصد أن هناك مقاربات وتفكيراً بهذا الشيء، ويمكن أن تُسمى الجمهورية السورية. هذا الكلام الحقيقي يحتاج إلى نقاش أخوي معمق بأجواء الثقة المتبادلة حتى نستطيع أن نصل لحل في ذلك.

رووداو: الكورد يريدون اللامركزية، يريدون الحكم الذاتي، يريدون الفيدرالية. استمعت لمقابلة تقول فيها إن النظام الأفضل لسوريا هو النظام اللامركزي، أي غير المركزي. كيف ترى مطلب الكورد؟ في الحكم الذاتي، أو الفيدرالية، أو اللامركزية، أو الإدارة الذاتية مثل الموجودة حالياً؟ ما رأيك؟

جمال سليمان: أيضاً هذا كان ضمن النقاشات الكبرى. وأنا تعلمت خلال هذه النقاشات والمؤتمرات أكثر وأكثر عن تطلعات الكورد، وفي نفس الوقت عن تحفظات المكون العربي في سوريا، فيما يتعلق بالفيدرالية واللا فدرالية، واللا مركزية السياسية واللا مركزية الإدارية. أنا أعتقد وقت مؤتمر القاهرة، وحلاً للخلاف، وصلنا إلى صيغة "اللا مركزية الديمقراطية"، التي هي ليست لا مركزية سياسية بمعنى الفيدرالية، وليست لا مركزية إدارية بمعنى صلاحيات محدودة وقد تكون باهتة، ويستطيع المركز في أي لحظة أن ينقلب على هذه الصلاحيات وينتزعها من الأطراف. لذلك نحن يجب أن نصل لنظام سياسي لا مركزي. لكن هذا النظام السياسي اللا مركزي يوضح أنه لا يوجد طرف انتصر على طرف، وبنفس الوقت يخلق شعوراً بالطمأنينة لدى الجميع، وتوافقاً على أننا سنبقى معاً في سوريا. سوريا ستبقى موحدة ومستقبلنا مشترك. فممكن الوصول لصيغة معينة. وهذه ليست حاجة كوردية فقط، ولكن هي حاجة سورية، لأن الاحتياجات بين المناطق والمدن السورية الآن نتيجة هذه الحرب متباينة جداً.
 
رووداو: كيف يمكن للكورد أن يشعروا بأن لهم حقوقاً هناك؟ الكورد يخافون، يعني انظر، جميع الأنظمة السابقة أخافتهم، وسجنتهم، ولغتهم كانت محظورة، وثقافتهم كانت محظورة، لم تكن هناك مدارس، لم يكن هناك نفط، أراضي الكورد تم توزيعها على العرب. يعني... هناك عدد كبير من الكورد في سوريا محرومون من الجنسية. لكنهم ليسوا أشخاصاً مجهولين - ليسوا مجهولين في سوريا. ما هي الحقوق التي يمكن منحها للكورد لكي يشعروا حقاً بالأمان في سوريا؟

جمال سليمان: هذا ما أقوله. عندما يُعترف بلغتك كلغة رسمية في الدستور والبلاد، لغة ثانية رسمية على الأقل في المناطق ذات الأغلبية الكوردية. وعندما يكون هناك لا مركزية موسعة، بحيث أن السكان المحليين لديهم الصلاحيات، ولديهم الموارد، ولديهم القدرة على إدارة شؤونهم، والتعبير عن مشكلاتهم وطريقة حلولهم. أعتقد أن عنصر الانتماء سيكون أقوى، وسيكون رضائياً، وليس جبرياً ولا قهرياً.
 
رووداو: لو فكر كل سوري مثلك، لكان ذلك أفضل بكثير للكورد بصراحة. على الأقل سيتأكد الكورد حينها من أنهم يستطيعون العيش كشعب في هذا البلد. هل ستزور قامشلو؟ 

جمال سليمان: أتشرف بزيارة القامشلي. أنا أساساً في طفولتي عندي ذكريات لمنطقة ساحرة وجميلة جداً. والدي كان سائق سيارة نقل في وزارة الزراعة، في مؤسسة الحبوب والمطاحن، فكُلّف بنقل محاصيل القمح في الجزيرة من أماكن إلى أخرى. وكنت أنا طفلاً عمري لا يتجاوز 12 عاماً. وسكنا في تل أبيض، واستأجر لنا والدي منزلاً لسيدة كوردية عظيمة، اسمها أم يحيى. وأم يحيى كانت تلبس الزي الكوردي الخاص بها، وكانت لديها شخصية عظيمة قوية أتذكرها في طفولتي، ولديها أولاد كثيرون، وعندها كمية من الغنم لم أحصها. وهي كانت سيدة تبدو جبارة ولكنها كانت في منتهى الحنان. شعرت أن أمي، وهي سيدة دمشقية، لم تكن لديها فكرة عن المنطقة، وقد تكون المنطقة قاسية بالنسبة لها، فكانت متعاطفة معها جداً. أنا لا أنسى أنه كل يوم كانت ترسل لنا سطلاً من الحليب، وكان فيه كرة زبد بيضاء، تطفو على سطح الحليب. فكانت ذكريات جميلة. وسافرت مع والدي إلى القامشلي، وذهبنا إلى الخابور، وذهبنا إلى عين العروس، وكدت أن أغرق في عين العروس. لذلك لدي ذكريات جميلة جداً في المنطقة. وطبعاً أشعر بالشرف والسعادة لزيارتها، لأنها جزء عزيز من سوريا.
 
رووداو: صلاح الدين الأيوبي كان كوردياً، وأنت أيضاً معروف بدور صلاح الدين الأيوبي. التقيت أيضاً بالرئيس بارزاني. أردت أن أسأل عن رؤيتك لشخصية الرئيس بارزاني؟ 

جمال سليمان: أولاً، شخصية غاية في اللطف والتواضع والبساطة والصراحة، وتشرفت بلقائه. كان لقاؤه ملهماً، وحديثه عن العراق وإقليم كوردستان بعد سقوط نظام صدام حسين كان حديثاً ملهماً. وكان ترحابه الشديد وبساطته لا تشعرك إلا أنك في حضرة رجل متواضع ونبيل وعميق جداً. فلا يحسسك أبداً بأي رسميات، أو أنك قابلت زعيماً سياسياً كبيراً. كان هناك دفء وبساطة ودماثة.
 
هذا انطباعي أيضاً كان مشابهاً لمجموعة من الأدباء والصحفيين الذين كنت معهم، متمنياً أن يطيل الله بعمره ويحقق أحلامه. لاسيما أنه لا يزال لديه تطلعات وحب لكوردستان والعراق. تحدث كثيراً عن سوريا، ولديه حب وتقدير وقلق بشأن سوريا. وأنا شعرت أنه حقيقي وصادق، لدرجة لمعت عيناه عندما تحدث عن سوريا. لذلك فكان لقاء جميلاً.

 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب