سفير الدنمارك في العراق: ظهور العنف يشكل خطراً متوقعاً عندما يكون هناك ركود سياسي

21-06-2022
بيستون عثمان
السفير الدنماركي ستيغ بيراس مع بيستون عثمان
السفير الدنماركي ستيغ بيراس مع بيستون عثمان
الكلمات الدالة الدنمارك العراق اقليم كوردستان
A+ A-
 
رووداو ديجيتال

حذّر السفير الدنماركي في العراق ستيغ بيراس، من أن ظهور العنف يشكل خطراً متوقعاً عندما يكون هناك ركود سياسي.
 
السفير الدنماركي في العراق ستيغ بيراس، قال في مقابلة مع شبكة رووداو الاعلامية: "لا أعتقد بوجود علاقة مباشرة بين الركود السياسي واستعادة داعش نشاطه"، مبيناً ان "أصول داعش هي التي تقلقني أكثر، فهي القاعدة التي يستمد منها داعش الدعم".
 
وأدناه نص المقابلة:
 
رووداو: سعادة السفير ستيغ بيراس، شكراً لأنك معنا وأهلاً بك في رووداو.
 
ستيغ بيراس: شكراً جزيلاً لكم، ومرحباً بكم في سفارتنا.
 
رووداو: أهلاً بعودتك إلى العراق. كنت هنا في العامين 2003 و2004 حينها كنت دبلوماسياً شاباً، واليوم أنت هنا من جديد، لكن بصفة دبلوماسية رفيعة المستوى. هل لك أنت تخبرني بالتغيرات التي تلمسها، مذذاك إلى اليوم؟
 
ستيغ بيراس: هذا كثير ولو سردته، عليك أن تسمعني طوال اليوم كله.
 
رووداو: طوال اليوم كله، لا، دعنا نختصر الأمر.
 
ستيغ بيراس: جئت إلى العراق في (3 أيار 2003) بعد انتهاء المعركة الكبرى مباشرة. كان العراق حينها بلداً دمرته الدكتاتورية. ليس الدكتاتورية وحدها بل العقوبات الاقتصادية أيضاً. كانت هناك عقوبات شديدة للغاية على هذا البلد في التسعينيات. بالتأكيد كان بلداً لا يدري ماذا عليه أن يفعل للخطوة التالية. كان العراقيون تعودوا أن يدار بلدهم من قبل الدكتاتورية، وفجأة فُقد القائد. كانت تجربة لافتة في مسيرتي المهنية. لكن اليوم، هناك الكثير من التغيرات، بعضها جيد وبعضها سيء. فعلى الأقل ألمس تقدماً اقتصادياً. من المهم جداً أن نتذكر أن العراق كان حينها في غاية الفقر، وهو الآن أغنى بكثير مقارنة بتلك الأيام، تقدم كثيراً. صحيح أنه لا يزال أمام العراق طريق طويل يقطعه للوصول إلى اقتصاد حر ولتنمية القطاع الخاص، لكن يمكنني القول إن هذا البلد الآن أفضل حالاً بكثير مما كان عليه عندما غادرته في 2004.
 
رووداو: منذ أن غادرت هذا البلد، أجرينا عدداً من الانتخابات، وجاءت حكومات وذهبت أخريات...
 
ستيغ بيراس: وهذا نصر كبير مقارنة بهذه المنطقة! إجراء خمس انتخابات ديمقراطية متتالية...
 
رووداو: والآن بعد آخر انتخابات، نحن نعاني من ركود سياسي منذ ثمانية أشهر. ألا تعتقد أن هذا الركود السياسي قد يؤدي إلى عنف في البلد؟
 
ستيغ بيراس: أرجو أن لا تبلغ الأمور ذلك المبلغ. فلا شك أن ظهور العنف يشكل دائماً خطراً متوقعاً عندما يكون هناك مثل هذا الركود السياسي. حتى في أوروبا، تؤدي هكذا ظروف إلى تظاهرات وتجمعات كبرى. أرجو أن نشهد قريباً تشكيل حكومة في العراق، فهذا البلد يحاجة إلى حكومة تؤدي مهامها. هناك الكثير ليجري إنجازه. نحن بحاجة إلى حكومة قادرة على العمل وإجراء إصلاحات. لكن علينا أن نقر أيضاً بأن العراق ذو ديمقراطية شابة، وفي هذه الديمقراطيات يحتاج بعض الأمور إلى وقت. لهذا أعتقد أن علينا أن نتحلى بالصبر قليلاً.
 
رووداو: وماذا عن داعش، وكيف تجد استعادة داعش نشاطه من جديد وبدرجة أكبر، في حال استمر هذا الركود؟
 
ستيغ بيراس: لا أعتقد بوجود علاقة مباشرة بين الركود السياسي واستعادة داعش نشاطه. أتدري؟ داعش ناجح جداً في التسلل إلى الفراغات الأمنية. ولما كان الجيش والقوات الأمنية العراقية يواصلان الآن مهامهما، أنا لا ألمس خطراً حقيقياً لداعش. لكن أصول داعش هي التي تقلقني أكثر، فهي القاعدة التي يستمد منها داعش الدعم. عندما يكون هناك ناس يشعرون بأن لا مكاسب لهم وأن الحكومة لا تقدم الخدمات لهم، ولا تؤمّن لهم فرص العمل والتعليم، عندها يظهر الخطر. عندما يكون تقديم تلك الخدمات ممكناً وعندما يكون ممكناً تأمين تلك الفرص، وتكون هناك حكومة فاعلة في السلطة تستطيع استخدام العائدات بصورة صحيحة وصحية. العلاقة بين الأوضاع الحالية وخطر داعش هي على هذا النحو، بصورة مباشرة.
 
رووداو: لا تزال الدانمارك ترى أن داعش يشكل خطراً على أمنها الوطني، أليس كذلك؟
 
ستيغ بيراس: بلى.. داعش خطر كبير.. وقد رأينا ما فعل. ليس بالبعيد جداً. كلنا نذكر ذلك. لهذا فإننا اليوم هنا، هنا لنساعد في تحقيق الاستقرار للعراق. لا نريد عودة داعش أبداً. لا أحد يريد ذلك. الدانمارك مشاركة في التحالف الدولي للقضاء على داعش، وفي نفس الوقت، وحتى فترة قريبة، كانت تتولى قيادة مهام ناتو في العراق. كل هذا من أجل استقرار العراق ولتمكين العراق من الحفاظ على أمنه.
 
رووداو: ما الذي حققته الدانمارك في فترة قيادتها لمهام ناتو في العراق، والتي استمرت سنة ونصف السنة؟
 
ستيغ بيراس: ينبغي أن يشهد لنا العراقيون بهذا! وأستطيع الإشارة إلى عدد من النقاط. بعد تفشي كوفيد-19 مباشرة تولينا تلك المهمة، في كانون الثاني 2020. ربما تذكرون أنه كانت هناك تظاهرات تشرين واسعة النطاق. تولت حكومة جديدة مهامها. كان يجب أن نعمل مع العراقيين لنعرف كيف يمكن أن نساعدهم. بخلاف ما يظنه الكثير من الناس، ليست مهمة ناتو في العراق هي تقديم التدريب، في الحقيقة مهمة ناتو في العراق هي تقديم المشورة. هذه المشورة تمثل مساعدة العراق على الصعيد المؤسساتي لإعادة تنظيم وزارة الدفاع، بهدف تحويلها إلى مؤسسة دفاعية حديثة. هذا يعني أن مهمة ناتو، بخلاف مهمة التحالف الدولي للقضاء على داعش، لا تضم الجنود والسلاح. بل تعمل في الغالب على توفير المشورة على مستويات عليا لإعادة تنظيم تركيبة وزارة الدفاع.
 
رووداو: كان وزير الخارجية الدانماركي جيبي كوفود هنا السنة الماضية.
 
ستيغ بيراس: في مثل هذا اليوم بالتحديد..
 
رووداو: نعم، في هذه الأيام. قال في واحد من تصريحاته: "نساعد القوات العراقية في حربها على الفصائل المسلحة الخارجة على القانون". أنتم أيضاً ترون أن هذه الفصائل المسلحة تشكل خطراً على العراق، أليس كذلك؟
 
ستيغ بيراس: وجود قوات مسلحة خارج سيطرة الدولة وسيطرة المؤسسات الديمقراطية، حالة غير صحية في كل بلد. بالتأكيد من صلاحية العراقيين أن يقرروا كيف يواجهون هذه المشكلة؟
 
رووداو: هل تعتقد أن المجتمع الدولي يؤدي ما عليه من واجب لمساعدة العراق على مواجهة تلك الفصائل المسلحة الخارجة على القانون؟
 
ستيغ بيراس: لا أرى أن يكون للمجتمع الدولي دور محدد في هذا الموضوع. ما يفعله يدخل في إطار المهام الاستشارية. كما يجب أن تعرف أنه لا ينبغي التعامل مع الميليشيات كافة بطريقة واحدة. هناك ميليشيات تؤدي أعمالاً جيدة، وهي جزء من القوات المسلحة العراقية وتحمي المواقع المقدسة. لكن هناك فصائل أخرى هي خارج السيطرة تماماً. لهذا من المهم عندي أن يكون هذا الاختلاف ماثلاً أمام أنظارنا عندما نتحدث عن تلك المجاميع.
 
رووداو: أعتقد أنك زرت كوردستان مرة أو اثنتين..
 
ستيغ بيراس: أجل، سرّني ذلك كثيراً..
 
رووداو: طيب، في الفترة الأخيرة شهد إقليم كوردستان خلافات بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني حول تحديد المرشح لمنصب رئيس الجمهورية، الأمر الذي أثر على مجالات أخرى أيضاً. هل ترى أن هذا الخلاف بين الحزبين له آثار سلبية على حالة اللااستقرار والركود القائمة في العراق؟
 
ستيغ بيراس: لو أن الكورد وحّدوا كلمتهم لأصبح صوتهم أقوى بكثير. أنا دعوت الحزبين وباستمرار إلى العمل معاً والتنسيق بينهما. كونوا على ثقة أن أي نوع من الخلاف حول المسائل المهمة لن يصب في مصلحة العراق. لكن هناك دائماً أصواتاً مختلفة في الأنظمة الديمقراطية. عليكم أن تعتادوا على أن لا تتفق الأطراف السياسية. هذا هو الجانب المثير في الديمقراطية.
 
رووداو: لكن الأصوات المختلفة في الأنظمة الديمقراطية ليست عندها قوات مسلحة...
 
ستيغ بيراس: المرشحون.. المرشحون.. على سبيل المثال، يرشح طرف شخصاً ما، ويرى الطرف الآخر أن شخصاً آخر هو الأنسب.
 
رووداو: أنظر! في الأنظمة الديمقراطية للدول الغربية، هناك العشرات من الأصوات المختلفة، لكن تلك الأصوات المختلفة ليست عندها قوات مسلحة. لكن في العراق، تمتلك الأصوات المختلفة قوات مسلحة تحت تصرفها. هل يمكن في ظل ظروف كهذه أن تتحدث عن تفعيل ديمقراطية حقيقية؟
 
ستيغ بيراس: لا أعتقد أني الشخص المناسب لأحكم على الديمقراطية. لكل نظام ديمقراطي مشاكله الخاصة به، وتاريخه وتقاليده. يمكن أن تقارن بين النظام الدانماركي والنظام السويدي. هناك اختلافات كثيرة بينهما. كلاهما ديمقراطي، لكنهما مختلفان. أعتقد أن وجود ميليشيات خارج سيطرة الدولة وضع غير صحي، في كل البلاد. لهذا يجب أن يكون الهدف بعيد الأمد للعراقيين هو التأكد من أن كل القوات المسلحة خاضعة لأوامر الدولة. وهذا هو منهاج الحكومة العراقية ونحن سنساعد في بلوغ العراق هذا الهدف.
 
رووداو: لو عدنا إلى كوردستان، وقد ذكرتم الاختلافات بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني. هناك أيضاً مساعي من جانب رئيس إقليم كوردستان، نيجيرفان بارزاني، للجمع بين الأطراف السياسية. كيف تقيمون هذه المساعي؟
 
ستيغ بيراس: أنا أساند هذه المساعي. نحن جميعاً نساند هذه المساعي. أعتقد أن كل الأطراف الدولية في العراق، تنتظر هذا وتريد سماع صوت موحد من كوردستان العراق. هذا مهم للغاية. خاصة عند الأخذ بالأوضاع السياسية الراهنة للعراق، حيث هناك فريق شيعي وفريق سني وفريق كوردي، يجب أن تكون الفرق الكوردية أكثر تنظيماً في ما بينها. دعني أقول لك أمراً آخر، وهو أن إقليمَ كوردستان مقسماً لن ينفع أحداً. لهذا فإن المساعي القائمة حالياً لجمع الأطراف مهمة للغاية وتؤدي إلى وصول أقوى لصوت الكورد إلى بغداد.
 
رووداو: بشأن العلاقات بين إقليم كوردستان وبغداد، أعلم أنك قد لا تجد نفسك الشخص المناسب للحديث عن الخلافات المرتبطة بملف النفط والغاز، لكن يمكنك على الأقل أن تحدثني عن وجهة نظرك من كون النظام الاتحادي يعتمد الآن كما ورد في الدستور، وهل نجح في تنظيم العلاقات بين إقليم كوردستان وبغداد أم لا؟ خاصة عندما نتحدث عن تقاسم العائدات وإدارة ملف النفط والغاز.
 
ستيغ بيراس: سؤال جيد جداً.. بداية، لا نعرف ماذا كان سيحدث لو كان عندنا دستور غير هذا الدستور. العلاقات الحالية مبنية على أساس هذا الدستور. شاهدنا بالتأكيد مداً وجزراً في العلاقات بين أربيل وبغداد، لكنها أصلاً تأسست على أسس جيدة يجب على الجانبين أن يحترموها. هذه العلاقة بحاجة إلى الثقة. أظن أنه توجد الآن محاولة لبناء المزيد على تلك الأسس. دعونا ننتظر لنرى ما الجديد الذي يأتي به المستقبل. كانت هذه العلاقات منذ قيامها حساسة، لكن الثقة وإدراك الأهداف المشتركة مهمان جداً للعلاقات بين الجانبين.
 
رووداو: صحيح أنها شهدت المد والجزر، لكن لو نظرت إلى السياق العام، تجد أنها تتراجع باستمرار، عندما تقارنها مع ما كان قبل 15 سنة و10 سنوات وخمس سنوات. ألا ترى أن الوقت قد حان لدخول طرف ثالث كضامن في المحادثات بين أربيل وبغداد؟
 
ستيغ بيراس: أعتقد أن على العراقيين أن يطلبوا هذا. هذا ما أظنه..
 
رووداو: أطن أن إقليم كوردستان طالب بهذا منذ زمن..
 
ستيغ بيراس: لكننا بحاجة إلى أن يطلب الطرفان هذا، وإلا سيكون من الصعب على طرف ثالث أن يدخل بينهما. أعتقد أن هناك الكثير من الأشياء التي يمكن تحقيقها داخل إطار العراق، ومن خلال حوار ذي أسس وموثوق. أما السؤال الذي تطرحه علي، فهو سؤال صعب للغاية. عندما تعود إلى التاريخ، تجد أنه كانت هناك محاولة للاستقلال في كوردستان العراق، وهو ما لا تستطيع بغداد هضمه بسهولة. كما قلت، العلاقات شهدت الكثير من المد والجزر. أرجو أن تمضي الأمور باتجاه الأحسن مستقبلاً. فهناك مؤشرات في هذا الاتجاه.
 
رووداو: ألا تعتقد أن الأمم المتحدة، بفضل تفويضها الجديد في العراق، يجب أن يكون لها دور أوسع في المحادثات بين بغداد وأربيل؟
 
ستيغ بيراس: هذا واحد من الاحتمالات، لكنه لن يكون بالأمر السهل. لا شك أن الأمم المتحدة قوية جداً في العراق، وتؤدي أعمالاً مهمة، لكن يحتاج الأمر إلى بعض الوقت قبل أن تسمح لها الأطراف بأداء هذا الدور.
 
رووداو: لنعد إلى العلاقات بين الدانمارك والعراق. أعتقد أن العلاقات بين العراق والدانمارك جرت على نفس الوتيرة.
 
ستيغ بيراس: أجل.
 
رووداو: كنتم هنا لفترة، ثم أغلقتم سفارتكم، ثم عدتم. ما هي ستراتيجيتكم في التعامل مع العراق؟ ما هي توقعات سياستكم الخارجية عندما يجري الحديث عن العراق؟
 
ستيغ بيراس: لو عدنا إلى التاريخ، نجد أننا هنا منذ زمن بعيد. كان العراق سوقاً مهماً لنا دائماً. كانت الشركات الدانماركية متواجدة هنا باستمرار. لا شك أن توسيع العلاقات كان أصعب في أيام الدكتاتورية والفقر. بعد تلك المرحلة، افتتحنا سفارتنا في العام 2004، وفي العام 2012 رحلنا عن العراق، وعدنا من جديد في شهر حزيران، عندما زار وزير خارجيتنا جيبي كوفود العراق في (3 حزيران 2021). العراق دولة مهمة لنا. في نفس الوقت، يعيش عراقيون كثيرون في الدانمارك. يشكلون جالية قوية، وهم نشيطون جداً، واندمجوا بصورة جيدة في المجتمع الدانماركي. إنهم نشيطون جداً في السياسة والاقتصاد والمجال الثقافي. كما أن هذا البلد سوق كبير. عدد سكان العراق يبلغ 41 مليون نسمة، وسيصبحون خمسين مليوناً في العام 2030، كما أن عندكم الكثير من النفط..
 
رووداو: لكن الماء بدأ ينفد منا..
 
ستيغ بيراس: صحيح.. مشكلة المياه.. هو بلد مهم لنا من أوجه كثيرة. من حيث الثقافة، من حيث الاقتصاد.. ولهذا نحن هنا. في نفس الوقت، نحن هنا للعمل من أجل الاستقرار في العراق.
 
رووداو: لماذا هو بهذه الدرجة من الأهمية لكم؟
 
ستيغ بيراس: هو مهم للغاية، لأن هناك علاقة مباشرة بين استقرار العراق واستقرار الدانمارك.
 
رووداو: بسبب موجات المهاجرين؟
 
ستيغ بيراس: نعم.. رأينا ذلك في المرة السابقة، عندما ظهر داعش، وحدث ما حدث. أسسوا لنفسهم دولة. الأراضي التي سيطروا عليها كانت تعادل في مساحتها مساحة فرنسا. كانوا على مسافة 40 كيلومتراً فقط من بغداد. كان لذلك تأثير كبير، حتى على الاقتصاد العالمي. الأدهى من ذلك، أنهم تسببوا في موجة هجرة واسعة للغاية باتجاه أوروبا، غيرت الحامض النووي لأوروبا، وبهذا تمكن داعش من شن هجمات في قلب أوروبا...
 
رووداو: قلت ماذا غيروا؟
 
ستيغ بيراس: الحامض النووي.. الحامض النووي السياسي الأوروبي.
 
رووداو: تقصد الحامض النووي السياسي، وليس حامض الناس النووي.
 
ستيغ بيراس: لا، لا.
 
رووداو: جيد إن كان كذلك. خشيت أن يكون هذا كلاماً عنصرياً جداً.
 
ستيغ بيراس: من الطبيعي جداً أن يتزوجوا ويزوجوا ويكون لهم أولاد..
 
رووداو: أولاد هجينون..
 
ستيغ بيراس: نعم.. أنا من هؤلاء.. والدي إيطالي ووالدتي دانماركية. ما أريد قوله هو أن مشكلة الهجرة غيرت المعادلات السياسية في أوروبا. جاءت بمجموعة مواضيع لم تكن تثير أي سجالات من قبل. في نفس الوقت، فإن بروز شيطان مثل داعش قادر على احتلال بلد واستخدام موارد ضلك البلد لمهاجمة العالم وتنفيذ أعمال إرهابية ليس بالشيء الذي قد نريد أبداً رؤيته من جديد.
 
رووداو: عندما كان جيبي كوفود هنا، تحدث أيضاً عن أنه تباحث مع العراقيين في التنمية الاقتصادية وتوسيع حجم التجارة بين البلدين. الآن وبعد مرور سنة، ما الذي حققتموه؟ مثلاً، كم يبلغ حجم التجارة المباشرة بين العراق والدانمارك؟
 
ستيغ بيراس: سؤال مهم. أنظر، ليست الدانمارك ذات اقتصاد ضخم جداً. نحن لسنا بلداً كبيراً جداً. حجم التجارة المباشرة بين الدانمارك والعراق يبلغ نحو مائة مليون دولار، وهذا الرقم ليس كبيراً. لكن هذه هي التجارة المباشرة وحدها. فهناك تجارة غير مباشرة عن طريق الشركات الوسيطة ودول ثالثة، كدبي وعمّان ودول المنطقة الأخرى. السبب في هذا أيضاً مرتبط بالاستقرار السياسي في تلك البلاد. على سبيل المثال، في العامين 2010 و2011، بدأت الشركات الدانماركية تأتي إلى العراق للاستثمار هنا، لكن داعش ظهر فجأة واضطرت الشركات للرحيل. هناك شركات دانماركية كثيرة تريد المجيء إلى العراق، لكنها تنتظر لترى إلى أين تمضي المعادلات السياسية، فهي مهتمة بأن يكون البلد أكثر استقراراً مما هو عليه الآن لتتمكن من المجيء. أي أننا متواجدون هنا بصورة عامة، ونصدر بضائعنا إلى العراق، حتى إن كان عن طريق دول ثالثة، وحجم تجارتنا هو أكثر من مائة مليون دولار بكثير.
 
رووداو: في الختام، أود أن أسألك بعض الأسئلة عن علاقاتكم مع إقليم كوردستان. لكن قبل ذلك، وقبل نحو شهر، سمعنا نبأ وفاة سائح دانماركي في قرية كاني ماسي التابعة لمحافظة دهوك بسبب انفجار لغم. حيث اتهمت تركيا (بي كا كا) بزرع اللغم، واتهم (بي كا كا) تركيا بذلك. هل أكملتم تحقيقاتكم في الحادث؟ وما هي النتيجة التي توصلتم إليها؟
 
ستيغ بيراس: لا أستطيع أن أخبرك بشيء عن ذلك الحادث. فأنا ممنوع من الخوض في مثل تلك المواضيع الخاصة. الشيء الوحيد الذي يمكن أن أقوله هو أن طالبين شابين دانماركيين كانا يمارسان ركوب الدراجات وتوفي أحدهما في التوقيت الخطأ والمكان الخطأ. للأسف، لا يمكنني إلا أن أؤكد وقوع الحادث ولا يمكنني أن أخبرك أكثر من ذلك.
 
رووداو: دعني أذهب إلى علاقاتكم مع إقليم كوردستان. فليس عندكم حضور كحضور سائر الدول الأوروبية في أربيل. لماذا؟
 
ستيغ بيراس: أعتقد أننا أيضاً موجودون هناك.
 
رووداو: لكن ليس مثل فرنسا وألمانيا
 
ستيغ بيراس: هذه دول كبيرة، فرنسا أكبر منّا عشر مرات. يوجد قنصل فخري جيد للغاية وموثوق وهو نشيط جداً، وفي نفس الوقت هو رئيس الغرفة التجارية الكوردية. كما أن لي زيارات كثيرة. لدينا علاقات ثقافية متينة جداً. يعيش كورد كثيرون في الدانمارك، ويترددون جيئة وذهاباً. عندنا مطاعم كوردية في الدانمارك. عندنا مواطنون دانماركيون عادوا بعد التقاعد إلى كوردستان. صحيح أنه ليست عندنا قنصلية في أربيل، لكن كما تعلم سفارتنا في بغداد فتحناها مؤخراً.
 
رووداو: هل تخططون لفتح قنصلية في إقليم كوردستان؟
 
ستيغ بيراس: أنا عن نفسي أريد ذلك كثيراً. لكن لهذا الموضوع تبعات مالية أيضاً. دعنا نرى كيف تسير أمور السفارة هذه..
 
رووداو: لا تقلق بهذا الخصوص، فلن تكون لها نفقات كنفقات سفارتكم في بغداد، ففي كوردستان لن تكونوا بحاجة إلى كل هذه القوات الأمنية..
 
ستيغ بيراس: صحيح.. عمر هذه السفارة هو سنة واحدة. عمليات فتح السفارات والقنصليات تجري بهذه الصورة، وهي بحاجة إلى وقت، يجب أن نرى ما هي المنافع التي تعود بها علينا، فنحن لسنا دولة كبرى. لوفد الاتحاد الأوروبي قنصلية في أربيل، ونحن نتلقى المساعدة منهم. عندنا علاقات جيدة جداً مع ممثلي السويد وألمانيا هناك..
 
رووداو: جيرانكم..
 
ستيغ بيراس: جيراننا.. على الدول الصغيرة أن تعثر على حلول من هذا النوع لأنفسها. أنا واثق أن العراق يلجأ إلى هكذا حلول في دول أخرى. لكن للدانمارك قلباً كبيراً منفتحاً على أصدقائنا الكورد، وعندنا كورد كثيرون ناشطون في الدانمارك. هذا يدل على قوة صداقتنا.
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب