رووداو - واشنطن
عمل زلماي خليل زاد في مطلع ثمانينات القرن الماضي مع الإدارة الأمريكية، وتولى في الأعوام من 1985 إلى 1989 منصباً استشارياً رفيعاً في وزارة الخارجية الأمريكية إبان إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان، وفي تلك المرحلة قدم خليل زاد استشاراته لوزارة الخارجية فيما يخص حرب الاتحاد السوفيتي في أفغانستان والحرب الإيرانية- العراقية.
خليل زاد الذي يبلغ 65 عاماً ومن أصول أفغانية، عزز في الثمانينات برنامجاً لدعم "المجاهدين في أفغانستان" الذين قضوا على السلطة السوفيتية في أفغانستان فيما بعد.
ويعود عمل خليل زاد مع القضايا المتعلقة بالشأن العراقي إلى بداية عام 1998، حيث أرسل خليل زاد مع أعضاء "مشروع القرن الأمريكي الجديد" رسالة إلى رئيس الولايات المتحدة حينها، بيل كلينتون، طالبوه فيها بالموافقة على خطة الإطاحة بصدام حسين، وفي عام 2002 عين الرئيس الأمريكي، جورج بوش، زلماي خليل زاد مبعوثاً خاصاً له إلى الاجتماعات مع أطراف المعارضة العراقية، للتنسيق معها للاستعداد لمرحلة ما بعد صدام حسين، وكان خليل زاد سفيراً للولايات المتحدة بأفغانستان من 2003 إلى 2005، ثم عين سفيراً لبلاده لدى العراق من 2005 إلى 2007.
ويرى معظم الغربيين أن خليل زاد كان سفيراً ناجحاً بالمقارنة مع بول بريمر وجون نيغروبونتي، لأنه استطاع التقريب بين الأطراف العراقية بعكس المسؤولين الأمريكيين السابقين، ولكن الحياة السياسية والإدارية لخليل زاد انتهت بعد انتهاء فترة رئاسة جورج بوش.
وصدر لخليل زاد قبل شهرين من الآن، كتابه الجديد بعنوان "المبعوث.. من كابول إلى البيت الأبيض رحلتي في عالم مضطرب"، ويكشف الكتاب عن أسرار اجتماعات خليل زاد مع مسؤولي البيت الأبيض، لوضع سياسات الولايات المتحدة الخارجية، كما تتضمن اجتماعاته مع مسؤولي دول الشرق الأوسط، وشرق آسيا، وفي هذه المقابلة مع شبكة رووداو الإعلامية، يزيح خليل زاد الستار عن بعض الأحداث التي تحدث عنها في كتابه، ويعبر عن رؤيته لآخر التطورات في المنطقة وكوردستان، وموقفه من إجراء الاستفتاء باعتباره شخصاً مقرباً من الكورد.
رووداو: لماذا قررت طبع كتابك الآن، في حين أنت خارج عالم السياسة منذ سنوات عدة؟
زلماي خليل زاد: لقد تطلبت كتابته الكثير من الوقت، قمت بمراجعة الكتاب، وكذلك أردت الابتعاد عن الأحداث التي شاركت فيها بما يكفي، لكي أستطيع كتابتها بطريقة لا تحتوي على انفعالاتي، وكذلك لأفكر في الأحداث التي شاركت فيها، وأقوم بعمل دقيق، ولهذا تطلب الأمر وقتاً.
رووداو: بالعودة إلى عام 2002 ومؤتمر المعارضة العراقية في لندن، وبعد ذلك في مصيف صلاح الدين، ماذا كانت طلبات القادة الكورد للمشاركة في الحرب ضد صدام حسين، هل طالبوا بشيء خاص؟
خليل زاد: تفاجأت كثيراً بالقادة الكورد حين التقيت بهم في لندن، كنت ألتقي حينها بالرئيسين البارزاني والطالباني للمرة الأولى، وبقينا معاً لفترة، لقد أدهشاني كلاهما بجديتهما، كما كانا على مستوى عال من القيادة، وما تحدثنا عنه في ذلك الاجتماع، هو التركيز أكثر على كيفية الاستعداد للعراق ما بعد صدام، إذا ما قررت الولايات المتحدة الإطاحة بنظامه.
في الحقيقة كان محور المؤتمر هو العراق بعد صدام، لكن حينما كنا نتحدث عن ذلك، أدركت أن للكورد طلباتهم الخاصة، أي أنه صحيح كانت لهم نية العودة إلى العراق، لأنهم بعد تحرير الكويت تم فصلهم عن العراق على أرض الواقع، لكنهم كانوا يرغبون بالعودة إلى العراق بإرادتهم، بشرط أن تمنحهم الحكومة العراقية الجديدة والدستور العراقي الجديد الحكم الذاتي، ليتمكنوا من إدارة شؤونهم بأنفسهم، لذلك كانوا يطالبون بعراق فيدرالي، والأمر الآخر كان قلقهم بشأن المناطق المتنازع عليها ومستقبل كركوك، كل تلك القضايا كان يجب أخذها بنظر الاعتبار بشكل عادل، بشكل يتم فيه منح الكورد الحكم الذاتي الذي كانوا يطالبون به، وبدون ذلك لم يكن الكورد مستعدين للبقاء جزءاً من العراق.
رووداو: قلت في كتابك أنك عقدت في الفترة ذاتها، سلسلة اجتماعات سرية مع الإيرانيين برئاسة وزير الخارجية الإيراني الحالي، محمد جواد ظريف، هل ساعدت تلك الاجتماعات الحلفاء في حربهم ضد صدام حسين؟
خليل زاد: كانت تلك الاجتماعات مفيدة، والأمر الذي كنا نريده منذ البداية، هو أنه إذا ما قررنا الهجوم على العراق، أن يتدخل الإيرانيون أنفسهم في العملية العسكرية، والأمر الثاني هو إذا ما سقطت طائرة أمريكية وهبط الطيارون في إيران، أن لا يتدخل الإيرانيون في جهود إنقاذ الطيارين، كنا نريد أن نبلغهم برؤيتنا لعراق بعد صدام حسين، وهو أن عراق المستقبل لن يكون عدواً لإيران ولا لأي دولة أخرى من دول الجوار، كما تحدثنا عما يعرفونه هم عن العراق، وما الذي يمكن أن يقوم به صدام وفقاً لتطورات الحرب، وكذلك أوضحنا خططنا ونظرتنا حول كيفية تشكيل الحكومة العراقية بعد التحرير، على الرغم من أن نقاشاتنا مع إيران جذبت الكثيرين إليها، لكننا كنا نتحدث عن ذلك مع جيران العراق الآخرين، إلا أن الملفت كان جلوسنا مع إيران.
رووداو: هل كان للإيرانيين أي فكرة محددة حول مستقبل الكورد في العراق؟
خليل زاد: الإيرانيون كجيران للعراق، كانت لديهم مخاوف من توجه العراق نحو التقسيم وظهور كوردستان كدولة مستقلة بعد الهجوم الأمريكي، هذا ما كنا نسمعه أثناء محادثاتنا مع الأتراك والإيرانيين، ومن الأمور التي فهمتها أثناء مباحثاتي مع الرئيس البارزاني في مصيف صلاح الدين، هو أنه على الرغم من قلقهم من دخول القوات التركية بالتزامن مع دخول الحلفاء إلى الأراضي العراقية، فإن هناك صراعاً آخراً، أي أن الرئيس البارزاني والكورد كانوا سيقاومون الجيش التركي، إذا ما دخل مع القوات الأمريكية إلى العراق.
رووداو: برأيك لماذا كان للبارزاني هذا الموقف، حيث أنك قلت في كتابك إنه كان يريد القتال ضد تركيا؟
خليل زاد: هذا ما حدث آنذاك، ولا ننسى أن الكثير من الأمور تغيرت منذ ذلك الحين، فالأتراك كانوا قلقين جداً من هجمات الولايات المتحدة، وذلك لأنهم كانوا يعتقدون غالباً أنها ستؤدي إلى استقلال الكورد في العراق، أو ربما أن اللاجئين سيتوجهون من كوردستان إلى تركيا، وأن يدخل معهم حزب العمال الكوردستاني، وبشكل خاص هم كانوا ضد فكرة منح الكورد مركز دولة أو نصف دولة، وعلى سبيل المثال نظمتُ اجتماعاً بين الكورد وتركيا وأمريكا، لأن قضية الكورد أقلقت الأتراك، ومثّل السيد نيجيرفان البارزاني، الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وكلما أراد الحديث كنت أقول له كرئيس للاجتماع: "تفضل حضرة رئيس الوزراء"، لكن سرعان ما جاءتني ملاحظة معارضة من قبل الأتراك، حول سبب مناداتي له بـ"رئيس الوزراء"، وهذا درس علينا استيعابه في أن التغييرات تطرأ على الدول، وأن السياسيين يُأقلمون أنفسهم معها، حينها لم تكن العلاقات ودية جداً، وشعرت أن محادثاتي مع الرئيس البارزاني كانت مفيدة جداً، لكي أفهم عمق قلقهم، لذلك قضيت العديد من الأسابيع في تركيا عقب ذلك المؤتمر، لكي أحول دون إدخال تركيا قواتها إلى العراق، إذا ما قررنا الهجوم على العراق، والحمدلله أن تركيا لم تدخل إلى كوردستان وأجزاء العراق الأخرى.
رووداو: بعد هجمات 2003، نحن نعرف وكما أشرت سابقاً في كتابك، بأنك كنت ضد انحلال حزب البعث وتسليح الجيش العراقي، لماذا قام الرئيس بوش بتغيير فكرته وإرسال بول بريمر إلى العراق؟
خليل زاد: هذه كانت إحدى التغييرات التي أثرت على مستقبل الدولة العراقية، وقد حدثت التغييرات على ثلاثة أمور، لقد عملت مع العراقيين ومع الكورد أيضاً لتهيأتهم لمرحلة ما بعد صدام، وكنا متعاونين مع العراقيين لتأسيس حكم انتقالي أو تأسيس قوات مؤقتة، فهدفنا في الولايات المتحدة الأميركية كان تحرير العراق، لكي نسلم الحكم للعراقيين بعد ذلك، ولكن بعد تعيين السيد بول بريمر، أصبح الجميع يسموننا بالمحتلين للعراق، وقد تحول التحرير إلى احتلال، كما تم إبعاد العسكريين العراقيين من الخدمة، أمثال فدائيي صدام والحرس الجمهوري والمخابرات العراقية، ولكنني طالبت ببقاء بعض القوات العراقية لحماية أمن البلد، إلا أن بريمر أصدر قراره بحل الجيش العراقي بالكامل، ووجه خطاباً إلى القادة العراقيين بأنه هو من يحكم العراق، وبأنهم سيكونون كمستشارين عنده، أما بالنسبة لحزب البعث فقد كانت هناك مطالبة كبيرة بحله، إلا أن ما قام به بريمر كان سياسياً وليس قانونياً، لأن هذا القرار قد شمل الأفراد الذين اتهموا بما قام به الكبار، سواء تلطخت أيديهم بدماء العراقيين أم لا، وأعتقد بأن هذا القرار لم يكن صائباً.
رووداو: ذكرت في كتابك إجراء مكالمة هاتفية بين الرئيس بوش والرئيس جلال الطالباني آنذاك، ما تفاصيل هذه المكالمة؟
خليل زاد: تم تقديمي لمنصب سفير للولايات المتحدة الأمريكية في العراق، وقد أبدى مجلس الشيوخ الأمريكي موافقته على هذا الأمر، إلا أنني كنت منشغلاً آنذاك ببعض الأعمال في أفغانستان، ففي يوم اتصلت بي وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس، وقالت لي بأن الرئيس بوش قد تكلم مع الطالباني وسأله "سيادة الرئيس ما الذي أستطيع أن أقدمه لك"، فرد عليه الطالباني (أرسل إلينا خليل زاد)، فقالت لي رايس إن الرئيس بوش يريدك أن تسافر إلى العراق غداً، فقلت لها بأنني لم أودع الرئيس كارازاي لحد الآن ولا حتى أصدقائي، فقالت بأنني أستطيع العودة فيما بعد لوداعهم، وهذا الكلام لم يكن واقعياً طبعاً، فأرسل الرئيس بوش الطائرة العملاقة (17C) إلى كابول، وقامت بنقلي إلى العاصمة العراقية بغداد، وفي صباح اليوم التالي قمت بتقديم أوراقي المعتمدة إلى الرئيس جلال الطالباني آنذاك.
رووداو: نشرت لك مقالة في النيويورك في عام 2014 تقول بأنك قد رشحت نوري المالكي لمنصب رئاسة الوزراء في العراق؟
خليل زاد: هذا الكلام غير صحيح أبداً، فبعد أن تمت الموافقة على إقرار الدستور بعد 2005، وقامت الكتل الشيعية بتقديم الأسماء التي ستمثلها، قاموا بتقديم الجعفري لهذا المنصب، إلا أنه كان دوماً يعاني من كيفية الحصول على دعم الكورد والسنة في البرلمان العراقي.
رووداو: وهل كانت الولايات المتحدة الأميركية راضية عن آداء الجعفري؟
خليل زاد: لم يكونوا راضين عن أدائه تماماً، فطريقة معاملته مع المسائل الأمنية والسياسية لم تكن وفق المستوى المطلوب، والكثير من الأحزاب العراقية لم تكن راضية عنه، وهذا بدوره قد أثر أيضاً على أمريكا، لذلك طرح الشيعة اسم المالكي لتسلم منصب رئاسة الوزراء، واستطاع المالكي بعد أن تشاور مع الكورد والسنة، أن يحصل على الدعم اللازم لشغل هذا المنصب، ولكنني لم أذهب إلى الشيعة مثلاً لأقول لهم: يجب أن تختاروا المالكي لهذا المنصب، فالشيعة هم من اختاروه.
رووداو: الكثير من الكورد يقولون إنه كان من الأفضل أن ننفصل عن الدولة العراقية بعد أحداث 2003، ما رأيكم بذلك؟
خليل زاد: بحسب رأيي فإن القيادة الكوردية قد قررت العمل داخل العراق في الوقت الحالي بسبب الظروف الراهنة والمتغيرات في المنطقة، وأعتقد بأنهم فعلوا الصواب، لكي يعملوا لعراق ديمقراطي وفدرالي، كما أعتقد بأن ردة فعلهم كانت واقعية جداً.
رووداو: كما تعلمون فإن الرئس مسعود البارزاني يحاول عقد استفتاء عام، وأنتم بصفتكم مقربين من القيادات الكوردية، هل تعتقد بأن هذا هو الوقت المناسب؟
خليل زاد: السؤال هو: ما هي الأهداف المرجوة من هذا الاستفتاء؟، فالجميع يعرف بأن من حق الكورد وإقليم كوردستان إجراء استفتاء عام، ولكن يبقى هناك تساؤل، ما هي الأهداف من هذا الاستفتاء، وماذا سيحدث بعد ظهور نتائجه؟، فهذه هي الأسئلة الموجهة للكورد وللبارزاني.
رووداو: إذا ما قام الكورد بإعلان استقلال إقليم كوردستان، هل ستقر الولايات المتحدة الأمريكية بذلك؟
خليل زاد: إن ما تهتم به أمريكا هو كيفية إعلان هذا الاستقلال، فإذا تم الإعلان عنه بظروف تزيد من السلام وتهدئة الأوضاع مع العراق، فهذا سيزيد من مكاسب الكورد في السياسة الأمريكية، ولو كان الاستقلال سيزيد من الإصلاح السياسي في كوردستان أو التطور الاقتصادي، فستكون أمريكا داعمة، وسيكون الاستقلال داعماً لتقوية العلاقات مع بغداد، وأيضاً سيكون له تأثير في العلاقات الداخلية للإقليم.
رووداو: كنت دائماً صديقا قريباً من القيادات الكوردية، وأيضاً من الشعب الكوردي، هل لديك رسالة تود إيصالها لهم؟
خليل زاد: الكورد شعب طيب، وتم تقسيمهم بين الدول ولم ينصفهم التاريخ أبداً، وهم شعب لا يمتلكون دولتهم لحد الآن، وفي إقليم كوردستان العراق كانت رؤيتنا هي أن تقوم كوردستان جديدة أكثر ديمقراطية وأكثر تطوراً بعد أحداث 2003، وكنت أتمنى ألا توجد هذه الأزمات الاقتصادية في كوردستان، وأن تجرى بعض الإصلاحات في بعض المؤسسات لأنها بحاجة فعلاً إلى إصلاحات حقيقية، والاصلاحات السياسية ستمهد إقليم كوردستان للاستقلال، ولكن من الناحية الاستراتيجية يجب تقوية العلاقات بين الشعبين الكوردي والأمريكي، وبين إقليم كوردستان وواشنطن، ليصبح الأمر واقعاً في المنطقة وللعالم أيضاً.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً