رووداو - دمشق
تحدث الفنان السوري الكبير، دريد لحام، الذي يعتبر تاريخاً فنياً على مستوى سوريا والوطن العربي، عن تجربته وذكرياته الفنية لشبكة رووداو الإعلامية في مقابلة حصرية، وسلط الضوء على الكثير من المواضيع قديماً وحديثاً، معبراً عن إعجابه بمدينة أربيل عاصمة إقليم كوردستان، والتي سمع عنها الكثير وشاهدها عبر شاشة التلفزيون، متمنياً زيارتها في أقرب فرصة، وفيما يلي نص المقابلة التي أجرتها شبكة رووداو الإعلامية مع الفنان السوري:
رووداو: اليوم وقد تجاوز محبوك وجمهورك الوطن العربي، ماذا تقول لجمهورك عموماً، ولجمهورك الكوردي على وجه الخصوص، من خلال قناة رووداو؟
دريد لحام: لولا محبتهم لكنتُ لا شيء، وإن كنا سعداء بأمسنا أو يومنا أو مستقبلنا، فالفضل في ذلك يعود لمحبة الناس، فهم الذين يجعلون من الفنان فناناً، وهم الذين يصنعون تاريخه، صحيح أنني قدمت الكثير من الأعمال، ولكن التاريخ يصنعه الناس بتعلقها ومحبتها لهذه الأعمال، ولا أحد يستطيع أن يضفي على نفسه صفة الأهمية، بل الناس هي التي تطلق عليه هذه الصفة.
رووداو: هناك أسماء كبيرة عملت في الدراما السورية وكانوا من الكورد، كالفنانين الراحلين، خالد تاجا، طلحت حمدي، عبدالرحمن آل رشي، وغيرهم الكثير، وقد تعاملت مع الجميع كأصدقاء وزملاء، وكذلك في بعض الأعمال، كيف تصف كل واحد منهم؟
لحام: بلا شك هم سبقونا في الرحيل، ولكنهم حاضرون في بالنا وذاكرتنا، سواء بعظمة أدائهم أو بغير ذلك، وقبل أن تنتشر التفرقة المذهبية والإنتمائية، لم أكن أعلم أنهم كورد، حيث لم أكن أعلم بأن عبدالرحمن آل رشي كان كوردياً، بل كنت أعلم بأنه سوري وحسب، وكذلك بسام الملا "الآغا"، ورياض دياربكرلي، وعلي بوظو الذي كان من كبار رجال البرلمان السوري، وهنا أقصد بأنهم كانوا ذائبين في وطنٍ اسمه سوريا، فالانتماء ليس انتقاءً، فالله سبحانه وتعالى اختار لي أن أكون سورياً، لذلك خُلقتُ في سوريا.
والأمر ذاته ينطبق على الفنانين الذين ذكرناهم، حيث اختار لهم الله أن يكونوا سوريين بانتماء كوردي، ومن الغلط أن يقال "الأقلية الفلانية"، فالكورد بسوريا هم سوريون، ولكن عددهم أقل، وليسوا أقلية، وكذلك في العراق، حيث أنهم عراقيون، ولكن عددهم أقل من الآخرين هناك، وهم يدافعون عن هذا الإنتماء، والأمر ذاته ينطبق على الإنماء الطائفي، وهنا أستذكر موقفاً حصل قبل حوالي 15 سنة، حين زار وفد أجنبي سوريا، والتقى بمفتي البلاد في ذلك الوقت، وسأله عن عدد المسيحيين في سوريا، فأجابهم المفتي بأن عددهم 18 مليون، فسألوه عن عدد المسلمين، فأجابهم بأنه العدد ذاته 18 مليون "في إشارة إلى العدد الكلي لسكان سوريا"، فالمرء ينصهر في بوتقة وطنه ولا يكون هناك تفريق، وهذا الموضوع إرادة إلهية، وأي تدخل فيها يعتبر كفراً بإرادة الله، فلا يجوز أن أحاسب أحدهم لأنه ليس من طائفتي على سبيل المثال.
رووداو: ماذا تعرف عن الثقافة الكوردية، وأنت أحد المثقفين المهمين، والجمهور يستمتع بكلامك وأنت تتحدث عن مختلف الأمور؟
لحام: يكفيني أن أعرف عن الثقافة الكوردية أن صلاح الدين الأيوبي كان كوردياً، وهو لم يدافع عن هذه المنطقة بصفته كوردياً، بل بصفته إبن هذه البيئة والوطن الكبير، كما أذكر أنه في فترة ما انتشرت أغنية في سوريا أحبها الناس كثيراً، وكانت تبدأ بجملة "يا دلهو يا دلهو"، وهي أغنية كوردية، وأشير هنا إلى أن هناك أمرين لا يستطيع المرء اختيارهما، وهما "مسقط رأسه وطائفته".
رووداو: هل سبق لك أن زرت مدينة أربيل؟
لحام: لم أزرها، ولكنني أتمنى زيارتها، وأسمع عنها الكثير، وأنها مدينة جميلة للغاية، كما أشاهدها أحياناً على شاشات التلفاز وإن شاء الله سأزورها يوماً.
رووداو: بالحديث عن دمشق، دريد لحام لم يغب عنها، وتحديداً في أصعب فترة تمر بها خلال سنين الحرب الحالية، لماذا لم تغب عن دمشق كما فعل الكثيرون؟
لحام: السؤال الأصح هو "لماذا تركت"، وليس "لماذا بقيت"، ولو أنني غبت عن دمشق، فأنا كنتُ سأقول السبب، وسبب بقائي هو أن الشجرة التي تتخلى جذورها تتيبس، وأنا أخشى على الذين تركوا دمشق بأن يتيبسوا في الغربة، فكيف لي أن أترك دمشق وسوريا، وأنا قلتُ سابقاً في مسرحية "كاسك يا وطن" أنني إذا هاجرت من وطني، فسوف يهاجر معي في داخلي، لأنه لا يوجد مهربُ من الوطن، فطالما لم تتركني دمشق في داخلي، فلا يمكنني أن أتركها.
رووداو: هل تعلم أن بقاءك يولد لدى الكثير من الناس التفاؤل والأمل بالغد، وأن هذا الأمر يعني لهم الكثير؟
لحام: أنا أشعر بهذا الشيء حين أصادف أحدهم في الطريق ويقول لي "أنت لا زلت هنا"، وأحس بأنهم يشعرون ببعض التفاؤل لرؤيتي، وأنا بدوري أقول لهم إنني هنا ولا يمكن أن أكون إلا هنا، فالله أراد لي أن أكون هنا، وأنا سأكون عند إرادة رب العالمين، فالذي يهاجر عن وطنه لن يجد له وطناً آخر، وإنما سيحصل على مكان للسكن فقط.
رووداو: قصتك مع الفن قصة طويلة وتاريخ، ما هي أجمل ذكرى في مشوارك الطويل؟
لحام: أكثر ما أتذكره خلال تلك المرحلة بالتأكيد، هو عندما خطر أن أقوم بتحصير أغنية عن الأم، وأقصد أغنية "يامو"، وفي ذلك الوقت قلت للأخوين رحباني، وهما صديقاي، بأنني أريد أن أغني عن الأم، فهل ستساعداني في ذلك، فطلبا مني كتابة كلماتها، فأجبتهم بأنني لست شاعراً، فقالا لي إنه لا يوجد في الكون كله من ليس شاعراً، فبمجرد أن تكتب أفكارك على ورقة ستُنتج شعراً، فاقتنعت بكلامهما، وتذكرت كيف كنا نصحى من النوم ونرى أمنا لا تزال تعمل على ماكينة الخياطة، وأنه رغم الحرمان الإقتصادي في ذلك الوقت، كان حنان الأم يعوضنا، وعندما يسألني أحد من أين أنت، أقول لهم بأن وطني الثاني هو سوريا، لأن رحم أمي هو وطني الأول، والذي منحني الدفء والأمان والاطمئنان، وهنا تذكرت كم تعبت وعانت أمي، كما أنني حين كنت صغيراً، كنت أعتقد بأن الأم لا تموت، وأنه لا يجب أن تموت، وبناءً على كل ما سبق كتب كلمات الأغنية، وأعتقد بأن هناك شيئين لا يوفيهما المرء حقهما مهما بذل لهما، وهما الأم والوطن، وأنا حتى الآن أحزن حين أتذكر بأنني لم أستطع أن أوفي أمي حقها، وكذلك الوطن، فالمرء يدفع دمه وروحه دفاعاً عن وطنه.
رووداو: أين هو دريد لحام من شخصية "غوار الطوشة"، والتي تعتبر مرافقة لك، وتعتبر تاريخاً؟
لحام: أنا أعمل اليوم "كمدير أعمال لغوار الطوشة"، حيث أن الكثيرين يطلبون مني أن أعود لشخيصة غوار الطوشة، وهذا أمر غير ممكن، فهي شخصية تتطلب عمراً معيناً، ويمكن القول بأن غوار هو "صعلوك"، ولكن أحبه الناس لأنه انتصر على من هم أقوى منه، فالناس تحب أن ترى ضعيفاً ينتصر على قوي دفاعاً عن حقه.
رووداو: بالحديث عن مواقع التواصل الإجتماعي، هناك الكثير من الصفحات باسم دريد لحام، تُكتب فيها آراء أو أقوال أو غير ذلك، هل لك أي علاقة بها؟
لحام: كلا، وأنا "أغار" من أحفادي على هذه التكنولوجيات الحديثة، وأنا لا أستطيع تعلم ما تعلموه هم، وحتى الآن أستعين بأولادي وأحفادي حين أريد فعل شيء في تطبيقات هاتفي مثلاً، كما أنني لا أحب مواقع التواصل الإجتماعي، وقلتُ عنها يوماً بأنها "مواقع التخريب الإجتماعي"، لأن البعض ينسب أقوالاً لفلان أو فلان، ويخلقون عداوات بين الآخرين دون أن يكون لهم علاقة بشيء، وليس لدي أي صفحة على مواقع التواصل الإجتماعي، سواء فيس بوك أو تويتر أو إنستغرام.
رووداو: هل تشعرون كجيل قديم بأنكم انظلمتم فيما يتعلق بالتكنولوجيا والحداثة والرفاهية وما إلى ذلك؟
لحام: أنا من مواليد 1934، عندما كانت الإضاءة تتوفر من خلال استخدام "الكاز"، حيث لم يكن هناك تيار كهربائي في دمشق، ثم بدأت عجلة التطور تدور شيئاً فشيئاً، وجاءت الإبتكارات بشكل متتالي، إلى أن جاء التيار الكهربائي، وهنا لم يعد جيلنا قادراً على مواكبة التطور المتسارع والتكنولوجيا، وأقصد هنا أن الطفل يتعلم أسرع من كبار السن، والطفل الذي يعيش في عصر ما سيواكب تطورات عصره.
رووداو: هل دريد لحام "يُجامل"، بعد هذا العمر والتاريخ الطويل؟
لحام: بالتأكيد أنا أجامل في بعض الأوقات، وأستطيع القول بأن الفنان "دبلوماسي"، لأن المجاملة أقرب إلى الكذب.
رووداو: هل يشعر دريد لحام بالظلم عندما يقوم بعض الصحفيين بنسب تاريخه الطويل إلى الراحلين، محمد الماغوط ونهاد قلعي؟
لحام: ربما أتحسس من هذا الشيء، ولكنه بشكل عام لا يلغيني، وقد تعاونت مع الأستاذ محمد الماغوط في مسرحياتي الأربعة، ثم فضّل أن يعمل لوحده، فقام بعمل مسرحية بعنوان "خارج السرب"، وقد دعاني لحضورها، وحين ذهبت لمشاهدتها، قال لي أحد الصحفيين إنني بهذه المسرحة (حصلت على حقي)، وأننا اكتشفنا بأنكم كنتم تعملون وتكتبون المسرحيات جنباً إلى جنب.
رووداو: شخصية "أبو سامي" في مسلسل "سنعود بعد قليل"، إلى أي حد تشبه هذه الشخصية دريد لحام؟
لحام: أحياناً يفكر الممثل بكيفية لعب دور ما، ويبحث عن مفردات للشخصية، خصوصاً في الكوميديا، وقد تكون هذه المفردات "غليظة" أحياناً، وقد صاغ الكاتب "رافي وهبة" هذه الشخصية بشكل جميل، كما جسد المخرج "ليث حجو" هذا الموضوع، وعندما عرضوا علي الدور خفت منه، فأنا معروف بأنني فنان كوميدي، بيما هذا دور تراجيدي، ولكنني غامرت، ولعبت الدور كدريد لحام، كما أعيش وكما أعتقد.
رووداو: ما الذي تغير في دريد لحام بعد هذا العمر؟
لحام: لم يتغير شيء، إلا أنني أصبحت ملازماً للمنزل أكثر، وأصبحت متعلقاً بالحياة العائلية أكثر، وأنا أشعر بالسعادة حين أفتح الباب لدخول البيت، وليس للخروج منه.
رووداو: هل أزعجتك إشاعة وفاتك؟
لحام: لقد انتشرت هذه الإشاعة لأكثر من مرة، فمن يكره المرء يحاول التشفي فيه من خلال وسائل التواصل الإجتماعي بهذا الأسلوب، وبالنهاية المرء يضحك على هكذا شيء.
رووداو: من هم أصدقاء الفنان دريد لحام في الوسط الفني؟
لحام: هالة بيطار "في إشارة إلى زوجته".
رووداو: كيف ترى الدراما السورية اليوم، هل تخاف عليها، خصوصاً بعد أن رأينا الدراما العربية المشتركة وهي تكتسح الشاشات؟
لحام: لستُ خائفاً عليها إطلاقاً، فلو علمنا كم مسلسلاً أنتج في سوريا لهذا العام، فسنعلم أن وضع الدراما بخير، وهي تتقدم نحو الأمام، بوجود هؤلاء الممثلين والممثلات الذين أحترم مواهبهم، وهنا أحيي معهد الفنون الدرامية بدمشق، الذي خرّج أجيالاً ناجحة وموهوبة ويثبتون قدراتهم في كل الأعمال التي يشاركون فيها.
رووداو: من يسلك طريق دريد لحام من الجيل الجديد؟
لحام: لا أحد، ففي الفن لا أحد يشبه الآخر، فكل واحد حالة خاصة، وقد يأتي من هو أنجح مني ولكن لا يشبهني، ولكل واحد بصمته في مجال الثقافة والفنون وغيرها.
رووداو: حين تشاهد ساحة الأمويين بدمشق، ماذا تقول؟
لحام: هي قلب سوريا، خاصةً وأن فيها المكان الذي أمضيت شبابي فيه "في إشارة إلى مبنى التلفزيون".
رووداو: هل دريد لحام متفائل؟
لحام: التفاؤل هو أمل، والأمل هو الإستمتاع سلفاً بالمستقبل، وأنا أريد الإستمتاع بالمستقبل، لذلك أنا متفائل.
رووداو: حين ترى صورتك مع زوجك هالة بيطار، بماذا تشعر؟
لحام: كنت أتمنى أن تكون معي في هذا المكان، ولكن لم تتمكن من المجيء، وهي حريصة على أن ترافقني دائماً، لأنها تشعر بأنها تحميني، وأقول لها شكراً لأنك تجاوزتي كل أخطائي، وعاد العمر إلى مساره الصحيح.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً