رووداو ديجيتال
تنقل السياسي الكوردي عدنان المفتي كثيرا خارج العراق، من القاهرة التي كان فيها ممثلا عن الاتحاد الوطني الكوردستاني، مرورا لمرات عديدة بدمشق، ومن ثم شبه مستقرا في بيروت، ولندن وبرلين وباريس، عبر تركيا وايران وبجوازات سفر مزورة في الغالب، هذه الرحلات كلها تتعلق بمهام حزبية وبالقضية الفلسطينية.
ومثل حكاء دقيق يروي لنا تفاصيل رحلاته كحكايا واقعية عاشها بنفسه دون ان تفلت منه معلومة او يضيع منه تاريخ يفتح لرووداو ملف سفراته في الحلقة العاشرة من البرنامج الحواري "ملفات عدنان المفتي". المدن كالنساء.. هناك مدن يقع المرأ في غرامها ويعشقها ويمكث بها حتى دون ان يعرف بوضوح اسباب هذا العشق، مع ان المفتي يبرر تلك الاسباب ويلبسها غطاءا سياسيا.. لكن بيروت مدينة فيها الف غواية ليقع الزائر لها في غرامها، بما فيها الغوايات السياسية.
يقول المفتي عنها: "بيروت كانت معروفة كمركز اشعاع فكري وديمقراطي احببناها قبل ان نراها.. وهي مركز الحركات والتنظيمات الفلسطينية التي انتقلت بعد السبعين الى بيروت وكنا نتطلع لاقامة علاقات جيدة معها، اضافة الى الفصائل اللبنانية مثل الحزب الشيوعي والحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة كمال جنبلاط، والشغيلة وكذلك التنظيمات الكوردية اضافة الى الحرية التي كات موجودة التي كانت تتيح لنا نقل رسالتنا وما نريده الى الصحافة بالرغم من احداث 1975 و1976.. لكن بيروت حافظت على رونقها وعلى الفسحة التي كانت تسمح لانطلاق كل الافكار والتيارات". مستطردا بحديثه او غزله ببيروت، قائلا:" هناك طبعا صحافة متطورة ومقروءة جدا في تلك الايام، مثل السفير والنهار والمستقبل وكذلك الاذاعات وغيرها ولم يكن هناك موانع لنشر افكارنا ووجهة نظرنا".
وأشار الى أنه "كان للاتحاد الوطني مكتب وعادل مراد كان هناك وعنده بيت في بيروت وتواجد للحزب الديمقراطي الكوردستاني اضافة الى تنظيمات عراقية مثل الحزب الشيوعي، القيادة المركزية، وشيوعون ثوريون وكان سكرتيره تحسين الشيخلي الذي استشهد على ايدي المخابرات العراقية عام 1979 وكذلك نائب رئيس فلسطين الثورة، هو الآخر استشهد على يد المخابرات العراقية، ومحمد الحبوبي وابو ايوب وادريس، كانت المخابرات العراقية نشيطة جدا في بيروت حتى ان ابو اياد بعث ذات مرة على عادل مراد وقال له انصحك انت وصديقك عدنان ان تغيبوا لفترة في بيروت لان هناك نشاط فاعل للاجهزة الامنية العراقية".

وأكد أن "الاشخاص الذين اغتالتهم المخابرات العراقية كثيرون خاصة من تنظيم شيوعيون ثوريون حيث اغتالوا اربعة منهم وكذلك حركة تنظيم الديمقراطيين العراقيين يزعامة محمد الحبوبي.. رغم ذلك نحن لم نكن مسلحين لحماية انفسنا بل كنا نتخذ جانب الحذر للتنقل ولا نبقى في مكان ثابت واذا بقينا في بيت فيكون سري ولا احد يعرفه، واذا اردنا ان نقوم بنشاط فنختار المناطق التي تسيطر عليها الحركات الفلسطينية، في ذات الوقت كنا نبتعد عن التنظيمات المقربة من بغداد مثل الجبهة العربية لتحرير فلسطين، وكانت الجبهة الشعبية وفتح والديمقراطية يمرون بفترات يقتربون فيها من بغداد لكنهم كانوا يحافظون على علاقاتهم معنا باعتبار نحن اصحاب قضية.. والحزب الشيوعي العراقي عندما ساءت علاقاته مع النظام لجأ قسم كبير مهم للجبل في كوردستان وقسم من قياداتهم ذهبت الى بيروت مثل الاخ فخري كريم الذي فتح مكتب هناك وكانت علاقاته متميزة معنا ومع الفصائل الفلسطينية وبعد الاجتياح الاسرائيلي لبيروت عام 1982 انتقل الى دمشق وكان له دور مهم في الجانب الثقافي والاعلامي وقيام مؤسسات ثقافية ذات طابع سياسي".
يكشف المفتي عن معلومة تنشر للمرة الاولى، وفيها جانب انتقادي لعملهم السياسي في بيروت، يقول:"في عام 1976 كان الرئيس ملا مصطفى بارزاني قد قدم مذكرة الى الادارة الاميركية تحدث فيها عن اتفاقية الجزائر ويعاتب الاميركان بسبب تخليهم عن الكورد، وتشكلت لجنة في العلاقات الخارجية في الكونغرس الاميركي او في وزارة الخارجية لدراسة هذه المذكرة وسميت (لجنة بايك)، وهذه اللجنة كتبت تقرير سمي اطلقت عليه تسمية( اوراق بايك)، وعن طريق بعض اصدقاء مام جلال، منهم خير الدين حسيب وغيره، وقعت نسخة من هذا التقرير بيد الاتحاد الوطني الكوردستاني، وكانت العلاقات بيننا وبين الحزب الديمقراطي الكوردستاني متوترة جدا بسبب صدام مسلح بين الطرفين في الجبل، وتمت ترجمة اوراق بايك للغة العربية وتم تكليفنا في بيروت بتوزيع التقرير على الفصائل الفلسطيمية وغيرها، في صباح اليوم التالي قرات هذا التقرير، وبالرغم من اني كنت وقتذاك شاب ومتحمس لكنني وجدته ومن وجهة نظري يُسيء لشعبنا الكوردي اكثر مما يُسيء للديمقراطي الكوردستاني وحده، ورفضت توزيعه وقلت لعادل مراد: باننا هنا نمثل الشعب الكوردي وليس حزبا معينا ووجدت اننا اذا قدمنا هذه الاوراق لاي طرف فلسطيني فسوف ينظرون الينا بعين اخرى.. التقرير كان يتحدث عن ثورة ايلول ونحن كنا جزء من هذه الثورة، وهذا التقرير حول الموقف الاميركي والعلاقات مع الادارة الاميركية فهو كان يشير الى علاقات قيادات كوردية مع اسرائيل ويذكر اشخاص وكوادر منخرطة في تنظيم هذه العلاقات ويشير الى اسماء من ذهب الى اسرائيل، وقلت لعادل مراد باصرار انه من الافضل ان لا نوزع هذا التقرير، سال( لماذا؟ فالتقرير جاء من القيادة)، قلت: انه يسيء للشعب الكوردي فهو يتحدث عن مرحلة كان مام جلال وانت وانا جزء منها والهيئة المؤسسة (للاتحاد الوطني) كانت جزء من ثورة ايلول، والذين سنرسل او ناخذ التقرير لهم كلهم فلسطينيون لا ينظرون الينا باعتبارنا الاتحاد الوطني بل يعتبروننا ممثلين عن الشعب الكوردي، تماما عندما ياتي احد من الجبهة الشعبية ويتحدث بسوء عن منظمة فتح، نحن عندنا تقييم عن عموم الحركة الفلسطينية وليس عن الشعبية او فتح، لهذا انا لن اوزعها".
ويستطرد المفتي بقوله:" بعد تشكيل الحزب الاشتراكي قمت بزيارة من كوردستان الى دمشق ومن هناك الى بيروت ومعي كان عادل مراد الذي انضم معنا في الحزب الاشتراكي وكان لفخري كريم مكتب ونشاطه واسع جدا وهو من نظم لنا لقاءات مع قيادات فلسطينية مثل ماجد شرارة والتقينا بالرئيس ياسر عرفات وسلمته رسالة موقعة من الدكتور محمود عثمان ورسول مامند، قرأ الرسالة ورحب بنا كثيرا، واول ما قال:انا تاسفت وحزنت جدا لوفاة البارزاني في واشنطن بعيدا عن شعبه وارضه، واشبهه بعبد القادر الحسيني، ثم قال "تعرفون انا في عام 1974 وقبل ان ينشب القتال ذهبت الى بغداد مخصوص حتى ما يصير قتال ويصير اتفاق بينكم وبين الرئيس احمد حسن البكر والاخرين، ولكن كانت الامور ماشية باتجاه مختلف، بغداد كانت ماضية باتجاه القتال لان عندهم اتفاقية مع السوفيت وعندهم جبهة مع الحزب الشيوعي وللاسف لم أوفق". تبادلنا، انا وعادل، النظرات وتذكر الوثيقة الاميركية التي اقترحت عليه عدم توزيعها، عندما خرجنا اعترف، عادل، باني كنت على حق، وقال كيف كنا نفكر وهم كيف يفكرون، قلت له : نفس الشيء كاكا، نحن ايضا ننظر للقضية الفلسطينية باعتبارها قضية عادلة بغض النظر عن خلافات فصائلها وخلافاتهم عميقة واحيانا تصل للاقتتال داخل بيروت لكن القضية الفلسطينية عادلة وهم ايضا ينظرون الى القضية الكوردية باعتبارها قضية عادلة ويمكن ان يتعاطف معك ولكن بشكل مؤقت والدليل على ذلك، لاحقا وبعد انهيار شاه ايران وسقوطه كانت علاقة القيادة الفلسطينية مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني جيدة وقبل ذلك في 1978 كانت لهم زيارات".
ينفي السياسي الكوردي عدنان المفتي قيام اي من القيادات الفلسطينية بزيارات الى الجبل في كوردستان او تطوع مقاتلين فلسطينيين للقتال مع الكوردن لكنه يؤكد:" استعدادهم، الفلسطينيون، لتقديم بعض الاسلحة لنا ولم نتمكن من نقلها لان هذا كان بحاجة الى موافقة الجهات السورية، ولا اعرف ان كانوا جادين بذلك ام لا؟ ..من جانب آخر،لم يقاتل الفلسطينيين مع الكورد لكن هناك كورد قاتلوا مع الفلسطينيين، واكراد من تركيا ايضا قاتلو مع الفلسطينيين..حتى في عامي 1970 و1971، كانوا هناك طلاب ذهبوا من كوردستان الى بيروت تضامنا مع الشعب الفلسطين وفي الكثير من البيانات التي اصدرناها كنا نعبر فيها عن تضامننا مع القضية الفلسطينية التي كنا ندعوا فيها الى حل عادل للقضية ودعم الشعب الفلسطيني واقامة دولته المشروعة على ارضه الوطنية، هذا كان شعارنا".
وفيما اذا كان المفتي قد التقى بالزعيم ياسر عرفات مرة اخرى، يقول:"نعم قابلته لاحقا في برلين عام 1989 وكان في زيارة الى برلين الشرقية بمناسبة مرور 40 سنة على قيام المانيا الديمقراطية وكنا انا والدكتور محمود عثمان ، حدث ذلك قبل انهيار النظام وتهديم الجدار بين برلين الشرقية والغربية، وصديقنا صلاح بدر الدين القريب من عرفات وهو الذي رتب اللقاء لنا والتقينا به الساعة الرابعة فجرا وكان الشاعر الكبير محمود درويش موجودا ، ورحب، عرفات، بنا كثير وكانت علاقتة ممتازة مع صدام حسين وايضا كان يريد الحفاظ على علاقته معنا وان لا يقطع علاقته مع الشعب الكوردي وكانت له علاقات مع مام جلال وكاكا مسعود.. سالنا: انتو وين ماشين؟ قلنا له نحن لم نرفض الحوار في اي يوم".، وقتذاك وكما يوضح المفتي:"كانت الجبهة الكوردستانية متراجعة الى الحدود بسبب عمليات الانفال وكنا في موقف ضعيف نسبيا والنظام العراقي كان قويا جدا وكان هناك اتجاه ان النظام العراقي اذا وافق على الحوار فنفتح معه حوار للوصول الى حل للقضية الكوردية، لهذا قلنا لعرفات اذا تقدر تفتح لنا باب لاجراء حوار مع النظام العراقي نكون شاكرين، قال (من غير ان تسالوني كل ما نكون وحدنا، الرئيس صدام وانا، افتح موضوع الحوار معكم، دعوني اتحدث بصراحة، في آخر لقاء لي معه، ما ان كان ياتي ذكر جلال طالباني حتى يتعصب جدا وهذا يحدث دائما..ثم سالنا عرفات: هل هذا موقفكم لاجراء الحوار كحزب اشتراكي ام كجبهة كوردستانية؟، قلنا اذا كان الحوار عن طريقكم فكلنا موافقين، سال: بما فيهم جلال طالباني؟ قلنا بما فينا جلال طالباني فهو لا يرفض الحوار، قال: انا لا اعدكم..لكن صدام في كل مرة يدعوني الى الغداء في بيته لوحدنا وفي زيارتي القادمة الى بغداد اذا دعاني وصرنا لوحدنا سافاتحه بالموضوع لانني لا اريد ان اتحدث عن الحوار امام القيادة لانه يتعصب، انا اعرف ذلك، اما اذا سنكون لوحدنا فسافاتحه.. وكانت هذه هي المرة الاخيرة التي التقي فيها بعرفات".

يسترسل السياسي الكوردي عدنان المفتي بحديثه قائلا:"لاحقا وبعد احتلال الكويت كانت هناك وجهات نظر مختلفة داخل الجبهة الكوردستانية حول ما هو الموقف من الحرب ومن احتلال الكويت وكلنا ادنا احتلال الكويت ولكن ماذا نعمل. قال مام جلال ان الحرب قادمة ولا محالة، وكانت رؤيته واضحة. بعد شهر من احتلال الكويت التقينا في بيت مام جلال في دمشق لتقييم الموقف الكوردي، وكانت وجهة نظرنا ان لا نكون طرف في الحرب لان صدام ممكن ان ينسحب في اي لحظة وعند ذاك يعود لينتقم منا ويقصفنا بالكيمياوي مرة اخرى، واقترحنا ان نكون محايدين، لكن مام جلال لم يؤيد كثيرا موقف المحايد، وقال: لا اقول سنخسر لكننا لن نكون من الذين سيستفيدون من اسقاط النظام". ثم قلنا لماذا لا نحاول الحوار مع النظام لا سيما انه ضعيف والعالم كله ضده وقرارات الامم المتحدة ضده؟ نطالبه بالانسحاب من الكويت اولا وان يحل القضية الكوردية".
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً