محمد الحسان لرووداو: العراق نجح في تحييد نفسه عن صراعات المنطقة بحنكة دبلوماسية

01-05-2025
بيستون عثمان - الممثل الأممي إلى العراق محمد الحسان
بيستون عثمان - الممثل الأممي إلى العراق محمد الحسان
الكلمات الدالة بيستون توك محمد الحسان العراق الأمم المتحدة
A+ A-
رووداو ديجيتال

أشاد محمد الحسان، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، بأداء الحكومة العراقية في التعاطي مع الأزمات الإقليمية، مؤكداً أن العراق استطاع بحكمة قيادته ودبلوماسيته أن ينأى بنفسه عن العديد من الصراعات التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط. 
 
وجاء ذلك خلال مشاركته في برنامج بيستون توك، الذي يقدمه بيستون عثمان، وتبث حلقته اليوم الخميس (1 أيار 2025)، ناقش خلالها العديد من القضايا، بينها موقف العراق من سوريا، وإدارة الموارد النفطية، فضلا عن موضعات سياسية داخلية وخارجية. 
 
وأدناه نص المقابلة:
 
" ما حدث في حلبجة شيء صعب يتخيله العقل"
 
داديار فاروق من حلبجة: حلبجة الشهيدة هي رمز التضحية والصمود لكل العالم. في الأيام القليلة الماضية، تم التصويت في بغداد لتصبح محافظة، وأصبحت رسمياً المحافظة التاسعة عشرة في العراق. لدى المجتمع الدولي الكثير من التعهدات غير المنفذة تجاه حلبجة. ما هي الجهود الجادة التي تبذلها الأمم المتحدة لمساءلة المسؤولين عن كارثة قصف حلبجة بالسلاح الكيماوي من أجل تعويض أهالي حلبجة؟
 
محمد الحسان: أشكركم على هذا السؤال، والأهم من ذلك كل ما حدث قبل أيام من إعلان محافظة حلبجة، خبر مفرح لكثير من العراقيين، ودليل على أن الحوار والتفاهم على مستوى مجلس النواب والحكومة مستمر، وهناك عملية ديمقراطية مستمرة. أهنئ أهالي حلبجة والعراق من موقعي هذا على هذا الاستحقاق. أقدّم التهنئة الخالصة، ليس لأهالي حلبجة فقط، وليس للعراق بشكل خاص، إنما للمجتمع الدولي.
 
ما حدث في حلبجة شيء صعب يتخيله العقل. نترحم على أرواح الشهداء في حلبجة، ونهنئ آباءهم وأحفادهم على هذا الاستحقاق الذي نالوه.
 
بيستون محمد: كان لديه سؤال بخصوص دور الأمم المتحدة ومسؤولية المجتمع الدولي بخصوص حلبجة؟
 
محمد الحسان: حقيقةً، نحن لا نتدخل في الشؤون الداخلية للدول بشكل عام، بما في ذلك العراق، وموضوع حلبجة وتحويلها إلى محافظة، هذا شأن عراقي داخلي، لكن كأمم متحدة نستذكر ما حدث لأهالي هذه المحافظة وذلك الجزء الغالي من العراق، ونعمل معهم من خلال الوكالات المتخصصة، وعملية التعاون بين الأمم المتحدة والعراق مستمرة عن طريق هذه الوكالات.
 
"الموارد النفطية ليست نقمة إذا.." 
 
مهدي ميثم من البصرة، ممثل الشباب العراقي في مؤتمر الأطراف العالمي للتغير المناخي في باكو، أذربيجان:
 
ما الجدوى من مشاركتنا في المحافل الدولية إذا كانت السياسات الوطنية لا تزال تُدار بمنطق الريع النفطي، ودون أي تصور واقعي لاقتصاد منخفض الكاربون؟ ومن يعرقل هذا التحول برأيك؟
 
محمد الحسان: أنا لا أعتقد أن هناك معرقلين، وإنما قدرات وإمكانيات. قضية تغيّر المناخ لا تعتمد على دور وعمل جهة واحدة، فالمناخ يتجاوز حدود الدول. التغيرات المناخية، حتى في القطبين الشمالي والجنوبي، تؤثر على العالم أجمع. لكن قدرات الدول في التعامل مع آثار التغيرات المناخية، هي التي تحكم.أشرتم إلى الريع النفطي. لا تنسَ أن العراق دولة غنية بالنفط وبالموارد النفطية، وكذلك هذه المنطقة، فهي ليست نقمة بل نعمة إذا أحسنّا التصرف فيها والتعامل معها. معظم المشاكل لا تُحل بين ليلة وضحاها، أو من خلال زرّ تشغّله وتطفئه، وإنما بالتعاون. الأجواء المناخية في العراق تتجاوز حدود العراق، وهي أيضاً مرتبطة بدول أخرى، والتعاون الدولي والإقليمي ضرورة من ضرورات الحياة، وقد تتجاوز هذه الحلول مساحات وقدرات الدولة الواحدة.
 
لا أخفيكم سراً أنني متفائل للغاية، فليس هذا أول تحدٍّ يواجهه هذا البلد العريق بحضارته الممتدة لسنواتٍ عدّة، لكنه استطاع المحافظة على نفسه. وهذا التنوع والغنى الثقافي والاجتماعي يجب أن يكون دافعاً لديكم لنوعٍ من الأمل في المستقبل وفي قدراتكم. اليوم قد يتخذ شخص مختلف القرار، لكن في السنوات القادمة، قد يكون أحدكم وزيراً للبيئة، أو مسؤولاً عن قطاع البيئة، أو محافظاً، أو رئيس وزراء، أو رئيساً للجمهورية. فالقرار بأيديكم أنتم، أولاً وأخيراً.
 
"تعامل السلطات أبعد العراق عن كثير من المشاكل"
 
رفل جاسم محمد من بغداد: غزة، إيران، سوريا ولبنان دول ضمن منطقة الشرق الأوسط التي تعاني من أزمات منذ سنوات. ما هو اقتراحك ونصيحتك للعراق والعراقيين والحكومة العراقية لتعمل بطريقة صحيحة تنجيها من الأوضاع الراهنة؟ وهل ترى الحيادية الخيار الأمثل لنجاتنا وبناء العراق؟
 
محمد الحسان: سؤالكِ مهم، وهو سؤال سياسي معمّق ينمّ عن معرفة تامة بالأوضاع في المنطقة. أنتِ من بغداد، لذلك تطرحين هذا السؤال. قبل قليل ذكرت أن تاريخ هذا البلد ليس وليد الأمس. العراق بلد عريق، مرّ بتحديات عديدة وبقي، وسيبقى إلى أبد الآبدين. هنالك تحديات تأتي من هنا وهناك، ولكن طريقة التعامل معها ومعالجتها هو الأهم.
 
أقول بكل صراحة: ما قامت به الحكومة العراقية وتعاملها مع الأزمات التي تمر بها المنطقة كان في غاية النجاح، أبعدت الكثير من الخلافات والصراعات عن العراق، وأبعدت العراق عن هذه الصراعات. لكن ما يحدث في المنطقة يؤثر سلباً حتى على مصير البشرية جمعاء. أخصّ بالشكر دولة رئيس الوزراء ووزارة الخارجية، وخصوصاً الأستاذ الدبلوماسي المتميّز فؤاد حسين، وجميع الطاقم في وزارة الخارجية، وآخرون موجودون هنا في العراق، بما في ذلك الزعيم السيد مسعود بارزاني، على كيفية تعاملهم بهدوء وبحرفية مع العديد من التحديات لإبعاد العراق عن أي آثار سلبية قد تأتي.
 
قضية فلسطين وقضية غزة ليستا وليدتي اليوم، فمنذ الأربعينات وهي قضية دولية على جدول مجلس الأمن الدولي. وأؤكد أن ما حدث في هذه المنطقة، سواء في سوريا أو في غزة أو غيرها، أو حتى في اليمن، تحديات يواجهها المجتمع الدولي. لكن تعامل السلطات العراقية وأهل القرار في هذا البلد كان تعاملاً رزيناً وعقلانياً، وأبعد العراق عن كثير من المشاكل. من هذه المنصة، أهنّئ جميع العراقيين، وفي مقدمتهم محمد شياع السوداني، على الطريقة المثلى التي تمكّن من خلالها من حماية هذا البلد العزيز الغالي.
 
"قانون الأحوال الشخصية شأن عراقي داخلي"
 
شهد من كركوك: تروّج الكثير من الاتفاقيات التي تطرحها الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، مثل اتفاقية سيداو. وأيضاً فإن الزواج المبكر يشكّل عائقاً أمام تنمية قدرات الفتيات ويؤثر سلباً على صحتهن النفسية والجسدية. كيف تدعم الأمم المتحدة العراق في تنفيذ اتفاقية سيداو، حيث لا تزال هناك تحديات في البلاد تحدّ من حقوق المرأة؟
 
محمد الحسان: قضية حقوق المرأة جزء من الحقوق الأساسية، حقوق الإنسان. الأمم المتحدة لديها معايير عالية، ولا توجد دولة يمكنها ادّعاء الكمال. الكل لديه نواقص، والكل لا بد أن يعمل للنهوض بمسائل المرأة. تاريخياً، وليس من التاريخ القديم، العراق كان متقدماً ومتميّزاً في قضايا الاستحقاق النسائي. ودستور 1959 كان من أفضل الدساتير في المنطقة في ذلك الوقت.
 
طبعاً، لا تزال هناك مساحة واسعة للوصول إلى المعايير التي وضعها المجتمع الدولي، لكن من وجهة نظري، إنّ العراق ماضٍ في هذا الاتجاه. صحيح أن هناك بعض التوجهات السياسية على مستوى أصحاب القرار في العراق، لكن هذا بلدكم في الأخير. أنتم تقررون ما تشاؤون، وبالطريقة التي تشاؤون والتي تخدم وتحفظ كرامة الإنسان وكرامة المرأة وحقوقها. نحن لسنا قلقين على مسيرة حقوق الإنسان في العراق، وهي مسيرة لا تأتي في لحظة ولا يُتخذ فيها القرار فوراً، وإنما هي اقتناع داخلي من قبل الشعب ومن قبل المواطنين، ليس فقط في مدينة بغداد أو في البصرة، بل في المدن والضواحي وحتى في القرى.
 
لا توجد دولة تستطيع أن تقول إنها حققت كل ما هو مطلوب في قضايا حقوق الإنسان، والنساء بشكل خاص. نحن في الأمم المتحدة، قضية حقوق المرأة والنساء والأطفال من المكونات الأساسية في عملنا. نتعامل بعلاقة حميمة وتفاهم وحوار بنّاء مع أصحاب القرار في العراق، ونبلغهم بمواقف المجتمع الدولي ومعاييره، وأعتقد أن المسيرة في هذا الاتجاه تسير نحو الأفضل.
 
أعلم أنك تشيرين إلى قانون الأحوال الشخصية، وكان لنا موقف في الأمم المتحدة إذا رجعتِ لبعض البيانات الصادرة، ولكن في المقام الأول والأخير هذا شأن عراقي داخلي، والأمم المتحدة لا تفرض على الدول، وإنما تشجّعها وتتعاون معها لأجل الوصول إلى المعايير العالمية. وأنا متفائل، طالما أنتم موجودون هنا. أنتم المستقبل، وبأيديكم أن تغيّروا توجهات هذا البلد نحو المستوى الذي ترضونه.
 
"أشجّع اليمن بسبب ظروفهم"
 
شاب من دهوك: ما مدى اهتمام المنظمات العاملة في كوردستان بحقوق الشباب حالياً، وما مدى اهتمامها المتوقع بهذه الحقوق في المستقبل؟
 
محمد الحسان: في البداية، أشكركم على سؤالكم وأهنئكم على الاستحقاق لفريق دهوك.
 
بيستون: في أي بطولة يشارك فيها الفريق العُماني؟
 
محمد الحسان: ليس لديّ أي معلومات.
 
بيستون: ألا تتابع كرة القدم؟
 
محمد الحسان: أتابع، لكن في الأيام التي حدث فيها ذلك، كنت مشغولاً بالاستشارة في السليمانية.
 
بيستون: من تشجّع؟
 
محمد الحسان: أي نادٍ أشجّع؟
 
بيستون: نعم.
 
محمد الحسان: هذا سؤال جيد. أنا أشجّع الفريق الذي...
 
بيستون عثمان: انظر، كنت أتوقع إجابة منك. تعلم، نحن بعيدون عن الأندية بنفس المسافة.
 
محمد الحسان: لا، لكنني أشجّع النادي الذي يلعب جيداً، ويلعب بأخلاق. تلك الأندية التي تأتي من الأدنى وتحاول خوض المنافسة.
 
بيستون عثمان: أي اسم يشغل بالك الآن؟
 
محمد الحسان: أتابع بطولة الخليج. دائماً أشجّع اليمن بسبب ظروفهم. أحب أن يسمعوا أخباراً جيدة بالفوز بشيء على المستوى الرياضي.
 
بيستون: الدوريات الدولية مثل الدوري الإسباني؟
 
محمد الحسان: لا أعرف شيئاً عن ريال مدريد وبرشلونة. عودة إلى سؤال ابني وزميلي: الأمم المتحدة لديها دائرة متكاملة تسمى "يوث"، وهناك ممثل للأمين العام للشباب، فيُعتمد على الـEngagement من قبل العراق ومن قبل كوردستان مع الأمم المتحدة في قضايا الشباب. لكن أنا، من وجهة نظري الخاصة، أنكم أنتم الذين ترسمون المساحة، أنتم الذين توجدون قنوات التعاون. وإذا أتيتم إلى الأمم المتحدة بأفكار وببرامج، فثق تماماً أن الأمم المتحدة ستأتي لكم، ليس بخطوات بسيطة، وإنما بخطوات متسارعة لتلبي احتياجات الشباب. أنا من وجهة نظري، وهذه من سنن الحياة: الشباب اليوم هم قادة المستقبل. ما أراه هنا، أرى قادة. هذه سنة الحياة.
 
المحامية دعاء من دهوك: أهنّئ نادي دهوك الذي استطاع، كأول نادٍ عراقي، أن يرفع كأس الخليج. سؤالي لك، كفتاة كوردية، أريد أن أعرف لماذا تدعم منظمة الأمم المتحدة بكل قوتها وسلطتها إسرائيل في إقامة دولتها، ولا تدعم كوردستان، علماً أن كوردستان لم ترتكب إبادة جماعية، ولم تقتل أطفالاً أو نساء أو مدنيين، ولم تحتل أرض أحد. وعدد سكانها أيضاً ثلاثة أضعاف سكان إسرائيل، ولديها كل مقوّمات الدولة القوية. رغم ذلك، نرى أن إسرائيل تحظى بالدعم، بينما كوردستان لا. لماذا لديكم معياران مختلفان؟ لماذا تُطبّق هذه المعايير على إسرائيل ولا تُطبّق على كوردستان؟
 
محمد الحسان: تعلّمين أن هناك منظمة عالمية تُسمّى الأمم المتحدة، وإذا توفرت شروط في أي عضو، تمرّ عن طريق آلية معروفة في الأمم المتحدة للحصول على العضوية. قضية فلسطين قضية فعلاً مضى عليها وقت طويل، ولكن العضوية لها طُرق ومجالات محددة. إذا توفّرت هذه الشروط في دولة، فالقرار يرجع للمجتمع الدولي. فهذا ما أقدر أن أجيبكِ عليه في هذا الجانب.وأمل أن تكون لديك ممارسة لتطبيق الأفكار والرؤى التي لديك في إطار ما تروينه استحقاقاً قانونياً للدول. 
 
عبد الرحمن زياد من الموصل: تتحدث الأمم المتحدة كثيراً عن تمكين الشباب، وتطلق الكثير من البرامج، لكن حين يأتي موعد تطبيقها لا نرى التمثيل الحقيقي للشباب، حيث إنّ معظم الأشخاص المشاركين هم موظفون تابعون للأمم المتحدة أو مقرّبون من موظفين فيها. فأين هو تمكين الشباب الحقيقي، وخاصة شباب نينوى، الذين خرجوا من الحرب ليجدوا أنفسهم بلا فرص، بلا دعم، وبلا صوت حقيقي؟ ما رأيك؟ أتمنى أن يكون الجواب صريحاً.
 
محمد الحسان: سؤال مهم. لا بد أن تعلم السيدة القانونية، وتعلم ذلك، أن الأمم المتحدة في الأول والأخير هي منظمة، لكن القرار في تقديم البرامج والدعم للشباب يتبع للدول نفسها وللمحافظات.
أنت من نينوى، وأقول لك إياها بكل صراحة، هناك برامج قد لا تعلم بها، تتعلق بالشباب في الموصل، وهي في إطار التنسيق بين الحكومة العراقية والأمم المتحدة، وفي الأيام القادمة ستسمع ما هو خير في هذا الجانب.
 
بيستون عثمان: العراق لا يقتصر على الكورد والعرب، هناك المسيحيون والتركمان.
 
"اللغة السريانية إرث مهم في الشرق الأوسط"
 
كنثة، طالبة طب عام من بغداد، مسيحية كلدانية: لدي سؤالان، أشكرك. السؤال الأول: بعمر 19 حضرتُ أكثر من مؤتمر، وكان بعض المؤتمرات مُدارة من قبل وكالات الأمم المتحدة والوزارات. المشكلة أننا لا نجد تغييراً ملموساً. العقبة الأكبر هي التمويل، فكيف يمكن أن تعزّز الأمم المتحدة هذه المسألة؟
السؤال الثاني: حضرتك تعرف أن من أهداف التنمية المستدامة(SDGs) تقليل الفوارق وعدم المساواة. اللغة السريانية من أقدم اللغات، وهي منبثقة من الآرامية، ومع الأسف تتندثر، والسبب أنها لا تُدرّس في المدارس حالها حال العربي أو الفرنسي أو الإنجليزي. فكيف يمكن للأمم المتحدة أن تحافظ على هذا الإرث من الاندثار؟ حالياً أقل من مليون شخص يتحدث السريانية، وأنا للأسف غير محظوظة، لا أتقن التحدث بها ولا أعرف قراءتها، وهو أمر أعتبره عيباً في حقي.
 
محمد الحسان: حقيقة، في البداية أحب أن أشكرك على هذا السؤال، وأقدّم التهنئة بمناسبة "الإيستر"، أعتقد هذه الأيام. المكوّن المسيحي مكوّن أساسي في العراق، وليس وليد اليوم. وجود المسيحيين في العراق، وغيرهم أيضاً، هو إضافة إيجابية للعراق. العراق يحظى بهذه الفسيفساء التاريخية، وأدعو من هذا المنبر الهام، في هذه المدينة الجميلة، إلى المحافظة على كل الموروث العراقي.
 
بالنسبة للتمويل، كما تعلمين، الأمم المتحدة ليست بنكاً، وإنما هناك برامج توفَّر لها الدعم الدولي. النقطة التي أردت أن أقولها لكِ: العراق ليس بلداً فقيراً، فيه من الخير الكثير لتغطية كل احتياجات أبناء هذا الشعب العريق. ولا يخالجني أدنى شك أن الحكومة العراقية في بغداد، حالياً ومستقبلاً، لن تترك هذه البرامج التي تحافظ على الموروثات التاريخية وعلى المكونات الأساسية في هذا البلد.
 
صحيح أن الأمم المتحدة تمرّ بأزمة مالية، لكنّها فترة محددة، وستظل الوكالات المتخصصة تعمل عن قرب مع كل أبناء هذا الوطن العراقي من خلال المؤسسات العراقية المركزية. أنا، من وجهة نظري، كعُماني قبل أن أكون موظفاً في الأمم المتحدة، أرى أن اللغة السريانية إرث مهم في الشرق الأوسط، ولا بد من المحافظة عليه. هناك مؤسسات معروفة تعمل في الأمم المتحدة بكل تفانٍ، من ضمنها ما يُسمى بـ"لجان السكان الأصليين"، للمحافظة على الموروثات الأصلية. أنا متأكد أن العراق، بحكم كونه من الدول المؤسسة للأمم المتحدة، ليس غائباً عن هذا. ما يجمع العراقيين، سواء كانوا مسيحيين، يهوداً، عرباً، كورد، يزيديين، وغيرهم... هو التعدد والتنوع.
 
"لا نحب تعبير الأكراد"
 
بيستون عثمان: تعبير "الأكراد" لا نحبه وغير لائق، لأنه يُستخدم للتصغير.
 
محمد الحسان: ما التعبير الأفضل؟
 
بيستون عثمان: "الكورد"، مثلاً، في العربية لا نقول "الأعراب".
 
محمد الحسان: صحيح...
 
بيستون عثمان: مزعج بعض الشيء.
 
محمد الحسان: أسحب ذلك. هذا البلد ثريّ بمكوناته، ولا بد من المحافظة على هذه الفسيفساء الجميلة.
 
"مطالبات الشعب العراقي شأن داخلي بين العراقيين أنفسهم"
 
صفاء أحمد، طالبة آداب إنجليزي في جامعة بغداد: عام 2019، جميع المحافظات العراقية، في مقدمتها بغداد، كانت أماكن وساحات للتظاهر، لم تكن مجرد مطالب، بل كانت صرخة وطن، وشبابنا دفعوا الثمن غالياً. هل وثقت الأمم المتحدة الانتهاكات التي حدثت خلال التظاهرات؟ وإذا كان الجواب نعم، ما هي الإجراءات التي تم اتخاذها؟ وهل تتم متابعة هذا الموضوع فعلاً، أم أنه كان فقط خلال وقت الذروة في 2019؟ حالياً نرى تكتيماً إعلامياً كبيراً من قبل الحكومات على هذا الموضوع. أرجو أن تكون الإجابة واضحة، وليست دبلوماسية.
 
محمد الحسان: ما من دولة كاملة، لا توجد الدولة الكاملة في العالم. كل بلد فيه إيجابيات وفيه سلبيات، لكن كيف نعمل على تقليص ومعالجة السلبيات وتعظيم الإيجابيات؟ هذا هو الهدف.العراق اليوم مختلف عن العراق قبل أربع سنوات أو عشر سنوات. وأعتقد أنكِ تتفقين معي في هذه النقطة. مطالبات الشعب العراقي شأن داخلي بين العراقيين أنفسهم وقادتهم الذين صوتوا لهم والذين يمثلونهم.
 
نحن على تواصل وثيق مع السلطات العراقية في كل هذه الأمور، وننقلها بكل أمانة للسلطات العراقية وللحكومة العراقية. وأؤكد لكِ: لا توجد حكومة في العالم ترضى بوقوع انتهاكات بحق مواطنيها أو شعبها. الديمقراطية هي ممارسة، وتأخذ وقتاً، وليست حكراً على دولة بعينها. وأنتم شباب المستقبل في هذا البلد. لكن نصيحتي لكم: أن تكون كل أفكاركم وملاحظاتكم تُطرح بطريقة سلمية، وعبر المؤسسات التي أنشأتموها أنتم من خلال الدستور العراقي. هل الإجابة دبلوماسية أم لا؟ 
 
"أجري 14 كيلومتراً يومياً"
 
بيستون عثمان: منذ متى تعمل مع الأمم المتحدة؟
 
محمد الحسان: أعمل كموظف دولي للأمم المتحدة منذ تشرين الأول، أيلول الماضي. قبل ذلك كنت دبلوماسياً لمدة 34 عاماً في حكومة سلطنة عمان. غالباً مع الأمم المتحدة.
 
بيستون عثمان: أسألك عن كرة القدم وتقول إنك تشجع الفرق التي لديها اخلاق عالية. 
 
محمد الحسان: في الحقيقة، كرة القدم ليست رياضتي المفضلة. أنا أمارس الجري. كل يوم.
 
بيستون: كم المسافة؟
 
محمد الحسان: 14 كيلومتر يومياً.
 
بيستون: هل تعتقد بإمانك ممارسة الجري في بغداد صيفاً؟
 
محمد الحسان: تعلم، لم أعش أبداً في بغداد خلال فصل الصيف، لذلك فإن هذا شيء يجب أن أراه. لكنني أذهب إلى الصالة الرياضية.
 
"لا توجد حادثة تطّلع عليها السلطات العراقية ولا تتعامل معها بمهنية"
 
علي الخفاجي منذ ذي قار: قبل قرابة الأسبوع من الآن، وفي مظاهرة سلمية في محافظة ذي قار، تعرّض المعلمون للضرب والتنكيل والإهانة، ومنهم الأستاذة، معلمتي في الابتدائية، زينب خريبط. وهذه الصورة توضّح ما تعرّضت له السيدة زينب خريبط، وهي معلمة في إحدى المدارس الابتدائية. الفعل، للأسف، الذي تعرّضت له السيدة زينب خريبط هو فعل مناهض ومنافٍ لحقوق الإنسان التي كفلتها منظمة الأمم المتحدة .لماذا لا تقومون بتدويل هكذا قضايا وهكذا اعتداءات للحد منها؟ ولماذا لا تطالبون الحكومات بمحاربة ومعاقبة الأشخاص الذين قاموا بهذا الاعتداء على التربويين؟ للأسف، السؤال الذي يطرح نفسه: هذه الاعتداءات حدثت في ظل فترة تمثيلكم للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في العراق، لكن ماذا سيحدث في حال انتهت فترة عملكم في العراق نهاية هذه السنة؟
 
محمد الحسان: هذا سؤال جيد، وجميع الأسئلة جيدة. لقد زرتُ محافظة ذي قار، وزرتُ الناصرية بشكل خاص، وحقيقةً كانت زيارة تقشعر لها الأبدان، فالإنسان لا يستطيع إلا أن يتواضع أمام هذا التاريخ العريق في الناصرية وفي المحافظة بشكل عام. ما يتعلّق بمعلمة الابتدائية زينب خريبط وغيرها، نحن على معرفة تامة بهذه القضايا، ونحن على تواصل مستمر بشأنها، ولكن دائماً يكون الحوار بيننا وبين الحكومة والسلطات العراقية، وهناك أمور قد لا تكون معروفة للرأي العام. أؤكد لك أنه لا توجد حادثة تطّلع عليها السلطات العراقية ولا تتعامل معها بمهنية وحرفية، لكن الإجراءات والقوانين والدستور تقتضي أولاً التحقق من الحالات ثم التعامل معها بصورة قانونية ودستورية. التنسيق بين بعثة الأمم المتحدة والسلطات العراقية تنسيق وثيق جداً، ونتابع هذه القضايا ضمن حوار مهني. ما يُنشر في الإعلام قد يكون أحياناً مبالغاً فيه أو غير دقيق أو غير مكتمل، والفصل في ذلك يعود إلى القضاء والسلطات المختصة. وبشأن انتهاء ولاية بعثة يونامي في نهاية عام 2025، لا بد أن نوضح أن هناك فرقاً بين يونامي وبين منظومة الأمم المتحدة ككل؛ فاليونامي قد تنتهي ولايتها، لكن ذلك لا يعني نهاية وجود المؤسسات الدولية في العراق، فالحكومة العراقية والشعب العراقي حريصون على بقاء الوكالات الأممية المتخصصة، بما في ذلك تلك التي تعنى بحقوق الإنسان، والتعاون في هذا المجال سيستمر دون انقطاع.
 
"هذه نهاية يونامي"
 
بيستون عثمان: هل هناك متابعة بشأن مستقبل يونامي في العراق؟
 
محمد الحسان: هذا سؤال تكرر كثيراً، حاولت الإجابة عليه في ملتقى السليمانية عندما كان رئيس الوزراء هناك. يونامي تقترب من النهاية، وذلك بناء على طلب الحكومة العراقية. هم يعتقدون أن مهمة يونامي قد انتهت. لكنهم مصرون جداً على استمرار العلاقات مع الأمم المتحدة وجميع وكالاتها بعد 2025.
 
بيستون عثمان: هل تنتظرون مهمة جديدة؟
 
محمد الحسان: هذا ليس سؤالاً يوجّه إلي. يجب أن تقرر الحكومة العراقية هذا. لكنني أعلم أن هناك قراراً من مجلس الأمن يقضي بأن يونامي ستنتهي.
 
بيستون عثمان: نعلم ذلك، لكن هل هناك إمكانية لمهمة جديدة تتعلق باليونامي في العراق أم ستكون عبر الوكالات؟
 
محمد الحسان: حسب معلوماتي هذه نهاية يونامي. ماذا سيحدث بعد ذلك؟ تذكّر، أنا ممثل الأمم المتحدة ورئيس يونامي، ليس ما سيحدث بعد ذلك من صلاحياتي. إنه قرار السلطات العراقية والحكومة العراقية والأمم المتحدة. لكنني أريد أن أطمئنك أن عراق اليوم... ليس عراق..
 
بيستون عثمان: سنة 2003.
 
محمد الحسان: نعم، بالتأكيد. حدثت تغييرات كثيرة. قبل بضع سنوات، لم يكن من الممكن عقد هذا الاجتماع، وهذه الأسئلة من هؤلاء الشباب بحرية من خلال هذا اللقاء، لم تكن لتُطرح. إذن العراق يتقدم، ليكون بلداً أفضل، أكثر استقراراً، أكثر رفاهية وأكثر ديمقراطية.
 
هالة مجيد من واسط: أشرتَ أكثر من مرة إلى "الذين انتخبتوهم"، بما معناه الأطراف السياسية التي انتخبها الشعب، لكننا نعلم أن نسبة المشاركة في الانتخابات خلال الأعوام السابقة كانت قليلة جداً ومتدنية. سؤالي إليك، دكتور: ما هي الخطوات العملية والآليات المتّخذة للعمل على تقريب وجهات النظر بين الأحزاب المقاطعة للعملية الانتخابية، ومنها تيارات وأحزاب ذات شعبية كبيرة؟ كلنا نعلم أن العملية الانتخابية حالياً منقوصة، وتشترك فيها أطراف محددة فقط. فما هي خطوات بعثة يونامي العملية في هذا الصدد؟
 
محمد الحسان: في كل عملية انتخابية في أي دولة، هناك أحزاب تتنافس للحصول على ثقة الشعب، ولا بد أن هناك أحزاباً تحظى بدعم أكبر وأخرى بدعم أقل، وهذه جزء من العملية الديمقراطية السليمة، ليس في العراق فقط، بل في كل دولة. عندما لا توجد معارضة، يكون ذلك أمراً مستغرباً، لكن أيضاً، التفاهم يكون عبر العملية الانتخابية نفسها، وعلى كل الأحزاب أن تتنافس على أصواتكم، أصوات الشعب. هناك أحزاب مقاطِعة، وهذا قرار يعود لها. لكن ما أود قوله هو أن ما ذكره رئيس الوزراء في هذه القاعة، وما يذكره الآخرون، أن هناك استحقاقاً انتخابياً بأيديكم. مارسوا هذا الاستحقاق، فإذا رأيتم أن حزباً معيناً أو مرشحاً ما يعبّر عن تطلعاتكم لمستقبل العراق، فمارسوا حقكم بطريقة مسؤولة، وبالاستناد إلى معلومات دقيقة. نحن كأمم متحدة لا نشارك كمراقبين في الانتخابات العراقية، لكننا نوفّر ما يُعرف بالدعم الفني    (technical expertise) إلى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات (IHEC) المشرفة على العملية الانتخابية. وكما تعلمون، جرت مؤخراً عملية انتخابية في إقليم كوردستان، وكانت ناجحة ومتميزة. من هنا، نأمل أن يكون الاستحقاق الدستوري الانتخابي القادم على هذا النهج نفسه. ونحن بدورنا نشجعكم ونطلب منكم ممارسة دوركم الانتخابي والدستوري بالتوجه إلى صناديق الاقتراع وممارسة هذا الحق.
 
بيستون عثمان: بخصوص المفاوضات حول تشكيل الحكومة الجديدة في إقليم كوردستان. هل تتابع المفاوضات بين الأحزاب والقوى السياسية في كوردستان؟
 
محمد الحسان: نحن في الأمم المتحدة نتابع المفاوضات والعلاقات بين الأحزاب الكوردية باتجاه تشكيل الحكومة. نحن لسنا قلقين بشأن ذلك. أعتقد أن الحزبين ماهران ولديهما أرضية مشتركة كبيرة. قد يكون هناك تأخير في تشكيل الحكومة لأنهم يريدون الأفضل لكوردستان. لذلك أعطوا أنفسهم وقتاً ليكونوا دقيقين ويفعلوا أفضل شيء لشعب كوردستان.
 
بيستون عثمان: هل أنت متفائل بشأن الحكومة في كوردستان؟
 
محمد الحسان: بالتأكيد، أنا دبلوماسي، لذلك يجب أن أكون متفائلاً.
 
"البصرة لها مستقبل جيد"
 
هناء من البصرة: ما مدى تأثير الحرب الاقتصادية بين أميركا والصين برأيك؟ 
 
محمد الحسان: أحيّي البصرة، أنا زرتُ البصرة، والبصرة تاريخياً مدينة غنية عن التعريف. كل الحضارات مرّت بها، والتواصل مع دول الخليج يتم عبرها، ولها مستقبل جيد. ويوجد في هذه المحافظة الدكتور أسعد العيداني، وهو من أفضل الاقتصاديين الذين التقيت بهم في العراق، بالمناسبة.
بالنسبة للسؤال عن الاقتصاد العالمي والحرب التجارية المتوقعة بين الولايات المتحدة والصين، أنا لا أعتبرها "حرباً"، لأن استخدام كلمة "حرب" له مدلولات كبيرة. هذه في الواقع منافسة اقتصادية، و"في ذلك فليتنافس المتنافسون". أعتقد أن البلدين، الصين والولايات المتحدة، حريصان على مصالحهما. والسؤال الأهم: أنتم في العراق، كيف تحافظون على مصالحكم؟ هذا هو السؤال الحقيقي. وبرأيي، ما شهدناه حتى الآن لا يؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد العراقي. العراق لديه مصالح اقتصادية مع الولايات المتحدة، وله مصالح أيضاً مع الصين، وكلا البلدين شريكان للعراق. هذه المعادلة من المصالح ستبقى، وأنا على يقين تام بذلك. والمسؤولون العراقيون عن اتخاذ القرار الاقتصادي واعون تماماً، ولا يرغبون بالدخول في صراعات اقتصادية بين القوى الكبرى.
 
أؤكد لك أن العراق بخير، فهذا البلد ليس فقيراً. الناتج المحلي الإجمالي (GDP) للعراق يقارب 261 مليار دولار، وهو بلد غني، ولديه من الإمكانيات ما يتيح له استغلال هذه الثروات للنهوض داخلياً وإقليمياً، بل وعلى المستوى الاقتصادي الدولي. أنتم الموجودون هنا كلكم متخصصون: بعضكم في الاقتصاد، وبعضكم في الأمن السيبراني، أو الطب، أو التاريخ، أو السياسة، وهذا دليل على التنوع الكامل والمتعدد الموجود في العراق. العراق، كما ذكرت، يختلف كثيراً اليوم عمّا كان عليه قبل عشر سنوات، وأؤكد لكم أنه بعد عشر سنوات سيكون مختلفاً عمّا هو عليه الآن. النغمة التي أرجو أن أسمعها في العراق ليست النغمة السياسية أو الطائفية، بل النغمة الاقتصادية والتنموية. عندما أزور بعض الدول أسمع عن التقدّم الاقتصادي والتطوّر التكنولوجي، وهذا هو المستقبل. هذا هو مستقبل العراق، ويجب التركيز عليه.
 
"العراق انتقل إلى مرحلة مد الجسور مع سوريا"
 
بيستون عثمان: هل تعتقد أن هناك خطر أن يواجه العراق عقبة مثل داعش في المستقبل؟
 
محمد الحسان: كشخص، أعلم أن التحديات قادمة. أهم شيء هو أن تُحصّن جبهتك الداخلية: الاستقرار الداخلي، احترام التنوع، احترام حقوق الإنسان لكل المكونات، بما في ذلك النساء والأقليات، وإشعار المواطن العراقي بأنه جزء أساسي من العراق. هذا هو ما يحصّن جبهتك الداخلية. فأي تحدٍّ يمكنك أن تقف أمامه بكل صمود من خلال جبهة موحّدة. العراق اليوم متجانس ومتناغم مع نفسه، والقرار بأيدي أصحاب القرار. وما شاهدناه لغاية الآن، مثل السؤال الذي قمتُ بالرد عليه فيما يتعلق بتداعيات الأحداث في دول الجوار، بما في ذلك سوريا، فإن الطريقة التي تعامل بها القادة العراقيون، داخل الحكومة وخارجها، كانت مذهلة جداً.
 
بيستون عثمان: حتى خارج الحكومة؟
 
محمد الحسان: حتى خارج الحكومة. أنا ذكرت بعض الشخصيات من خارج الحكومة، بما في ذلك كاك مسعود، ودوره كزعيم كوردي.
 
بيستون عثمان: وماذا عن الأطراف الأخرى في بغداد، خارج الحكومة؟
 
محمد الحسان: في بغداد، الدور كان للحكومة، وبالذات لحكومة السيد محمد شياع السوداني.
 
بيستون عثمان: هل هناك أدوار سلبية خارج الحكومة؟
 
محمد الحسان: أبداً، أبداً، لم نرَ إلا كل مهنية وحِرَفية في التعامل مع هذه الأوضاع في سوريا، بل إن العراق انتقل إلى مرحلة مدّ الجسور، وتقديم المساعدات، ومنع توسّع – للأسف – أي مخاطر طائفية في سوريا.
 
مؤمن بابان من كركوك: لسنا ضحية مؤقتة يُذكر اسمنا في المؤتمرات والتقارير. نحن شعب حي، أصحاب قضية، ودماء نُسِفَت على مدى عقود بسبب حكومات بغداد المتعاقبة، من الأنفال إلى القصف إلى الحصار الاقتصادي. سؤالي مباشر إليك، وبلا مجاملات: إلى متى ستبقى الأمم المتحدة شاهدة زور على سياسة بغداد تجاه كوردستان؟ وهل وجودكم هنا لحماية الحقوق فعلاً، أم لحماية مصالح بغداد؟ وهل تُمنح العدالة في الأمم المتحدة حسب القوة والنفط، أم حسب الحق والعدالة؟
 
محمد الحسان: الدبلوماسية تقتضي استخدام بعض العبارات الدبلوماسية، ووصف الأمم المتحدة بـ"شاهد زور" ليس في محلّه، وأختلف معك فيه. قد تكون لديّ أيضاً ملاحظات تجاه الأمم المتحدة، لكن الأمم المتحدة ليست شاهد زور، وهي تعمل وفق قواعد دولية وأنظمة تؤكد كلها على حماية الشعوب، والعدالة، وحقوق الإنسان. إذا كنتَ تتوقع شيئاً خارج هذا الإطار، فمع شديد الاحترام، أختلف معك. نعم، تحدث انتهاكات لحقوق الإنسان، ليس في العراق فقط، بل في العديد من دول العالم، ولكن طريقة التعامل معها من قبل الحكومات هي التي تفرّق. كما تعلم، الأمم المتحدة منظمة، وليست لديها عصاً سحرية تقول "كن فيكون". القرار أولاً وأخيراً يرجع إلى الدول والشعوب نفسها. نحن في الأمم المتحدة لا نتوانى ولا نتراجع قيد أنملة في الدفاع عن العدالة، والحرية، وحقوق الإنسان، بما في ذلك ما يحدث في المحيط القريب من العراق. لكن الدول هي صاحبة القرار، وهي التي يُحاسبها التاريخ والمحاكم الدولية. ومن وجهة نظري، كنتُ في سنّكم يوماً، وكنتُ حماسياً أيضاً، ولكن عندما تقرأ وتتوسّع، تكتشف أن هناك روايات متعددة، وأن المعلومة لا تأتي دائماً كاملة. لكن ما لا أعتقد أنك سمعته يوماً من الأمم المتحدة، بما في ذلك من الأمين العام، هو تهاون تجاه أي قضية تتعلّق بالاعتداءات على الشعوب أو انتهاكات حقوق الإنسان. أتمنى منك، يا ابني، إذا كان توجهك نحو دراسة السياسة، أن تكون على تواصل مع مصادر معلومات دقيقة، وتتواصل معنا نحن في الأمم المتحدة، وأوجّه لك من هنا دعوة لزيارة مقرّ الأمم المتحدة في بغداد.
 
أدناه نص رسالته للمشاركين في البرنامج:
 
"عندما نبدأ وعندما ننتهي. أنتم الآن طلاب، غداً ستكونون موظفين، ثم أرباب عمل، أشخاصاً مؤثرين، ربما سياسيين، قادة بأشكال وصور مختلفة وبناة دولة. أتمنى لكم جميعاً النجاح في مساعيكم المستقبلية. مررنا جميعاً بهذه المرحلة، جميعنا، بمن فيهم أنا. هناك تحديات كثيرة، الذكاء الاصطناعي، الاقتصاد المتغير، التغيرات المستمرة في منطقتنا التي قد تخلق عدم استقرار. لا يمكن أن ننأى بأنفسنا عما يحدث، لكننا نستطيع التكيف معه. يمكننا محاولة التغيير. كل واحد منا، كل واحد منكم، بطريقته الخاصة. لا ينبغي تجاهل أي رأي ولا ينبغي إهمال أي عمل. في نفس الوقت، علينا أن نكون واقعيين ونقبل بأننا نعيش اليوم أفضل من قبل. تخيل هذه المنطقة قبل 40 عاماً، أو قبل 20 عاماً. التاريخ يتحدث عن نفسه، سترى أن الكثير من التغيرات قد حدث. تغيرات إيجابية. ربما ليست إيجابية كما تريد أنت، أو ليست بالسرعة التي تريدها. لكن انظروا إلى النصف الممتلئ من الكأس، وليس إلى النصف الفارغ. في بعض الأحيان ربما بسبب اليأس، وبطء التغيرات، نريد أن نؤذي أنفسنا أكثر من اللازم. انظروا إلى المستقبل وكونوا متفائلين. الأمور ليست جيدة جداً للكثيرين، لكن الأمور ليست سيئة جداً أيضاً. عندما تتقدمون في حياتكم الأكاديمية والشخصية، ستواجهون العالم الخارجي أكثر فأكثر. يمكنكم صنع نتائجكم الخاصة. أين كانت كوردستان قبل عدة سنوات؟ وأين هي اليوم؟ إنها قصة جميلة نحن فيها الآن. أين كان العراق قبل 20 عاماً، وأين أصبح العراق اليوم، أو قبل 10 سنوات؟ دعونا نتوقف للحظة ونعود. الدرس الذي تعلمناه هو أن ننظر إلى الماضي، لكن مع المضي إلى الأمام. أنا متفائل بهذا البلد، متفائل جداً بهذا البلد، خاصة عندما أتطلع إليكم وأرى وجوهكم وبعض أسئلتكم، التي يمكنني الإجابة على بعضها، ولا أستطيع الإجابة على البعض الآخر. لا تزال هناك تحديات كثيرة، لكنني أرى الفرص أيضاً. الفرص التي يمكن استغلالها، ركزوا على الأولويات وحافظوا على المكاسب. رسالتي لكم هي أنكم المستقبل. أنتم المستقبل. كونوا قوة التقدم في الاتجاه الإيجابي. كونوا منارة توجه هذا البلد. ابتعدوا عن كل ما يفرقكم وركزوا على كل ما يوحدكم. ففي الوحدة قوة. العالم يتغير مؤخراً، ربما بسرعة أكبر مما قد نتوقع أنا وأنتم. علينا أن نقبل، نتكيف ونعمل ونستمر معه. الذين لا يتكيفون هم وحدهم الذين سيكونون في الطرف الخاسر. أعلق الكثير من الأمل عليكم. أنتم مستقبل العراق".

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب