سليمة خضير "أم المسرح العراقي".. النخلة التي ماتت وهي واقفة

26-08-2025
معد فياض
معد فياض
الكلمات الدالة سليمة خضير
A+ A-
رووداو ديجيتال

"أم المسرح العراقي" هو اللقب أو الوصف الأكثر لياقة بالفنانة سليمة خضير، فقد كانت أماً حقيقية للممثلين الشباب في الفرقة القومية، الوطنية حالياً، للتمثيل، كانت ترد على تحياتهم بلهجتها البصراوية الاصيلة "هلة يمة"، بل هم ايضاً كانوا يشعرون بأمومتها مبكراً.
 
سليمة خضير التي رحلت اليوم الثلاثاء (26 آب 2025) عن 88 عاماً، بعد صراع مرير مع المرض، ونعتها نقابة الفنانين العراقيين وجمع غفير من الفنانات والفنانين الذين عملوا معها أو في الأقل عاصروها كمشاهدين، كانت واحدة من حسناوات البصرة، بعينيها الواسعتين وشعرها الأسود وملامحها البصراوية المميزة، يوم كانت المدينة أكبر غابة للنخيل وتجري بين بساتينها ومدنها عشرات الأنهار التي تنبع من شط العرب وتعود اليه في حركة المد والجزر المرتبطة بالخليج.
 
سليمة خضير، الفنانة التي أولت اهتمامها ببداياتها بالكتابة والشعر قبل أن يسحرها فن التمثيل بسبب ترددها على دور العرض السينمائية التي كانت تزدحم بها البصرة، وتعترف، ليست نادمة، في سنوات تقاعدها قائلة في حديث صحفي: "لو أنني استمريت بالكتابة ككاتبة أو صحافية لكنت اليوم نجمةً كبيرة في عالم الأدب، ولكن التمثيل أخذ جهدي ووقتي وكل حياتي، وبالذات التمثيل المسرحي، فأنا مثّلت في الإذاعة والتلفزيون وكتبت للإذاعة وللمسرح، فكانت هذه أشياءً ثانوية لا أساسية. لكنني خريجة آداب باللغة العربية. وكنت اقرأ كتب المسرح وما زالت في مكتبتي هناك مسرحيات لها أثرها الكبير في نفسي".
 
في نهاية الخمسينيات وبالتحديد عام 1959، وجدت سليمة خضير فرصتها المبكرة مع فرقة "هواة الفن" للتمثيل في البصرة، ومن هناك التفت اليها كبار المخرجين المسرحيين والتلفزيونيين والاذاعيين في العاصمة، وكان لابد من الانتقال الى بغداد، بعد أن أدت دور البطولة في مسرحية "انتيغونا" مع سامي عبد الحميد تأليف جان أنوي، وكان هذا ما شجعها للانتقال الى بغداد وهي تحمل البصرة ورائحة أرضها في داخلها.

 

 
استهلت مشوارها في بغداد مع الاذاعة العراقية كمذيعة ومقدمة برامج، وفي ذات الوقت مثلت على مسرح بغداد مع فرقة المسرح الفني الحديث، مع كبار المخرجين والممثلين العراقيين، قبل ان تنتقل الى العمل رسمياً مع الفرقة القومية للتمثيل (الوطنية) في منطقة كرادة مريم بجانب الرصافة، حيث كانت هذه الفرقة هي المؤسسة الفنية المهمة التي تقدم زخماً من الأعمال المسرحية وهي فرصة للعمل مع مخرجين وممثلين متميزين.
 
كانت بداياتها كبيرة ومهمة ابداعياً، استهلتها في مسرحية "النخلة والجيران" عن رواية بذات الاسم لغائب طعمة فرمان، مسرحها وأخرجها قاسم محمد. هنا مثلت الى جانب خليل شوقي وزينب وآزادوهي صاموئيل ويوسف العاني وفاضل خليل ومقداد عبد الرضا، ثم أدت دور بطولة في مسرحية "البيك والسايق"، تأليف عادل كاظم واخراج ابراهيم جلال.
 
سليمة خضير بدأت مسرحياً من القمة وتربعت هناك ولم تتخل عن مكانتها. كنت قد عملت معها في الجانب الانتاجي، يوم كنت طالباً في السنة الثانية باكاديمية الفنون الجميلة في جامعة بغداد، في واحدة من اصعب الاعمال المسرحية وهي "الاشجار تموت واقفة" تأليف اليخاندرا كاسونا واخراج بدري حسون فريد، الذي كان كبار الممثلين يتمنون العمل معه رغم صعوبة أساليبه، لكنه كان يُعد مدرسة في الاخراج المسرحي، ومثلت معها الفنانة الراحلة سعاد عبد الله .
 
وتألقت في المسرحية الشعبية الاجتماعية "بيت وخمس بيبان"، تأليف فاروق محمد واخراج محسن العلي ولعب ادوار البطولة الى جانبها، كل من بهجت الجبوري وسناء عبد الرحمن وجاسم شرف وسامي محمود.
 
ومن الذكريات التي تعلقت في ذاكرتها، تذكر، حينما جاءتنا دعوة للمشاركة في مهرجان مسرحي في سوريا قبل عشرين يوماً من موعد المهرجان. قالت: "جاءني سليم الجزائري وكان يعمل مخرجاً في الفرقة القومية، وعرض علي نصاً مسرحياً بعنوان (الثعلب والعنب) للكاتب البرازيلي غيليرميه فيجيريدو، وهو نص معقد للغاية وفلسفي، وطلب مني انقاذه وانقاذ الفرقة، فهذا العمل سيمثل العراق في مهرجان دمشق للمسرح العربي، ولعب البطولة الى جانبي الفنان سامي قفطان. وخلال هذه الأيام العشرين تمكنت من إكمال وحفظ النص للمشاركة بالمهرجان، وكان عملاً مسرحياً أذهل كل الفرق المسرحية العربية بلا مبالغة، وكتبت عنه الصحف ووسائل الاعلام العربية والعراقية بلا توقف، وحاز على جوائز كبيرة".
 
قدمت سليمة خضير أعمالاً متألقة في المسرح والتلفزيون والسينما، ومن أبرز أفلامها: التجربة، الحارس، وحمى الأبطال، ومن مسلسلاتها: برج العقرب، هذا هو الحب، البيت الكبير، أبو طبر، شناشيل حارتنا، مملكة الشر، الثانية بعد الظهر، بيوت باردة جداً، وثلج في زمن النار.
 
في عام 2011، فُجعت سليمة خضير بموت نجلها وسام بحادث مؤسف، وهذا نال من طاقتها وروحها الكثير، حتى أنها شعرت بعجزها عن العمل فاعلنت اعتزالها وركنت ببيتها في بغداد، حيث دعمتها ووقفت الى جانبها بكل وفاء شقيقتها المطربة المعروفة أمل خضير.
 
كانت سليمة خضير هي الشجرة التي ماتت واقفة، النخلة التي بقيت ثابتة بأرضها رغم موتها السريري، فهي لم تترك العراق رغم كل الظروف الصعبة التي عاشتها والمغريات وبقيت متمسكة بانتمائها لبلدها، وفي آخر كلمات قالتها خلال تسجيل صوري وصوتي (فيديو): "أرادوا مني الخروج من العراق، لكني لم ولن أخرج أبداً".
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب