فيلم "النائمون" يحاكم جرائم عقد الستينيات في احياء نيويورك الفقيرة

19-04-2022
معد فياض
الكلمات الدالة فيلم النائمون روبرت دي نيرو أميركا نيويورك داستن هوفمان براد بيت
A+ A-
 
رووداو ديجيتال

يعيدنا فيلم النائمون ( Sleepers)، باحداثه واجوائه وشخوصه الى عقد الستينيات، وهو عقد التحولات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، من خلال حياة اربعة فتيان في حي نيويوركي فقير، وكيف تتغير مصائرهم بشكل تراجيدي.
 
فيلم  Sleepers، الصادر عام 1996، والمعروض على شاشة نيتفليكس حاليا باعتباره فيلما دراميا أميركيا عن الجريمة القانونية، يعتمد على احداث حقيقية، كتبه وأنتجه وأخرجه باري ليفينسون، ويستند إلى رواية الكاتب الاميركي لورينزو كاركاتيرا الصادرة عام 1995 التي تحمل نفس العنوان Sleepers وانتاج شركة وارنرز برذرز.
 
لعل ما اغراني بمشاهدته للمرة الثالثة، وخلال فترات مختلفة، هو الأداء المتميز للممثلين الذين لعبوا بطولته، وفي مقدمتهم روبرت دي نيرو وداستن هوفمان وبراد بيت وفيتورو جاسمان، اضافة الى: كيفن بيكون، جيسون باتريك، ميني درايفر، براد رينفرو، جيفري دونوفان، تيري كيني، جو بيرينو، جيفري ويجدور، جوناثان تاكر وبيلي كرودوب.
 
لورنزو كاركاتيرا، وتومي ماركانو، ومايكل سوليفان، وجون رايلي هم أصدقاء الطفولة الذين عاشوا في حي Hell's Kitchen في نيويورك في عقد الستينيات. 
 
الأب بوبي كاريلو (روبرت دي نيرو)، كاهن رعيتهم، كان هو نفسه في الماضي، ضحية اخطائه عندما كان شابا وتم اعتقاله، لهذا يحاول تعليمهم الصواب من الخطأ.
 
بسبب ظروفهم الاقتصادية يعمل الفتيان في عصابة محلية يتزعمها King Benny (فيتوريو غاسمان) الذي يكلفهم بمهام بسيطة داخل الحي، لكن هذا لا يمنعهم من القيام بمشاغبات وسرقات صغيرة على سبيل المغامرة والمتعة، واحدى هذه المغامرات ستكلفهم الكثير عندما يقوم ثلاثة منهم، في صيف 1967، بسرقة عربة نقانق والتوجه بها الى حافة درج نفق القطارات في المحطة القريبة، بينما صاحبها اليوناني كان مشغولاً بملاحقة رابعهم الذي سرق منه سندويتشة نقانق وهرب، ولعدم تمكنهم من السيطرة على العربة لثقلها تتدحرج لتصيب احد الاشخاص بجروح خطيرة، وهذه الحادثة هي التي ستقودهم الى قضاء 18 شهرا، باستثناء Shakes الذي سيمضي اقل من سنة كونه لم يشارك بسرقة عربة النقانق، في اصلاحية  (ويلكنسون هوم) للأحداث في شمال ولاية نيويورك.
 
إقامتهم  في هذه الاصلاحية السيئة الصيت سوف تغير حياتهم تماماً وتقلبها رأساً على عقب نتيجة تعرضهم لعقوبات قاسية وتعذيب واغتصاب جنسي جماعي في قبو الاصلاحية من قبل حراس الاصلاحية وفي مقدمتهم شون نوكس (كيفن باكن)، وهنري أديسون ورالف فيرغسون وآدم ستايلر، حتى ان احد الاولاد الاربعة يقول: "امنيتي ان انام لليلة واحدة دون الخوف من ان يقتحم غرفتي احدهم ليغتصبني". 
 
لكنهم لا يبوحون بتلك الانتهاكات للاب بوبي كاريلو الوحيد الذي يزورهم بعد ان رفضوا زيارة عوائلهم لهم لاحساسهم بالعار والخذلان والخجل، يلاحظ الاب بوبي التغييرات على وجوه ابنائه في الابرشية، ويتصور ان السجن اثر عليهم، فينصحهم بان يكونوا اقوياء، ويكشف لهم بانه كان يوما نزيل نفس الاصلاحية.
 
ويهيئنا سيناريو الفيلم ومنذ وقت مبكر الى اصرار مايكل سوليفان على الانتقام من الحراس القساة وبصورة غير مباشرة عندما يلاحظ مدرسهم للغة الانكليزية داخل الاصلاحية تعلق مايك برواية "انتقام الكونت مونتي كرستو"، وعندما يسأله المدرس عن اهم جانب يهتم به في الرواية، يجيب على الفور "هروب الكونت من سجنه والاخذ بثأره". وسنتذكر كمشاهدين هذا الاصرار على الانتقام والاخذ بالثأر من حراس الاصلاحية عندما يلتقي، بعد سنوات، مايك، الذي سيصبح محاميا في الادعاء العام وشيكيس الذي سيكون صحافيا، حيث يقول مايك (براند بيت): "اريد ان انتقم من كل تصرفاتهم معنا".

 

 
الحادثة الثانية التي تعرضهم للتعذيب والضرب بقسوة من قبل الحراس أثناء وجودهم في الاصلاحية، عندما يشاركون في مباراة ويلكنسون السنوية لكرة القدم الاميركية (الركبي) التي تجري بين فريق الحراس وفريق الحداث السجناء. يقوم  مايكل باقناع ريزو روبنسون، النزيل الاسود باللعب بأقصى ما يمكن للضغط على الحراس والفوز عليهم للسخرية منهم. يوافق ريزو ويساعد في الفوز باللعبة حيث سيدفع حياته ثمنا لهذا الفوز، حيث يتم نقل الأولاد إلى الحبس الانفرادي لأسابيع، ويتعرضون للضرب بشكل منهجي، ريزو على وجه الخصوص، الذي يموت تحت قسوة التعذيب ويتم اخبار عائلته أن ابنهم مات بسبب الالتهاب الرئوي.
 
في ربيع عام 1968، قبل وقت قصير من إطلاق سراح Shakes من اصلاحية ويلكنسون، اقترح عليهم الإبلاغ علناً عن الانتهاكات. رفض الآخرون، وأكد مايكل أن لا أحد سيصدقهم أو يهتم بهم، وقرروا عدم الحديث عن الإساءة مرة أخرى لانها تسيء لهم ولحياتهم المستقبلية. في الليلة التي سبقت إطلاق سراح Shakes ، قام رئيس الحراس  Nokes  والحراس الآخرون بترتيب "حفل وداع" حيث يتعرض الأولاد الأربعة مرة أخرى للاغتصاب بوحشية.
 
تنقلنا احداث الفيلم الى عام 1981، حيث التقى جون رايلي (رون إليدرار)  وتومي ماركونا (بيلي كروداب)، وهما الآن مجرمان محترفان ، بشون نوكس، رئيس الحراس، عن طريق المصادفة في حانة Hell's Kitchen يواجهونه بالقسوة والاغتصاب الذي تعرضوا له من قبله ومن قبل حراسه، لكنه ينكر هذه الحقائق قبل ان يعترف بان ممارساته كانت تهدف لأن يكونوا اقوياء ولم يكن امام جون وتومي سوى اطلاق النار عليه وقتله بالحال أمام الشهود.
 
مايكل سوليفان (براد بيت) الان هو مساعد للمدعي العام، يضغط على ادارته ليتولى القضية ممثلا عن الحق العام ضد صديقي الطفولة، دون ان تعرف الادارة علاقته بالقاتلين، او حتى انهم كانوا نزلاء في الاصلاحية التي تتلف سجلات المقيمين كل سبع سنوات، مخططا بذكاء وبحذر وبسرية شديدة  لتبرأة ساحة صديقيه وفضح ممارسات الحراس في اصلاحية ويلكنسون. جنبا إلى جنب مع صديقهم Shakes ، الذي يعمل مراسلا لاحدى الصحف، إذ قاموا بصياغة خطة لتحرير جون وتومي والانتقام من منتهكي ويلكنسون الآخرين. بمساعدة King Benny، الذي ما يزال يتمتع بنفوذ وعلاقات مع عصابات داخل الحي وخارجه، وصديقة فتوتهم كارول مارتيناز (ميني درايفر) التي تعمل في الرعاية الاجتماعية، فينفذان خطتهما باستخدام المعلومات التي جمعها مايكل عن خلفيات موظفي وحراس ويلكينسون، بمساعدة داني سنايدر (داستن هوفمان)، المحامي، المدمن على الكحول، للدفاع عن جون وتومي، بمساعدة الأسئلة المكتوبة التي يصوغها مايكل سراً للمحامي سنايدر، والذي سيلقي بظلال من الشك على شهادة المرأة شهدت جريمة القتل في الحانة مع صديقها، بينما تم ترهيب شاهدين آخرين لإسكاتهم عن هذا الحدث. لكي تنجح خطة مايكل بالكامل، يجب عليه الإضرار بسمعة Nokes ووضع John و Tommy بشكل مقنع في موقع آخر وقت إطلاق النار. 
 
يتم استدعاء احد حرس الاصلاحية، فيرغسون، كشاهد، الذي ينهار امام الحقائق فيعترف باكيا بأن نوكس، مثله ومثل الحراس الآخرين، اعتادوا على الإساءة إلى الأولاد واغتصابهم. لحسم القضية، لا بد من شاهد موثوق ورئيسي رئيسي يبرهن حجة لغياب جون وتومي وقت وقوع الجريمة. أجرى شيكيس حديثًا طويلاً مع الأب بوبي ليشهد لصالح من يسميهم ابنائه، حيث يقاوم في البداية، كيف لأب في الكنيسة ان يقسم ويشهد زورا ويكذب؟، لكنه يتراجع عن صلابته عندما يحكي له شيكيس كل تفاصيل الاساءة والاغتصاب والتعذيب الذي لاقوه على ايدي حراس الاصلاحية   ويلكنسون، يوافق القس على مضض على الحنث باليمين بنفسه. في المحاكمة، يشهد الأب بوبي أن جون وتومي كانا معه في إحدى مباريات نيويورك نيكس وقت إطلاق النار ولديهما ثلاث بطاقات لإثبات ذلك. نتيجة لذلك، تمت تبرئة جون وتومي.

 

 
بيد ان تبرئة جون وتومي لا تعني عدم معاقبة حراس الاصلاحية، إذ يُعاقب الباقون أيضاً على جرائمهم حيث يتم اختطاف هنري أديسون، وهو سياسي الآن ولا يزال يتحرش بالأطفال، بالقرب من المطار المحلي على يد عصابات سوداء بقيادة إدي  الملقب بليتل سيزر (وندال بيرس)، شقيق ريزو الأكبر الذي عرف الحقيقة أخيراً عن وفاة شقيقه في ويلكنسون من  King Benny، الذي باعه معلومات سرية حول كيفية قتل أديسون لريزو، أما آدم ستايلر، الذي اصبح الان ضابط شرطة فاسد، فيتم سجنه لتلقيه رشاوى وقتل تاجر مخدرات.
 
في المشهد الختامي للفيلم يلتقي مايكل وشيكيس وجون وتومي وكارول في حانة محلية للاحتفال. إنها آخر مناسبة يجتمع فيها الرجال الأربعة معًا. يبقى "شيك" في Hell's Kitchen ويستمر بعمله الصحفي كمراسل. اما مايكل فيستقيل من مكتب المدعي العام وينتقل إلى الريف الإنكليزي، وأصبح نجاراً ولم يتزوج أبداً؛ يموت كل من جون وتومي قبل بلوغ الثلاثين من العمر حيث يستسلم جون لتليف الكبد بسبب الإفراط في استهلاك الكحول بينما يتعرض تومي لكمين وقتل على يد مجرمين منافسين. تبقى كارول، أيضاً، مقيمة في حي  Hell's Kitchen  بصفتها موظفة اجتماعية، ولديها ابن وتسميه John Thomas Michael Martinez ، الملقب بـ "Shakes" ليتم الكشف لاحقاً أن الراحل جون هو الأب البيولوجي للصبي.
 
لقد استطاع كاتب السيناريو والمخرج ليفينسون، ان يضخ لنا كما كبيرا من الاحداث التي اختزلت المجتمع الاميركي الفقير في عقد الستينيات ومن ثم الانتقام من نتائج هذه الاحداث بعد عقدين من السنين، كما منحنا كمشاهدين شعورا بسعة مسرح الاحداث وكانها تدور في كل ارجاء نيويورك بالرغم من ان الحركة كانت تدور في حي نيويوركي واحد، اضافة الى التقشف في الزمن، بحيث يجعلنا نعيش احداث متتالية ومتسلسلة بالرغم من الانتقال من عقد الى آخر، ساعد في ذلك اللقطات السريعة وحركة الكاميرا التي صورت الاحداث بزوايا مختلفة في مكان واحد، وأداء الممثلين الفتيان الذي يعتمد على تنقلاتهم في امكنة متعددة في اوقات قصيرة، والاهم من هذا وذاك جاءت الموسيقى التي ألفها جون ويليامز مدهشة وتحولت الى حدث بذاته تدعم هارموني القصة ووالحركة.
 
الجدير بالذكر هنا هو انه تم تصوير مشاهد الفيلم بحي بروكلين بنيويورك وأيضا بحي مانهاتن بنفس الولاية. كما تم وضع مستشفى فيرفيلد هيلز بنيو تاون بولاية الكونيكتيكت تحت تصرف فريق التصوير لتصوير المشاهد الخاصة بالاصلاحية.
 
وتربع الفيلم عند إصداره مدة أسبوعين على قمة البوكس أوفيس حاصدا 29 مليوناً و533 ألفاً و356 دولاراً لينهي مسيرته بحصده لـ 53 مليوناً و315 ألفاً و285 دولاراً في الولايات المتحدة، أما أعلى الواردات فقد تم تحصيلها خارج اميركا  بارباح وصلت لمجموع قدر بـ 165 مليوناً و615 ألفاً و285 دولاراً، وكان الفيلم قد ترشح لجائزة لأوسكار أحسن موسيقى لجون ويليامز 1997.
 
كما تم عرضه كمسرحية، في الولايات المتحدة في 18 تشرين الأول 1996 وحقق نجاحاً كبيراً في شباك التذاكر، حيث بلغ إجمالي أرباحه 165.6 مليون دولار مقابل ميزانية قدرها 44 مليون دولار.
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

غلاف كتاب مراصد الروح

"مراصدُ الروح".. مجموعة شعرية مكتوبة عن سوريا الجديدة

أعلن الكاتب والشاعر الكوردي السوري، إدريس سالم، عن مضمون مجموعته الشعرية الجديدة، والمكتوبة عن فترة سقوط النظام السوري وأحداث فتح السجون والمعتقلات السرّية وتحرير السجناء، والتحديات الكبيرة التي يوجهها وسيواجهها الإنسان في سوريا، وما سيتعرض له من مخاطر وانتهاكات جسدية ونفسية.