رووداو ديجيتال
في طفولتها كانت ترسم كل شيء وعلى أي شيء بمجرد أن تتوفر لها الألوان.. ثم صارت ترسم على الورق والقماش والخشب والزجاج والصحون، أشكالًا مختلفة، ووجوهًا غريبة تشبه وجوه الدمى التي تزدحم بها غرفتها، لكنها تطورها، تمنحها مشاعر وحركة وحيوية.. في الحقيقة لم تعرف بحياتها أي شيء أكثر من الرسم، "فهو متنفسي" كما تقول.
زينب العاني، شابة عراقية (24 سنة)، عشقت الرسم وصار هويتها وانتماءها والتعبير عن ذاتها، لم يعلمها أحد ولم تدرس الفن التشكيلي، لكنها اكتشفت أسلوبها في تنفيذ أعمالها، مع أنها لا تهتم لموضوع الأساليب لكنها تميل إلى التجريد حتى دون أن تدري أو تتعمد ذلك.. عندما تتحدث عن أعمالها ومشاريعها تشعر بروح الطفولة والتحدي الكامنة بداخلها.
في حديثها لشبكة رووداو، اليوم الأربعاء، 16 تموز 2025، قالت: "الفن يمثل لي الفرح ومسكنًا للألم.. إنه راحتي.. فيه تتجسد طاقتي للحياة وتحدي لفعل كل ما أحبه وأتمناه.. إنه منفذي الوحيد لتحقيق كل ما أريد. أشعر أني في الفن متحدية ولا شيء يقف في طريقي".
فجأة وهي في الـ 18 من عمرها وجدت نفسها في صراع قوي مع المرض، كان عليها الاستسلام أو البقاء، وبالتأكيد اختارت أن تبقى قوية فلجأت إلى الرسم لتصارع آلامها ومرضها، توضح: "كنت أعاني من قرحة معوية، والتهاب حاد في المعدة، وارتجاع مريئي حاد، وتلف في جدار المعدة، وتلف في الكبد. أُجريت لي عملية جراحية لاستئصال جزء من المعدة والقولون والكبد. كان التشخيص الطبي ومن ثم وصف الدواء في العراق خاطئًا. لم آكل ولم أشرب لمدة عام كامل. بعد ذلك أُصبتُ بجلطة دماغية. سافرت إلى تركيا للعلاج. الرسم كان علاجي. أقول إن الفن يمثل لي الفرح ومسكنًا للألم. إنه راحتي. فيه تتجسد طاقتي للحياة وتحدي لصنع كل ما أحبه وأتمناه".

خلال فترة العلاج التي امتدت لأكثر من أربع سنوات، وهي تتماثل اليوم للشفاء، كانت زينب تجرب في إبداع أسلوب يميزها بتنفيذ أعمالها الفنية، كأن الرسم لوحده لا يكفيها ولا يلبي طموحاتها الفنية، فجربت أسلوبًا آخر، تقول: "أنا أحب أن أجرب، مع أني لم أدرس الفن وتعلمته من تلقاء نفسي، ووجدت أن الرسم وحده لا يكفي فكنت أرسم وأُطرِّز اللوحة بخيوط التطريز، بالإبرة والخيط وبصبر كبير، ثم ألونها بأصباغ الأكريليك، وكانت النتيجة مدهشة بالنسبة لي وتستغرق بضعة أيام لتنفيذ اللوحة، واكتشفت أن لا أحد غيري اشتغل على هذا الأسلوب، وليس عندي أي توضيح كيف توصلت إلى ذلك لكنني أعرف أنه مختلف وأحببته لأنه متميز رغم صعوبته وقلت لنفسي يجب أن أكون متميزة لأن الفن مثلما قلت آنفًا هو متنفسي الوحيد".
تستطرد: "لهذا رحت أرسم شخوصي التي أحبها، في البداية وجوه الأطفال والدمى التي تزدحم بها غرفتي لأنني أحبهم، أعني الأطفال والدمى، لكنني أمنحها مشاعر حيوية، غضب وفرح وتعجب، كنت أنسج في ذهني قصصًا عنها وأجعلهم أبطال هذه القصص، ثم صرت أرسم شخوصًا أخرى معتمدة على خيالي وواقعي، شخوص أعرفها، أمي، أختي، صديقاتي، الأطباء الذين يعالجوني، الممرضات، الشارع، كنت نهمة في الرسم حتى أني نفذت 193 لوحة، بأحجام مختلفة في أحد معارضي الشخصية".

زينب بدأت تشتغل على هذا الأسلوب الذي اكتشفته ونفذته بنفسها عام 2021، ومنذ ذاك حتى اليوم أقامت وشاركت بعدة معارض، استهلتها بمشاركتها في معرض مشترك بوزارة الثقافة العراقية، والثاني مع مجموعة من الفنانين في بيت الشباب، وكلاهما عام 2021، وفي عام 2022 شاركت في معرض الفنانات التشكيليات العراقيات الذي أُقيم بالعاصمة الأردنية عمان، ثم أقامت معرضها الشخصي الأول في صالة (دكان رؤيا) في شارع المتنبي، ثم معرض شخصي أكثر سعة في واحدة من أكبر وأهم صالات العرض التشكيلي (ذي كاليري) ومعرض ثالث في قرية دجلة، وجميعها ببغداد طبعًا.
لا تهتم الرسامة زينب العاني بوضع العناوين على لوحاتها بل تترك هذا الأمر للمتلقي "الذي سيرتبط بالعمل ويفهمه كما يريد وله أن يسميه كيفما شاء". موضحةً: "فأنا أرسم، هذه مهمتي، أرسم وأنفذ لوحاتي وأعرضها للجمهور وهذه متعتي الكبيرة، لا تفسيرات عندي للأعمال أو لماذا رسمت هكذا أو وضعت هذا اللون هنا أو كيف جاءت الأشكال بهذه الصورة، أنا نفسي لا أعرف ولا أجوبة عندي على مثل هذه الأسئلة".
مثل هذه الأعمال، بأسلوب تنفيذها بواسطة الفرشاة والخيوط والإبرة والألوان وبمواضيعها، سوف تجتذب وتسحر المتلقي الأوروبي، ليس لبساطتها بل هي أكثر تعقيدًا في التنفيذ وتميزًا بالأسلوب والتلوين، مع أنها اجتذبت جمهورًا واسعًا داخل العراق، وغالبية من المتلقين وجدوها غريبة لكنها مدهشة، هذا أكثر ما ينطبق على أعمال زينب العاني، إنها تخلق فعل الدهشة وتمنح قيمًا جمالية وطاقة إيجابية.

زينب العاني، لن تتوقف عند فكرة أو تجربة، فهي ترسم حتى على طاولة الطعام بالبيت والصحون وزجاج النوافذ، تقول: "بداخلي طاقة جبارة للرسم"، وذات يوم جربت بأن تنجز لوحة كلها من أزرار القمصان الملونة بقياس 100×200 سنتمترًا، وبآلاف الأزرار وأعجبت أحد المهتمين بالفن واقتناها. اليوم، وهي تتماثل للشفاء، تفكر زينب بدراسة الفن التشكيلي والتصميم الداخلي، تقول: "أشكر أمي التي دعمتني وما تزال تقف إلى جانبي بقوة، ولي أن أعترف بأن فن الرسم ساعدني كثيرًا للتعافي من مرضي".
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً