أفردت السينما العراقية، بعد تغيير نظام صدام حسين، حيزا لا بأس به لمعالجة جريمة الانفال ابداعيا من خلال افلام روائية ووثائقية، سرعان ما انتقلت الى مصاف السينما العالمية.
ومثلما عالجت السينما الامريكية، خاصة، والغربية عامة، مآسي الحربين العالميتين الاولى والثانية، فان مخرجين عراقيين اختاروا موضوعة مآساة الانفال كثيمة رئيسية لانجاز افلامهم، مسلطين الضوء على تفصيل معين في كتابة سياريوهات وتصوير هذا التفصيل او ذاك.
هنا لا نستطيع استعراض جميع الافلام السينمائية التي تصدت لجريمة الانفال التي راح ضحيتها عشرات الالاف من المواطنين الكورد كضحايا جرائم الابادة البشرية التي اقترفها النظام السابق، لكننا بالتأكيد سنختار افضل ثلاثة أفلام تناولت هذه الجريمة من زوايا مختلفة، وانتقلت الى مصاف السينما العالمية من خلال عرضها في المهرجانات السينمائية الدولية وحصولها على جوائز عالمية.
يأتي فلم" صمت الراعي"، انتاج عام 2013، قصة وسيناريو وأخراج السينمائي العراقي رعد مشتت، وبطولة آلاء نجم ومحمود ابو االعباس وسمر قحطان، في مقدمة الافلام التي تصدت لجريمة الانفال باسلوب روائي فني راقي، قصة واخراجا وتمثيلا.
يتحدث فلم"صمت الراعي" عن راع للغنم في بادية السماوة، يشهد بالمصادفة عملية مقتل ودفن عوائل كوردية تم نقلهم احياء من كوردستان الى مقربة من قريته في بادية السماوة بواسطة شاحنات محاطة بحماية عسكرية مشددة، خلال عملية الدفن تختفي الشابة زهرة ابنة شيخ العشيرة، حميد الصكر، الذي سيبقى يشعر بالعار لاختطاف ابنته ، ويتهم سعود، ابن االقرية الذي التحق بالجيش في يوم اختفاء زهرة، باختطافها، حيث تتم مقاطعة اخته سعدية عقوبة على تهمة شقيقها بهذه الجريمة المرفوضة عشائريا في جنوب العراق. وبعد تصاعد الاحداث دراميا وتراجيديا، وبعد الاعلان عن تغيير النظام اثر احتلال القوات الامريكية للعراق، يعترف الراعي لشيخ العشيرة بحادثة دفن العوائل الكردية، حيث تم دفن ابنته زهرة معهم لانها شاهدت هذه الجريمة، وبالفعل يتم فتح المقبرة الجماعية ليتم العثور على الضحايا الكورد ومعهم ابنة الشيخ.
فلم"صمت الراعي" شارك في 13 مهرجان دولي عربي وغربي، ابرزها :مهرجان أبو ظبي السينمائي 2014 - دولة الإمارات العربية المتحدة، ومهرجان ميونيخ السينمائي 2015 – ألمانيا، ومهرجان الإسكندرية السينمائي لدول حوض المتوسط 2015 – مصر، ومهرجان أمستردام للسينما العربية 2015 – هولندا، ومهرجان وهران الدولي للفيلم العربي 2016 – الجزائر، ومهرجان مسقط السينمائي الدولي 2016 - سلطنة عُمان، ومهرجان الفيلم العربي في سان فرانسيسكو 2015 - الولايات المتحدة، ومهرجان عين لندن السينمائي الدولي 2017 - لندن/ المملكة المتحدة، وحصد سبع جوائز في هذه المهرجانات باعتباره افضل فلم، وأفضل أخراج، وأفضل تمثيل، وهي اعلى حصيلة من الجوائز الدولية يحصدها الفلم في تاريخ السينما العراقية.
أما المخرج العراقي محمد الدراجي، فيذهب في فلمه"أبن بابل" لعرض قصة واقعية، ايضا، لأم كوردية تتبع أمل ضعيف بالعثور على ابنها الجندي الذي اختفى في جنوب العراق عام 1991 .
"أبن بابل" انتاج 2009، كتب السيناريو له: جنيفر نورج ومحمد الدراجي ومثال غازي ،ومن اخراج : محمد الدراجي، ووصف بانه فلم عراقي بنكه كوردية.
تدور احداث الفيلم ، الذي جسد بطولته: ياسر طالب، وشازاد حسين، وبشير الماجد، في اقليم كوردستان عام 2003، بعد مرور ثلاثة أسابيع على سقوط نظام صدام حسين، حول قصة الولد الكوردي أحمد، الذي يبلغ من العمر 12 عاما، ويعيش مع جدته، التي تسمع أن بعض أسرى الحرب وجدوا أحياء في الجنوب، فتقرر أن تعرف مصير ابنها المفقود، والد أحمد، الذي لم يعد إلى منزله قط منذ حرب الخليج عام 1991. فتمضي مع حفيدها في رحلة هي اشبه ما تكون بالمغامرة بالنسبة لها. وطوال الرحلة من جبال كوردستان العراق إلى محافظة بابل مرورا ببغداد، متنقلين بسيارات عابرة في الطريق، حيث التقوا بالكثير من الرحالة مثلهم، يقومون برحلات مشابهة.
المفارقة هنا ان الجدة المتعبة لا تتحدث الا اللغة الكوردية، بينما يجيد حفيدها احمد اللغتين الكوردية والعربية فيقوم بدور المترجم، حيث يتتبع هذا الطفل خطى منسية لأبٍ لم يعرفه قط محاولاً فهم ما تبحث عنه جدته، وأثناء الرحلة، ينمو الولد وينضج.
وبعد تنقل الجدة، التي تيأس من العثور على ابنها حيا، وحفيدها بين عدة مقابر جماعية ضمت جثث المئات من العوائل االكوردية في جنوب العراق بحثا عن رفاة ابنها دون نتيجة، فيصيبها الياس والتعب والموت ليعود حفيدها في رحلته الى قريته في كوردستان وحيدا.
فلم "أبن بابل" شارك في العديد من المهرجانات السينمائية الدولية، وحصل على عدة جوائز عام 2010، منها جائزة السلام من مهرجان برلين وجائزة ناتباك من مهرجان كارلو فيفاري وجائزة افضل فيلم من مهرجان رين دانس، وجائزة لجنة التحكيم من مهرجان هاواي.
أما فلم"زهرة كركوك" يتخذ من قصة حب مستحيلة بين شيركو، الطبيب الكوردي الشاب مه زميلته في الدراسة الدكتورة نجلة ابنة عائلة عربية غنية ومقربة من حزب البعث، كمحور لأحداثه، في زمن تشن فيه الاجهزة الامنية لنظام صدام حسين حرب قاسية على الكورد في عمليات الانفال. وبعد معرفة العائلة العربية بقصة حب ابنتهم للشاب الكوردي يتم تسفيرها الى خارج العراق، في الوقت الذي ينصرف فيه شيركو للقتال مع البيشمركة في الجبال.
أحداث فلم " زهرة كركوك"، انتاج عام 2010، تبدأ بعودة الطبيبة الشابة نجلاء من اوربا إلى مدينتها كركوك بحثا عن حبيبها شيركو، الذي عاد هو الآخر للمدينة بصورة سرية لمساعدة رفاقه واهل مدينته طبياً.
تتعرض الطبيبة الشابة لشتى أنواع المخاطر والتهديدات وتخضع للتحقيقات الامنية المرعبة، ومع ذلك تتمكن من النجاة في مرات عدة بحكم علاقات عائلتها مع بعض المتنفذين في المدينة وقت ذاك، حتى تتمكن من العثور على حبيبها مسجونا في احدى المستشفيات وهو بين الحياة والموت، فتتمكن مع رفاقها من نقله من االمستشفى لمكان آمن، قبل ان تتم ملاحقتها لغرض القاء القبض عليها، لكنها تتمكن أخيرا من الافلات والهروب من االعراق. خلال ذلك تستعرض احداث فلم "زهرة كركوك"، اساليب التعذيب والملاحقات الامنية للكورد دون ان تستثني الاطفال والنساء والشيوخ للضغط عليهم لالقاء القبض على ابنائهم المقاتلين في البيشمركة.
وفي مشاهد صادمة ومؤثرة، هي اقرب للوثيقة، يسلط المخرج الضوء على مشاهد اعدام الفتية والشابات والشيوخ في احد معسكرات كركوك.
فلم" زهرة كركوك"، الذي شارك في مهرجانات عالمية وحصد العديد من الجوائز، يختتم أحداثه بعودة البطل، المقاتل الكوردي الى الحي الذي ولد وترعرع فيه بمدينة كركوك بعد تغيير النظام في 2003.
المفاجأة هنا هي ان جهة انتاج الفلم ايطالية والممثلة التي ادت دور نجلاء هي الفنانة التونسية الايطالية مرجانة علوي، الى جانب ايرتيم أيسر، ومحد زوواوي، مع محمد بكري. وقد اجادت مرجانة علوي التحدث باللغة الكوردية كون لغة الفلم بالكوردية.
طُبع كتاب علمي عن أفاعي كوردستان في ألمانيا، يكشف معلومات لافتة عن الأفاعي في مناطق مختلفة من كوردستان، ويقول أحد مؤلفي الكتاب إن هناك عدة أنواع من الأفاعي خاصة بكوردستان لا توجد في أي منطقة أخرى من العالم، ومن بينها "أفعى زاغروس المخططة".
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً