الباحث علاء المفرجي لرووداو: عرض فيلم "سعيد أفندي" في مهرجان "كان" علامة فارقة في تاريخ السينما العراقية

10-05-2025
معد فياض
معد فياض
الكلمات الدالة سعيد أفندي مهرجان كان السينمائي
A+ A-
رووداو ديجيتال 

في أزقة حي الحيدر خانة الشعبي الذي يتفرع عن شارع الرشيد بجانب الرصافة من بغداد، دارت أحداث الفيلم العراقي "سعيد أفندي" المقتبس عن قصة "شجار" للكاتب العراقي أدمون صبري، والذي أعده وأخرجه, كاميران حسني، وإبراهيم جلال, مساعد المخرج، عام 1957، وهو من بطولة رواد الدراما العراقية: يوسف العاني وجعفر السعدي وزينب وعبد الجبار عباس وعبد الواحد طه ويعقوب الأمين وفاطمة الربيعي.
 
"سعيد أفندي" يُعد من أوائل الأفلام الناجحة في تاريخ السينما العراقية وعرابها وكان قد ترشح لجائزة مهرجان موسكو السينمائي الدولي عام 1959. وتدور قصته في خمسينيات القرن الماضي، حول المعلم, سعيد أفندي, يوسف العاني، الذي ينتقل مع عائلته إلى منزل جديد في حي (الحيدر خانة) المتواضع ببغداد بعد أن أُجبر على إخلاء منزله السابق بأمر من المالك. في مسكنه الجديد، يواجه هذا المعلم تحديات اجتماعية مع جاره عبد الله الإسكافي، حيث تنشأ خلافات بين أبنائهما، مما يؤدي إلى تصاعد التوترات بينهما. ومع تفاقم هذه المشاكل، يجد سعيد نفسه أمام تحدٍ صعب: إما ترك المنزل والبحث عن سكن آخر، وهذا ما رفضه الجيران، أو تحقيق التوازن بين تربية أبنائه والحفاظ على علاقة جيدة مع جيرانه، دون اللجوء إلى العنف، وهذا ما اختاره.
 
فيلم "سعيد أفندي" اختير لتمثيل العراق رسميًا في الدورة الـ78 من مهرجان كان السينمائي الدولي، وهذا ما أعلنت عنه لجنة الحسن بن الهيثم للذاكرة العراقية المرئية في مكتب رئيس مجلس الوزراء, السيد محمد شياع السوداني، في بيان لها عن "اختيار فيلم (سعيد أفندي) الذي أنتج عام 1956، لتمثيل العراق رسميًا في الدورة الـ78 من مهرجان كان السينمائي الدولي، لسنة 2025، وذلك ضمن قسم (كان كلاسيك)". مضيفا "يأتي هذا الاختيار، الذي يعدّ الأول من نوعه في تاريخ السينما العراقية، ثمرةً لعمل مشروع (سينماتك) العراق الذي يعمل على إحياء التراث العراقي السينمائي ونقله إلى العالم من أوسع أبوابه، إذ جرى ترميم الفيلم بدقة عالية في المعهد الوطني للسمعي البصري الفرنسي، وتم حفظ النسخة المرممة من الفيلم لدى اللجنة، وهو من بين مجموعة من 104 أفلام روائية عراقية تتراوح تواريخ إنتاجها بين أربعينيات القرن الماضي والعقد الأول من الألفية الثانية، يعمل المشروع على حمايتها وترميمها بدعم من السفارة الفرنسية في العراق ووزارة الخارجية الفرنسية وتنفيذ Expertise France من خلال مشروع سينماتك العراق".
 
الباحث والناقد السينمائي العراقي، علاء المفرجي، قال لشبكة رووداو الإعلامية اليوم, السبت 10 أيار 2025، بمناسبة اختيار فيلم "سعيد أفندي" لمهرجان كان:
 
أن اختيار فيلم "سعيد أفندي" كأحد الأفلام التي يعاد ترميمها بجودة 4K في المعهد الوطني للسمعي البصري الفرنسي باستخدام النيغاتيف الأصلي للفيلم، ليعرض في مهرجان كان السينمائي في دورته التي تقام بعد أيام في قسم كان كلاسيك، كان اختيارًا موفقًا لأسباب عديدة منها أن: "الفيلم (سعيد أفندي) الذي أنتج عام 1957، وإخراج كاميران حسني، يُعد من أبرز الأعمال السينمائية العراقية التي جسدت الحياة البغدادية في الخمسينيات بأسلوب واقعي مؤثر، حيث استلهم المخرج, كاميران حسني أسلوب الواقعية الإيطالية الجديدة، إذ تم تصوير الفيلم في أزقة منطقة الحيدرخانة الشعبية ببغداد، دون استخدام ديكورات أو استوديوهات. هذا النهج أضفى مصداقية على الأحداث وجعلها أكثر قربًا من الواقع اليومي للمجتمع العراقي آنذاك".

 

 

وأردف: "ثانياً: سلط الضوء على حياة الأسر البغدادية الفقيرة، معبراً عن معاناتهم اليومية من فقر وجهل ومرض. استعرض شخصيات مثل السقا, بائع المرطبات، والإسكافي، مما أتاح للجمهور التعرف على الحياة الحقيقية في تلك الحقبة. وأيضا لأنه اعتمد على ممثلين غير محترفين، مما ساعد في تقديم أداء طبيعي وبسيط يعكس الحياة اليومية للمجتمع. هذا الخيار الفني أضاف عمقًا للمشاهد وجعلها أكثر تأثيرًا في المتلقي".

 
ونوه الباحث السينمائي, علاء المفرجي, إلى أن: "الميزة الأهم في هذا الفيلم أنه وثق لعادات وتقاليد بغدادية لم تعد موجودة، مثل مهن أبو الفَرارات, بائع المرطبات، والعربة التي تجرها الخيول, الرَبَل، التي كانت تستخدم بكثرة في بغداد. كما عرض مشاهد من الحياة اليومية كختان الأطفال، مما جعله مرجعًا ثقافيًا مهمًا لفهم تلك الفترة الزمنية".
 
وخلص بقوله: "لعل هذه الميزات تعد فيلم (سعيد أفندي) علامة فارقة في تاريخ السينما العراقية، حيث قدم صورة صادقة عن المجتمع البغدادي في الخمسينيات".
 
في حوار سابق لي، في منتصف الثمانينيات، مع الفنان, يوسف العاني، تحدث لي عن الظروف الصعبة التي رافقت إنتاج فيلم "سعيد أفندي"، قال: "كان المخرج, كاميران حسني قد أصر على تصوير مشاهد الفيلم في الأزقة الشعبية لمنطقة مزدحمة بالسكان (الحيدر خانة) لإعطاء الفيلم مسحة واقعية ورفض تصوير المشاهد داخل الاستوديو، وهذا تسبب بتجمهر السكان, نساء ورجال وأطفال حولنا والتسبب بهرج وضوضاء بل بتدخلهم بأحداث الفيلم خلال التصوير، كونهم يشاهدون مثل هذه التجربة للمرة الأولى بحياتهم وكانوا سعداء بعملية التصوير".
 
مضيفا "كما أشرك المخرج, ولأسباب مالية إنتاجية، بعض سكان الحي بأحداث الفيلم كمجاميع (كومبارس)، وكان هذا يحدث لهم للمرة الأولى، مثلاً هناك امرأة بسيطة دورها أن تجلس مع الآخرين في صالة انتظار المستوصف الطبي لتدخل إلى الطبيب، وتقول جملة واحدة، وقد أخبرها المخرج أن تقول جملتها البسيطة بعد أن يسعل أحد الممثلين، فانتظرت لكن الممثل لم يسعل، فصاحت قائلة (يلله عاد كح (اسعل))، ومثل هذه الأحداث تكررت مما كان يؤدي إلى توقف التصوير وتأخيره". منبها إلى أن: "إشراك هؤلاء في التمثيل أضفى مسحة شعبية واقعية للغاية على أحداث الفيلم وجعله إحدى أبرز ميزات نجاح الفيلم وقريبا من الجمهور".
 
يذكر ان مخرج فيلم "سعيد أفندي", كاميران حسني, كان قد ولد ببغداد سنة 1927، ثم اخرج فيلم "الغرفة رقم 7" وفيلم "مشروع زواج" قبل هجرته الى الولايات المتحدة التي توفي فيها عام 2004.
 
اما كاتب القصة, إدمون صبري, فقد ولد ببغداد عام 1921، لأسرة متوسطة الحال.
 
وعمل في الصحافة العراقية بضع سنوات قبل أن ينشر أولى قصصه بعنوان (ماكو شاغر) عام 1948 ونشر أول مجموعة قصصية عام 1952 بعنوان حصاد الدموع، لتتعاقب خلفها المسرحيات والقصص. نشر عام 1957 قصة (شجار) المأخوذ عنها فيلم "سعيد أفندي"، وأعقبها عام 1958، بقصة فيلم (من المسؤول).
 
وفي شباط 1963 تعرض إدمون صبري للاعتقال والفصل من وظيفته في البنك المركزي العراقي على يد السلطة الحاكمة، وتوقف عن النشر حتى عام 1967، حيث تناول تجربة "البطالة الإجبارية" التي فُرضت عليه وأمثاله في مسرحية بعنوان (أيام العطالة)، التي عُرضت لاحقاً على قاعة المسرح القومي في بغداد، بعد أن عاد إلى العمل في قسم الترجمة في وزارة الإعلام. وتوفي في 28 آذار عام 1975.

 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

غلاف الكتاب

صدور كتاب "أفاعي كوردستان" في ألمانيا

طُبع كتاب علمي عن أفاعي كوردستان في ألمانيا، يكشف معلومات لافتة عن الأفاعي في مناطق مختلفة من كوردستان، ويقول أحد مؤلفي الكتاب إن هناك عدة أنواع من الأفاعي خاصة بكوردستان لا توجد في أي منطقة أخرى من العالم، ومن بينها "أفعى زاغروس المخططة".