دون أن تودّع جمهورها.. إقبال نعيم تنسحب من المشهد الحياتي و"تطوي صفحة من صفحات الإبداع العراقي"

09-07-2025
معد فياض
معد فياض
الكلمات الدالة انتخابات المحافظات غير المنتظمة بإقليم
A+ A-
رووداو ديجيتال

خبر بسيط لكنه مؤثر تناقلته الفضائيات وصفحات التواصل الاجتماعي.. رحيل الفنانة المسرحية العراقية إقبال نعيم. الأوساط الثقافية العراقية فجعت بهذا الخبر صباح اليوم، الأربعاء (9 تموز 2025). المستشار الثقافي لرئيس الوزراء، الشاعر عارف الساعدي، كتب في رثائها: "برحيلها تُطوى صفحة من صفحات الإبداع والالتزام المهني والفني".
 
ونعتها نقابة الفنانين العراقيين، ووزير الثقافة أحمد فكاك البدراني، ومجلس النواب العراقي، والمئات من زملائها الفنانين والكتّاب والشعراء، كون رحيلها يشكّل غياباً لشخصية شغلت المسرح والسينما والتلفزيون العراقي، وخسارة فادحة للمسرح العراقي والعربي.
 
استغرقتُ وقتاً طويلاً لأستوعب الخبر الفاجع.. لأصدق ما أقرأه من نعي ورثاء برحيل الفنانة المسرحية المبدعة، الصديقة إقبال نعيم، التي كنت قد تعرفت عليها منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي. برزت منذ بواكير ظهورها مع فرقة المسرح الفني الحديث، في المسرحيات التي قُدِّمت على مسرح بغداد، وأبرزها وقت ذاك "بيت برنارد ألبا" للكاتب الإسباني فيديريكو غارثيا لوركا، وإخراج سامي عبد الحميد.
 
إقبال نعيم لم تكن مجرد فنانة مسرحية، فهي كاتبة ومخرجة وباحثة وناقدة، بل هي أكثر ممثلة قدّمت أدواراً إبداعية متميزة سيبقى الجمهور يتذكرها لعقود طويلة، في المسرح وكذلك في الدراما التلفزيونية والسينما، حيث كانت الأكثر جدارة في أداء الأدوار المعقدة بلا تكلّف أو تكلّف مصطنع.
 
وكلما احتاج أي مخرج مسرحي مبدع لممثلة تُجسّد شخصية استثنائية إبداعاً وتفسيراً وأداءً، استعان بإقبال نعيم، لأنها لا تقبل الأدوار السهلة، وكانت صعبة الإقناع بخطط إخراجية رتيبة، بل كانت تجادل وتبتكر وتفسّر الشخصية كي تكون بالفعل متميزة. هكذا كانت مع المخرج عوني كرومي في "ترنيمة الكرسي الهزاز"، أو مع المخرج صلاح القصب في "حفلة الماس"، أو في مسرحية "في أعالي الحب" للمخرج فاضل خليل. وهؤلاء هم، إضافة إلى المخرج المسرحي عزيز خيون، المبدعون الكبار والمتميزون في المسرح العراقي.
 
لها رصيد تجاوز 100 عمل مسرحي، وحصلت على جائزة أفضل ممثلة من المركز العراقي للمسرح عام 1985 عن مسرحية "الرهن"، وجائزة أفضل ممثلة في دور ثانٍ عن مسرحية "ألف أمنية وأمنية" عام 1987، كما أخرجت عدداً من الأعمال المسرحية.
 
لعبت إقبال نعيم بطولة أفلام سينمائية تقترب من الحس الشعبي والكوميديا، أدوار جعل أداؤها لها متميزاً في السينما العراقية، مثل: "العربة والحصان"، "6 على 6" (إخراج خيرية منصور)، و"حب في بغداد"، ولها الكثير من الأعمال التلفزيونية التي كانت تنتقيها بدقة.
 
ارتبطت إقبال نعيم بالفن المسرحي منذ طفولتها، ولم تكتفِ بدراستها المسرح في معهد الفنون الجميلة، بل واصلت دراستها في قسم المسرح بأكاديمية الفنون الجميلة بجامعة بغداد، ومن ثم حصلت على شهادة الدكتوراه في الفن المسرحي من الجامعة ذاتها عام 2010. ولم يكن سعيها الأكاديمي المخلص من أجل أن تحمل لقب "دكتورة" فحسب، بل لم تكن تهتم بهذا التفصيل بقدر اهتمامها المخلص بالبحث العلمي والعملي في عملها المسرحي الذي نذرت حياتها من أجله، وفي البحث والنقد ودراسة المسرح العراقي.
 
عملت الفنانة إقبال نعيم مع عدد من الفرق المسرحية العراقية المحلية، كالمسرح الفني الحديث والمسرح الشعبي، قبل انضمامها إلى الفرقة الوطنية (القومية) للتمثيل، فضلاً عن إخراجها للعديد من المسرحيات التي حازت من خلالها على جوائز هامة أثناء تمثيلها للعراق، سواء في المهرجانات المحلية أو العربية أو الدولية.
 
قدّمت الراحلة الكثير من الإنجازات للفنانين المسرحيين العراقيين وللمسرح العراقي خلال إدارتها كمدير عام لدائرة السينما والمسرح، وكانت متفهّمة لاحتياجاتهم واحتياجات المسرح العراقي.
 
وشهدت نقابة الفنانين العراقيين في بغداد، اليوم الأربعاء، حضوراً مميزاً لشخصيات فنية وثقافية وإعلامية، من كلا الجنسين، لتأبين الراحلة إقبال نعيم، وفي مقدمتهم المخرج البروفسور صلاح القصب والمخرج المسرحي عزيز خيون.
 
كتب الباحث والمخرج المسرحي كريم رشيد، الذي رافق مسيرتها الأكاديمية والفنية: "يا لهذا الصباح الحزين.. كيف لي أن أقول لك وداعاً، صديقة العمر ورفيقة المسرح.. زميلتي التي رافقتني كل سنوات الدراسة، منذ أن كنا صبياناً في معهد الفنون الجميلة حتى الدراسات العليا في جامعة بغداد. يداً بيد وقفنا معاً على منصات البحث والاكتشاف… د. إقبال نعيم."
 
إقبال نعيم، بكل بساطة، ظاهرة فنية ثقافية. هي ليست ممثلة ونقطة رأس سطر، بل كانت إنسانة طيبة واعية ومثقفة، تمتلك قلباً يزدحم بالمحبة والتسامح. ونستطيع هنا أن نكتب عنها الكثير، لكن هل هذا يكفي؟ فهذا ليس رثاءً برحيل فنانة قدّمت الكثير للإبداع العراقي، وضحّت بسنوات عمرها من أجل إمتاع الجمهور بزخم من الأعمال الفنية الرصينة، وشكّلت علامة مهمة في الثقافة العراقية.
 
إقبال نعيم تسلّلت فجأة، وفي غفلة من جمهورها الذي تابعها لعقود طويلة، لتغيب دون سابق إنذار.. هل كان هذا عرضاً مسرحياً متكاملاً، حيث انسحبت من المشهد الأخير، وتركت الجمهور ينتظر عودتها التي لن تتحقق؟

 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

التشكيلية زينب العاني

التشكيلية زينب العاني لرووداو: تميزت بأسلوبي في إنجاز اللوحة بالخيوط والألوان.. وتحديت المرض بالرسم

في طفولتها كانت ترسم كل شيء وعلى أي شيء بمجرد أن تتوفر لها الألوان.. ثم صارت ترسم على الورق والقماش والخشب والزجاج والصحون، أشكالًا مختلفة، ووجوهًا غريبة تشبه وجوه الدمى التي تزدحم بها غرفتها، لكنها تطورها، تمنحها مشاعر وحركة وحيوية.. في الحقيقة لم تعرف بحياتها أي شيء أكثر من الرسم، "فهو متنفسي" كما تقول.