رواية "ڤیان وولات" تُخلّد مأساة الأنفال في ملحمة حب ومقاومة

07-08-2025
بسام مصطفى
الكلمات الدالة ڤیان وولات الأنفال
A+ A-
رووداو ديجيتال 

في زمنٍ تتسارع فيه الأحداث وتكاد الذاكرة الجماعية أن تتآكل تحت وطأة الحاضر، يأتي الأدب ليؤدي دوره الأسمى: أن يكون حافظاً أميناً للحكايات الإنسانية، وشاهداً صلباً على آلام التاريخ وانتصارات الروح. ومن هذا المنطلق، يبرز عمل أدبي جديد للكاتبة الكوردية السورية أمل حسن، بعنوان "ڤیان وولات"، ليلقي الضوء على واحدة من أعمق جراح الذاكرة الكوردية والعراقية: كارثة الأنفال في منطقة بارزان.
 
فقد صدر حديثا عن مطبعة (گازی – Gazî) في إقليم كوردستان، العمل الجديد للكاتبة أمل حسن بعنوان "ڤیان وولات". 
 
تستلهم الرواية أحداثها من حملات الأنفال التي شنها النظام العراقي البائد في ثمانينيات القرن المنصرم، والتي استهدفت إبادة الشعب الكوردي. لكن الكاتبة أمل حسن تختار أن تروي هذه المأساة لا بلغة الأرقام والتوثيق الجاف، بل من خلال حكاية إنسانية نابضة بالحياة؛ حكاية عاشقين، "ڤیان" و"ولات"، جمعهما الحب وفرّق بينهما البطش والطغيان.
 
من صميم المأساة يولد الحب الخالد
 
تروي الكاتبة المأساة الكوردية والإنسانية من خلال بطلي روايتها التي عنونت عملها باسمهما: ڤیان وولات. ڤیان هي الحبيبة ويعني اسمها الإرادة والحب أما ولات (ولاط) فهو العاشق الولهان والمتيم بحب ڤیان ومعنى كلمة ولات هو الوطن.
 
يتوج العاشقان قصة غرامهما بالزواج أو الأصح محاولة الزواج التي تبقى في منتصف الطريق ولا تصل إلى مرامها أبداً. ولايخفى على أحد سيما بالعودة إلى التراث الكوردي والعالمي أن أغلب قصص العشق والغرام التي خُلدت هي تلك التي لم تكتمل وتركت وراءها وجعا وألما لاينضب مثل ملحمة مم وزين وفرهاد وشيرين وغيرها. ففي كل مرة كان لابد من وجود حاسد وحاقد و(بكوا عوان) ما يحارب العاشقين وحبهما ويعمل على وأد العلاقة بينهما وتفريقهما. 
 
وفي رواية أمل حسن، نرى كيف يقوم الطغاة والظالمين بقتل حلم العاشقين وإجهاض آمالهم وأمانيهم البسيطة في العيش بحرية وكرامة لا لشيء سوى أن الله خلقهم كوردا، ففي ليلة زفاف ڤیان وولات، تلك الليلة التي كان من المفترض أن تكون تتويجاً لحلمهما المشترك، يتحول الفرح إلى فاجعة. تقتحم قوات النظام البائد ساحة عرسهما، وتختطف العريس "ولات" مع آلاف الشباب البارزانيين الآخرين، لتلقي بهم في غياهب الصحارى البعيدة والمقابر الجماعية. تنجو "ڤیان" بجسدها، لكن روحها تبقى معلقة بذكرى "ولات" وكل من رحلوا. لا تتحول "ڤیان" إلى مجرد ضحية باكية، بل تصبح هي الذاكرة الحية، الشاهدة التي تحمل على عاتقها أمانة رواية ما حدث، وتتحول إلى صوت أولئك الذين أُسكتوا قسراً.
 
رواية الشهادة: ما بين التخييل والتوثيق
 
تنتمي رواية "ڤیان وولات" إلى ما يمكن تسميته بـ"أدب الشهادة"، حيث تمتزج الحقيقة التاريخية بالخيال الروائي لخلق أثر فني مؤثر وقوي. لا تسعى الكاتبة إلى إعادة سرد التاريخ بقدر ما تسعى إلى استنطاق الأبعاد الإنسانية الخفية وراء الأحداث الكبرى. من خلال شخصيتي " ڤیان " و"ولات"، تقدم لنا أمل حسن نموذجاً للحب الذي ينمو في أقسى الظروف، وحين يُجهض، يتحول إلى أيقونة للمقاومة والصمود.
 
ومن خلال المتابعة والتعمق في مضمون الكتاب والتبحر بين سطوره يخيل للمرء أن أمل حسن لم تكتب هذه الحكاية، بل هي التي كتبتها. لأن ڤیان وولات ليسا مجرد شخصيات في رواية، بل هما أصوات آلاف الأرواح التي صمتت إلى الأبد. وكانت مهمة الكاتبة فقط أن تصغي إليهم وتنقل شهاداتهم ضمن حياكة أدبية شيقة ومؤلمة. حيث تميز السرد بلغة شعرية تتنقل بين مشاهد الحب الرقيق والفقد الوحشي، مانحةً القارئ تجربة عاطفية عميقة تجعله شريكاً في المأساة والأمل الذي يولد من رحمها.
 
عالمية المأساة: عمل بثلاث لغات
 
من أبرز ما يميز هذا النتاج الأدبي هو صدوره بثلاث لغات في آن واحد: الكوردية، العربية، والألمانية. هذا الاختيار ليس عشوائياً، بل يحمل دلالات عميقة: فاللغة الكوردية هي لغة الضحايا، لغة الأرض والذاكرة الأصلية. من خلالها، تخاطب الكاتبة شعبها وتؤكد على أصالة الحكاية وانتمائها. واللغة العربية: هي لغة الدولة التي مارست القمع، ولكنها أيضاً لغة ملايين البشر في المنطقة. نشر الرواية بالعربية هو جسر للتواصل، وصرخة في وجه من يحاولون إنكار الجريمة أو تبريرها، ودعوة للذاكرة العربية المشتركة للاعتراف بهذا الجرح. أما اللغة الألمانية فهي نافذة لإيصال هذه الشهادة الإنسانية إلى العالم الأوسع. المانيا، التي تحتضن جالية كردية كبيرة من بينها مؤلفة العمل، تمثل رمزاً للغرب الذي تفاعل مع قضايا حقوق الإنسان، ونشر الرواية بالألمانية هو محاولة لجعل مأساة الأنفال جزءاً من الذاكرة الإنسانية العالمية.
 
بهذا، تتحول رواية "ڤیان وولات" من حكاية محلية إلى رسالة عالمية، مؤكدةً أن الطغيان، وإن استطاع تحطيم الأجساد، فإنه يعجز عن قتل الحكايات الخالدة التي تبقى منقوشة في ذاكرة الأرض والضمير الإنساني. إنه عمل أدبي ضروري، ليس فقط لفهم فداحة الماضي، بل أيضاً لتأكيد قيمة الحب والذاكرة كسلاح في وجه كل أشكال الظلم والإجحاف والاضطهاد.
 
الأنفال
 
تشكل حملات أو عمليات الأنفال سيئة الصيت وخاصة تلك التي استهدفت البارزانيين الخلفية التاريخية لرواية "ڤیان وولات"، ففي صفحات التاريخ المثقلة بالألم، تسجل أنفال البارزانيين كواحدة من أبشع الجرائم التي ارتكبها نظام استبدادي بحق شعب أعزل، لا لشيء إلا لأنهم كانوا كوردا وطالبوا بحقهم في الحياة والكرامة. ففي عام 1983 تم اعتقال أكثر من 8.000 رجل وشاب من الكورد البارزانيين، واقتيدوا إلى معسكرات اعتقال مؤقتة، ثم أُخذوا إلى صحاري جنوب العراق، حيث تم إعدامهم ودفنهم في مقابر جماعية لم يُكشف عن معظمها إلا بعد سقوط النظام عام 2003.
 
أمل حسن
 
الكاتبة والناشطة في مجال حقوق المرأة أمل حسن من مواليد قرية (بانى شكفتى) في ريف ديرك بغرب كوردستان (سوريا)، تكتب باللغتين الكوردية والعربية. بالإضافة إلى روايتها "ڤیان وولات"، لها عدة نتاجات منها "الشمس تشرق من بارزان"، و "كفاح المرأة الكوردية".

 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

صورة لمشهدين من المسلسل

تركيا.. جدل واسع بعد مشهد اعتبر مسيئاً لفلسطين في مسلسل

أثار مشهد من المسلسل التركي "المدينة البعيدة" (Uzak Şehir) موجة غضب عارمة في تركيا، وذلك بعد ظهور الممثلة غونجا جيلاسون وهي تلقي بملابسها قائلة: "سأرحل من هنا"، وهو ما اعتبره المشاهدون إشارة مقصودة إلى ألوان العلم الفلسطيني.