رووداو – أربيل
تحدث الكاتب والمخرج العراقي، حامد المالكي، عن مخاوف الكتاب في بلاده، كلما ضاقت دائرة الأمان على أقلامهم، إلى الدرجة التي أصبحت فيها الكتابة أشبه بالسير في حقل ألغام، وأن المجتمع العراقي يعاني من تدين مريض، وفق تعبيره.
ويسلط المالكي الضوء على "مئات الخطوط الحمراء" التي بات على الكتاب العراقيين عدم تجاوزها، وأبرز التحديات التي تواجه نصوصه، مشيراً إلى تحولات شهدها المجتمع المحلي، وأسباب تراجع الدراما العراقية عربياً.
التدين المريض
أول ما أشار إليه المالكي، خلال مقابلة صحفية، كان تحدياً أسماه الكاتب والمخرج العراقي بـ"التدين غير الواعي الذي انتشر في العراق".
وقال في هذا الصدد: "أقصد هؤلاء الذين يعتقدون أن الحقيقة فقط في دينهم أو مذهبهم مع رفضهم للآخر، وأخشى من تأثير هذا التدين المريض الذي سيطر على فئات واسعة، خاصةً بين الشباب".
واعتبر المالكي أن ثمة انعكاسات لـ "تراجع الحريات العامة أمام سطوة التدين غير الواعي"، وهو ما أثر على الكتاب في العراق بشكل عام.
وتابع المالكي أنه "قبل 2003 كان لدينا خط أحمر واحد نعرفه ولا نتجاوزه، الآن لدينا مئات الخطوط الحمراء التي لا نعرفها، والكارثة الكبرى أنها خطوط متقاطعة فأصبحت شبكة حمراء لا يمكن اختراقها. كل كلمة نكتبها نفكر بها ألف مرة".
واستشهد الكاتب والمخرج العراقي بأمثلة من أعماله، قائلاً: "في مسلسلي الأخير فكرت بأسماء الشخصيات السيئة كثيراً، خوفاً من أن أُسمي إحدى هذه الشخصيات باسم مقدس لدى طرف أو آخر، فاخترت أسماء حيادية".
وأبدى المالكي تحفظه على طبيعة الدعم الحكومي للفن بشكل عام في العراق، بقوله إن "الفن كان مدعوماً من الحكومات السابقة، إلا أن الحكومات الحالية لم تعد تدعمه. لا أعرف إن كان عن قصد أم غباء".
"الفندق" في رمضان
رغم تلك التحديات لا يخفي الكاتب العراقي ميله للمشاكسة في نصوصه، وهو ما ينطبق على عمله الجديد المقرر عرضه قريباً على إحدى القنوات الفضائية المحلية، مختصراً الحديث عن ذلك رغبة منه في "الإبقاء على عنصر المفاجأة".
وقال المالكي بشكل مقتضب: "مسلسلي القادم (الفندق) يتحدث عن حيرة وضياع الشباب العراقي وانسلاخ الشعور الوطني منهم، وأيضاً عن الشباب المتدينين تديناً مريضاً، وسيعرض في شهر رمضان المقبل".
وعن انعكاسات الأوضاع السياسية والاجتماعية على عملية الكتابة، ومسؤولية الكاتب يقول المالكي: "الوضع في العراق أحياناً محبط في الكتابة، وأحياناً أجد نفسي مسؤولاً تاريخياً عن توثيق ما مر به العراق".
ويستطرد المالكي بقوله: "لهذا كل أعمالي تتحدث عن العراق وما حصل فيه قبل الاحتلال الإنكليزي عام 1914 وحتى بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003 وما بعده".
وللكاتب والمخرج العراقي حامد المالكي عدة أعمال تلفزيونية وجدت طريقها إلى قلب الجمهور العراقي وذاكرته، ومنها "الدهانة" و"أبو طبر" و"فوبيا بغداد" و"الحب والسلام" و"سارة خاتون" وغيرها.
الدراما العراقية والسوق العربي
ويشير المالكي بفخر إلى أن مسلسله "سارة خاتون" تمكن من "كسر الحصار الفني أول مرة عام 2007 في قناة عربية، وعملي الثاني الحب والسلام عرض في قناة عربية أخرى أيضاً".
وأوضح أنه "بعد حرب العراق والكويت (غزو الكويت) عام 1990 صدر قرار بمقاطعة الفنون العراقية من قبل السوق الخليجي، وتلك المقاطعة أثرت سلباً وبشكل كبير على سوق الدراما العراقية".
ولفت المالكي إلى أن تلك المقاطعة نتج عنها "بحث الخليجيين عن بديل، وهنا تدخل السوريون ببضاعتهم وازدهرت، بالإضافة إلى تعزيز موقع الدراما المصرية على حساب الدراما العراقية".
من جهة أخرى، شخَّص المالكي أسباب داخلية بحتة وراء تراجع الدراما العراقية، قائلاً إن "هناك سبب آخر متمثل بافتقارنا للنجم، إذ عادة ترتبط الأعمال بنجومها، والممثل العراقي هو نجم لكن داخل بيئته فقط".
مع ذلك يلفت الكاتب والمخرج العراقي إلى أن "الشيء المفرح الآن، هو أن الغناء العراقي بات يسيطر على الساحة العربية رغم رداءة بعضه".
لا قصة واقعية بلا خيال
منتقلاً إلى تجربته الشخصية في كتابة النصوص، يتحدث المالكي بصراحة عن استعانته بعنصر الخيال في أغلب أعماله، وإن كانت مقتبسة من أحداث واقعية.
ويرى أن "الواقع لا يُكتب، ومن يكتب قصة واقعية بدون الخيال، سوف يفشل، مضيفاً أن "الخيال سيد اللعبة ولا بد من وجوده في الكتابة والرسم والموسيقى".
ويضيف: "لا بأس أن نأخذ قصة واقعية ونحيطها بالخيال كما فعلت في مسلسل (أبو طبر) وكنت قد درست سنتين كاملتين لواقع هذه الشخصية وبحثت عن الأدلة والوثائق وقابلت الضباط الذين تعاملوا معه".
و"أبو طبر" الذي تم عرضه عام 2011، يحكي قصة حقيقية واقعية حدثت في بغداد بين عامي 1973 و1974 وتدور حول شرطي سابق يقوم بعدة جرائم لا إنسانية من قتل واغتصاب وسرقة.
ويتابع المالكي قائلاً: "لكن حين كتبت عنه، كتبت عن (أبو طبر) خاصتي وبطلي في المسلسل، وكذلك الحال مع الشاعر (معروف) الرصافي (1875-1945) بالرغم من كوني قرأت له أكثر من 80 كتاباً قبل أن أشرع بالكتابة عنه".
اعتزال السياسة على مواقع التواصل الاجتماعي
من جهة أخرى، بين المالكي أسباب اعتزاله إبداء الآراء السياسية على مواقع التواصل الاجتماعي كما اعتاد أن يفعل سابقاً، بقوله: "وجدتُ أن كتاباتنا (على مواقع التواصل) لا جدوى منها وصوت اللصوص أقوى من صوت الثقافة في هذا البلد".
ومضى موضحاً: "يتم شتمي يومياً بسبب دعواتي لتحرير العقل وتحرير المرأة، وأدرك أن هذا المجتمع وقع في علة ويجب أن نقوم بإصلاحه".
وبدا المالكي محبطاً من تجربته في الاحتجاج الميداني وهو يختم حديثه بالقول: "شاركت في عدة تظاهرات واحتجاجات سابقاً، ولكن أصبح لدي شبه يقين أن الديمقراطية في مجتمعات العالم الثالث تعني: أنا أسرق وأنت تتظاهر وتحتج".
ويتفق كثير من النقاد والكتاب على أن المشهد الدرامي في العراق طرأت عليه عدة تحولات، وسجل تراجعاً ملحوظاً على الساحة العربية بعد أن كان يحتل في السبعينيات والثمانينيات المرتبة الثالثة بعد مصر وسوريا.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً