فيلم"عازف البيانو" فضح لبشاعة جرائم النازية ضد الانسانية من خلال قصة حياة موسيقار بولندي

05-09-2023
معد فياض
الكلمات الدالة الهلوكوست النازية بولندا
A+ A-
معد فياض

يختلف فيلم (عازف البيانو) The Pianist، المنتج عام 2002، والذي يعرض حالياً على منصة نيتفليكس "Netflix" عن بقية الأفلام التي تناولت جرائم النازية ضد البشرية، اليهود خاصة، رغم كثرة الافلام التي تناولت قصص الهلكوست، فهو لم يتناول هذه القضية من وجهة نظر سياسية او دعائية، بل يحكي قصة واقعية كتبها بطلها الحقيقي. 
 
الفيلم الذي أخرجه رومان بولانيسكي وسيناريو رونالد هاورد، وبطولة أدريان برودي الذي نال جائزة الاوسكار كافضل ممثل عن دوره في هذا الفيلم، الى جانب: فرانك فينلي، مورين ليبمان، إميليا فوكس، إد ستوبارد، جوليا راينر وجيسيكا كيت ماير، اعتمادا على كتاب يحمل نفس الاسم كتبه عازف البيانو البولندي اليهودي فلاديسلاف شبيلمان. وكانت كلفة الانتاج 35 مليون دولار، لكنه حصد في شباك التذاكر اكثر من 120 مليون دولار.
 
تستهل احداث فيلم "عازف البيانو" في سبتمبر من عام 1939، المكان العاصمة البولندية وارسو التي كانت حتى ذلك الوقت تعيش بسلام، ونشاهد عازف البيانو فلاديسلاف شبيلمان، البولندي الجنسية اليهودي الديانة، وهو يعزف في محطة الإذاعة البولندية مقطوعة لشوبان، فجأة تتعرض الاذاعة  للقصف بقنابل القوات الالمانية النازية وتتهدم اجزاء كثيرة منها وسط ذهول عازف البيانو وبقية العاملين. كان ذلك ايذانا باشتعال الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك فان شبيلمان وعائلته، والدته ووالده وشقيقتيه وشقيقه الاصغر، يحدوهم الامل وهم يصغون للانباء عبر جهاز الراديو في شقتهم شبه المترفة، بانتصار سريع لبريطانيا وفرنسا اللتان اعلنتا دخول الحرب ضد المانيا، ولكن الوقت كان متاخرا بالنسبة لهذا الانتصارحيث كان الجيش الألماني قد  هَزَمَ بولندا وأحتل العاصمة وارسو. هنا تفكر العائلة بالهروب من وارسو، الا ان شبيلمان يرفض بشدة، بل ان فرصة الهروب ذاتها ضاقت عليهم تماماً ولم تعد ممكنة.

 

 
كانت هذه البداية لتدهور ظروف المعيشة لليهود في بولندا، حيث حددت لهم السلطات النازية مبلغا زهيدا من اموالهم للتصرف بها، ثم أُجْبرُوا على وضع شارة نجمة داوود على الذراع. وبحلول نوفمبر 1940، أُجبر شبيلمان وعائلته على مغادرة منزلهم إلى حي (غيتو) وارسو اليهودي المعزول والمزدحم، حيث تزداد الظروف سوءا. الناس يتضورون جوعاً، وحراس القوات الخاصة وحشيون، والأطفال الجائعون متروكون، والجثث في كل مكان. في إحدى المرات، شاهد أفراد عائلة شبيلمان، قوات الأمن الالمانية الخاصة تقتل عائلة يهودية بأكملها في شقة عبر الشارع خلال جولة، بما في ذلك إلقاء رجل مقعد على كرسي متحرك من البالكون. وفي مناسبة أخرى، شاهد شبيلمان أحد حراس قوات الأمن الخاصة يعذب صبيا صغيرا حتى الموت خلف جدار بينما كان يتجول في الحي اليهودي.

 

 
في 16 أغسطس 1942، كان شبيلمان وعائلته على وشك أن يتم نقلهم بواسطة القطار إلى معسكر الإبادة في تريبلينكا كجزء من عملية راينهارد. لكن شخص يهودي في شرطة الغيتو اليهودية يتعرف عليه، ويفصله عن عائلته وينقذه من موت محقق. سيصبح  شبيلمان عاملا بالسخرة لدى القوات الالمانية، وقتذاك يعلم بوجود ثورة يهودية قادمة، ويقوم بمساعدة المقاومة البولندية من خلال تهريب الأسلحة إلى الحي اليهودي وذلك برمي المسدسات وغيرها من فوق جدار الغيتو(الحي) اليهودي، وفي إحدى المرات يتجنب بصعوبة حارسا المانيا كاد ان يلقي القبض عليه وهو يخبأ قطع السلاح في شوال للحبوب. تمكن شبيلمان في النهاية من الفرار، واختبأ بمساعدة صديق غير يهودي، أندريه بوغوكي، وزوجته جانينا التي تعرف عليها مع بداية الحرب، وهي شقيقة صديق له ومعجبة به كعازف بيانو.
 
في إبريل 1943 بدأت الانتفاضة البولندية منطلقة من الحي اليهودي (الغيتو) الذي كان يسكنه شبيلمان مع عائلته، وهو الان يراقب هجوما لافراد المقاومة على قوة عسكرية المانية من خلال نافذة الشقة التي يختبأ بها والمقابلة لجدار الحي، لكن هذا الهجوم سرعان ما يفشل ويسقط افراد المقاومة قتلى باسلحة القوات الالمانية المتطورة مقابل بساطة اسلحة المقاومين. بعد عام من اختبائه في هذه الشقة التي وفرها له احد اصدقائه، من غير اليهود، تكتشف احدى جاراته وجوده وتنوي البلاغ عنه، لكنه سرعان ما يهرب الى شقة اخرى هيأها له احد افراد المقاومة، والذي يخبره بانه سوف يغلق عليه باب الشقة من الخارج بقفل كي تبدو مهجورة ولا احد يشك بوجوده بداخلها على امل ان يزوره في اليوم التالي، لكنه لم يأتي لنكتشف فيما بعد بانه قُتل على ايدي النازيين، فيبقى شبيلمان سجينا في هذه الشقة التي تقع قبالة مقر للشرطة السرية الالمانية ومركز صحي وقد اختير موقعها هذا كي لا تثير الشبهات. يجد شبيلمان آلة بيانو في المخبأ الجديد لكنه لا يستطيع لمس مفاتيحها خشية ان يفتضح امر وجوده.  وبسبب شحة الماء والطعام يعاني من مرض الصفراء (اليرقان). يزوره صديقه أندريه بوغوكي، وزوجته جانينا لآخر مرة ويقدمان له القليل من الطعام والماء ويتماثل للشفاء ويخبراه بأن هذه زيارتهم الاخيرة له.

 

 
في أغسطس 1944، تهاجم المقاومة البولندية والجيش المحلي البولندي، وأثناء انتفاضة وارسو، مبنى الشرطة السرية الالمانية الذي يقع عبر الشارع من مخبأ شبيلمان. وتصيب قذائف دبابة من طراز بانزر 4 الشقة التي يختبأ فيها وتحرره منها وتجبره على الفرار. على مدار الأشهر التالية، دمرت وارسو كلها تقريبا. يجد شبيلمان نفسه وحيدا ومتعبا باحثا عن الطعام في القمامة، وفي النهاية يشق طريقه إلى منزل حيث وجد علبة من الخيار المخلل. أثناء محاولته فتحها، يلاحظه الضابط الماني، الفيرماخت ويلم هوسنفيلد، الذي سيعرف أنه عازف بيانو، فيطلب منه العزف على بيانو كبير في المنزل. تمكن شبيلمان المتهالك من التعب من عزف  ثلاث مقاطع خفيفة  لشوبان، Chopin's Ballade، يعجب به الضابط الالماني، هوسنفيلد، ويسمح له بالاختباء في علية المنزل الفارغ، لا سيما انه يعرف ان الحرب شارفت على الانتهاء بهزيمة الجيش الالماني امام تصاعد هجمات قوات الحلفاء والمقاومة البولندية في وارسو، ويحضر له الطعام بانتظام.
 
قبل انسحاب القوات الالمانية امام هجوم الجيش الأحمر (السوفيتي) في يناير 1945، يلتقي الضابط الالماني، هوزنفيلد، العازف شبيلمان لأخر مرة ويعده أن يستمع إليه في محطة الإذاعة البولندية، ثم يعطي له معطفه العسكري السميك، وعليه رتيبته العسكرية، لكي يبقيه دافئا ومضى، هذا المعطف كاد أن يقتل شبيلمان عندما أطلق الجنود الروس عليه النار ظناً منهم أنه ألمانياً، إلا أنهم أدركوا أنه بولنديا.
 

 
في مكان آخر، نشاهد السجناء السابقون في معسكر الاعتقال النازي بعد تحريرهم وهم يمرون على العسكريين الألمان الأسرى ، فيعتدون عليهم بالألفاظ فقط، ومنهم سجين بولندي سابق يصرخ بوجه الاسرى الألمان قائلا انه "كنت مجرد عازفا للكمان ومع ذلك سٌجنت وتم تعذيبي في معسكرات النازيين"، ويُرى الضابط الالماني، هوزنفيلد، مع الأسرى ويسأل عازف الكمان إذا كان يعرف شبيلمان، فأكد له العازف ذلك، فطلب منه أن يطلب من شبيلمان أن يرد له المعروف ويساعده إن استطاع.
 
لاحقا يأتي عازف الكمان مع شبيلمان لموقع الأسرى ولكنهما لم يجدا شيئا غير حقل عشبي، وسنعرف ان الضابط الألمانى توفي في معسكر سوفيتى سنة 1952.
 
يختتم فيلم "عازف البيانو"، أحداثه المثيرة بمشهد لشبيلمان وهو يعزف في قاعة كبيرة ومترفة مع الأوركسترا البولندية مقطوعة (رقصة البوليزي الكبرى) لشوبان في حضور جمهور كبير وراقٍ. السبتايتل الذي يظهر على الشاشة يعلمنا بان شبيلمان تُوفي عام 2000 عن عمر يناهز الثمانية والثمانين.
 
ان اهمية فيلم "عازف البيانو"، بالاضافة الى كونه رائعاً من حيث القصة والسيناريو والإخراج والتمثيل والموسيقى والتصوير، تكمن في مصداقيته كوثيقة سينمائية بسبب كتابة القصة من قبل البطل نفسه، فلاديسلاف شبيلمان، والمخرج الرائع والذائع الصيت، رومان بولانسكي نفسه هو أحد الناجين من الهولوكوست، بينما راحت امه ضحية المحرقة وقد انقذه والده عندما اخذه وقذف به خارج الأسلاك الشائكة وفرا من المعسكر النازي، كان يتجول في كراكوف ووارسو، وهو طفل خائف، وقد آوته احدى العوائل المسيحية ووضعته في اسطبل المزرعة خوفا عليه. إن بقاءه (وبقاء والده) بصورة عشوائية إلى حد ما مثل بقاء شبيلمان، ولهذا السبب كان منجذبا إلى هذه القصة لتشابه احداث ومقدرات حياتهما، مؤلف القصة ومخرج الفيلم.
 

 

 

لقد قام المخرج البولندي الأصل رومان بولانيسكي بتمويل الفيلم بالكامل، إضافة إلى إثنين من الشركاء. وتم تصوير مشاهده في بولندا وبريطانيا وألمانيا. ومن الجدير بالذكر أن أطلال البنايات التي تظهر في نهاية الفلم هي أصلية ولم تعالج سينمائيا، وتعود إلى بنايات قديمة كانت تابعة للجيش الأحمر السوفيتي في بولوندا وارتأى المخرج أن يتم تهديم بعضا من البيوت المجاورة لها لكي يبدو المشهد كاملا.
 
تم عرض فيلم "عازف البيانو" لأول مرة في مهرجان كان السينمائي في 24 مايو 2002، حيث فاز بالسعفة الذهبية، وتم إطلاقه على نطاق واسع في سبتمبر من ذات العام. تلقى الفيلم اشادة من النقاد على نطاق واسع، حيث أشاد النقاد بتوجيه بولانسكي وأداء الممثل برودي وسيناريو هاروود.
 
في حفل توزيع جوائز الأوسكار الخامس والسبعين، فاز الفيلم بجائزة أفضل مخرج (بولانسكي)، وأفضل سيناريو مقتبس (هاروود)، وأفضل ممثل (برودي)، وتم ترشيحه لأربعة جوائز اخرى، بما في ذلك أفضل فيلم. كما فاز بجائزة BAFTA لأفضل فيلم وجائزة BAFTA لأفضل إخراج في عام 2003، وسبعة جوائز سيزار الفرنسية، بما في ذلك أفضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل ممثل لبرودي. وتم تضمينه في قائمة أعظم 100 فيلم من إنتاج (بي بي سي) في القرن الحادي والعشرين في عام 2016.

 

 
نتذكر هنا الفيلم الاميركي (قائمة شندلر) Schindler's List‏ انتاج عام 1993، وهو من إخراج الرائع ستيفن سبيلبرغ استنادا إلى كتاب بذات العنوان ( قائمة شندلر) ويعرف أيضاً باسم (فـُلك شندلر) للكاتب توماس كينلي. والذي يُعد هو الآخر من الافلام التي وثقت، واعتمادا على قصة واقعية، جرائم النازية ضد الانسانية. ويحكي الفيلم قصة أوسكار شندلر وهو صناعي ألماني مسيحي أنقذ 1100 يهودي بولندي من القتل في المحرقة (الهولوكوست) إبان الحرب العالمية الثانية. وحاز فيلم (قائمة شندلر) على سبع جوائز أوسكار من أصل اثني عشر ترشيحاً، واحتل المرتبة التاسعة ضمن قائمة المعهد السينمائي الأميركي لأفضل مائة فيلم على مر العصور واحتل المرتبة السادسة لتقييم إنترنت موفي داتابيز لأفضل 250 فلم على مر التاريخ.
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

فيلم البابوان

حياة البابا فرنسيس وأسرار الفاتيكان ومجتمع الكرادلة في أفلام روائية ووثائقية

لم تُنتج افلام ولم تُكتب روايات مثلما انتج وكتب عن البابا فرنسيس الذي رحل يوم 21 نيسان الجاري، وعن الفاتيكان خلال فترته، وخاصة تناول تفاصيل خلافة البابا ومجمع الكرادلة وتفاصيل اختيار البابا الجديد، وما يحدث من لقاءات ومؤامرات واتفاقات خلال هذه الاحداث.