فلم "المفاجأة" يفضح زيف العلاقات الانسانية

02-04-2022
معد فياض
معد فياض
الكلمات الدالة فلم المفاجأة
A+ A-
 
رووداو ديجيتال

ربما ستمر على قائمة اسماء الافلام على شاشة نيتفليكس دون ان تنتبه لهذا الفلم، “Windfall”، مثلما حدث معي، بسبب تصنيفه "دراما، جريمة وإثارة"، ومسموح مشاهدته لجميع الاعمار، وما ان شاهدت بعض لقطاته حتى مضيت معه حتى نهايته (ساعة و32 دقيقة)، مع ان ايقاعه بطيء لا يتناسب مع تصنيفه كفلم إثارة، لكن المخرج شارلي ماكدويل، عرف كيف يشد المشاهد ويوقعه في فخ انتظار النهاية غير المتوقعة، لهذا اقترح ان تتمتع بالقليل من الصبر لتواصل متابعة احداثه التي تعبر عن عنوان الفلم (المفاجأة) أو (حدث غير متوقع).
 
فلم  Windfall، انتاج 2022، والذي يعرض حاليا على شاشة نيتفليكس حاليا، كتبه كل من: جوستين لادر، أندرو كيفن والكر، وأدى ادواره: جيسون سيجل، بدور المتطفل او اللص، وليلي كولينز (الزوجة)، وهي بالمناسبة زوجة المخرج شارلي ماكدول، وجيسي بليمونز (الزوج)، وعمر ليفا، الفلاح المكسيكي الذي يحظى بظهور بسيط، لكنه مؤثر، في الفلم.
 
في اعتقادي ان قصة وسيناريو الفلم تصلح لان تكون مسرحية اكثر منها فلما، ويمكن تجسيدها على المسرح، لقلة عدد شخوصها الرئيسيين، ثلاثة ممثلين، ولمحدودية مكان الحدث، وإن كان المخرج حاول ان يتوسع بحركة الكاميرا، البطيئة، وهو يصور الشخوص بين اشجار مزرعة البرتقال الواسعة خلال مطاردة اللص للزوج والزوجة، التي يفترض انها في مكان ما من كاليفورنيا التي يمتلكها الزوج، اذ تم تصوير فيلم Windfall في أوجاي، عام 2020 ليس بعيداً عن المكان الذي صور فيه ماكدويل فلمه عام 2014  "The One I Love".
 
المشاهد الاستهلالية البطيئة للفلم تظهر لنا شخصاً، طويل القامة، متزناً، لا يبدو عليه انه مجرم، لص او قاتل، يجلس قبالة مسبح المنزل الريفي المترف للغاية، وهو يشرب ببطء كأس عصير برتقال، على اننا لا نستطيع ان نخمن بأن هذا الشخص الذي يتجول في ارجاء المنزل بحرية تامة، بأنه متطفل، بل الحدث يوحي لنا بأنه ربما صاحب المزرعة او ضيفه، حتى يبدأ بالبحث، وباسترخاء، في ادراج المكتب ليعثر على ساعة روليكس ثمينة وبضعة الاف من الدولارات ومسدس شخصي، ليستولي عليها كلها ويهم بالخروج، ونلاحظ ان السيناريو تعمد بأن يكرر المتطفل شد رباط حذائه بين فترة واخرى، وستكون لهذه الحركة المتكررة دلالتها في نهاية الاحداث، لكن سيناريو الفلم يفاجئنا بوصول الزوج، جيسي بيلمونز، الملياردير المتخصص في التقنيات الرقمية والخوارزميات، وزوجته، ليلي كولينز، حيث يذهب الزوج مباشرة الى غرفة النوم لوضع الحقائب، بينما تتفقد الزوجة موجودات الثلاجة وهي تتحدث مع زوجها الذي ينهرها بأن لا تعلي صوتها "قلنا لا نريد صراخاً في المنزل" مع انها لم تصرخ، وهذه بداية لكشف العلاقة والتعامل بين الزوج الكريه وزوجته التي ترتسم على وجهها علامات السأم والبغضاء.
 
سيناريو الفلم عبارة عن مجموعة متسلسلة من المفاجآت وإن كانت بطيئة، والمخرج تعمد هذه الرتابة في الحركة، لكنه في ذات الوقت شد المشاهد للمتابعة والترقب لما سيجري لاحقا دون ان يفضح عن المجريات القادمة، فعندما تهم الزوجة بالتوجه الى غرفة النوم يصدمها وجود المتطفل، او اللص الذي يشير عليها بحركة من كفه بأن تصمت، يعود الزوج الى المطبخ ليتفاجأ بزوجته موثوقة الساقين على الكرسي في صالة الجلوس والى جانبها اللص وبيده المسدس ليأمره بالجلوس. 
 
يساوم الزوج اللص بمنحه المال الذي يريده والمخبأ في احد خفايا المكتب، فيخبره اللص بانه وجد ساعة الروليكس وبضعة الاف من الدولارات، لكن الزوج يخبره بأن هناك المزيد من المال، وبالفعل يقوده الى المكتب ليجد ثمة بضعة الاف من الدولارات محفوظة في مكان آمن لاغراض الطوارئ. عندما يحصي اللص ما اصبح معه من المال يجدها خمسة الاف دولار وساعة روليكس، فيرضى بنصيبه ويحجز الزوج وزوجته في غرفة الساونا بحديقة المنزل ويهم بالفرار متجاوزاً سياج المزرعة، وما ان يصعد سيارته لقيادتها بعيدا حتى يكتشف وجود كاميرا مراقبة مثبتة على جذع شجرة قبالته، وهذه ايضا احدى مفاجآت الفلم المتلاحقة.

 

 
بالتأكيد عند عودة اللص الى منزل الزوجين في محاولة لمعالجة موضوع الكاميرا، يجدهما خارج غرفة الساونا، وهنا تجري ملاحقة بوليسية للزوجين بين اشجار البرتقال، وهي محاولة من المخرج، ماكدويل، لكسر رتابة الاحداث واضفاء طابع الاثارة والانتقال من محدودية المشهد، المكان، والخروج من البيت الذي تنحصر غالبية مشاهد الفلم فيه، وبعد مطاردة قصيرة يتمكن من القبض على الزوج وإجبار الزوجة بالالتحاق بهما.
 
خلال جلوسهما في ركن من المزرعة يكتشف اللص ثمة بقايا وشم (تاتو) ممحي على ظاهر قدمي الزوجة، فيسألها عنه، لترد عليه بأنه وشم قديم لم يعجبها ومحته، ويتدخل الزوج قائلا، بانه كان وشماً قبيحاً، ومن خلال نظرات الزوجة نكتشف بأنها كانت مجبرة على ازالة الوشم بأمر من زوجها وبدون قناعتها، كما سنكتشف بأنها تدير جمعية خيرية لمساعدة المحتاجين، ويبدي الزوج ملاحظة سمجة مفادها بانها تستغله ماليا لتمويل الجمعية. لكن مشكلة اللص الان هي ليس الوشم او الخمسة الاف دولار وساعة الروليكس، بل كاميرا المراقبة التي التقطت وجهه وسيارته ولوحة ارقامها، وهذا يعني انه من السهل جدا القاء القبض عليه، وبالرغم من تأكيدات الزوج بعدم وضعه اية كاميرا مراقبة خارج او داخل المزرعة، الا ان اللص يفرض عليه دفع مائة الف دولار ليترك المدينة ويغادر الى مكان آخر، لكن الزوجان يسخران من قيمة المبلغ البسيط الذي طلبه اللص كونه لا يفي بالغرض ويقترحان عليه زيادة الرقم، ولا ندري ما الهدف من هذه المبادرة، وفي اعتقادي بأنها مساومة كي تزيد من ثقة اللص بهما، او إطالة مدة التفاوض حتى يجدان فرصة للتخلص منه، فيتم الاتفاق على نصف مليون دولار، ستصلهم في مساء اليوم التالي حسب اتصال الزوج مع سكرتيرته عبر الانترنت.
 
يكشف سيناريو فلم  Windfall، او (المفاجأة) عن  طبيعة العلاقة المتوترة وغير المفضوحة بين الزوجة وزوجها، وكذلك عن القيم الاخلاقية للزوج عندما يطلب منها التودد للص ليلاً لمعرفة المزيد من المعلومات عنه وماذا سيفعل بالنصف مليون دولار، وهنا تتفاجأ الزوجة من هذا الطلب اللااخلاقي، لكنها ستخضع له بسبب اصرار الزوج الذي سينام في غرفة وزوجته في واحدة اخرى، بينما اللص يبقى سهراناً امام النار في الحديقة، تتسلل الزوجة، وتجالس اللص في محاولة لمعرفة بعض المعلومات، لكنها تكتشف ان هذا المتطفل ليس لصاً او مجرماً بل ساقته الظروف الى منزل المزرعة، لهذا تعود الى سريرها وهي تشعر بالاسف.
 
يقود القدر الفلاح المكسيكي (عمر ليفا) المسؤول عن المزرعة الى مسرح الاحداث، ليقترح زراعة شجرة بلوط كبيرة قريباً من المنزل ويطلب موافقة وتوقيع الزوج على المخطط ليباشر عمله، لكن اللص يكتشف ان الزوج كتب بدلاً من توقيعه "اتصل بالشرطة"، وتلوم الزوجة زوجها لانه اقحم الفلاح المسكين بالمشكلة التي ادت الى موته وهو يحاول الفرار عبر الباب متاثراً بجراح سببتها شظايا الزجاج، عند ذاك يقرر اللص تقييد يدي وساقي الزوجين وهما متباعدين في غرفة المعيشة.
 
قبل وصول الاموال يكشف اللص بانه كان احد الموظفين الذين تم طردهم من شركة الزوج، ويقول له: "لماذا انت تملك كل هذا وانا لا املك اي شيء.انا جئت هنا لأتعرف على طريقة حياتك ومعيشتك ولم يكن في تخطيطي سرقتك، بل اني كنت في طريقي للمغادرة قبل وصولكما"، ويأتي رد الزوج واقعياً رغم قسوته "ليس من حقك ان تاخذ اموال غيرك التي لم تتعب من اجلها"، وتشعر الزوجة بان هذه الملاحظة تعنيها ايضا. تصل حقيبة الاموال مساء وتخرج الزوجة لايصالها الى اللص، قبل ذلك تفتح الحقيبة وتتلمس الاوراق المالية، تذهب الى باب الحديقة لتفاجأ ان السكرتيرة تركت المكان، هنا نكتشف ان الزوجة فكرت بالهروب، لكن ليست هناك اية وسيلة تبعدها عن المكان فتعود بالحقيبة الى اللص الذي يكبل ساقيها من جديد. وبينما يوجه اللص حديثه للزوج في ركن بعيد عنها ويتهمه بأنه "مقرف ومكروه ولئيم"، تستغل الفرصة وتقطع الوثاق بشظية من زجاج الباب الذي قتل الفلاح.
 
لا تبدو السعادة على وجه اللص وهو يغادر حاملا حقيبة تضم نصف مليون دولار، تقول له الزوجة "كان زهرة.. التاتو (الوشم) كان زهرة، وكنت احبها" لا يبدي اللص اي اهتمام للملاحظة عن الوشم الممحي.

 

 
المفاجأة الاخيرة في فلم Windfall تستحق المشاهدة اذ سوف تكشف عن الجوهر الحقيقي للزوجة وتراكم الحقد الذي تكنه لزوجها الذي سيطر على حياتها وصادرمشاعرها، فعندما يغادر اللص وهو يحمل حقيبة النصف مليون دولار، دون ان تبدو عليه مشاعر السعادة كونه تورط في احداث لم يكن مخطط لها وما كانت يجب ان تحدث، الذي تحول الى قاتل او تسبب بقتل الفلاح المكسيكي، يقرفص  ليضبط شد رباط حذائه، تنهال عليه الزوجة بمنحوتة من المرمر الابيض، كانت الكاميرا قد مرت عليها دون تركيز في بداية احداث الفلم، وتهشم رأسه بضربتين متتاليتين، وتأخذ المسدس، وهذا ما يُشعر الزوج بالسعادة وهو يطلق ضحكة عالية لاقدام زوجته على قتل اللص، هنا تحولت الزوجة الهادئة التي تدير منظمة خيرية الى مجرمة، لكن هذه الضحكة سرعان ما تصمت الى الابد بعد ان توجه له، الزوجة، ثلاث رصاصات قاتلة وتعيد المسدس الى يد اللص القتيل.
 
الفلم لا ينتمي الى اساليب الاثارة بايقاعه او حركته ولا حتى بحبكة السيناريو، بل يمكن تصنيفه كدراما اجتماعية، او فلم جريمة، فالسيناريو تعمد بكشف زيف العلاقات بين الزوجة وزوجها، وحلت الكراهية بينهما عندما اتيحت الفرصة باظهار المشاعر الحقيقية، وكيف ان المال يغير النفوس من معدنها الطيب الى الخبيث، فالمتطفل لم يكن يفكر بالسرقة ولا بالقتل، بل لازعاج الملياردير الذي طرده من عمله، لكنه يستجيب لغواية الزوجين بقبول مبلغ لم يكن ليحلم به، نصف مليون دولار، لتتغير خططه البريئة الى فعل اجرامي. 
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب