معد فياض
أعلنت منصة نيتفليكس Netflix عن انتاج الجزء الخامس من المسلسل التلفزيوني الاسرائيلي (فوضى) الذي بدأ بث حلقات جزئه الاول في 2 ديسمبر عام 2016 باللغات العربية والعبرية والانجليزية، وبثت الجزء الرابع في نهاية العام الماضي 2022، بواقع 48 حلقة.
المنصة، نيتفليكس، لم تدرج اية معلومات عن تفاصيل الجزء الخامس من المسلسل بعد ان انتهى الجزء الرابع باصابة اعضاء فرقة التدخل السريع الاسرائيلية "مستعرب"، والتي اختتمها بطل العمل، ليثور راز، وهو احد مؤلفي العمل، بتلاوة سورة الحمد، ومقاطع من التوراة والانجيل، في إشارة الى ان الأديان مصدرها واحد مهما كان الصراع بين اتباعها.
ويشارك الممثل ليثور راز في تأليف المسلسل مع آفي يساخاروف، وهو صحافي مقربٌ من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ويقدمان معا شخصية دورن لتكون أسطورية تجعل الجميع يتعاطفون معه. وتعني كلمة "فوضى" التي تحمل اسم المسلسل شفرة بين أفراد العمليات الخاصة تشير إلى أي عملية تخرج عن مسارها طلبا للتدخل العسكري المفتوح.
ولعب بطولة مسلسل فوضى، اضافة الى ليثور زار، كل من:عساف بايزر، ايتسيك كوهين، موشيه زوندر، ميشال افيرام، آفي إيساشاروف، شادي مرعي،هشام سليم و لايتيتيا عيدو، نيتا جارتي، رونا شمعون، فراس نصار، تساهي هاليفي، دورون بن ديفيد، ياكوف زادة دانيال ورائدة أدون، اضافة الى ممثلات وممثلين عرب ادو ادوار شخصيات فلسطينية تظهر في بعض الحلقات ثم تغيب حسب مجريات الاحداث.
دارت احداث الاجزاء الثلاث داخل اسرائيل وفي الضفة الغربية، غزة خاصة، ثم توسعت جغرافيتها لتشمل بروكسل وبيروت ومنطقة نفوذ حزب الله في الضاحية الجنوبية بلبنان وطرابلس.
المسلسل، وباختصار، يجسد الصراع الاسرائيلي الفلسطيني من وجهة نظر اسرائيلية بالتاكيد، وان حاول منتجوه ان يظهروه محايدا، الا ان الانحيازه لاسرائيل واضحا، مثلما تنحاز اية دولة في انتاج عمل سينمائي او تلفزيوني ليناقش قضية ما، فهل نتوقع مثلا من السينما الاميركية الانحياز للافغان عندما سلمت قواتها افغانستان وشعبها لحركة طالبان؟. ولم يتعامل المسلسل مع موضوع عدالة او عدم عدالة تعامل الدولة اليهودية مع عموم الفلسطينيين، بل سلط الضوء على محاربة (الجهاديين) ونعني حركة حماس وتنظيم داعش الارهابي وبقية الجماعات (الجهادية).
يُظهر العمل شخصية دورن، الذي يعمل في وحدة إسرائيلية سرية تُسمى "مستعرب"، بصورة نموذجية وبشكل غير واقعي لا صلة لها بما يجري من أحداث على أرض الواقع مع الفلسطينيين. يتمتع، حسب سيناريو المسلسل، بصفات إنسانية نبيلة، يحافظ على حرمة البيوت، ولديه شهامة وأخلاق ومبادئ، ولا يقتل النساء والأطفال، ويتمتع بشجاعة ووفاء ورومانسية. وهي شخصية محورية في المسلسل مكتملة درامياً وتشبه الأبطال الخارقين في الأفلام العالمية والأبطال الشعبيين، وفي ذات الوقت هو شخصية مضطربة وقلقة وميالة للانتقام والقتل يكون سببا في خلق المشاكل دائماً، فهو متهور ولا يفكر في ما يقوم به خلال اللحظات الحرجة ليقع مع اعضاء فرقته في مشاكل بسبب روحه الانتقامية، ويعاقب عسكريا بسبب افعاله التي تضر بالمجموعة. بينما يقدم المسلسل الشخصيات الفلسطينية باعتبارهم ارهابيين، لا يتورعون من قصف المستعمرات الاسرائيلية وقتل الابرياء من النساء والاطفال، او قتل شابة رهينة اسرائيلية بعد تحريرها واعادتها الى بيتها بدم بارد.
مع كل هذا الانحياز والتبرير لفرقة (المستعرب) فان المسلسل يُظهر اعضائها في مواقف كثيرة ضعفاء، وينهارون في اللحظات الصعبة، حيث يقتل قناص اسرائيلي زميله بسبب اضطرابه خلال المواجهة مع مقاتلين من حماس، او خيانة رئيس الوحدة ايوب واعترافه باسرار خطيرة لحزب الله عندما يتم اختطافه من بروكسل الى لبنان، وكذلك فشل اسرائيل كدولة من كسب مايا، وهي من عرب 48، التي ظهرت في الموسم الرابع، وهي تسعى للاندماج بالدولة اليهودية كضابط شرطة متزوجة من زميل لها اسرائيلي يهودي، لكن الدولة تبقى تتعامل معها باعتبارها عربية وشقيقة (ارهابي)، عمر الذي يقود الاحداث، بعد اختطافه للضابط الاسرائيلي ايوب من بروكسل، للصراع مع حزب الله وإيران، وادارة دفة الأحداث بين بروكسل وإسرائيل والمناطق الفلسطينية لتنتهي في لبنان، ومثل أي دراما حركة (أكشن) مشوقة تجنح للخيال قدر الإمكان استطاع المسلسل أن يضع بطله درون وباقي الفريق في قلب الضاحية الجنوبية وفي قلب طرابلس شمالا في عملية إنقاذ لضابط أمن إسرائيلي "أيوب - غابي" الذي كان محورا لمواسم سابقة، وشخصيته المركبة انتهت في الموسم الأخير بمبالغات لا تصدق الا في افلام الخيال والبطولة المطلقة الغربية.
مسلسل (فوضى) تعرض لانتقادات عديدة أغلبها من الجانب العربي متهما طاقم العمل ومنتجيه أنه منحاز للجانب الإسرائيلي، وهذا متوقع، ومجحف بحق الفلسطينيين، وهل كان الفلسطينيين مثلا يتوقعون ان يدافع مسلسل من انتاج اسرائلي عنهم. لكن من الناحية الانتاجية فان المسلسل مصنوع بعناية ومهارة، من حيث صياغة السيناريو والاخراج والتمثيل والتصوير والمؤثرات التكميلية، وتم انتاجه باسلوب مسلسلات الحركة (الأكشن) الاميركية لجذب المشاهدين داخل اسرائيل وخارجها. اما من الناحية الدرامية فقد كان حذرا في ان يكون مباشرا في محاربة من يسمونهم بـ (الاعداء) وهم في الغالب من يطلقون على انفسهم بـالجهاديين، من مقاتلي حماس وتنظيم داعش وبقية الانتحاريين، وفي هذا الجانب كسب المشاهد العربي المحايد، او بالاقل الذين لا تجذبهم شعارات حماس، ولم يتعرض المسلسل مثلا لمنظمة فتح، او السلطة الفلسطينية التي يتعاون معها لملاحقة (الارهابيين).
واعترف المؤلفان في تصريحات صحافية بتبني الرواية الرسمية الإسرائيلية للأحداث، وانحيازهما لها، فالمحتوى ليس سرداً مشتركاً للأحداث. وقال راز في تصريحاته "نريد أن ندفع الناس لمشاهدة هذه القصة والحبكة التي نكتبها، نحن لا نسعى إلى تغيير العالم. بوسعنا السعي فقط إلى جعل الناس يتجهون إلى الحديث مع بعضهم البعض والسعي لفهم كل طرف للآخر بشكل أفضل".
مؤلف "مسلسل فوضى" والصحفي السياسي المتخصص يعترف في تصريحات صحفية بان "حل الدولتين انتهى". ويضيف (آفي) وهو متخصص بالتحليل السياسي "أن الحل انتهى لأنه لا يوجد شركاء سلام، لا يوجد شريك إسرائيلي ولا يوجد شريك فلسطيني كما يقول. أما حل الدولة الواحدة بعيد عن التحقق". ولا يرى مؤلف "فوضى" أن حكومات يمينية تسيطر على الدولة مثل حكومة نتانياهو يمكن لها أن تعطي "حقوق مدنية أو سياسية للفلسطينيين في الضفة، مما يضع الأمور رهنا للرعب القادم من الاحتمالات المفتوحة، طبعا في غياب شركاء السلام".
على الأرض، نحن أمام حالة متفجرة في الضفة الغربية يغذيها كل يمين من كل طرف، وقد وصلت الحالة ذروتها بتسليم مقاليد السلطة لليمين المتدين و "القومي" في حكومة بنيامين نتنياهو. وعلى الأرض، تبدو كل آفاق الحلول "السياسية" بعيدة جدا أمام احتقان هائل يتوالد منه غضب مستمر يغلب على المزاج العام عند كل الأطراف.
وفي تقريرها الذي نشره موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، قالت الكاتبة أورلي نوي إن المسلسل حصل على العديد من الجوائز من بين أكثر المسلسلات الدرامية الإسرائيلية نجاحا على الإطلاق، سواء في إسرائيل أو خارجها. وحقق المسلسل بأجزائه الاربعة شهرة واسعة، ونال نسب عالية من المشاهدة في العالم العربي، على رأسها لبنان ودولة الإمارات والاردن والعراق، وأصبح من أكثر المسلسلات شعبيةً في إسرائيل حيث حصل على 17 جائزة أكاديمية إسرائيلية. وواجه بالمقابل حملة انتقادات واسعة، وتهم تتعلق بتفضيل الإنسان الإسرائيلي على الفلسطيني، وحمله لقيم أخلاقية أعلى وفق ما ذكر العشرات من الناقدين العرب والفلسطينيين.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً