أمريكا وحلفاؤها يريدون تقسيم المنطقة على أساس خريطة الطاقة

28-11-2019
سعود هاشم
الكلمات الدالة أمريكا الطاقة المنطقة
A+ A-

رووداو - أربيل

بعد الحرب العالمية الأولى، انحلت ممالك ودول كبرى مثل (روسيا، ألمانيا، النمسا، هنغاريا والخلافة العثمانية) وتشكلت دول جديدة على أسس قومية (باستثناء القومية الكوردية).

تقاسمت القوى العظمى تركة الدولة العثمانية (الرجل المريض)، وتم تقسيم الشرق الأوسط على أساس اتفاقية (سايكس – بيكو) في 1916، وبعد التعديل الثاني للاتفاقية ظهرت الخريطة الحالية للدول العربية وإسرائيل مع أماكن أخرى تتمتع بأهمية جيوسياسية واقتصادية.

الهلال الخصيب

كان عالم الآثار الأمريكي (جيمس هنري برستد) أول من استخدم هذه التسمية في العام 1900. الهلال الخصيب يشير إلى الأرض التي هي الأهم والأكثر خصوبة على مستوى العالم من حيث الزراعة والتجارة والثروات الطبيعية والمياه والتاريخ والحضارة والجغرافيا السياسية و...إلخ، ويضم هذا الهلال الخصيب جنوب شرق إيران، العراق الحالي، سوريا، الأردن، فلسطين، إسرائيل ولبنان.

ولأهمية هذه المنطقة، فقد راهنت عليها القوى العظمى كثيراً، وفي فترة تقاسم المنطقة أجرت بريطانيا وفرنسا محادثات مكثفة على تقاسمها حتى توصلتا إلى الصيغة التي أنتجت الشرق الأوسط الحالي.

ولكون كوردستان الكبرى تتوسط هذا الهلال الخصيب وكانت إرادة التقسيم عند القوى العظمى وهي تتقاسم تركة الدولة العثمانية بدون مراعاة لمطالب الكورد في دولة قومية لهم، تم تقسيم كوردستان إلى أربعة أجزاء بناء على موقعها الستراتيجي واكتشاف النفط (في كركوك).

وبسبب نفط كركوك وأهمية وثراء ولاية الموصل (محافظات نينوى وكركوك وأربيل والسليمانية، حالياً) تم تعديل اتفاقية سايكس – بيكو بين بريطانيا وفرنسا للمرة الثانية وأخرجت ولاية الموصل من قبضة فرنسا لتدخل في دائرة النفوذ البريطاني لأن بريطانيا كانت قد عملت في المنطقة من خلال فريق من الخبراء الجيولوجيين ومستثمر كبير، وكانت تدرك مدى ثراء المنطقة، وتعرف أهمية المنطقة وكركوك خاصة من ناحية النفط والثروات الطبيعية.

دور النفط في تقسيم كوردستان

بعد ظهور داعش واستيلائه على مساحات واسعة وغنية بالنفط والغاز (في سوريا والعراق)، نشر داعش من خلال إعلامه صوراً لإزالة الحواجز الحدودية بين سوريا والعراق وأعلن أن اتفاقية سايكس – بيكو قد انتهت، ولو بقيت خلافة داعش ممسكة بالجغرافيا والأرض التي سيطرت عليها، لدخلت في مصاف الدول التي تمتلك احتياطياً نفطياً كبيراً وربما انضمت لأوبك.

أدرك الغرب وأمريكا خطورة ذلك، فأعلن عن التحالف الدولي بهدف إبعاد داعش عن آبار النفط في سوريا والعراق، لأن تجارة النفط ومكانة داعش الاقتصادية تنامت لدرجة أن بعض الدول أصبحت من زبائن نفطه وكانت تتعامل معه كدولة.

وبمراعاة خريطة الطاقة في المنطقة، ركزت أمريكا وحلفاؤها جهودهم على إعادة تقسيم المنطقة على أساس خريطة الطاقة، ودور هذا العامل في فرض نفوذ الدول العظمى في المنطقة ظاهر للعيان.

في بدء حملات أمريكا والحلفاء، تم مد خطوط حمر وتم إبلاغ سوريا وإيران وداعش والمعارضة السورية بأن نهر الفرات (منطقة شرق الفرات) خط أحمر، وكان ذلك أول قرار أمريكي مبني على حماية المناطق النفطية.

غرب كوردستان واتفاقيات التقسيم

في أواخر 2018، أعلنت جريدة (وول ستريت جورنال) الأمريكية أن أمريكا أعدت خريطة مشابهة لخريطة سايكس – بيكو لسوريا وللمنطقة، وخلال زيارة جون بولتن (مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق) إلى تركيا، أطلع تركيا على مضمون الخريطة التي حددت المناطق التي لا يسمح لتركيا أن تدخلها، لكن الرئيس التركي أردوغان عبر عن الامتعاض من زيارة بولتن ومن الخريطة الأمريكية معاً.

وكشفت الجريدة الأمريكية عن أن جيمس جيفري (المبعوث الأمريكي الخاص للشؤون السورية) هو من رسم الخريطة.

خريطة تركيا والخطط التركية

من خلال احتلال مساحة بعمق 32 كيلومتراً من أراضي غرب كوردستان، تكون تركيا قد سيطرت على 70% من نفط كوردستان سوريا و50% من النفط والغاز السوريين.

المنطقة الآمنة التي تنادي بها تركيا موقع غني بالثروات الطبيعية ويضم خزيناً كبيراً من النفط والغاز، وحسب تقرير (ذه ناشنال انتريست) الذي اعتمد على بيانات لجامعة دمشق، فإن حجم احتياطي هذه المنطقة من النفط يقدر بـ3.15 مليار برميل (الاحتياطي الموثق).

وتعني خطة المنطقة الآمنة التركية السيطرة على آبار نفط رميلان والسويداء والمالكية القادرة على إنتاج 200 ألف برميل نفط يومياً. تضم المنطقة 1322 بئر نفط و25 بئر غاز.

وإن نجح المخطط التركي، سيذهب قطاع النفط من كوردستان سوريا وينقطع إقليم كوردستان عن روج آفا، لكن مع التغييرات وموقف أمريكا التي أعلنت أنها ستحمي المنطقة وحقول النفط، ستستقر تركيا في رأس العين وتل أبيض ومناطق أخرى فقط، إذ تم تحديد طريقي  M4 وM5 الدوليين كخط أحمر لتركيا.

بهذا ستخضع المنطقة الممتدة من منفذ سيمالكا الحدودي (المثلث الحدودي بين العراق وتركيا وسوريا) وصولاً إلى الحقول النفطية في محافظة الرقة للنفوذ الأمريكي، أي أن الأخيرة ستسيطر على كل المصادر الطبيعية السورية بنفطها وغازها.

المثلث الحدودي والنفط

المنطقة الحدودية بين إقليم كوردستان (العراق) وتركيا وسوريا هي أكثر المناطق أهمية في المنطقة من الناحية الستراتيجية، وتحاول أمريكا وكذلك روسيا الاقتراب منها، وفي الشهر الماضي أعلنت سوريا وروسيا رسمياً أنه يجب أن تعود القوات السورية إلى منفذ سيمالكا غير الرسمي.

وتشير الدراسات الجيولوجية إلى أن المثلث الحدودي منطقة غنية بالنفط والغاز في جانبي سوريا وإقليم كوردستان، وحفرت فيها مئات آبار النفط التي مازالت منتجة.

بعد 16 أكتوبر 2017، ولأهمية المنطقة، بذل الجيش العراق والحشد الشعبي محاولات كثيرة للسيطرة على المنطقة، لكن تلك المساعي أفشلت ونجا إقليم كوردستان من حصار خطير كان سيفقده ورقتي الطاقة والجغرافيا الستراتيجية.

تحاول روسيا منذ خمس سنوات الوصول إلى المثلث الحدودي بين سوريا وتركيا وإقليم كوردستان، وزار خبراء جيولوجيون ونفطيون من شركة روسنفت المنطقة عدة مرات وأجروا مسوحاً ميدانية لها.

طلبت الشركات النفطية الروسية وخاصة روسنفت عدداً من حقول النفط الحدودية من حكومة إقليم كوردستان، لكن لم يتم بعد أي اتفاق للاستثمار في الحقول الحدودية لإقليم كوردستان مع سوريا والمناطق الأخرى الواقعة تحت سيطرة العراق.

المنافذ والخطوط النفطية في الخريطة الجديدة

لتركيا دور هام في نقل الطاقة العالمية حالياً، وتعامل كممر دولي وبوابة هامة للطاقة الدولية بين أوروبا والشرق الأوسط، ويمر النفط المصدر إلى أوروبا عبر الأراضي التركية بصورة يومية.

تبذل تركيا مساعي كثيرة للبقاء كبوابة وحيدة لنقل النفط والغاز الطبيعي، وعدم خسارة مكانتها الستراتيجية، لأن هذه المكانة الستراتيجية هي التي تؤهل تركيا لرفع سقف مطالبها في مواجهة كل من أوروبا وأمريكا وتتصلب في مواقفها من القضايا الدولية والإقليمية.

تسعى أمريكا والدول الأوروبية للعثور على ممر آخر لتصدير النفط والغاز بعيد عن تركيا، والأردن وحده يستطيع أن يضطلع بهذا الدور، لأن النظام السياسي فيه مستقر وله مكانة قوية إقليمياً وسياسة خارجية متوازنة تجاه أمريكا وبريطانيا وإسرائيل والدول الأوروبية، ولهذا يعمل العراق على إحياء مشروع من هذا النوع خاصة بعد مشاكل مضيق هرمز بين إيران وأمريكا والسعودية وخلق مشاكل تعترض سبيل ناقلات النفط.

لمشروع نقل نفط العراق وإقليم كوردستان دور هام في توفير الطاقة عالمياً وتنحية النفوذ التركي والمزيد من الاستقلالية لتصدير وبيع النفط والغاز.

من جهتها، تبذل روسيا مساعي جادة لفرض نفوذها على تصدير الغاز الطبيعي العراقي.

بعد هزيمة داعش، زادت الصورة وضوحاً، وتبينت أسباب التركيز على المناطق الستراتيجية والثرية، ربما تكون الصورة الآن أوضح قليلاً وتبين أن قسماً من الصراعات كان حرباً ستراتيجية للعثور على ممرات التصدير وخاصة لتصدير الغاز الطبيعي، بينما كانت قطر تحاول منذ زمن بعيد إيصال الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر أنابيب، لأن نقل الغاز بواسطة الناقلات مكلف جداً وأرباحه قليلة.

وربما كانت هذه الرغبة القطرية في تصدير الغاز نواة الخطة القائمة بين تركيا وإيران وقطر، وهي التي قربتهم سياسياً إلى حد بعيد، لكن ما مدى احتمال تحقيق ذلك المشروع؟ هذا مرتبط بمكانة إيران وتركيا في المنطقة وبالتغيرات التي تطرأ على المعادلات السياسية.

بإمكاننا القول إنه بعد القضاء على داعش ستعود دول كروسيا والولايات المتحدة، مثلما حصل بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، إلى محاولة إعادة تنظيم خريطة المنطقة، لكن التقسيم هذه المرة سيقوم على أساس خريطة الطاقة في المنطقة والاحتياطي النفطي والثروات الطبيعية للمناطق وستنال كل دولة عظمى حصتها من الكعكة ويمكن أن نصف الخريطة هذه المرة بخريطة (سايكس بيترو) بدلاً عن (سايكس بيكو).

* مدير معهد كوردستان للطاقة

 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

براميل نفط - تعبيرية

أسعار النفط تستقر تحت انتظار تأثير الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة

استقرت أسعار النفط، اليوم الأربعاء (27 آب 2025)، بعد أن سجلت أكبر تراجع لها منذ أوائل آب، في وقت يقيّم فيه المستثمرون تأثير الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة على الهند ومخاوف من تخمة المعروض في الأسواق.