الليرة التركية بين السياسة والاقتصاد

02-06-2018
رووداو
الكلمات الدالة تركيا الليرة التركية الاقتصاد
A+ A-

بقلم: كاردو كمال

تحولت الليرة التركية بصورة سريعة إلى مادة الحديث والبحث بين عامة الشعب التركي والعنوان الرئيس في الجرائد التركية والعالمية، والسؤال الذي تطرحه الغالبية من الناس والمستثمرين، هو لماذا لم تتدهور الليرة التركية هكذا على مدى خمسة عشر عاماً مضين، ولماذا شهد الاقتصاد التركي أكبر نمو له منذ أن وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة؟

هل لانهيار الليرة علاقة بتدهور الوضع الاقتصادي في تركيا، أم هي مؤامرة لإبعاد حزب العدالة والتنمية عن السلطة؟

ما السبب الذي جعل البنية التحتية للاقتصاد التركي لا تستطيع الصمود؟

هناك عوامل داخلية وخارجية سياسية واقتصادية أدت إلى انهيار الليرة التركية.

ويعد ارتفاع نسبة التضخم واحداً من العوامل الاقتصادية التي أدت إلى انهيار الليرة التركية، حيث تفيد البيانات الإحصائية أن نسبة التضخم في تركيا بلغت في شهر أيار المنصرم 10.85% في حين أن نسب الفائدة في البلد هي أدنى من نسبة التضخم هذه، لذا فإن المواطن العادي أو المستثمر، حين يودع ماله في البنوك، وبدلاً من أن يزيد ماله بفضل الفائدة، فإنه يقل، لأن زيادة تدهور قيمة العملة أكبر من نسبة الفائدة التي يحصل عليها، الأمر الذي اضطر البنك المركزي التركي إلى اتخاذ قرار رفع نسب الفائدة 300 نقطة رئيسة، لكي تعمل من خلال رفع الفائدة المصرفية على جذب المزيد من الأموال إلى البنوك وتقلل من نسبة الفائدة بذلك، وسيكون لهذا تأثير على ارتفاع قيمة الليرة من جديد، لكن قرار هذا البنك لم يرفع من قيمة الليرة إلا لساعات معدودات لتنخفض قيمتها من جديد، بحيث بات الدولار الواحد يعادل أربع ليرات و81 قرشاً.

العجز في الميزان التجاري التركي يعتبر عاملاً آخر من العوامل التي أدت إلى انهيار الليرة، حيث تشير الإحصائيات إلى أنه خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، شهد الميزان التجاري التركي عجزاً بقيمة 16.4 مليار دولار، في حين كان هذا العجز في نفس الأشهر من العام الماضي 8.4 مليار دولار، ما يعني زيادة في السلع التي تستوردها تركيا لقاء نقص في السلع التي تصدرها.

ويرتبط انهيار الليرة في قسم آخر منه بآلية عمل الأسواق النامية التي لم يكن أسلوبها في اجتذاب رؤوس الأموال عن طريق البنوك فاعلاً منذ البداية.

كانت نسبة الفوائد المصرفية في الولايات المتحدة الأمريكية في السنوات الماضية تتراوح بين 0.15% إلى 0.25%، لذا كان قسم كبير من صناديق الاستثمار في الدول النامية كتركيا وشركاتها تقترض من البنوك الأمريكية بنسب فائدة منخفضة، وتستثمر في المجالات المالية التركية ذات نسب الفائدة العالية، وكان ذلك تجارة مربحة للمستثمرين والحكومة التركية، لكن بعد تولي ترمب السلطة في الولايات المتحدة وانخفاض نسبة البطالة في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوياتها  في تاريخ أمريكا، وتوفير أكبر عدد من فرص العمل فيها، قرر البنك الفدرالي الأمريكي التوقف عن انتهاج سياسة دعم العملة، ورفعَ أسعار الفائدة، حتى بلغت نسب الفائدة خلال هذا العام 1.75% ومن المقرر أن يرفع البنك الفدرالي نسبة الفائدة ثلاث مرات أخر خلال هذا العام.

مع ارتفاع نسبة الفائدة على الأموال التي اقترضتها في السابق دول نامية كتركيا، ارتفعت تكاليف تلك القروض، أي أنه بات لزاماً على تركيا أن تدفع المزيد من الأموال، هذا بالإضافة إلى أن المشاكل الجيوسياسية الداخلية التركية والمشاكل القائمة بين رئيس الجمهورية والبنك المركزي التركيين، أدت إلى إضعاف ثقة المستثمرين بالاقتصاد التركي، ورفع نسبة الفائدة من قبل البنك الفدرالي الأمريكي سيؤدي إلى انتقال الكثير من رؤوس الأموال من تركيا وسائر الدول النامية إلى أمريكا، وهكذا فإن تركيا تتضرر مرتين، ولهذا فإن الضغوط على الليرة تزداد شيئاً فشيئاً.

مبادلة الائتمان الاقتراضي (credit default swap) تمثل خطراً على الليرة، فقد بلغت كمية هذا الائتمان 275 نقطة رئيسة، وهذا يخبرنا بأن قدرة أسواق تركيا على اجتذاب الأموال انخفضت من جهة، كما ارتفعت تكاليف القروض التركية من جهة أخرى.

وتكشف البيانات عن أن حجم القروض الخارجية التركية يبلغ 430 مليار دولار، منها 283 مليار دولار قروض على شركات القطاع الخاص، ومنذ أن تولى حزب العدالة والتنمية حتى العام الحالي، زاد حجم الديون التركية بمقدار 130 مليار دولار، وهذا يخبرنا بأن نمو الاقتصاد التركي لم يكن نتيجة لقوة الانتاج التركي، بل كان بفضل دعم تلك القروض الخارجية التي خففت العبء عن تركيا حتى الآن وكانت السبب في هبوط قيمة الليرة.

ويتوقع قسم كبير من الوكالات، مثل وكالة فيتش، التي تقوم بتقييم اقتصاديات الدول، أنه في حال إعادة انتخاب رجب طيب أردوغان رئيساً لتركيا وسيطرته على المفاصل الرئيسة للاقتصاد التركي وإنهاء استقلالية البنك المركزي، فإن الوضع الاقتصادي التركي سيزيد تدهوراً.

ويعزو عدد من الخبراء الاقتصاديين تدهور قيمة الليرة التركية إلى "مؤامرة" حاكها أعداء تركيا الذين لا يريدون أن ينمو الاقتصاد التركي ويعملون على خلق مشاكل داخلية لتركيا، لكن هذه رؤية خاطئة، وتلحق ضرراً من نوع ما باقتصاد تركيا، لأن المستثمر حينها سيرى أن تركيات تُحارَب من الجانبين السياسي والاقتصادي وسيؤدي بالتالي إلى هجرة رؤوس الأموال من البلد.

في استطلاع للرأي أجري في تركيا حول أسباب تدهور قيمة الليرة، رأى 40% أن السبب هو يد خارجية، وكانت نسبة مؤيدي حزب العدالة والتنمية بين الذين رأوا هذا الرأي 58%.

وكان لوكالات تحديد التصنيف الاقتصادي تأثير قوي على انهيار الليرة، حيث أنها خفضت من تسلسل تركيا ضمن التصنيف باستمرار، ما خلق نوعاً من القلق للمستثمرين ودفعهم إلى نقل رؤوس أموالهم إلى خارجها.

رغم أن نسبة النمو الاقتصادي التركي بلغت 7.4% في السنة الماضية، مازالت هناك مشاكل هيكلية تواجه اقتصاد البلد باستمرار، ومع أن الحكومة حاولت باستمرار زيادة مصادر الدخل وإيجاد أسواق جديدة لسلعها ولفت أنظار الاستثمار إليها، لكن إحصائيات الاستثمار التركي، رغم المساعي التي بذلت في السنوات الستة الأخيرة، تقول إن عوامل سياسية واقتصادية أجبرت 18000 مليونير أجنبي إلى الرحيل عن تركيا.

معارضة أردوغان لرفع نسب الفائدة، تساعد المواطنين على الاستثمار من خلال قروض مصرفية، الأمر الذي سيزيد من فرص العمل ويسرع تدوير الليرة التركية في السوق، بفضل زيادة معاملات البيع والشراء. هكذا يدير أردوغان الأمور، لكن المشكلة هنا تكمن في أن انتهاج هذه السياسة في ظل ارتفاع نسبة التضخم، سيؤدي إلى ارتفاع الطلب على العملة الأجنبية وبالتالي يرفع من قيمتها على حساب الليرة.

في حين أن رفع نسبة الفائدة المصرفية سيؤدي إلى ارتفاع طلب المواطنين على العملة المحلية، ما سيرفع من قيمة الليرة مقابل الدولار، لكنه يلحق الضرر بالاستثمار وبالانتاج المحلي، ويرفع من نسب البطالة.

تمضي تركيا حالياً باتجاه انتخابات برلمانية ورئاسية ستؤثر على طريقة إدارة البلد، وسيكون هناك نظام جديد يؤثر بصورة مباشرة على السياسات الخارجية والاقتصادية التركية، الأمر الذي يثير مخاوف لدى المستثمرين والدول، خاصة وأن تركيا تمر الآن بمشاكل مع أمريكا وإسرائيل وألمانيا، وهذه كلها عوامل تؤثر على انهيار قيمة الليرة التركية في الأسواق العالمية.


تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب